عاش الفيلسوف ابن رشد في قرطبة بين 1126-1198م، من أسرة عرفت بالعلم والجاه ثم مات في مراكش. فلسفة ابن رشد كانت ظاهرة علمية عالمية في زمن كانت الثقافة متعددة التخصصات، كان فقيها من فرقة ابن مالك، شغل منصب قاضي القضاة آنئذ، وكان طبيبا بارعا ايام زمانه تفوق على أساتذته حتى ان أستاذه ابن زهر قال عنه (ابن رشد أعظم طبيب بعد جالينوس)، كان ابن رشد فيلسوفا عقلانيا، وهو الذي ترجم اعمال أرسطو المعروفة التى ترجمها السريان من اليونانية الى العربية في العصر العباسي الزاهر.
كان ابن رشد فلكيا جاء باعمال جليلة في علم الفلك، وكان المتكلم الذي تصدى لنقد المتكلمين في (توافق المعقول والمنقول) وفي مقدمتهم الامام الغزالي. يعد ابن رشد من اكبر الفلاسفة العرب في ذاك الزمن، دافع عن الفلسفة وصحح علماء وفلاسفة سابقين له كابن سينا والفارابي في فهم بعض نظريات أفلاطون وارسطو. درس علم الكلام والفقه والشعر والطب والرياضيات والفلك والفلسفة، قدمه ابن طفيل لأبي يعقوب خليفة الموحدين عام 1182م فعين طبيبا له ثم قاضيا في قرطبة. كان هدف ابن رشد إعادة تأصيل الأصول في كل مجال من مجالات الثقافة العربية الإسلامية في العقيدة والشريعة والفلسفة والطب والعلم واللغة والسياسة• عاش ابن رشد عصر الموحدين في الاندلس وهو العهد المتاخر في الاندلس في زمن الخليفة الموحدي أبو يعقوب يوسف، وكان عهد اضطراب قام بين المرابطين والموحدين ادى الى الفوضى فانتهي عصر العرب في اسبانيا. ابن رشد دخل في خدمه الخليفة بتزكية من الفيلسوف ابن الطفيل. عاد ابن رشد إلى قرطبة اذ تولى منصب قاضي القضاة، وبعد ذلك بنحو عشر سنوات أُلحق بالبلاط كطبيب الخليفة الخاص. أقبل ابن رشد على تفسير آثار أرسطو، ثم جاء الخليفة (أبو يوسف يعقوب المنصور) الذي كان معاديا للفلاسفة، وبسبب دسائس الأعداء والحاقدين، فاساء المنصور معاملة ابن رشد، الذي كان قاضي القضاة وطبيب الخليفة الخاص، ثم اتهمه المنصور بالكفر والضلال والمروق وزيغه عن دروب الحق والهداية ! فابعده إلى (أليسانه) وهي بلدة صغيرة بجانب قرطبة أغلبها من اليهود، والادهى ان المنصور حرق جميع مؤلفاته الفلسفية وحظر الاشتغال بالفلسفة والعلوم ما عدى الطب والفلك والرياضيات وضع ابن رشد أكثر من خمسين كتاباً في مجالات مختلفة واحسن في شروحاته وتلاخيصه لارسطو ومن كتبه تلخيص وشرح (كتاب ما بعد الطبيعة اي الميتافيزياء) وتلخيص وشرح (كتاب البرهان) او الأورغنون) وتلخيص (كتاب المقولات لقاطيفورياس) وتلخيص (كتاب الاخلاق) وتلخيص (كتاب السماع الطبيعي) وشرح (كتاب النفس) وشرح (كتاب القياس) و(كتاب مناهج الادلة) وهو من المصنفات الفقهية والكلامية في الأصول و(كتاب فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال)، وهو من المصنفات الفقهية والكلامية وكتاب (تهافت التهافت) وهو من اشهر الكتب في الرد على الغزالي في كتابه (تهافت الفلاسفة) و(كتاب الكليات) و(كتاب التحصيل) في اختلاف مذاهب العلماء و(كتاب الحيوان) و(كتاب فصل المقال في مابين الحكمة والشريعة من الاتصال) و(كتاب المسائل