الزيارة الجامعة الكبيرة :
رواها الصدوق في الفقيه والعيون والشيخ في التهذيب وهي أكمل الزيارات سنداً ومتناً نذكرها عن كتاب عيون أخبار الرضا عليه السلام عن الدقاق والسناني والوراق والمكتب جميعا عن الأسدي ، عن البرمكي عن النخعي قال :
قلت لعلي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليهم : علمني يا ابن رسول الله قولاً أقوله بليغا كاملا إذا زرت واحدا منكم فقال :
إذا صرت إلى الباب فقف واشهد الشهادتين _ أي قل : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمد صلى الله عليه وآله عبده ورسوله ـ وأنت على غسل ، فإذا دخلت ورأيت القبر فقف وقل : الله أكبر الله أكبر ثلاثين مرة ، ثم امش قليلا وعليك السكينة والوقار وقارب بين خطاك ، ثم قف وكبر الله عز وجل ثلاثين مرة ، ثم ادن من القبر وكبر الله أربعين مرة تمام مائة تكبيرة ثم قل :
(( السلام عليكم يا أهل بيت النبوة ، وموضع الرسالة ، ومختلف الملائكة ، ومهبط الوحي ، ومعدن الرحمة ، وخزان العلم ، ومنتهى الحلم ، وأصول الكرم وقادة الأمم ، وأولياء النعم ، وعناصر الأبرار ، ودعائم الأخيار ، وساسة العباد ،وأركان البلاد ، وأبواب الإيمان ، وأمناء الرحمن ، وسلالة النبيين ، وصفوة المرسلين ، وعترة خيرة رب العالمين ، ورحمة الله وبركاته .
السلام على أئمة الهدى ، ومصابيح الدجى ، وأعلام التقى ، وذوي النهى وأولي الحجى ، وكهف الورى ، وورثة الأنبياء ، والمثل الأعلى ، والدعوة الحسنى ، وحجج الله على أهل الدنيا والآخرة والأولى ، ورحمة الله وبركاته .
السلام على محال معرفة الله ، ومساكن بركة الله ، ومعادن حكمة الله ، وحفظة سر الله ، و حملة كتاب الله ، وأوصياء نبي الله ، وذرية رسول الله صلى الله عليه وآله ، ورحمة الله وبركاته .
السلام على الدعاة إلى الله ، والأدلاء على مرضاة الله ، والمستقرين في أمر الله ، والتامين في محبة الله ، والمخلصين في توحيد الله ، والمظهرين لأمر الله ونهيه ، وعباده المكرمين ، الذين لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون ، ورحمة الله وبركاته .
السلام على الأئمة الدعاة ، والقادة الهداة ، والسادة الولاة ، والذادة الحماة ، وأهل الذكر ، وأولي الأمر ، وبقية الله وخيرته ، وحزبه وعيبة علمه ، وحجته وصراطه ، ونوره وبرهانه ، ورحمة الله وبركاته .
أشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، كما شهد الله لنفسه ، وشهدت له ملائكته ، وأولو العلم من خلقه ، لا إله إلا هو العزيز الحكيم ، وأشهد أن محمدا عبده المنتجب ، ورسوله المرتضى ، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون .
وأشهد أنكم الأئمة الراشدون المهديون ، المعصومون المكرمون المقربون المتقون ، الصادقون المصطفون ، المطيعون لله ، القوامون بأمره ، العاملون بإرادته ، الفائزون بكرامته ، اصطفاكم بعلمه ، وارتضاكم لغيبه ، واختاركم لسره ، واجتباكم بقدرته ، وأعزكم بهداه ، وخصكم ببرهانه ، وأنتجبكم لنوره ، وأيدكم بروحه ، ورضيكم خلفاء في أرضه ، وحججا على بريته ، وأنصارا لدينه ، وحفظة لسره ، وخزنة لعلمه ، ومستودعا لحكمته ، وتراجمة لوحيه ، واركانا لتوحيده ، وشهداء على خلقه ، وأعلاما لعباده ، ومنارا في بلاده ، وأدلاء على صراطه ، عصمكم الله من الزلل ، وآمنكم من الفتن ، وطهركم من الدنس ، وأذهب عنكم الرجس وطهركم تطهيرا .
