هناك آية قرآنية مشهورة توصي بتزكية النفس وتدعوا المؤمنين بأن يتعرضوا لأنفسهم: ﴿یا أَیُّهَا الَّذینَ آمَنُوا عَلَیْکُمْ أَنْفُسَکُمْ لا یَضُرُّکُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَیْتُمْ.﴾[1] ولعل البعض بعد نزول هذه الآية، أخذ يتساءل في نفسه: هل نترك المجتمع إذن ونهتم بأنفسنا؟ فسألوا النبي عن المراد من هذه الآية، فقال: «وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْکَرِ وَاصْبِرْ عَلَی مَا أَصَابَكَ، حَتَّی إِذَا رَأَیْتَ شُحّاً مُطَاعاً وَهَوًی مُتَّبَعاً وَإِعْجَابَ کُلِّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْیِهِ فَعَلَیْكَ بِنَفْسِكَ وَدَعْ أَمْرَ الْعَامَّةِ.»[2] (وسيرد البحث لاحقاً حول سبب عدم تقدّم تزكية النفس ومواطن استثنائه.)[3]
اهتمام الأئمة الثلاث الأوائل بمسألة الولاية قبل التعليم والتربية
ونشاهد في تاريخ الإسلام أيضاً بأنّ الأئمة الثلاث الأوائل صرفوا كل اهتمامهم الشريف بمسألة الولاية وبذلوا بالغ جهدهم لإنقاذ الولاية الاجتماعية من يد الغاصبين وهدايتها إلى مجراها الصحيح قدر المستطاع. وعندما يئس باقي أئمتنا من تحقيق هذا الهدف للظروف الملمة بهم، لجأوا إلى التعليم والتربية وأعدّوا مائدة الدرس والبحث وسجّلوا المعارف النبوية للأجيال القادمة.
ولا يُدرك الاستراتيجية المتبّعة من قبل الأئمة الثلاث الأوائل، إلّا من يحمل نظرة ثاقبة وفكراً استراتيجياً في المسائل المختلفة كسماحة السيد القائد. يقول الإمام الخامئني حول مدى أهمية وأولوية إقامة الحكومة بالنسبة إلى أمر التعليم والتربية:
«إن الوضع الحالي - أي الوضع القائم للدولة الإسلامية - يبقى أفضل ألف مرة ربّما من أحسن الأحوال التي يمكن للإنسان فيها أن يقوم بنشر ومتابعة وتحقيق المبادئ الإلهية في عهد الطاغوت. فإذن ينبغي تقدير كل ذلك.»[4]
أكثر حقل اعتقادي للدين جاذبية
لو تم هذا التصديق بعد ذلك التصور الصحيح حيال الوضع المنشود، سيكون مبعثاً للهياج والاندفاع. فإن الاعتقاد بالموعود والمهدوية رأسمال كبير الجاذبية للمعتقدات الدينية. وهو نفس ذلك الاعتقاد الذي يُعرّف الإسلام دوماً كدين منتَظَرٍ لم تظهر محاسنه كلها بعد، وتوجد في مكنونه أسرار خافية كثيرة. كالجبل الشاهق الذي لم يظهر منه إلا جزء قليل، والجزء الأعظم منه مخفيٌّ تحت البحار ومن المقرر أن يظهر هذا الجبل بأكمله إلى العيان.
وعلى الرغم من وجود روائع جذابة سارية في شريان الدين ولكلّ منها صبغة خاصة، ولكن لا يصل أيٌّ منها إلى جاذبية هذا الاعتقاد المؤثّر. فلو وصلت بعد تصوّر الوضع المنشود إلى تصديقه، سيكون مبعثاً للنزوة والنشوة بنسبة شدة الاعتقاد ودقة المعرفة.
الاعتقاد بالموعود باعث على تغيير النفوس
وأحياناً كلما تحدثت عن رسول الله (ص) وأوصيائه الطاهرين، لا تتلمّس تغييراً في نفوس البعض، ولكن إذا ما تحدثت عن الموعود بصورة اعتقادية مقنعة، ستشهد تغييراً ملحوظاً في القلوب. ودليل هذا التحوّل والاندفاع يكمن في «تجسيد كل الوعود الإلهية» و«تجلي جميع آيات الله».