في الحكمة) و(كتاب بداية المجتهد ونهاية المقتصد) في الفقه و(كتاب جوامع كتب أرسطاطاليس) في الطبيعيات والإلهيات ثم كتاب (شرح أرجوزة ابن سينا) في الطب. ابن رشد أحد أهم الفلاسفة ويشاع أن الفلسفة الإسلامية انتهت بوفاته، اسمه باللاتينية (أفرويس) ولد في قرطبة وكان أبوه قاضيا وجده قاضيا فدرس القانون، ابن رشد درس الطب وعلم الكلام والفلسفة والفقه ولقب بـ (الشارح الأكبر) لأنه أفضل من شرح ما كتبه أرسطو. وعهد ابن رشد كان تحت تاثير السلفيين وكانوا يرون أن العلوم متصلة بالكفار مثل أرسطو، سجن ابن رشد لكن لم يطل سجنه فانتقل إلى مراكش ومات هناك. أثّر ابن رشد في العالم الإسلامي والمسيحي وأوروبا وقد بحث عن أسباب انتهاء حضارة المسلمين في الأندلس فرأى أنها بسبب تراجع دور المرأة حينئذ. ودارت في شروحه نقاشات عديدة في جامعة السربون وترجمت كل شروح ابن رشد من اللغة لعبرية لانه المصدر الوحيد الذي عاش مع الدهر بعدما حرق الخليفة مطمئنا على ما فعل. احيى الغربيون الاعاجم مخطوطاته بترجماتها الى اللغات الاوربية. والاكثر ان المحاسبه جاءت على تأكيد ابن رشد على ان الأرض كروية.
شرح ابن رشد اكثر مخلفات أرسطو لانه يعتبر تلميذا لأرسطو رغم وجود 16 قرن بين ارسطو وابن رشد وقد تبنى ابن رشد اكثر آراء ارسطو في الطبيعة وما بعد الطبيعة. وقدم موقفا متميزا مهما في مسألة العلاقة بين الشريعة والحكمة أي بين الدين والفلسفة وذلك في كتاب (فصل المقال وتقرير ما بين الشريعة والحكمة من الاتصال). هذه المسألة شغلت جميع الفلاسفة من الكندي والفارابي والغزالي وابن سينا. والغزالي وحده أعتقد أن الفلاسفة يخرجون عن الدين عندما كفرهم في الثلاث قضايا وبدعهم في سبعة عشر، ابن رشد يستأنف موقف الكندي مع شيء من التعديل ويقول لا تعارض بين الدين والفلسفة، أي لا اختلاف بين الأمرين (الشريعة والحكمة) وإذا كان هناك من تعارض فالتعارض ظاهري بين ظاهر نص ديني وقضية عقليه ونستطيع حله بالتأويل وفقا لقواعد وأساليب اللغة العربية. عندما ننظر إلى كتاب فصل المقال لأبن رشد نجد أن ابن رشد ميّز بين الفلسفة والمنطق وجعلهما مرتبطتين. قدم ابن رشد تعريفا للفلسفة قائلا (تعني المصنوعات التي يصنعها الصانع تدل عليه، وكلما عرفنا الموجودات معرفة أتم تكون معرفتنا بصانعها أتم والشرع اشار الى (المندوب أي المستحب) إلى اعتبار الموجودات والنظر بها وبيان دلالتها. الشرع دعا إلى اعتبار الموجودات لأن النظر في الموجودات نظر عقلي، وهناك أكثر من آية تشير إلى اعتبار الموجودات بالعقل (فاعتبروا يا أولي الأبصار) وهذا نص على وجوب استعمال القياس العقلي. هذه أدلة ابن رشد الذي يشدد على كلمة النظر والاعتبار والتفكر والرؤية وهي أدلة دينية على وجوب النظر العقلي في الموجودات. يفسر ابن رشد كلمة الاعتبار فيقول أننا من مقدمات معلومة نستنتج نتيجة مجهولة، أي من مقدمة كبرى فمقدمة صغرى نستنتج منها نتيجة، وإذا سلمنا بالمقدمات الكبرى والصغرى ينتج عنها بالضرورة نتيجة، وبهذا الشكل سوّغ ابن رشد دراسة المنطق، للتمييز بين أنواع الأقيسة، فالقياس