فعظمتم جلاله ، وأكبرتم شأنه ، ومجدتم كرمه ، وأدمتم ذكره ، ووكدتم ميثاقه ، وأحكمتم عقد طاعته ، ونصحتم له في السر والعلانية ، ودعوتم إلى سبيله بالحكمة والموعظة الحسنة ، وبذلتم أنفسكم في مرضاته ، وصبرتم على ما أصابكم في جنبه ، وأقمتم الصلاة ، وآتيتم الزكاة ، وأمرتم بالمعروف ، و نهيتم عن المنكر ، وجاهدتم في الله حق جهاده ، حتى أعلنتم دعوته ، وبينتم فرائضه ، وأقمتم حدوده ، ونشرتم شرائع أحكامه ، وسننتم سنته ، وصرتم في ذلك منه إلى الرضا ، وسلمتم له القضاء ، وصدقتم من رسله من مضى .
فالراغب عنكم مارق ، واللازم لكم لاحق ، والمقصر في حقكم زاهق ، والحق معكم وفيكم ومنكم وإليكم وأنتم أهله ومعدنه ، وميراث النبوة عندكم ، وإياب الخلق إليكم ، وحسابهم عليكم ، وفصل الخطاب عندكم ، وآيات الله لديكم ، وعزائمه فيكم ، ونوره وبرهانه عندكم ، وأمره إليكم .
من والاكم فقد والى الله ، ومن عاداكم فقد عادى الله ، ومن أحبكم فقد أحب الله ، ومن أبغضكم فقد أبغض الله ، ومن اعتصم بكم فقد اعتصم بالله ، أنتم السبيل الأعظم ، والصراط الأقوم ، وشهداء دار الفناء ، وشفعاء دار البقاء ، والرحمة الموصولة ، والآية المخزونة ، والأمانة المحفوظة ، والباب المبتلى به الناس .
من أتاكم ( فقد ) نجى ،ومن لم يأتكم ( فقد ) هلك ، إلى الله تدعون ، وعليه تدلون وبه تؤمنون ، وله تسلمون ، وبأمره تعملون ، وإلى سبيله ترشدون ، وبقوله تحكمون ، سعد ( والله ) من والاكم ، وهلك من عاداكم ، وخاب من جحدكم ، وضل من فارقكم ، وفاز من تمسك بكم ، وأمن من لجأ إليكم ، وسلم من صدقكم ، وهدي من اعتصم بكم ، من اتبعكم فالجنة مأواه ، ومن خالفكم فالنار مثواه ، ومن جحدكم كافر ، ومن حاربكم مشرك ، ومن رد عليكم في أسفل درك من الجحيم .
أشهد أن هذا سابق لكم فيما مضى ، وجار لكم فيما بقي ، وأن أرواحكم ونوركم ، وطينتكم واحدة ، طابت وطهرت بعضها من بعض ، خلقكم الله أنوارا فجعلكم بعرشه محدقين ، حتى من علينا بكم ، فجعلكم في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه ، وجعل صلاتنا عليكم ، وما خصنا به من ولايتكم ، طيبا لخلقنا وطهارة لأنفسنا ، وتزكية لنا ، وكفارة لذنوبنا ، فكنا عنده مسلمين بفضلكم ، ومعروفين بتصديقنا إياكم .
فبلغ الله بكم أشرف محل المكرمين ، وأعلى منازل المقربين ، وأرفع درجات المرسلين ، حيث لا يلحقه لاحق ، ولا يفوقه فائق ، ولا يسبقه سابق ، ولا يطمع في إدراكه طامع ، حتى لا يبقى ملك مقرب ، ولا نبي مرسل ، ولا صديق ولا شهيد ولا عالم ، ولا جاهل ، ولا دني ولا فاضل ، ولا مؤمن صالح ولا فاجر طالح ، ولا جبار عنيد ، ولا شيطان مريد ، ولا خلق فيما بين ذلك شهيد إلا عرفهم جلالة أمركم ، وعظم خطركم ، وكبر شأنكم ، وتمام نوركم ، و صدق مقاعدكم ، وثبات مقامكم ، وشرف محلكم ، ومنزلتكم عنده ، وكرامتكم عليه ، وخاصتكم لديه ، وقرب منزلتكم منه .
