أين تكمن صعوبة إنتاج معادن التقنية العالية؟
لولا بعض المعادن لكان مستحيلاً إنتاج معظم الأجهزة والآلات المستخدمة في حياتنا اليومية كالهواتف الجوالة والشاشات المسطـَّحة والسيارات والطائرات وإلكترونيات التحكم بها، ولأصبح صعباً جداً الاستفادة من مصادر الطاقة المتجددة.
لا يتم استخراج بعض معادن التقنية العالية، المستخدمة في الأجهزة الإلكترونية مثلاً، من المناجم الأرضية مباشرة بل بطرق غير مباشرةً. فهذه المعادن تنتج كمواد ثانوية بعد استخراج المعادن الرئيسية مثل النحاس والزنك والألومنيوم وغيرها.
ومن معادن التقنية العالية على سبيل المثال معدن الإنديوم والذي لولاه لاستحال إنتاج الرقائق التي تحوِّل الضوء إلى كهرباء. ومنها أيضا الكميات الكبيرة من عنصر النيوديميوم الداخِلة في تصنيع المراوح الهوائية العملاقة التي تُستـَخلص منها الكهرباء النظيفة، ناهيك عن عناصر معدنية أخرى مثل الغاليوم والجرمانيوم والسيلينيوم والتيلوريوم، وهي معادن وأشباه معادن تدخل في صناعة إلكترونيات الحواسيب والهواتف النقالة والآلات الكهربائية. لذا تسمى هذه المعادن بمعادن التقنية العالية.
عنصر الرنيوم يجعل محركات الطائرات أكثر مقاومة للحرارة
وكل هذه المعادن المذكورة آنفاً هي معادن ثانوية لا يمكن الحصول عليها إلا بعد استخراج معادنها الرئيسية من الأرض، وبالتالي تتعلق معدلات إنتاجها كثيرا بأسعار المعادن الرئيسية في السوق العالمية. ويتضح مثال ذلك جلياً في عنصر الرنيوم، المستخدم في صناعة محركات الطائرات.
استخلاص معدن محركات الطائرات مهمة شاقة
لا يمكن الاستغناء عن عنصر الرنيوم في إنتاج محركات الطائرات. فهو يجعل الفولاذ الصلب أكثر مقاومة للحرارة ويكسبه استقرارا فائقاً. لكن الرنيوم عنصر نادر جدا، حيث لا يتم إنتاجه إلا بمعدل خمسين طناً فقط في جميع أنحاء العالم سنويا. ويرجع ذلك إلى أن معدن الرنيوم هو عنصر ثانوي ينتج عن استخراج عنصر الموليبدينوم والذي هو في حد ذاته نتيجة ثانوية لإنتاج النحاس المستخرج مباشرة من المناجم الأرضية.
ويوضح خبير صناعة المعادن هيرمان فوتروبا، من جامعة آخِن التقنية بغرب ألمانيا، مدى صعوبة الحصول على معدن الرنيوم على الرغم من توفــُّر آلات التنقيب والإنتاج العملاقة للنحاس، قائلاً:" النحاس المستخرَج يكون محتويا على خمسة في الألف إلى خمسة في المئة فقط من الموليبدينوم الذي يتم منه استخراج الرنيوم. وهذا يعني أنه يجب استخراج عشرات آلاف الأطنان من النحاس من أجل الحصول على طن واحد فقط من الموليبدينوم". ومن الجدير بالذكر أن أكبر مناجم النحاس في العالم تقع في دولة تشيلي بأمريكا الجنوبية، وفيها منجم كوديلكو نورتيه ومنجم إسكونديدا اللذان يعدان أكبر المناجم التي حفرها الإنسان في العالم إلى الآن.
حمولة من عنصر الموليبدينوم
أسعار المعادن الرئيسية تؤثر على إنتاج معادن التقنية العالية
ولا تمثل نسبة الرنيوم بحد ذاتها سوى جزء صغير جداً لا يتجاوز اثنين في المئة من الموليبدينوم. وللحصول على هذه النسبة الضئيلة من عنصر الرنيوم يجب أولاً إزالة الكثير من الأنقاض والحجارة عديمة القيمة خلال عملية التنقيب عن النحاس في الأرض. وبذلك تكون عملية استخلاص الرنيوم مهمة شاقة كما يؤكـِّد الخبير الألماني هيرمان فوتروبا بقوله:"يتم استخراج عشرة ملايين طن من الصخور الأرضية من أجل الحصول في النهاية على طن واحد فقط من معدن الرنيوم".
لذا يلعب ارتفاع أسعار النحاس وبالتالي زيادة أسعار الموليبدينوم دوراً كبيراً في ندرة معدن الرنيوم في الأسواق. وقد ازدادت أسعار النحاس في السنوات الأخيرة بشكل ملحوظ كما يذكر هيرمان فوتروبا ويضيف: "يُحجـِم المنتجون عن استخراج الموليبدينوم من النحاس عند ازدياد أسعار هذا الأخير. وهذا يعني في الوقت نفسه صعوبة الحصول على الرنيوم اللازم لإنتاج محركات الطائرات. وعلى ذلك يمكن قياس مدى تعقيد إنتاج معادن التقنية العالية الأخرى المستخدمة في الأجهزة الجوالة والكمبيوترات وغيرها من الآلات الإلكترونية التي نستخدمها جميعا في حياتنا اليومية.