البرهاني هو القياس الذي كلتا مقدمتاه صادقة. (وهو القياس السليم عنده) وهناك القياس الجدلي وهو الذي في إحدى مقدمتيه احتمالية أو كلتا مقدمتيه احتمالية. اما القياس المغالطي فهو القياس الذي فيه إحدى المغالطات. أكد ابن رشد على شرعية المنطق. اما القياس في الفقه فلا يقال عنه بدعة، فحكم القياس العقلي نفس الشيء. إذا تقرر أن النظر بالقياس العقلي واجب فنحن ننظر بالذي سبقونا. ويقول ابن رشد مثل قول الكندي في أننا يجب أن نأخذ الحقائق حتى لو كان قائلها من ملة غير ملتنا، وأن النظر في كتب القدماء واجب بالشرع وأن الفرد لا يستطيع أن يحصل العلم وحده ويجب أن نستفيد من بعض ومن السابقين. شرعيا أوجب النظر العقلي في القضايا التي توصل إلى الله وينبغي أن تتوافر في من ينظر بهذه العلوم أمرين (ذكاء الفطرة والعدالة الشرعية والفضيلة الخلقية ويقول ابن رشد إذا غوى الانسان (أي ضل وانحرف) فهوغاو بسبب ان النظر في الوجود ودراسته لأن بعض غير الأكفاء للنظر قد أخطئ. فإذا مات أحد بسبب أنه شرق بالماء، فإن هذا لا يعني أن نمنع شرب الماء حتى يموت الإنسان من العطش لهذا السبب، فالموت عن الماء بالشرق أمر عارض، وعن الماء بالعطش أمر ذاتي ضروري. قال ابن رشد أيضا أن الناس مختلفون في جبلتهم فهناك أناس يجري عليهم القياس البرهاني اما اليقين الفلسفي البرهاني فهو حق ولا يمكن أن يتعارض مع حقيقة ذكَرَها الشرع.
تتلخص أطروحة ابن رشد في أن الشرع أوجب النظر بالعقل في الوجود وأوجب دراسة المنطق وأوجب النظر في الوجود من علل الموجودات والوجه الثاني أن هذا النظر ليس بدعة وينبغي أن نأخذ به و لا يمكن أن يتحقق لفرد واحد فهو إسهام لأفراد كثيرين فيجب أن نلجأ للأمم الأخرى، العلاقة بين ما يقرره العقل البرهاني وما تتفق به الشريعة، كل منهما يعبر عن الحق، والقضايا البرهانية العقلية هي حق، وما نطق به الشرع حق، والحق لا يضاد الحق بل يؤكده ويشهد له، أي ليس هناك تناقض بين الحكمة (الفلسفة) والشريعة. يقول لويج رينالدي في بحث عنوانه (المدينة العربية في الغرب) ان فضل العرب علينا أنهم عرّفونا بكثير من فلاسفة اليونان. وكانت لهم الأيدي البيضاء على النهضة الفلسفية عند الغربيين. وكان الفيلسوف ابن رشد أكبر مترجم وشارح لنظريات أرسطو. ولذلك كان له مقام جليل عند المنطقيين. وقد قرأ الفيلسوف ورجل الدين المشهور توما الأكويني، نظريات أرسطو بشرح العلامة ابن رشد. ولا ننسى أن ابن رشد هذا مبتدع مذهب (الفكر الحر). وهو الذي قال عند موته كلمته المأثورة (تموت روحي بموتِ الفلسفة). كتب المستشرق الإسباني البروفيسور ميغيل هرنانديز يقول (إن الفيلسوف الأندلسي ابن رشد سبق عصره، بل سبق العصور اللاحقة كافة، وقدم للعلم مجموعة من الأفكار التي قامت عليها النهضة الحديثة. المؤلم كان الخليفة المنصور من جماعة الموحدين الذين اعاثوا بالمخطوطات العلمية والفلسفية والمفرح ان المستشرقين الذي انكر اعمالهم في عصرنا الحديث ادوار سعيد، وهم الذين احيوا الخطوطات التي عيث بها، وهم الذين احيوا الكثير من الثراث من اللغة العبرية.