بأبي أنتم وأمي وأهلي ومالي وأسرتي ، اشهد الله وأشهدكم أني مؤمن بكم وبما آمنتم به ، كافر بعدوكم وبما كفرتم به ، مستبصر بشأنكم ، وبضلالة من خالفكم ، موال لكم ولأوليائكم ، مبغض لأعدائكم ومعاد لهم ، سلم لمن سالمكم ، وحرب لمن حاربكم ، محقق لما حققتم ، مبطل لما أبطلتم ، مطيع لكم ، عارف بحقكم ، مقر بفضلكم ، محتمل لعلمكم ، محتجب بذمتكم ، معترف بكم ، مؤمن بإيابكم ، مصدق برجعتكم ، منتظر لأمركم ، مرتقب لدولتكم ، آخذ بقولكم ، عامل بأمركم مستجير بكم ، زائر لكم ، عائذ بكم ، لائذ بقبوركم ، مستشفع إلى الله عز وجل بكم ، ومتقرب بكم إليه ، ومقدمكم أمام طلبتي وحوائجي وإرادتي ، في كل أحوالي وأموري .
مؤمن بسركم وعلانيتكم ، وشاهدكم وغائبكم ، وأولكم وآخركم ، ومفوض في ذلك كله إليكم ، ومسلم فيه معكم ، وقلبي لكم مسلم ، ورأيي لكم تبع ، ونصرتي لكم معدة ، حتى يحيي الله تعالى دينه بكم ويردكم في أيامه ، ويظهركم لعدله ، ويمكنكم في أرضه .
فمعكم معكم لا مع عدوكم ، آمنت بكم ، وتوليت آخركم بما توليت به أولكم ، وبرئت إلى الله عز وجل من أعدائكم ، ومن الجبت والطاغوت والشياطين وحزبهم الظالمين لكم ، والجاحدين لحقكم ، والمارقين من ولايتكم ، والغاصبين لأرثكم ، والشاكين فيكم ، والمنحرفين عنكم ، ومن كل وليجة دونكم ، وكل مطاع سواكم ، ومن الأئمة الذين يدعون إلى النار .
فثبتني الله أبدا ما حييت على موالاتكم ، ومحبتكم ودينكم ، ووفقني لطاعتكم ، ورزقني شفاعتكم ، وجعلني من خيار مواليكم ، التابعين لما دعوتم إليه ، وجعلني ممن يقتص آثاركم ، ويسلك سبيلكم ، ويهتدي بهداكم ، ويحشر في زمرتكم ، ويكر في رجعتكم ، ويملك في دولتكم ، ويشرف في عافيتكم ، ويمكن في أيامكم ، وتقر عينه غدا برؤيتكم .
بأبي أنتم وأمي ونفسي وأهلي ومالي ، من أراد الله بدأ بكم ، ومن وحده قبل عنكم ، ومن قصده توجه بكم ، موالي لا أحصي ثناءكم ، ولا أبلغ من المدح كنهكم ، ومن الوصف قدركم ، وأنتم نور الأخيار ، وهداة الأبرار ، وحجج الجبار ، بكم فتح الله وبكم يختم ، وبكم ينزل الغيث ، وبكم يمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه ، وبكم ينفس الهم ، وبكم يكشف الضر ، وعندكم ما نزلت به رسله ، وهبطت به ملائكته ، وإلى جدكم بعث الروح الأمين .
وإن كانت الزيارة لأمير المؤمنين ـ وليس لأحد الأئمة من ولده ـ فقل : " وإلى أخيك بعث الروح الأمين "
آتاكم الله ما لم يؤت أحدا من العالمين ، طاطأ كل شريف لشرفكم ، وبخع كل متكبر لطاعتكم ، وخضع كل جبار لفضلكم ، وذل كل شئ لكم ، وأشرقت الأرض بنوركم وفاز الفائزون بولايتكم ، بكم يسلك إلى الرضوان ، وعلى من جحد ولايتكم غضب الرحمان .
بأبي أنتم وأمي ونفسي وأهلي ومالي ، ذكركم في الذاكرين ، وأسماؤكم في الأسماء ، وأجسادكم في الأجساد ، وأرواحكم في الأرواح ، وأنفسكم في النفوس ، وآثاركم في الأثار ، وقبوركم في القبور ، فما أحلى أسماءكم ، وأكرم أنفسكم ، وأعظم شأنكم ، وأجل خطركم ، وأوفى عهدكم ، وأصدق وعدكم .
