حزنٌ طفولي
أميّ تأوّهت، أبي بكى؛
قفزتُ في هذا العالم الخطير،
أعزل، عارياً، مزقزقاً بأعلى صوتي
كشيطانٍ مختبئ في سحابة.
متخبطاً بين يديّ أبي
هائجاً في قِماطي
مربوطاً ومتعباً، كنتُ أفضّل
الحَرَد على ثدي أمي.
حين رأيتُ أن الغيظ عبثٌ
والحَرَد لا طائل له
بعد كثيرٍ من العفرتة والتحايل
بدأتُ أهدأ وأبتسم.
هدأتُ يوماً بعد يوم.
جاءت اللحظة التي وقفتُ فيها على الأرض
وابتسمتُ ليلةً بعد ليلة
لا هدف لي إلا المتعة.
رأيتُ أمامي عناقيد
من كرمةٍ برّية تلمع
وأشجارٌ وزهورٌ جميلة
نشرت فوقي إزهارها الربيعي.
عندها تفوّه أبي، بعينيّ قديسٍ،
وفي يديه كتابٌ مقدّس
بلعناتٍ فوق رأسي
وربطني بظلِّ ريحانة.
في ظل ريحانة
لماذا أنا مربوط بك،
يا ريحانتي الجميلة؟
لا يمكن للحب، للحب الحر، أن يكون مربوطاً
بأي شجرة مزروعة في الأرض.
آه كم كنتُ مريضاً ومتعباً
وأنا ممددٌ تحت ريحانتي
أشبه برَوث البقر على الأرض
مربوطاً بريحانتي.
غالباً ما تأوّهت ريحانتي عبثاً،
وهي تتأمّل قيدي الثقيل؛
غالباً ما رآنا أبي نتأوّه
وضحك من سذاجتنا.
هكذا صرعته فلوّن
دمه الجذور المنبثقة من الريحانة.
لكن زمن الشباب ولّى
والشعر الأبيض غطّى رأسي.
الحجّة
زأر "رينتراه" وحرّك نيرانه في الهواء الثقيل؛
تتسكّع غيومٌ جائعة فوق الهاوية.
هادئٌ، وفي ممرٍّ ضيقٍ،
كان العادل يسير على طريق
وادي الموت.
ورودٌ مزروعةٌ حيث ينبت الشوك
ونحلٌ يغنّي
على أرضٍ بائرة قاحلة.
عندها اخضرّ الممر الخطير،
سالت ساقية وتفجّر ينبوعٌ
من كل صخرةٍ ومن كل مقبرةٍ
وعلى العظام المبيَضّة
أنجب الطين الأحمر؛
إلى أن تخلّى الماكر
عن ممرّات السهولة
لصالح ممرّات الخطر وقاد
العادل إلى بلادٍ عاقرة.
الآن الثعبان يزحف
بتواضعٍ وديع،
والعادل يغتاظ في صحارٍ
تشرُد فيها الأسود.