دأ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) رحلته الفضائية من بيت «أُمّ هاني» أُخت الإمام علي (عليه الصلاة والسلام) [1] إلى بيت المقدس في فلسطين، والّذي يسمّى المسجد الأقصى، وتفقّد بيت لحم مسقط رأس السيّد المسيح (عليه الصلاة والسلام) ومنازل الأنبياء وآثارهم، وصلّى عند كلّ محراب ركعتين. ثمّ بدأ في القسم الثاني من رحلته، المعراج إلى السماوات العلى، فشاهد النجوم والكواكب، واطّلع على نظام العالم العلوي، وتحدّث مع أرواح الأنبياء والملائكة، واطلع على مراكز الرحمة والعذاب ـ الجنّة والنار ـ ورأى درجات أهل الجنّة، و تعرّف على أسرار الوجود و رموز الطبيعة، ووقف على سعة الكون وآثار القدرة الإلهية المطلقة، ثمّ واصل رحلته حتى بلغ سدرة المنتهى، فوجدها مسربلة بالعظمة المتناهية والجلال العظيم. وهنا كان قد انتهى برنامج الرحلة، فأُمر بالعودة من حيث أتى، فمرّ في طريق عودته، على بيت المقدس ثانية، ثمّ توجه نحو مكّة، مارّاً على قافلةٍ تجاريةٍ خاصّة بقريش، وبعيرٌ لهم قد ضلّ في البيداء يبحثون عنه، وشرب من مائهم، ثمّ ترجّل عن مركبته الفضائية ـ البراق ـ في بيت أُمّ هاني، قبل طلوع الفجر. فأخبرها بما حدث، كما كشف عنه في أندية قريش صباح نفس تلك الليلة. إلاّ أنّ قريشاً كعادتها كذّبته وأنكرته، على أساس عدم استطاعة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) القيام بذلك في ليلة واحدة، وطلبوا منه أن يصف بيت المقدس، فوصفه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وصفاً شاملاً، مع ما شاهده في الطريق، وخاصة عير قريش، التي أكد لهم بأنّها الآن في موقع التنعيم، فلم تمض لحظات حتى طلعت عليهم العير، فحدّثهم أبو سفيان بكلّ ما أخبرهم به الرسول من ضياع بعيرهم في الطريق والبحث عنه[2].وقد اختلفت الأقوال عن وقت حدوث الإسراء والمعراج، فادّعى «ابن هشام و ابن إسحاق» انّه وقع في السنة العاشرة من البعثة الشريفة، وذهب المؤَرّخ «البيهقي» انّه حدث في السنة الثانية عشرة منها، بينما قال آخرون إنّه وقع في أوائل البعثة، في حين أنّ فريقاً رابعاً أكد وقوعه في أواسطها.وربما يقال في الجمع بين هذه الأقوال انّه كان لرسول اللّه معارج متعدّدة.وهناك اعتقاد أنّ المعراج الذي فرضت فيه الصلاة وقع بعد وفاة أبي طالب (عليه الصلاة والسلام) في السنة 10 من البعثة. والذين تصوّروا أنّ المعراج وقع قبل هذه السنة مخطئون، لاَنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان محصوراً في شعب أبي طالب منذ عام 8 وحتى 10، فلم يكن المسلمون مستعدّين لوضع التكاليف عليهم. وأمّا سنوات ما قبل الحصار، فعلاوة على ضغوط قريش على المسلمين، والتي كانت مانعاً من فرض الصلاة عليهم، فإنّ المسلمين كانوا قلّة، ولم يكن نور الإيمان وأُصول الإسلام قد ترسخت بعد في قلوب ذلك العدد القليل، ولذا يستبعد أن يكونوا قد كلّفوا بأمرٍ زائدٍ مثل الصلاة في مثل تلك الظروف.أمّا ما ورد في بعض الأخبار والروايات، بأنّ الإمام عليّاً (عليه الصلاة والسلام) صلّى مع الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) قبل البعثة بثلاث سنوات، فليس المراد منها الصلاة المكتوبة، بل كانت عبارة عن عبادةٍ خاصةٍ غير محدّدة، أو كان المراد منها الصلوات المندوبة والعبادات غير الواجبة [3].