كلامكم نور ، وأمركم رشد ، ووصيتكم التقوى ، وفعلكم الخير ، وعادتكم الإحسان ، وسجيتكم الكرم ، وشأنكم الحق والصدق والرفق ، وقولكم حكم و حتم ، ورأيكم علم وحلم وحزم ، إن ذكر الخير كنتم أوله وأصله وفرعه ومعدنه ومأواه ومنتهاه .
بأبي أنتم وأمي ونفسي ، كيف أصف حسن ثنائكم ، وأحصي جميل بلائكم ، وبكم أخرجنا الله من الذل ، وفرج عنا غمرات الكروب ، وأنقذنا بكم من شفا جرف الهلكات ومن النار .
بأبي أنتم وأمي ونفسي ، بموالاتكم علمنا الله معالم ديننا ، وأصلح ما كان فسد من دنيانا ، وبموالاتكم تمت الكلمة ، وعظمت النعمة ، وائتلفت الفرقة ، وبموالاتكم تقبل الطاعة المفترضة ، ولكم المودة الواجبة ، والدرجات الرفيعة ، والمقام المحمود ، والمكان المعلوم عند الله عز وجل ، والجاه العظيم ، والشأن الكبير ، والشفاعة المقبولة .
ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين ، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا ، وهب لنا من لدنك رحمة ، إنك أنت الوهاب ، سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا .
يا ولي الله ـ يا أولياء الله ( إن كانت نية الزيارة لجميع الأئمة ) _ إن بيني وبين الله عز وجل ذنوبا لا يأتي عليها إلا رضاكم ، فبحق من ائتمنكم على سره ، واسترعاكم أمر خلقه ، وقرن طاعتكم بطاعته ، لما أستوهبتم ذنوبي ، وكنتم شفعائي ، فإني لكم مطيع .
من أطاعكم فقد أطاع الله ، ومن عصاكم فقد عصى الله ، ومن أحبكم فقد أحب الله ، ومن أبغضكم فقد أبغض الله .
اللهم إني لو وجدت شفعاء أقرب إليك من محمد وأهل بيته الأخيار الأئمة الأبرار ، لجعلتهم شفعائي ، فبحقهم الذي أوجبت لهم عليك ، أسألك أن تدخلني في جملة العارفين بهم وبحقهم ، وفي زمرة المرحومين بشفاعتهم ، إنك أرحم الراحمين ، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين ، وسلم تسليما كثيرا ، وحسبنا الله ونعم الوكيل .
( الوداع ) إذا أردت الانصراف فقل :
السلام عليكم سلام مودع ، لا سئم ولا قال ولا مال ، ورحمة الله وبركاته عليكم يا أهل بيت النبوة إنه حميد مجيد ، سلام ولي غير راغب عنكم ، ولا مستبدل بكم ، ولا مؤثر عليكم ، ولا منحرف عنكم ، ولا زاهد في قربكم ، لا جعله الله آخر العهد من زيارة قبوركم ، وإتيان مشاهدكم .
والسلام عليكم ، وحشرني الله في زمرتكم ، وأوردني حوضكم ، وجعلني من حزبكم وأرضاكم عني ، ومكنني من دولتكم ، وأحياني في رجعتكم ، وملكني في أيامكم ، وشكر سعي بكم ، وغفر ذنبي بشفاعتكم ، وأقال عثرتي بمحبتكم ، وأعلى كعبي بموالاتكم ، وشرفني بطاعتكم ، وأعزني بهداكم ، وجعلني ممن أنقلب مفلحا منجحا ، غانما سالما ، معافا غنيا ، فائزا برضوان الله وفضله وكفايته ، بأفضل ما ينقلب به أحد من زواركم ومواليكم ومحبيكم وشيعتكم .
ورزقني الله العود ثم العود أبدا ما أبقاني ربي ، بنية صادقة ، وإيمان وتقوى وإخبات ، ورزق واسع حلال طيب .
اللهم لا تجعله آخر العهد من زيارتهم وذكرهم ، والصلاة عليهم ، وأوجب لي المغفرة والرحمة والخير والبركة والتقوى والفوز والنور والإيمان ، وحسن الإجابة ، كما أوجبت لأوليائك العارفين بحقهم ، الموجبين طاعتهم ، والراغبين في زيارتهم المتقربين إليك وإليهم .
