كان ويا ما كان، في قديم الزمان..
حيث لم يكن على الأرض بشر بعد..
كانت الفضائل والرذائل تطوف العالم معا، وتشعر بالملل الشديد.
ذات يوم...
وكحلٍ لمشكلة الملل المستعصية
اقترح الإبداع.. لعبة.. وأسماها "الطميمه"-الاستغمايه-
أحب الجميع الفكرة، وصرخ "الجنون":
أريد أن أبدأ، أنا من سيغمض عينيه ويبدأ العد، وأنتم عليكم المباشرة بالاختفاء.. ثم اتكأ بمرفقيه على شجرة وبدأ: واحد.. اثنان.. ثلاثة.. وبدأت الفضائل والرذائل بالاختباء.
وجدت (الرِقةُ) مكانا لنفسها فوق القمر، وأخفت (الخيانة) نفسها في كومة زبالة، دلف (الولع) بين الغيوم، ومضى (الشوق) إلى باطن الأرض.. أما (الكذب) فقال بصوت عال: سأخفي نفسي بين الأشجار.. ثم توجه لقعر البحيرة!
واستمر الجنون: تسعة وسبعون.. ثمانون..
خلال ذلك أتمت كل الفضائل والرذائل تخفيها ماعدا (الحب) كعادته لم يكن صاحب قرار، وبالتالي لم يقرر أين يختفي، وهذا غير مفاجئ لأحد، فالجميع يعلمون كم هو صعب إخفاء الحب!
تابع الجنون: خمسة وتسعون.. ستة وتسعون..
وعندماوصل (الجنون) في تعداده إلى: مئة قفز الحب - في اللحظة الأخيرة - وسط أجمة من الورد واختفى بداخلها..
فتح الجنون عينيه وبدأ البحث صائحا: أنا آت إليكم..!
كان "الكسل" أول من انكشف لأنه لم يبذل أي جهد في إخفاء نفسه، ثم ظهرت (الرقة) المختفية فوق القمر.. بعدها.. خرج (الكذب) من قاع البحيرة بعد أن انقطع نفسه القصير... وأشار إلى (الشوق) أن يرجع من باطن الأرض.
وجدهم الجنون جميعا.. واحدا بعد الآخر .. ماعدا "الحب"!
كاد الجنون أن يصاب بالإحباط واليأس في بحثه عن الحب.. حينها اقترب منه "الحسد" وهمس في أذنه: الحب مختف في شجيرة الورد!
التقط "الجنون" شوكة خشبية أشبه بالرمح، وبدأ يطعن شجيرة الورد بشكل طائش، ولم يتوقف إلا عندما سمع صوت بكاء يمزق القلوب.. ظهر "الحب" وهو يحجب عينيه بيديه والدم يقطر من بين أصابعه!!
صاح "الجنون" نادما: يا إلهي ماذا فعلت؟ ماذا أفعل كي أصلح غلطتي بعد أن أفقدتك البصر؟
أجابه "الحب": لن تستطيع إعادة البصر لي.. لكن لا زال هناك ما تستطيع فعله لأجلي.. كن دليلي..! وهذا ماحصل..
ومن يومها.. يمضي الحب الأعمى يقوده الجنون المجنون.. ولذلك يقال دائما: الحب جنون!