الوفاء كلمة جميلة، لكنها قد تكون مُعنتة أحيانا، والمؤمنون يعرفون معنى الوفاء بالكلمة والعهد والأمانة، فالإسلام مليء بالوصايا الحارة في هذا الجانب الاجتماعي المهم.


وقد كان من رموز الوفاء الشاعر القبلي السموأل الذي ضحى بابنه ولم يخن الأمانة.

اختبار رهيب

والسموأل شاعر عربي ذو بيان وبلاغة، وكان يملك حصنا في شمال الجزيرة، وقصته بدأت مع ضياع الملك من امرئ القيس الكندي، فبعد زوال ملك أبيه أحب أن ينتصر له فجمع السلاح وأودع امرؤ القيس دروعه وأسلحته عند السموأل، لكن الذي حدث أن صاحب الأمانة امرؤ القيس مات، فأرسل ملك كندة يطلب الدروع من السموأل، فرفض أن يعطيه الدروع قائلا له: إنه لن يدفعها إلا لمستحقها.

فعاود الملك الطلب، وثبت السموأل عند رفضه، مؤكداً: لا أغدر بذمتي، ولا أخون أمانتي ولا اترك الوفاء المفروض عليّ.

فرأى ملك كندة أن يحارب الشاعر العنيد، فحاصر جنده حصن السموأل، وصادف أن قبض جيش كندة على ابن السموأل خارج الحصن، فأخذه رهينة وساوم الملك الكندي الشاعر السموأل أن سلم الدروع وإلا قتلت ابنك. لقد كانت لحظة اختيار صعبة، أيضُحي بابنه أم يضحي بكلمته؟

لكن السموأل حسم أمره وقال: “ما كنت لأخفر ذمامي وأخون عهدي وأبطل وفائي فاصنع ما شئت”.

وشاء الملك أن يذبح ابن السموأل وأبوه ينظر إليه من أعلى الحصن، وعاد ملك كندة خائبا، نعم لقد قتلَ الابنَ أمام والده، لكنه لم يقتلِ الوفاءَ والشرف وصيانة العهد، بل حفر اسم السموأل في التاريخ رمزا للوفاء، وقد قال الأعشى في السموأل شعرا جميلا يمدح فيه إخلاصه ووفاءه، قال:

كنْ كالسموأل إذْ طاف الهُمام به

في جحفلٍ كهزيعِ الليلِ جرارِ

فقال غدرٌ وثكل أنت بينهما

فاختر وما فيهما حظ لمختار

فَشَطَّ غيَر طويلٍ ثم قال له

أقتلْ أسيرَكَ إني مانع جاري!

ولعل أقوى فكرة وردت في هذه الأبيات هي أن السموأل دخل ملكوت الوفاء حين منع جاره - أي حمى من استجار به - رغم الثمن الباهظ لهذا الوفاء.