بأبي أنتم وأمي ونفسي وأهلي ومالي ، اجعلوني في همكم ، وصيروني في حزبكم ، وأدخلوني في شفاعتكم ، واذكروني عند ربكم ، اللهم صل على محمد وآل محمد ، وأبلغ أرواحهم وأجسادهم مني السلام ، والسلام عليه وعليهم ورحمة الله وبركاته ، وصلى الله على محمد وآله وسلم كثيرا ، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
عيون الأخبار ج 2 ص 272 - 278 .
شرح الزيارة الجامعة ببيان العلامة المجلسي بتصرف :
أقول قد بينا في الباب الأول من هذا الكتاب ( ثواب الزيارة والحج ) من الأصول في الإمامة وسبب الزيارة وثوابها ما يفهم منها معنى جميع فقرات هذه الزيارة الشريفة ، والتي تدعو للكون مع الأبرار والسير وفق هديهم لأنهم ورثة القرآن وعندهم علم الله ورسوله ، وهم الإدلاء الحقيقيين للصراط المستقيم والهداة أصحاب النعيم ، وبودهم والسير وفق هداهم ننال رضا الله تعالى لما أمر من الكون معهم والإقرار بفضلهم وعلو مقامهم عنده ، وهو سبحانه أختارهم واصطفاهم وطهرهم وبين علو قدرهم في القرآن الكريم وفي كلام رسوله الأكرم ، وما هذه الزيارة إلا إقرار لله بالعبودية والطاعة لما أمرنا من الكون مع أهل البيت الأطهار الأبرار الأخيار في الدنيا والآخرة .
ولما كان يكفي ما ذكرنا من البيان الكلي الجامع لهذه الزيارة ولكل زيارة في الباب الأول أخترنا شرح مفردات هذه الزيارة من شرح العلامة المجلسي رحمه الله في البحار ، فإنه مختصر وجيد مفيد فذكرناه هنا للفائدةـ بتصرف منا في بعض فقراته وإضافة صدرناها بكلمة أقول : ليستبين أنها ليس من بيان المجلسي وإنما أضفناه للفائدة ـ وشرحه رحمه الله هو :
بيان : " قوله عليه السلام " :
وعليك السكينة : أي أيطمئنان القلب بذكر الله و تذكر عظمته وعظمة أوليائه ، والوقار: اطمئنان البدن .
ومقاربة الخطى : إما لكثرة الثواب أو للوقار ، وموضع الرسالة : أي مخزن علم جميع رسل الله عليهم الصلاة والسلام أو القوم الذين جعل الله الرسول منهم ، والأول أظهر .
ومختلف الملائكة : أي محل نزولهم وعروجهم ، ومهبط الوحي : بفتح الباء وكسرها إما باعتبار هبوطه على الرسول صلى الله عليه واله في بيوتهم أو عليهم لغير الشرائع والأحكام كالمغيبات أو الأعم في ليلة القدر وغيرها ، فيكون في الشرائع للتأكيد والتبيين ، وقد مر القول فيه في كتاب الإمامة .
ومعدن الرحمة : بكسر الدال لأن الرحمات الخاصة والعامة ، إنما تنزل على القوابل بسببهم كما مر تحقيقه . أقول يتحقق نزول الرحمة بقبول العبد لها وهو عندما يكون مطيع لله بحبة لأهل البيت عليهم السلام .
وخزان العلم : فان جميع العلوم التي نزلت من السماء في الكتب الإلهية أوجرت على ألسنة الأنبياء مخزونة عندهم مع ما نزلت أو تنزل عليهم في ليلة القدر وغيرها كما سبق بيانه ، ومنتهى الحلم : أي محل نهاية الحلم ، أو ذا نهايته أو نهايته مبالغة ، والحلم : إما بمعنى الأناة وكظم الغيظ ، أو العقل ، و الأول أظهر .
وأصول الكرم : الكريم الجواد المعطي أو الجامع لأنواع الخير والشرف والفضائل ، والمعنيان وكمالهما فيهم ظاهران ، أو المراد أنهم أسباب كرم الله تعالى على العباد في الدنيا والآخرة ، أقول : هم مصداق الحقيقي للكوثر وسورة الدهر .
وقادة الأمم : أي طوائف هذه الأمة إلى معرفة الله وطاعته في الدنيا بالهداية وإلى درجات الجنان في الآخرة بالشفاعة ، أو قادة مؤمني جميع الأمم في الآخرة ، فإن لهم الشفاعة الكبرى ، بل في الدنيا أيضا ، لان بالتوسل إلى أنوارهم المقدسة اهتدى الأنبياء وأممهم .
