روي عن شخص انه قال:
ضعت في الصحراء مع صديق لي, فرأينا في جهة اليمين خيمة فدنونا منها وسلمنا من بعيد فخرجت لنا أمرأة مسَتّرة فردّت علينا السلام وقالت: من انتم؟
قلنا: نحن مسافرون ضللنا الطريق فلجأنا الى هذه الخيمة عسى أن تدلُّونا.
فقالت المرأة: اذن اديروا وجوهكم حتى لايقع نظركم عليّ, لأُهييء لكم مستلزمات الضيافة.
ففرشت لنا بساطاً وقالت: اجلسوا عليه حتى يرجع ولدي ويضيفكم.
فتأخر ولدها وبين فترة واخرى كانت ترفع طرف الخيمة وتنظر الى الصحراء عسى أن يرجع ولدها. وفي احدى المّرات رفعت طرف الخيمة وقالت:
ادعو من الله ان يكون مقدم هذا الراكب خيراً, فان هذا الجمل جمل ابني, ولكن الراكب غيره, فوصل الرجل ووقف على باب الخيمة وقال:
ياام عقيل عظم الله لك الاجر بمصاب ابنك عقيل.
فسألته المرأة: هل مات ابني عقيل؟
قال: نعم!
قالت: وماسبب موته؟
قال: تزاحمت الابل على الماء والقته في البئر!
قالت: انزل الآن وضيف هؤلاء!
فاعدت لـه شاة فذبحها وطبخ منها وجاءنا بالطعام فبدأنا نأكل ونحن مندهشين ومتعجبين من صبر هذه المرأة وبعد أن اتممنا الطعام, جاءت المرأة وقالت:
هل تحفظون شيئاً من القرآن؟
قلت: نعم!
قالت: اقرأ ما يهوّن عليّ مصيبتي.
قلت: قال الله تعالى:
(و بشر الصابرين الذين اذا اصابتهم مصيبة قالوا انا لله وانا اليه راجعون اولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة واولئك هم المهتدون)
فعندما سمعت المرأة الآية قالت: اقسم بالله عليك! هذه الآية كما قلتها في القرآن؟
قلت: والله! انها هكذا في القرآن.
قالت: رحمك الله!
ثم قامت وصلت ورفعت يديها بالدعاء وقالت:
اللهم! لقد ادّيت ما امرتني من الصبر في المصيبة فاوف لي بما وعدتني.
ثم قالت: لو بقي احد لاحد لبقي...
يقول الراوي قلت في نفسي انها تريد أن تقول لبقي ابني لي لاني بحاجة اليه ولكنها اكملت كلامها قائلة لبقي محمد(ص) خالداً لامته.
قال: ثم خرجنا من الخيمة فقلت في نفسي:
لم أرَ افضل من هذه المرأة الصابرة المحتسبة.