ما لا يعرفه خبراء المجاري في العراق, أن الأمطار الثقيلة التي تهطل على المدن الأوربية مهمتها تنظيف الشوارع وغسل الأرصفة وإرواء الأزهار في الحدائق والمتنزهات وسقاية الحقول, وما لا يعرفه خبراء المجاري في أمانة العاصمة أن منظومات تصريف مياه الأمطار في أربيل وضواحيها هي الأكفأ والأنظف في عموم المدن العراقية. وما لا يعرفه جماعتنا أن مصابيح التنوير والكشافات الضوئية الكبيرة (البروجكترات) المثبتة في سقوف وجدران أنفاق وقنوات تصريف مياه الأمطار في العواصم الأوربية تعد أكبر وأفضل وأكشخ من مصابيح شوارع بعض المدن العراقية البائسة, والصور المرفقة تكذب المعترض على هذه المعلومة. وما لا يعرفه فلاسفة المجاري أن فضاءات المجاري الأوربية قادرة على استيعاب الشاحنات الكبيرة, فهي أوسع وأكبر وأكثر ارتفاعاً من أنفاق مرور السيارات في مدننا. فالمجاري الفرنسية التي قرأنا عنها في رواية الأديب الراحل فيكتور هوغو (أحدب نوتردام Hunchback of Notre Dame), صممت وشيدت منذ قرون, ويفتخر الفرنسيون اليوم بقنواتهم وأنفاقهم المخصصة للصرف الصحي, فأنفاق المجاري توازي الشوارع العلوية بالتمام والكمال من حيث الحجم والاتساع والاتجاه, وكل مجرى يحمل أسم الشارع العلوي المناظر له, فاستفاد الفرنسيون من مجاريهم الواسعة في مد وتوزيع شبكات وقابلوات وتوصيلات الكهرباء والهاتف ومياه الشرب والبريد والأسلاك الأخرى, واستفادوا منها مؤخراً في مد أسلاك الانترنت لتغطية كل شبر في باريس. يفكر الفرنسيون الآن بإنتاج 30% من أجمالي الطاقة من مجاري مدينة باريس وذلك بحلول عام 2020, ويرون أن المياه الساخنة المتجمعة في مجاريها كفيلة بتأمين الطاقة الرخيصة اللازمة لتدفئة المدارس, تبلغ كلفة هذا المشروع (550) ألف دولار للمدرسة الواحدة, لكنه سيؤتي ثماره على المديات البعيدة, لأنه سيولد 70% من الحرارة اللازمة لتدفئتها. وما لا يعرفه الخبراء عندنا أن أمانة العاصمة البريطانية لندن شيدت مجاريها في العام 1858 (قبل أكثر من 150 سنة), ووجهتها نحو الشرق لتصب في بحر المانش, وكانت أنفاقها المقوسة مبنية بالطوب والأسمنت بطول إجمالي بلغ 1700 كيلومتراً, وقادرة على استيعاب أكبر باصات لندن في بعض محاورها, ولا يمكن أن تقف بوجهها الأحجار التي اكتشفها جماعتنا في المجاري الضيقة لمدينة بغداد. وما لا يعرفه جماعتنا أن أمانة العاصمة لندن تفكر بتحويل الدهون المنزلية المتكدسة في مجاريها إلى مصادر لإنتاج الطاقة البديلة في إطار خطة انجليزية جديدة لزيادة إنتاج الكهرباء بحلول عام 2015, وسيتم جمع الدهون من المجاري لإمداد محطة التوليد المزمع تشييدها في (بيكتون) شرق لندن, وتأتي معظم هذه المخلفات الدهنية من المنازل والمطاعم والورش والمعامل. لو سافر مدراء بلدياتنا إلى المدن الأوربية لشاهدوا كيف تهطل عليها الأمطار بغزارة, بمعدلات تمتد أحيانا لأكثر من يومين متواصلين, لكنهم لن يشاهدوا أي تجمعات للمياه في الشوارع, ولشاهدوا كيف يتم توجيه مياه السيول إلى أماكن أخرى لمعالجتها بعيداً عن المدينة. ختاما نقول: لقد طفحت المجاري في المدن العراقية كلها, وطفح معها الكيل والسيل, حتى بلغ السيل الزبى, والزبى في قواميس الصرف الصحي: جمع لكلمة (زبية), وهي حفرة في أعلى الأماكن المرتفعة, فإذا وصلت إليها السيول, فأنها وصلت إلى آخر حدود الصبر,