وأمّا بالنسبة لما قيل وذكر عن معراج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) جسمانياً أو روحانياً، فقد قيل فيه الكثير، بالرغم من أنّ القرآن الكريم والأحاديث النبوية تؤَكّد أنّ ذلك حدث جسمانياً، إلاّ أنّ بعض الآراء ترى أنّ ذلك وقع روحانياً، أي أنّ روح النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) طافت في تلك العوالم ثمّ عادت إلى جسده (صلى الله عليه وآله وسلم) مرّة أُخرى، وذهب آخرون إلى أنّ كلّ ذلك حدث في عالم الرؤَيا، وروَيا الأنبياء صادقة[4]. وربما دلّ تكذيب قريش وانزعاجها واستنكارها لحديث الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) على أنّذلك حدث جسمانياً. وإذا كان المراد من المعراج الروحاني هو التفكير في عظمة الحقّ وسعة الخلق والتدبير في مخلوقات اللّه ومصنوعاته ومشاهدة جماله وجلاله، فلا شكّ أنّ ذلك ليس من خصائص رسولنا الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) بل إنّ كثيراً من الأنبياء والأولياء امتلكوا هذه المرتبة ، بينما أعتبره القرآن الكريمُ من خصائصه (صلى الله عليه وآله وسلم) ونوع من الامتياز الخاصّ به. كما أنّ حالة التفكير في عظمة الخالق والاستغراق في التوجه إليه، كانت تتكرر للرسول «صلى الله عليه وآله وسلم» في كلّ لليلة، وليس ليلة بعينها كما جرى وحدث في المعراج.أمّا في العلم الحديث، فإنّ القوانين الطبيعية والعلمية الحالية لا تتلاءم مع معراج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وذلك للأسباب التالية:1. إنّ الابتعاد عن الأرض يتطلب التخلّص من جاذبيتها، أي إبطال مفعولها، والنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان قد خرج عن محيط الجاذبية وأصبح في حالة انعدام الوزن، فكيف تمكن أن يطوى هذه المسافات بدون الوسائل والأدوات اللازمة، وعدم توافر الغطاء الواقي، الذي يصون الجسم من التبعثر والذوبان بفعل السرعة الهائلة؟2. وكيف تمكن من العيش والحياة في أعالي الجو بدون وجود أوكسجين؟3. وكيف تمكن أن يصون نفسه من الأشعة الفضائية والأحجار السماوية؟4. وإذا كان الإنسان يعيش تحت ضغط معين من الهواء لا يوجد في الطبقات العليا من الجو، فكيف حافظ على حياته هناك؟5. لا يستطيع أيّ جسم أن يتحرّك بسرعة تفوق سرعة النور، التي هي 30 ألف كم في الثانية، فكيف استطاع النبي السير بتلك السرعة الهائلة ويرجع إلى الأرض سالمَ الجسم؟!والجواب على ذلك سهل ويسير، فإنّ البشر استطاع بأدواته وآلاته العلمية والتكنولوجية أن يعالج مشكلات عديدة في مجال ارتياد الفضاء، مثل مشكلة الأشعة الفضائية وانعدام الغاز اللازم للتنفس، كما أنّ العلماء يخطّطون للعيش على سطح الكواكب كالقمر والمريخ، وبذا فإنّ العلم يؤَكّد سهولة ارتياد الفضاء وعدم استحالته، فإذا كان البشر في إمكانه أن يقوم بذلك عن طريق الأدوات والآلات العلمية، فإنّ الأنبياء يمكنهم فعلَها بواسطة قدرة اللّه سبحانه و تعالى وفعله. فالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عرج بعناية وقدرة اللّه الذي خلق الوجود كلّه، وأقام هذا النظام البديع. فجميع العلل الطبيعية والموانع الخارجية مسخَّرة للّه تعالى وخاضعة لإرادته، ومطيعة لأمره. وكأنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يخبر البشرية وحتى الّذين يعيشون في هذا القرن: إنّني فعلت هذا بدون أيّة وسيلة، وإنّ ربّي قد منّ عليّ وعرّفني على نظام السماوات والأرض، وأطلعني بقدرته وعنايته على أسرار الوجود و رموز الكون.وقال الإمام موسى الكاظم (عليه الصلاة والسلام) في ذلك: «إنّ اللّه يوصَف بمكان ولا يجري عليه زمان، ولكنّه عزّ وجلّ أرادَ أن يشرف به ملائكته وسكان سماواته، ويكرمهم بمشاهدته، ويريه من عجائب عظمته ما يخبر به بعد هبوطه، وليس ذلك على ما يقوله المشبِّهون ، سبحان اللّه تعالى عمّا يصفون»[5].