الجزء الثاني

المقتل

فأرجعوا أمركم وشركائكم ثم لا يكن أمركم عليكم غُمة ثم اقضوا أليّ ولا تُنظِرون أني توكلت علی الله ربي وربكم ما من دابه الاّهو اخذ بناصيتها أن ربي علی صراط مستقيم ثم رفع يديه وقال: اللهم أحبس عنهم قطر السماء وأبعث عليهم سنين كسنيي يوُسف وسـلّط عليهم غلام ثقيفِ يسقيهم كأساً مصبّرهً فأنّهم كذّبونا وخذلونا وأنت ربّنا عليك توكّلنا وأليك المصيروأستدعاهم ابن سعد فدُعي له وكان كارهاً لا يُحب أن يأتيه فقال أي عُمر أتزعمُ انك تقتلني ويوليك الدَعي بلاد الرَي وجرجان والله لا تتهنأ بذلك عهد معهود فأصنع ما أنت صانع فأنك لا تفرح بعدي بدنياً ولا آخرةوكأني برأسك علی قصبة يتراماه الصبيان بالكوفة ويتخذونه غرضاَ بينهم فصرف بوجهه عنه مغضباً ولّما سمع الحُر بن يزيد الرياحي كلام أبي عبد الله الحسين وأستغاثته أقبل علی عمر بن سعد وقال له : أمقاتلٌ أنت هذا الرجل قال: أي والله قتالا ًأيسره ان تسقط فيه الرؤوس وتطيح ألايدي قال مالكم فيما عرضه عليكم من الخِصال فقال لو كان الامر ألّي لقبلت ولكن أميرك أبن زياد يأبی ذلك فتركه ووقف مع الناس وكان الی جنبه قرّة بن قيس فقال لقرّة:هل سقيت فرسك فقال لا قال هل تريد أن تسقيه فظّن قُرةً من ذلك أنه يريد الأعتزال ويكره أن يشاهده أحد فتركه فأخذ الحُر يدنو من الحسين بن علي قليلاً قليلاً فقال له( المهاجر بن أوس) أتريد أن تحمل؟فسكت وأخذته الرعدة فأرتاب المهاجر من هذا الحال وقال له لو قيل لي من أشجع أهل الكوفة لما عدوتك فما هذا الذي أراه منك فقال الحُر أني أخيّر نفسي بين الجنّة والنّار والله لا أختارُ علی الجنة شيئاً ولو أُحرقت ثم ضَربَ جواده نحو الحسين بن علي مُنكساً برأسهِ حياءً من آل الرسول بما أتی أليهم وجعجع بهم في هذا المكان علی غير ماءٍ ولا كلا رافعاً صوته: اللهم أليك أُنيب فتُب علّي فقد أرعبت قلوب أوليائك وأولاد نبيك يا أبا عبد الله أنّي تائبٌ فهل تری لي من توبة ألهنا ونحن نتوب أليك في هذا المقام الكريم فقال الحسين: نعم يتوب الله عليك فسّره قول أبي عبد الله وتيّقن الحياه ألابدية والنعيم الدائم ووضح له قول الهاتف لما خرج من الكوفة فحدّث الحسين بحديثهِ قال فيه لما خرجت من الكوفة نوديتُ أبشر يا حُر بالجنة فقلت ويلٌ للحُر يبّشر بالجنة وهو يسير الی حرب بن رسول الله صلّی الله عليه وآله وسلّم فقال له الحسين: لقد أصبت خيراً وأجراً ثم أستأذن الحسين في أن يكلّم القوم فأذن له فنادی بأعلی صوته يا أهل الكوفه لأمكم الأمل والعبرأدعوتم هذا العبد الصالح وجعلتم أنكم قاتلوا انفسكم دونه حتی أذا جائكم أخذتم بكرمه وأحطتم به من كل جانبِ فمنعتموه التّوجه الی بلاد الله العريضة حتی يأمن وأهل بيته وأصبح كالأسير في أيديكم لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً وحلأتموه