مقتطفات من محاضرة الأستاذ بناهيان بين 250 نفر من الفنانين والناشطين في الفن العازمين على مسيرة الأربعين
مضافا إلى الأبعاد الاجتماعية والآثار العظيمة التي تتركها زيارة كربلاء الحسين (عليه السلام) وخاصة في أيام الأربعين، تنطوي هذه الزيارة المباركة على آثار ونتائج معنوية ينبغي أن ينتبه إليها زوار الحسين ومن شدّ الرحال لزيارة كربلاء.
لابد لنا جميعا أن نفهم عن عمق سبب قيمة زيارة قبر أبي عبد الله (عليه السلام) وأهميتها. إن فهم هذه الحقيقة عن عمق، هو بحد ذاته شرف وتوفيق عظيم من الله، حيث من شأنه أن يُتَمنّى هذا الوعي من الله إذ لا يحصل بالدراسة والتحقيق وحسب. بإمكاننا أن نطالع روايات في هذا المجال، أما أن ننال الفهم العميق في هذه المسألة فهو توفيق خاص.
على سبيل المثال كان حديث الإمام الخميني (قدس سره) حول عظمة إقامة العزاء على الحسين وأهمية خروج مواكب العزاء حديثا يختلف عن غيره. يشعر الإنسان أن كثيرا من الناس لم يستطيعوا أن يعوا هذه العظمة بوضوع وعمق. كأنت نطرة الإمام ورؤيته تجاه المآتم والمواكب خارجة عن نطاق الألفاظ والكلمات. إن أقوال الإمام مليئة باعترافه وإقراره بعدم إمكان وصف الآثار والنتائج العظيمة المترتبة على إقامة عزاء الحسين (عليه السلام).
مجموعة من أجمل نوايا زوار أبي عبد الله (ع) في كلام الإمام الصادق (ع)
تعلمون أن روايات أهل البيت (ع) في مقام الدعاء تتصف بشأن ومقام خاص، كما أنها تتضمن بعض المعارف العالية التي قد لا نجدها في كثير من الروايات الأخرى. إن هذه الأدعية الثمينة في الوقع عصارة باقي أحاديث أهل البيت (عليهم السلام). في رواية قيمة جدا عن الإمام الصادق (عليه السلام)، يدعوا الإمام لزائري قبر الإمام الحسين (عليه السلام) وفي مطلعه يشير الإمام (عليه السلام) بصيغة الدعاء إلى مجموعة من أجمل وأفضل النوايا التي يحملها زائروا قبر أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) في رحلتهم إلى كربلاء.
إني قد أشرت إلى هذه الرواية في محاضرات عديدة، ولكن بودّي أن أقرأ نصها الكامل عليكم باعتباركم شادين الرحال لهذا السفر النوراني. ومن خلال إمعان النظر في نص دعاء الإمام الصادق (ع) تستطيعون أن تدركوا مدى أهمية زيارة أبي عبد الله (عليه السلام) ومختلف أبعادها.
«عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ وَهْبٍ قَالَ: اسْتَأْذَنْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع فَقِيلَ لِي ادْخُلْ فَدَخَلْتُ فَوَجَدْتُهُ فِي مُصَلَّاهُ فِي بَيْتِهِ فَجَلَسْتُ حَتَّى قَضَى صَلَاتَهُ فَسَمِعْتُهُ وَ هُوَ يُنَاجِي رَبَّهُ وَ يَقُولُ... » (الكافي/ج4/ص582)
«يَا مَنْ خَصَّنَا بِالْكَرَامَةِ وَ خَصَّنَا بِالْوَصِيَّةِ وَ وَعَدَنَا الشَّفَاعَةَ وَ أَعْطَانَا عِلْمَ مَا مَضَى وَ مَا بَقِيَ وَ جَعَلَ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْنَا، اغْفِرْ لِي وَ لِإِخْوَانِي وَ لِزُوَّارِ قَبْرِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنِ ع الَّذِينَ أَنْفَقُوا أَمْوَالَهُمْ وَ أَشْخَصُوا أَبْدَانَهُمْ رَغْبَةً ...» رغبة في ماذا؟ وما هي دوافعهم ومحفزاتهم في رحلتهم هذه؟
«رَغْبَةً فِي بِرِّنَا»؛ أي ليحسنوا إلينا أهل البيت. طبعا نحن أقل شأنا وأحقر قدرا من أن نحسن إلى أهل البيت (عليهم السلام). إن هذا الكلام يشبه قول الله عز وجل حيث قال: هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلاَّ الْإِحْسانُ (رحمان/60)، مع أنه كيف يتسنى لنا أن نحسن إلى الله، إلّا أن يعدّ الله أعملنا الصالحة إحسانا إليه بلطفه وفضله.
«وَ رَجَاءً لِمَا عِنْدَكَ فِي صِلَتِنَا»، إنهم يرجون أجرك وثوابك الخاص الذي تعطيهم بسبب صلتهم واتصالهم بنا. فالإمام قد اعتبر هذه الزيارة صلة بأهل البيت (عليه السلام).
«وَ سُرُوراً أَدْخَلُوهُ عَلَى نَبِيِّكَ صَلَوَاتُكَ عَلَيْهِ وَ آلِهِ» وهذا يدل على أن زوار قبر الإمام الحسين (عليه السلام) يدخلون السرور على قلب النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) وهذا أمر مهم وثمين جدا.
«وَ إِجَابَةً مِنْهُمْ لِأَمْرِنَا» مما يدعو للابتهاج والشعور بالسعادة جدا هو أن تعتبر زيارة قبر أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) بمثابة تلبية الحسين (عليه السلام)، أي الشعار الذي يهتف به زوار أبي عبد الله عند دخولهم الحرم (عليه السلام) حيث ينادون ويصرخون لبيك يا حسين.
«وَ غَيْظاً أَدْخَلُوهُ عَلَى عَدُوِّنَا»؛ حيث إنهم عزموا على هذه الزيارة ليغيظوا أعداءنا، و أنتم تشاهدون مدى الغيظ والحقد الذي يعتري قلوب الأعداء من هذه الزيارة، وبالتأكيد إن غيظهم هذا سيعجل بهلاكهم.
«أَرَادُوا بِذَلِكَ رِضَاكَ»؛ وفي آخر المطاف، إن كسب رضا الله يمثل الذروة والقمة لكل هذه الدوافع والنوايا.
يتبع إن شاء الله...