قال تعالى : «لما بلغ معه السعي قال يا بني اني ارى في المنام اني اذبحك فانظر ماذا ترى قال يا ابت افعل ما تؤمر ستجدني ان شاء الله من الصابرين» .
لما بلغ النبي اسماعيل(ع) السعي وشب واخذ يسعى ويمشي ويتصرف تصرف الرجال ويعين اباه على اموره ، قالوا كان عمره يومئذ ثلاث عشرة سنة راى ابراهيم عليه السلام في المنام انه يذبحه «والمعروف ان منام الانبياء لا تكون الا صحيحة» ، وقال لولده اسماعيل يا بني اني رايت رؤيا وتاويلها الامر بذبحك ماذا تقول ؟ قال اسماعيل لابيه ، الراي رايك يا ابتي وافعل ما امرك الله ، وسلم امره الى ابيه واستسلم للذبح .
بعد ذلك هيا اسباب الذبح واستعد لذلك وادى ابراهيم مناسك حجه ، فلما فرغ من السعي وكان معه ولده اسماعيل ، ذهبا الى منى يوم النحر «كان ذلك يوم العيد في العاشر من ذي الحجة» ، فلما انتهى به الى الجمرة الوسطى اضجعه لجنبه الايسر واخذ السكين ليذبحه سمع نداء من السماء يقول «ان يا ابراهيم قد صدقت الرؤيا» لا تذبح ابنك ، عند ذلك جاءه جبرئيل عليه السلام ومعه كبش عظيم من السماء وقال له خذ هذا الكبش واذبحه بدل ابنك وقد نجحت في الامتحان وامتثلت ما امرك الله به ، فاخذ الكبش وذبحه وتصدق بلحمه .
«وفديناه بكبش عظيم» .
قصة ذبح اسماعيل عليه هذه مليئة بالمعاني العميقة والعبارات الدقيقة التي جرت بين الاب والابن ، ونرى فيها مصداق الابن لابيه والمطيع لمولاه .
فمن جهة نرى الاب يصارح ولده البالغ من العمر «13» عاما بقضية الذبح ، ويطلب منه اعطاء رايه فيها ، فيقول له : «يا ابت افعل ما تؤمر ستجدني ان شاء الله من الصابرين» فانني مستسلم لهذا الامر .
ومن جهة اخرى ، ساعد والده في تنفيذ هذا الامر الالهي ، وعمل على تقليل الم وحزن والدته .
فعندما اخذه والده للذبح ، قال اسماعيل لوالده : يا ابت ، احكم من شد الحبل كي لا تتحرك يدي ورجلي اثناء تنفيد الامر الالهي ، اخاف ان يقلل ذلك من مقدار الجزاء الذي ساناله .
وقال : والدي العزيز اشحذ السكين جيدا ، وامرره بسرعة على رقبتي كي يكون تحمل الم الذبح سهلا بالنسبة لي ولك .
والدي قبل ذبحي اخلع ثوبي من على جسدي كي لا يتلوث بالدم ، لاني اخاف ان تراه والدتي وتفقد عنان صبرها .
ثم قال : اوصل سلامي الى والدتي ، وان لم يكن هناك مانع اوصل ثوبي اليها كي يسلي خواطرها ويهدئ من الامها .
ولما قربت اللحظات الحساسة ولحظات الوداع ، احتضن ابراهيم عليه السلام ولده اسماعيل عليه السلام وقبل وجهه وبكى الاثنان ، ووضع جبين ولده ـ طبقا لاقتراحه ـ على الارض ـ حتى لاتقع عيناه على وجه ابنه فتهيج عنده عاطفة الابوة وتمنعه من تنفيذ الامر الالهي .
على اي حال وضع السكين على رقبة ابنه ومررها بسرعة وقوة وروحه تعيش حالة الهيجان ، وحب الله كان الشيء الوحيد الذي يدفعه الى تنفيذ الامر ومن دون اي تردد .
الا ان السكين الحادة لم تترك ادنى اثر على رقبة اسماعيل اللطيفة ، وهنا غرق ابراهيم في حيرته ، ومرر السكين مرة اخرى على رقبة ولده ، ولكنها لم تؤثر بشيء كالمرة السابقة .
نعم ، فابراهيم الخليل يقول السكين : اذبحي ، لكن الله الجليل يعطي اوامره للسكين ان لا تذبحي ، والسكين لا تستجيب سوى لاوامر الباري عز وجل .
وهنا ياتي القران وينهي كل حالات الانتظار ويبشر بنجاح الامتحان ويقول بعبارات قصيرة مليئة بالمعاني العميقة : «وناديناه ان يا ابراهيم ، قد صدقت الرءيا انا كذلك نجزي المحسنين ، ان هذا لهو البلاء المبين وفديناه بذبح عظيم ... سلام على ابراهيم ...».
نعم ، الذي يستسلم من اسفل قدمه الى اعلى راسه للامر الالهي ، واحسانه في سبيل الله يصل الى اقصى درجات التضحية والفداء ، لا يمكن مكافاته باقل من هذا ، لذا فقد ورد في بعض الروايات ان جبرئيل هتف «الله اكبر ، الله اكبر» اثناء عملية الذبح لتعجبه ، فيما هتف اسماعيل عليه السلام «لا اله الا الله ، والله اكبر» ، ثم قال ابراهيم عليه السلام : «الله اكبر ولله الحمد» .
وهذه العبارات تشبه التكبيرات التي يرددها الحجاج في يوم عيد الاضحى ، وغير الحجاج كذلك في اقطار العالم .
ومن اجل تحقق امنية ابراهيم عليه السلام في تقديم القربان لله عز وجل ، بعث الله كبشا كبيرا الى ابراهيم ليذبحه بدلا عن ابنه اسماعيل ، ولتصير سنة للاجيال القادمة التي تشارك في مراسم الحج في كل عام .
التضحية والنجاح الذي حققه الاب المحسن في الامتحان الصعب واطاعة الابن البار الصابر المحتسب لله ، ستبقى خالدة حتى تقوم القيامة ، ويبقى موعظة على مدى الاجيال ، وقدوة لكل الطاهرين .