وصبيته ونسائه وصحبه عن ماء الفرات الجاري الذي يشربه اليهود والنصاری والمجوس وتتمرغ فيه خنازير السواد وكلابه وهاهم قد صرعهم العطش بئسما خلقتم محمداً في ذريته لا سقاكم الله يوم الظمأ فحملت عليه رّجالة ترميه بالنبل فتقهقر حتی وقف أمام الحسين أذ أن الحسين بن علي منع أصحابه وأهل بيته من أن يبدؤا القوم بقتال قط فلذلك تری ألاصحی في كل مقام وعظم وأرشاد وتوجيه يرشقون بالسهام أو يحمل عليهم أحد تراهم يتراجعون الی ورائهم أمتثالاً لأمر إمامهم وسيدهم أبي عبد الله الحسين إذ أنه مايريد أن يبدأ كل أحد بقتالٍ أبدا وصاح الشمر بأعلی صوته أين بنو أختنا أين العباس وأخوته فأعرضوا عنه فقال الحسين أجيبوه ولو كان فاسقاً قالوا ماشأنك وماتريد قال يا بني أختي أنتم آمنون فلا تقتلوا أنفسكم مع الحسين وإلزموا طاعة أميري أمير الفاسق يزيد فقال العّباس له: لعنك الله ولعن أمانك أتؤمننا وابن رسول الله لا أمان له وتأمرنا أن ندخل في طاعة اللعناء وأولاد اللعناء وتقدّم عمر بن سعد نحو عسكر الحسين ورمی بسهمٍ وقال أشهدوا لي عند ألامير بن زياد أني أوّل من رمی ثم رمی الناس فلم يبقی من أصحاب الحسين أحد إلا أصابه من سهامهم فقال عليه السلام لأصحابه قوموا رحمكم الله ألی الموت الذي لابد منه فأن هذه السهام رُسل القوم أليكم فحمل أصحابه حملة واحدة وأقتتلوا ساعةً فماجلت الغبره إلا عن خمسين صريعاً من أصحاب أبي عبد الله وخرج يسار مولی زياد وسالم مولی عبيد الله بن زياد فطلبا البراز فوثب حبيب وبُرير فلم يأذن لهما الحسين فقام عبد الله بن عُميرالكلبي من بني عليم او (عُليم) وكنيته ابو وهب وكان طويلاً شديد الساعدين بعيد مابين المنكبين شريفاً في قومه شجاعاً مجرباً وقال: أحسبه للأقران قتّالاً فقالا له من أنت فأنتسب لهما فقالا لانعرفك ليخرج الينا زهير أو حبيب أو بُريروكان يسار قريباً منه فقال له يأبن الزانية أو بك رغبه عن مبارزتي ثم جدّ عليه بسيفه يضربه وبينا هو مشتغل به إذ شّد عليه سالم فصاح أصحابه قد رهقك العبد فلم يعبأ به فضربه سالم بالسيف فاتقاها عبد الله بيده اليسری فأطار أصابعها ومال عليه عبد الله فقتله وأقبل الی الحسين يرتجز وقد قتلهما وأخذت ام وهب زوجته عموداً وأقبلت نحوه تقول فداك أبي وأمي قاتل دون الطيبين ذرية محمدٍ فأراد أن يردها ألی الخيمة فلم تطاوعه وأخذت تجاذبهه ثوبه وتقول لن ادعك دون أن أموت معك فقال لها آلان كنتي تنهيني عن القتال وآلان جئتي تقاتلين معي قالت لا تلمني أن واعية الحسين كسرت قلبي فقال مالذي سمعتي منه قالت سمعت بباب الخيمة ينادي (واا قلّتنا صرا) فنادی الحسين سيدي ابا عبد الله ردّها الی الخيمة فنادها الحسين جزيتم عن اهل بيت نبيكم خيرا أرجعي الی الخيمة فأنه ليس علی النساء قتال فرجعت ولما نظر من بقي من أصحاب الحسين الی كثرة من