وسط لهيب وأتربة التفجيرات التي تلف الصحراء بستار سميك أصفر اللون كالذي يغطي سماء العراق عادة خلال العواصف الترابية التي تشهدها البلاد مرارا، يحاول إبراهيم حمل زميله المصاب وسط المدرعات المحطمة وجثث رفاق الميدان.
فيلم "تحت رمال بابل"وعن سبب تطرقه إلى الماضي، يقول المخرج
يحمل المشاهد إلى عراق عام 1991 أثناء انهزام جيش المقبور صدام حسين بعد غزو الكويت وبداية الانتفاضة ضد نظامه والتي شجع عليها الأميركان قبل أن يتخلوا عن وعودهم بمساندة الثوار ويتركوهم وحدهم يواجهون بطش النظام المخلوع وفتكه بهم.
الفيلم الجديد للمخرج العراقي الشاب محمد جبارة الدراجي جاء عرضه العالمي الأول خلال الدورة السابعة لمهرجان أبوظبي السينمائي.
يحكي قصة إبراهيم الجندي العراقي الذي عاد من الكويت مع انسحاب الجيش..
مواجها الصحراء وأخطارها بينما يحمل رفيقه هو الطريق الوحيد أمامه للعودة إلى الزوجة والأم والطفل الذي سيولد بين لحظة وأخرى.
وعندما يجد سيارة جيش تمر في الصحراء يهرع تاركا صديقه لما يظن أنها دقائق إلى من يظن أنهم خلاصه وخلاص زميله من لهيب الصحراء.
لكنه يقع في جحيم أكبر عندما يرفض الضباط أن يصدقوا أنه محارب ويتهمونه بالخيانة وبأنه من المتمردين ويزجون به في السجن ليلاقي هو والكثيرون غيره أشد أنواع التعذيب والمهانة.
وبينما يواجه إبراهيم مصيرا يبدو محتوما، ينتفض الشعب العراقي خارج أسوار السجن معطين نفحة أمل للمعتقلين بأن الحرية التي يحلمون بها في متناول أيدهم.
.................
في محاولة للبحث عن أجوبة للماضي من "أجل غسل الحاضر والمستقبل من غبار العهد المنصرم"، يدخل المخرج في فيلمه ليقابل في عام 2013 ثلاثة رجال ممن نجوا من الإعدام بالرصاص بعد أن تركهم جنود صدام في المقابر الجماعية في بابل معتقدين أنهم لفظوا أنفاسهم.
ويمزج الفيلم بين الروائي والوثائقي عن طريق ثلاث شخصيات حقيقية تتحدث إلى الكاميرا بوجوه شبه مخبئة، وبعيون تنظر إلى الأفق كأنها لا تريد أن تواجه الواقع وبأصوات ترتعش بالشجن والألم كأنها تعيش آلام الماضي واغتصاب إنسانيتهم مرة أخرى.
يسرد كل منهم قصته منفردا حتى يجتمعون في لحظة معينة في الفيلم ليرمز بقاؤهم على قيد الحياة إلى الانتصار على البطش والظلم والقمع من قبل نظام يعد هو الاكثر وحشية
"لا يمكن فصل الماضي عن الحاضر، فإن آلام العراق ومعاناته الحالية هي نتاج لكل ما مر به في الماضي ولا يجب أن ننسى ذلك".
ويقول الدراجي أن فيلمه من أجل "الناس المنسيين الذين حاربوا وضحوا من أجل العراق،
وعن تكرار اسم مدينة بابل في اعماله ،
يقول الدراجي إن "لبابل رمزية كبيرة لدى الشعب العراقي، وتظهر كيف يحول الديكتاتور الجمال إلى قبح،
فبعد أن كانت بابل رمزا للحضارة من خلال آثارها
أصبحت رمزاً للموت والقمع، بعد أن حولها النظام الماضي إلى مركز للمعتقلات والمقابر الجماعية".