وأولياء النعم : أي النعم الظاهرة والباطنة ، فان بهم تنزل البركات وبهم يفوز الخلق بالسعادات ، أقول قد عرفت في الباب الأول بهم يهتدي المهتدون للصراط المستقيم ، وهو بيد أصحاب النعيم أهل البيت عليهم السلام وأتباعهم تبع لهم بنعيم الله تعالى ونيل رضاه والوصول لحقيقة عبوديته .
وعناصر الأبرار : بكسر الصاد جمع عنصر بضمتين ، وقد يفتح الصاد : وهو الأصل والحسب ، أي هم أصول الأبرار لانتسابهم إليهم و اهتدائهم بهم ، أو لأنهم إنما وجدوا ببركتهم ، أو لأنه خلف كل منهم خلفا وهو سيد الأبرار ، أقول : عرفت ذلك في سورة الدهر وفي آية الصلاة عليهم في الباب الأول والفقرات الآتية .
ودعائم الأخيار : جمع دعامة بكسر الدال وهي عماد البيت ، وهم سادة الأخيار ، وبهم استنادهم ، وعليهم اعتمادهم ، وساسة العباد : جمع السائس أي ملوك العباد وخلفاء الله عليهم .
وأركان البلاد : فإن نظام العالم بوجود الإمام ، وأبواب الإيمان أي لا يعرف الإيمان إلا منهم ، أو لا يحصل بدون ولايتهم ، والسلالة بالضم ما انسل من الشيء ، والولد ، والصفوة مثلثة الفاء الخلاصة والنقاوة ، والخيرة بكسر الخاء وسكون الياء وفتحها المختار .
أئمة الهدى : أي الهدى يلزمهم ويتبعهم فهم أئمته ، أو هم أئمة الناس في الهداية وهذا أظهر ، والدجى : جمع الدجية بالضم فيهما وهي الظلمة أقول يوم يدعى كل أناس بإمامهم وأله البيت هم أئمة الهدى وغيرهم من لم يتبعهم أئمة ضلال .
وأعلام التقى : الأعلام جمع علم وهو العلامة والمنار والجبل ، أي إنهم معروفون عند كل أحد بالتقوى ، ولا يعرف التقوى إلا منهم . والنهى : بالضم العقل وجمع نهية أيضا وهي العقل ، والحجى : كإلى العقل والفطنة ، وكهف الورى : أي ملجأ الخلائق في الدين والآخرة والدنيا ، وورثة الأنبياء : أي ورثوا علوم الأنبياء وآثارهم كالتابوت ، والعصا ، وخاتم سليمان ، وعمامة هارون ، وغيرها كما مر في كتاب الإمامة .
والمثل الأعلى : أي مثل الله نوره تعالى بهم في آية النور ، والأفراد لأنه مثل بجميعهم مع أن نورهم واحد ، والمثل أيضا يكون بمعنى الحجة والصفة ، فهم حجج الله والمتصفون بصفاته ، كأنهم صفاته على المبالغة .
والدعوة الحسنى : الحمل على المبالغة أي أهل الدعوة الحسنى ، فإنهم يدعون الناس إلى طريق النجاة ، أو المراد أنهم الذين فيهم الدعوة الحسنى من إبراهيم عليه السلام حيث قال " فاجعل أفئدة من الناس تهوى إليهم " إبراهيم : 37 وقال " ومن ذريتي " البقرة : 124 كما قال النبي صلى الله عليه واله : أنا دعوة أبي إبراهيم ، والآخرة والأولى : الأولى تأكيد للدنيا أو المراد بأهل الآخرة أهل الملة الآخرة ، وكذا الأولى ، أقول مصداق الآية الكريمة : { وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا } الفرقان (74) وقد تم بيانه في الباب الأول .
وحملة كتاب : الله أي عندهم تمام الكتاب على ما نزل ، من غير نقص وتغيير ومعناه وتأويله وبطونه . وذرية رسول : الله صلى الله عليه واله شمل أمير المؤمنين عليه السلام تغليبا ، أو هذه الفقرة مختصة بغيره عليه السلام وسيأتي في الجامعة الكبيرة وورثة رسول الله صلى الله عليه واله فلا يحتاج إلى تكلف ، والمستقرين في أمر الله : أي في أوامره عاملين بها أو في أمر الخلافة ، أقول : إن كتاب الله هو الموجود بين الدفتين والله حافظ له باللفظ كما هو الآن وحافظ له بالشرح والبيان بالأئمة من أهل البيت عليهم السلام .