قُتل منهم أخذ الرجلان والثلاثة والأربعة يستأذنون الحسين في الذبّ عنه والدفع عن حرمه وكلٌ يحمي الآخر من كيد عدوه فخرج الجابريان وقاتلا في مكان واحد حتی قتلا وخرج الغفاريان فقالا للحسين: السلام عليك أبا عبد الله إنّا جئنا لنقتل بين يديك وندفع عنك فقال مرحباً بكما واستدناهما منه فدنوا وهما يبكيان قال ما يبكيكما يأبني أخي فوالله أني لأرجو أن تكونا بعد ساعةٍ قرير العين قالا جعلنا الله فداك ما علی أنفسنا نبكي ولكن نبكي عليك نراك قد أحيط بك ولا نقدر أن ننفعك فجزّاهما الحسين خيرا فقاتلا قريباً منه حتی قتلا وخرج (عمرو بن خالد الصيداوي وسعد مولاه وجابر بن الحارث ومجمع بن عبد الله العائذي) وشدّوا جميعاً علی أهل الكوفة فلما أوغلوا فيهم عطف عليهم الناس وقطعوهم عن أصحابهم فندب أليهم الحسين أخاه العبّاس فأستنقذهم بسيفه وقد جرحوا بأجمعهم وفي أثناء الطريق أقترب منهم العدو فشدّوا بأسيافهم مع مابهم من الجراح وقاتلوا حتی قتلوا في مكان واحد ولمّا نظر الحسين الی كثرة من قتل من أصحابه قبض علی شيبته المقّدسه وقال أشتدّ غضب الله علی اليهود أذ جعلوا له ولداً وأشتدّ غضبه علی النصاری أذ جعلوه
ثالث ثلاثة واشتّد غضبه على المجوس إذ عبدوا الشمس والقمر دونه واشتّد غضبه على قوم اتّفقت كلمتهم على قتل ابن بنت نبيهم أما والله لا اجيبهم الى شيء مما يريدون حتى القى الله وأنا مخضّب بدمي ثم صاح : أما من مغيث يغيثنا ! اما من ذابٍ يذبُّ عن حرم رسول الله فبكت النساء وكثرصراخهن وسمع الانصاريان سعد بن الحارث واخوه أبو الحتوف استنصار الحسين واستغاثته وكانا مع ابن سعد ولما إن سمعا بكاء عياله فمالا بسيفيهما على أعداء الحسين قاتلا حتى قُتلا وأخذ أصحاب الحسين بعد ان قل عددهم وبان النقص فيهم يبرز الرجل بعد الرجل فأكثروا القتل في اهل الكوفة فصاح عمرو بن الحجاج بأصحابه: أتدرون من تقاتلون ؟ تقاتلون فرسان المصر وأهل البصائر وقوماً مستميتين لا يبرز اليهم احد منكم إلا قتلوه على قلتهم والسبب في ذلك أنهم كانوا يقاتلون عن عقيدةٍ وإيمانا وأولئك كانوا يقاتلون في سبيل الماده والطمع فقال عمرو بن الحجاج:لو لم ترموهم إلا بالحجارة لقتلتموهم فقال عمر بن سعد:صدقت الرأي ما رأيت أرسل في الناس من يعزم عليهم ألا يبارزهم رجل منهم ولو خرجتم إليهم وحدانا لأتوا عليكم ثم حمل عمرو بن الحجاج على ميمنة الحسين فثبتوا له وجثوا على الركب وأشرعوا الرماح فلم تقدم الخيل فلما ذهبت الخيل لترجع رشقهم أصحاب الحسين بالنبل فصرعوا رجالاً وجرحوا آخرين ثم حمل عمروبن الحجاج من نحو الفرات فاقتتلوا ساعة وفيها قاتل مسلم ابن عوسجة فشّد عليه مسلم بن عبد الله وعبد الله البجلي وثارت لشدة الجلاد غبرة شديدة وما انجلت الغبرة إلا ومسلم ابن عوسجة صريعاً وبه رمق فمشى اليه الحسين ومعه حبيب بن مظاهر