عن أبي بصير عن أبي عبدالله عليه السلام قال : سألته عن بلية أيوب عليه السلام التي ابتلي بها في الدنيا لاي علة كانت ؟ قال : لنعمة أنعم الله عليه بها في الدنيا وأدى شكرها ، وكان في ذلك الزمان لا يحجب إبليس عن دون العرش ، فلما صعد ورأى شكر نعمة أيوب حسده إبليس فقال : يارب إن أيوب لم يؤد إليك شكر هذه النعمة إلا بما أعطيته من الدنيا ، ولو حرمته دنياه ما أدى إليك شكر نعمة أبدا ، فسلطني على دنياه حتى تعلم أنه لا يؤدي إليك شكر نعمة أبدا ، فقيل له : قد سلطتك على ماله وولده ، قال : فانحدر إبليس فلم يبق له مالا ولا ولدا إلا أعطبه ، فازداد أيوب لله شكرا وحمدا ، فقال : فسلطني على زرعه يارب ، قال : قد فعلت ، فجاء مع شياطينه فنفخ فيه فاحترق ، فازداد أيوب لله شكرا وحمدا ، فقال : يارب سلطني على غنمه ، فسلطه على غنمه فأهلكها فازداد أيوب لله شكرا وحمدا ، فقال :

يارب سلطني على بدنه ، فسلطه على بدنه ماخلا عقله وعينيه فنفخ فيه إبليس فصار قرحة واحدة من قرنه إلى قدمه ، فبقي في ذلك دهرا طويلا يحمد الله ويشكره حتى وقع في بدنه الدود ، و كانت تخرج من بدنه فيردها ويقول لها : ارجعي إلى موضعك الذي خلقك الله منه ، ونتن حتى أخرجه أهل القرية من القرية وألقوه على المزبلة خارج القرية ، وكانت امرأته رحمة بنت يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الله صلى الله عليهم وعليها تتصدق من الناس وتأتيه بما تجده .
قال : فلما طال عليه البلاء ورأى إبليس صبره أتى أصحابا له كانوا رهبانا في الجبال وقال لهم : مروا بنا إلى هذا العبد المبتلى فنسأله عن بليته ، فركبوا بغالا شهبا وجاؤوا ، فلما دنوا منه نفرت بغالهم من نتن ريحه ، فقرنوا بعضا إلى بعض ثم مشوا إليه ، وكان فيهم شاب حدث السن فقعدوا إليه فقالوا : يا أيوب لو أخبرتنا بذنبك لعل الله كان يهلكنا إذا سألناه وما نرى ابتلاءك بهذا البلاء الذي لم يتبل به أحد إلا من أمر كنت تستره ، فقال أيوب : وعزة ربي إنه ليعلم أني ما أكلت طعاما إلا ويتيم أوضعيف يأكل معي ، وما عرض لي أمران كلاهما طاعة لله إلا أخذت بأشدهما على بدني ، فقال الشاب : سوأة لكم عمدتم إلى نبي الله فعيرتموه حتى أظره من عبادة ربه ما كان يسترها ؟ فقال أيوب : يارب لو جلست مجلس الحكم منك لادليت بحجتي ، فبعث الله إليه غمامة فقال : يا أيوب أدلني بحجتك فقد أقعدتك مقعد الحكم وها أناذا قريب ولم أزل ، فقال : يارب إنك لتعلم أنه لم يعرض لي أمران قط كلاهما لك طاعة إلا أخذت بأشدهما على نفسي ، ألم أحمدك ؟ ألم أشكرك ؟ ألم اسبحك ؟ قال : فنودي من الغمامة بعشرة آلاف لسان : يا أيوب من صيرك تعبد الله والناس عنه غافلون ؟ وتحمده وتسبحه وتكبره والناس عنه غافلون ؟ أتمن على الله بما لله المن فيه عليك ؟ .
قال : فأخذ أيوب التراب فوضعه في فيه ، ثم قال : لك العتبى يارب أنت الذي فعلت ذلك بي ، قال : فأنزل الله عليه ملكا فركض برجله فخرج الماء فغسله بذلك الماء ، فعاد أحسن ما كان وأطرأ ، وأنبت الله عليه روضة خضراء ، ورد عليه أهله وماله وولده وزرعه ، وقعد معه الملك يحدثه ويؤنسه ، فأقبلت امرأته ومعها الكسر فلما انتهت إلى الموضع إذا الموضع متغير وإذا رجلان جالسان ، فبكت وصاحت وقالت : يا أيوب مادهاك ؟ فناداها أيوب فأقبلت فلما رأته وقد رد الله عليه بدنه ونعمته سجدت لله شكرا ، فرأى ذوائبها مقطوعة ، وذلك أنها سألت قوما أن يعطوها ماتحمله إلى أيوب من الطعام وكانت حسنة الذؤابة فقالوا لها : تبيعينا ذؤابتك هذه حتى نعطيك ، فقطعتها و دفعتها إليهم ، وأخذت منهم طعاما لايوب ، فلما رآها مقطوعة الشعر غضب وحلف عليها أن يضربها مائة ، فأخبرته أنه كان سببه كيت وكيت فاغتم أيوب من ذلك ، فأوحى الله إليه : " وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث " فأخذ مائة شمراخ فضربها ضربة واحدة ، فخرج من يمينه .
ثم قال : " ووهبنا له أهله ومثلهم معهم رحمة منا وذكرى لاولي الالباب " قال : فرد الله عليه أهله الذين ماتوا قبل البلية ، ورد عليه أهله الذين ماتوا بعد ما أصابهم البلاء كلهم أحياهم الله تعالى له فعاشوا معه .
وسئل أيوب بعد ما عافاه الله : أي شئ كان أشد عليك مما مر عليك ؟ قال : شماتة الاعداء ، قال فأمطر الله عليه في داره فراش الذهب وكان يجمعه فإذا ذهب الريح منه بشئ عدا خلفه فرده ، فقال له جبرئيل : ما تشبع ياأيوب ؟ قال : ومن يشبع من رزق ربه ؟ .