وفي بعض النسخ المستوفرين أي الذين يعملون بأوامر الله أكثر من سائر الخلق .
والتامين في محبة الله : في بعض النسخ القديمة والنادمين بالنون من النمو أي نشئوا في بدو سنهم في محبته ، أو في كل آن وزمان يزدادون في حبه ، أقول بل أمر الله بمحبتهم كما في آية مودة القربى .
والذادة الحماة : الذود الطرد والدفع أي يدفعون عن دين الله ما يبطله ويحمون عباد الله عما يهلكهم ويضلهم .
وبقية الله : أي بقية خلفاء الله في الأرض من الأنبياء والأوصياء ، إشارة إلى قوله تعالى " بقية الله خير لكم إن كنتم تعلمون " أو الذين بهم أبقى الله على العباد ورحمهم فالحمل للمبالغة فيكون إشارة إلى قوله تعالى " أولوا بقية " والأول اظهر .
والعيبة : الصندوق ، ونوره : أي الذين نوروا العالم بعلم الله وهدايته ، أو بنور الوجود أيضا ، لأنهم علل غائية له ، والعزيز : الغالب القاهر الذي لا يصل أحد إلى كبريائه والحكيم : المحكم لأفعاله العالم بالحكم والمصالح .
القوامون بأمره : أي الإمامة أو الأعم أو المقيمون لغيرهم على الطاعة بأمره .
اصطفاكم بعلمه : أي عالما بأنكم مستأهلون لذلك الاصطفاء ، أو لان يجعلكم خزان علمه أو بأن جعلكم كذلك ، أقول : لأن الله وهو الذي يختار ويصطفي لولاة دينه بعلمه حسب إخلاصهم وحسن عمله وقد بيناه في الباب الأول من هذا الكتاب .
وارتضاكم لغيبه : إشارة إلى قوله تعالى " فلا يظهر على غيبه أحد إلا من ارتضى من رسول " إما بكون الرسول في الآية شاملا لهم على التغليب أو بكون المراد به معنى آخر أعم من المعنى المصطلح ، ويحتمل أن لا يكون إشارة إليها ويكون المقصود في الآية ، حصر علم الغيب بلا واسطة في الرسل ، وأما علمهم عليهم السلام فإنما هو بتوسط الرسول صلى الله عليه واله ، ويظهر من كثير من الروايات أن لفظة من في الآية ليست بيانية ، وأن المراد بالموصول أمير المؤمنين أو مع سائر الأئمة عليهم السلام ، فانهم المرتضى من الرسول أي ارتضاهم بأمر الله للوصاية والخلافة فلا يحتاج إلى تكلف ، أقول وفيه معنى : قوله تعالى ( سوف يعطيك ربك فترضى ) وقوله تعالى ( إنا أعطيناك الكوثر ) .
واجتباكم بقدرته : إشارة إلى علو مرتبة اجتبائهم ، حيث نسبه إلى قدرته مؤميا إلى أن مثل ذلك من غرائب قدرته أو لإظهار قدرته ، ويحتمل أن يكون المراد أعطاكم قدرته وأظهر منكم الأمور التي هي فوق طاقة البشر بقدرته ،كما قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه ، ما قلعت باب خيبر بقوة جسمانية بل بقوة ربانية .
وخصكم ببرهانه : أي بالحجج والدلائل ، أو المعجزات ، أو القرآن ، أو الأعم من الجميع وهو أظهر ، أقول راجع حجج الأئمة عليهم السلام في معرفة الله والدلالة عليه وبراهينهم في كتاب أصول الكافي أو في نهج البلاغة تعرف أنه لم يعرف الله لعباده مثلهم عليهم السلام .
وأيدكم بروحه : أي الروح الذي اختاره ، وهو روح القدس الذي هو معهم يسددهم كما مر ، وتراجمة لوحيه التراجمة بكسر الجيم جمع الترجمان بالضم والفتح ، وهو الذي يفسر الكلام بلسان آخر والمراد هنا مفسر القرآن وسائر ما أوحي إلى نبينا وساير الأنبياء صلوات الله عليه وعليهم ، أقول عرفت أن ليلة القدر الملائكة تنزل على الناس وبعد رسول الله الروح ينزل على الإمام من ذريته عليهم السلام .
