الجزء السادس
المقتل
فقتل جماعة بثلاث حملات ورماه يزيد بن الرقاد الجهني بسهم فاتقاه بيده فسمرها الى جبهته فما استطاع ان يزيلها عن جبهته فقال : اللهم انهم استقلّونا واستذلّونا فاقتلهم كما قتلوناوبينا هو على هذا إذ حمل عليه رجل برمحه فطعنه في قلبه ومات ولما قُتل عبد الله بن مسلم حمل آل أبي طالب حملة واحدة فصاح بهم الحسين عليه السلام :صبراً على الموت يا بني عمومتي والله
لا رأيتم هواناً بعد هذا اليوم فوقع فيهم عون بن عبدالله بن جعفر الطيار وامه العقيلة زينب واخوه محمد وامه الخوصاء وعبد الرحمن بن عقيل بن أبي طالب واخوه جعفر ابن عقيل ومحمد بن مسلم بن عقيل وأصابت الحسن المثنى ثمانية عشر جراحة وقطعت يده اليمنی ولم يُستشهد وخرج أبوبكر بن امير المؤمنين عليه السلام واسمه محمد وامه شرية قتله زحر بن بدر النخعي ثم خرج عبد الله بن عقيل فما زال يضرب فيهم حتى اُثخن بالجراح وسقط الى الارض فجاء اليه عثمان بن خالد التميمي فقتله وخرج أبو بكر بن الأمام الحسن عليه السلام وهو عبد الله الاكبر وامه ام ولد يقال لها رملة فقاتل حتى قُتل وخرج من بعده اخوه لامه وأبيه القاسم وهو غلام لم يبلغ الحُلم فلما نظر اليه الحسين عليه السلام اعتنقه وبكى اذن له فبرز كأن وجهه شقة قمر وبيده السيف وعليه قميص وإزار وفي رجليه نعلان فمشى يضرب بسيفه فانقطع شسع نعله اليسرى وأنف ابن النبي الاعظم صلى الله عليه وآله وسلم أن يحتفي في الميدان فوقف يشد شسع نعله وهو لا يزن الحرب الا بمثله غير مكترث بالجمع ولا مبال بالالوف وبينا هو على هذا إذ شد عليه عمرو بن سعد بن نفيل الازدي وضربه بالسيف علی رأسه ففلق هامته وصاح الغلام ياعماه وأمه واقفه بباب الخيمة تنظر إليه وهي مدهوشة فأتاه الحسين وضرب قاتله فاتقاه بالساعد فأطنها من المرفق فصاح صيحة عظيمة سمعها العسكر فحملت خيل ابن سعد لتستنقذه فأستقبلته بصدورها ووطأته فمات وانجلت الغبرة واذا الحسين قائم على رأس الغلام وهو يفحص برجليه والحسين يقول: بعداً لقوم قتلوك خصمهم بوم القيامة جدّك ثم احتمله ورجلاه يخطان في الأرض فألقاه مع علياً الاكبر وقتلى حوله من أهل بيته ولما رأى العباس عليه السلام كثرة القتلى في أهله قال لأخوته من أمّه وأبيه عبد الله وعثمان وجعفر: تقدّموا يا بني أُمي حتى أراكم نصحتم لله ولرسوله والتفت الى عبد الله وكان أكبر من عثمان وجعفر وقال: تقدم يا أخي حتى أراك قتيلا وأحتسبك فقاتلوا بين يدي أبي الفضل حتى قُتلوا بأجمعهم ولم يستطع العباس صبراً بعد قتل إخوته وأولاد عمه وأخيه وكان آخر من بقي مع الحسين فستأذنه قال: (ياأخي أنت صاحب لوائي ) قال العباس: قد ضاق صدري وأريد أن آخذ ثأري من هؤلاء المنافقين فقال الحسين:إذاً فأطلب لهؤلاء الأطفال قليلٌ من الماء فذهب العباس الى القوم ووعظهم وحذّرهم غضب الجبّارفلم ينفع ورجع الی الحسين يخُبره فسمع الأطفال ينادون العطش العطش فركب جواداً وأخذ الِقربة وقصد الفرات فأحاط به أربعة آلاف ورموه بالنبال فلم يأبی بجمعهم ولم ترعه كثرتهم فكشفهم عن المشرعة ودخل الماء واغترف منه ليشرب فتذّكر عطش الحسين فرمی الماء وقال:
يانفس من بعد الحسين هوني وبعده لاكنت أن تكوني
هذا الحسين وارد المنون وتشربين بارد المعين
(شلون أشرب واخويه حسين عطشان دجله والحرم واطفال رضعان وظل گلب العليله ولهان ياريت الماي بعده لا حلا و ظل هذا الماي يجري بطول حيّر اضوگه گبل چبدي حسين هيهات وظل طفله والعطش ماي واظل موت كرم والعمر گصّر)
ثم ملأ القربة وتوجه نحو المخيم فأخُذ عليه الطريق وجعل يضرب فيهم وهو يقول
( لا أرهب الموت اذا الموت زقا حتی اُواری في المصاليت لقی )
اني انا العباس اغدو بالسِقا ولا اهاب الموت يوم الملتقی