أولئك الذين يشهدون نبياً من الأنبياء ويرون معاجزه كنماذج صغيرة من قدرته الفائقة، أو يسمعون منه آيات متضمنة للوعود الإلهية، كيف سينتابهم السرور والابتهاج؟ والآن لو رأوا بأعينهم تحقق جميع الوعود الإلهية وشاهدوا معاجز على الصعيد العالمي، كيف سيكون حالهم؟ إن العقيدة الراسخة بالموعود، بإمكانها أن تبعث في قلب المؤمن هذا الابتهاج الذي ليس له نهاية؛ وكأن ذلك الزمن قد تحقق حالياً، بحيث أن مشاهدة تلك الوقائع العظيمة لم تزده يقيناً.
ومن هنا فإن تأثير تبليغ جميع الأنبياء والأوصياء في كفة، وتأثير حكومة الإمام التي هي تجسيد لكل تلك الأحكام والتعاليم في كفة أخرى.
الاعتقاد بالموعود يزيل ضعف الإیمان
ومن جانب آخر، فإنّ الاعتقاد بالموعود يزيل ضعف الإيمان أيضاً. بحيث يكون الإنسان بمقدوره عبر استذكار هذه القيامة الصغرى أن يقوم بتعزيز دوافعه الدينية. وإنّ لهذا المعتقد آثار أخلاقية ومعنوية واسعة النطاق بحيث يمكن القول بأن «خبر مجيئه يستطيع بحد ذاته أن يربّي أنصاراً للإمام.»
الإيمان بالموعود يستنزف طاقة الكفر والنفاق
إضافة إلى أنّ الإيمان بتحقق المجتمع الموعود بكل درجاته يبعث على استنزاف طاقة الكفر والنفاق أيضاً. وكما أنّ الإمام بعد ظهوره يلقي الرعب في قلوب أعدائه ويفتح الطريق لتقدّم جيوشه، فإنّ الإيمان به وحتى تتبّع أخبار مجيئه والتدبرّ في مسألة ظهوره، يقمع الأعداء ويغلّ يد الشيطان كما في شهر رمضان المبارك.
الأمل والقوة
الاعتقاد، يبعث على الأمل، ولو كان الأمل مسبوقاً بعقيدة عرفانية، سيكون قوياً راسخاً. الأمل، كوكب دريّ في منظومة الانتظار ومن أهم سمات الإيمان. وإن لمفهوم الأمل في مشاهدنا اليومية معنيان: أمل مقرون بنوع من القطع؛ وأمل ليس إلّا مجرد احتمال وتقوّيه الرغبة في تحققه.
الأمل، يعطي الطاقة الكافية لاجتياز العقبات
الأمل بانتظار الموعود، من القسم الأول حيث يتضمن نوعاً من الجزم والقطع ولهذا يكون مبدأً للحيوية والنشاط. لأن الاعتقاد بتحقق أمر في المستقبل ينمّي الشعور بالأمل في قلب الإنسان ويجعله يترقّب المستقبل باطمئنان. الأمل، يربط الإنسان بالمستقبل ويهب له الطاقة الكافية للحركة والأهم من ذلك لاجتياز الموانع والعقبات.
الأمل، يبعث على الاطمئنان
إذا أصبح الاعتقاد والأمل بالنصر يموج في قلب الإنسان المجاهد، سيرى نفسه منتصراً في أحنك الظروف والأزمات. ولا يستولي عليه اليأس الذي هو من مكائد إبليس المستمرة إطلاقاً. ويكتسب اطمئناناً يسوقه إلى البصيرة والدقة. فمن كان يتحلى بهذا الاطمئنان الراسخ، تجده في أي جهاد يخطط بشكل أمثل ويحقّق نجاحاً أكبر.
إن البعض لا يؤمن بـ«تحقق الوعود الإلهية، رغم كل الموانع الظاهرية»، وينتظر أولاً أن يصل إلى أعلى مراتب الفهم في ذلك (كأن يعرف مثلاً كيف يرتفع المانع الفلاني الحائل دون تحقق الوعد الإلهي)، ثم يصل إلى العقيدة الراسخة. في حين أن من يتحلى بصفاء السريرة، سيصل إلى الاعتقاد بأدنى فهم، وعندها سيسوقه نفس هذا الاعتقاد إلى الاطمئنان والبصيرة الثاقبة. ومثل هذا سيحمل مزيداً من الاستعداد للوصول إلى أعلى مراتب الفهم.
يتبع إن شاء الله...
[1]. سوره مائدة: 105.
[2]. تفسیر المیزان، ج6، ص177، نقلاً عن مصادر متعددة؛ مصباح الشریعة، ص18. كما ونقلت هذه الرواية الكثير من التفاسیر الشیعية والسنية في ذيل هذه الآية.
[3]. راجع الصفحة ؟؟؟.
[4]. كلمته في مسؤولي نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية؛ 02/12/2000.