واركانا لتوحيده : أي لا يقبل التوحيد من أحد إلا إذا كان مقرونا بالاعتقاد بولايتهم ، كما ورد في أخبار كثيرة أن مخالفيهم مشركون ، وأن كلمة التوحيد في القيامة تسلب من غير الشيعة ، أو أنهم لو لم يكونوا لم يتبين توحيده فهم أركانه ، أو المعنى أن الله جعلهم أركان الأرض ليوحده الناس وفيه بعد .
وشهداء على خلقه : كما قال تعالى " لتكونوا شهداء على الناس " وقد سبق في الأخبار الكثيرة ، أن أعمال العباد تعرض عليهم، أقول بينا أن الله اتخذ الأئمة شهداءة كل منهم عليهم السلام في زمانه وقد بينا في كتاب صحيفة الثقلين .
ومنارا في بلاده : أي يهتدي بهم أهل البلاد ، وأدلاء على صراطه : أي دينه القويم في الدنيا ، والصراط المعروف في الآخرة ، أقول هم المنعم عليهم في صورة الفاتحة وقد بيناه في الباب الأول من هذا الكتاب وفي صحيفة الثقلين في الفصل الثاني .
وآمنكم من الفتن : أي في الدين ، وأذهب عنكم الرجس : أي الشرك والشك والمعاصي كلها ، ووكدتم ميثاقه : أي الميثاق المأخوذ على الأرواح ، أو الأعم منه ومما أخذ النبي صلى الله عليه واله من الخلق ، على ما أصابكم في جنبه أي في طاعته وحقه أو قربه وجواره ، كما قالوا في قوله تعالى " على ما فرطت في جنب الله " وصرتم في ذلك أي في الجهاد أو في كل من الأمور المتقدمة ، وكلمة في تحتمل السببية .
منه إلى الرضا : أي رضا الله عنكم أو رضاكم عن الله .
فالراغب عنكم مارق : أي خارج من الدين ، واللازم لكم لاحق : أي بكم أو بالدرجات العالية ، ويقال : زهق الباطل أي اضمحل وزهق السهم إذا جاوز الهدف . وإليكم : أي كل حق يرجع إليكم بالآخرة فإنكم الباعث لوصوله إلى الخلق أو في القيامة يرجع إليكم فأن حسابهم عليكم .
وإياب الخلق إليكم : الإياب بالكسر الرجوع أي رجوع الخلق في الدنيا لجميع أمورهم إليهم وإلى كلامهم وإلى مشاهدهم ، أو في القيامة للحساب وهو اظهر . فالمراد بقوله تعالى " إن إلينا إيابهم " أي إلى أوليائنا كما دلت عليه أخبار كثيرة ، أقول بيناه في المعاد في كتابنا هذه أصول ديني .
وفصل الخطاب عندكم : أي الخطاب الفاصل بين الحق والباطل ، وآيات الله لديكم أي آيات القرآن أو معجزات الأنبياء ، أقول بينا أنهم هم ورثة الكتاب والراسخون في علمه والله يهدي بهم عبادة .
وعزائمه فيكم : أي الجد والاهتمام في التبليغ والصبر على المكاره والصدع بالحق ، فيكم وردت وعليكم وجبت : أو الواجبات اللازمة التي لم يرخص في تركها إنما وجب على العباد لكم كوجوب متابعتكم والاعتقاد بإمامتكم وجلالتكم وعصمتكم ، أو ما أقسم الله به في القرآن كالشمس والقمر والضحى أنتم المقصودون بها ، أو القسم بها إنما هو لكم ، وقيل أي كنتم آخذين بالعزائم دون الرخص ، أو السور العزائم ، أو ساير الآيات نزلت فيكم ، أو قبول الواجبات اللازمة إنما هو بمتابعتكم ، أو الوفاء بالمواثيق والعهود الإلهية في متابعتكم .
وأمره إليكم : أي أمر الإمامة والهداية للمؤمنين بعد رسول الله ، والرحمة الموصولة أي الغير المنقطعة فإن كل إمام بعده إمام ، كما فسر قوله تعالى : ولقد وصلنا لهم القول لعلهم يتذكرون ، بذلك في بعض الأخبار ، أو الموصولة بين الله وبين خلقه ، أقول : هو أمر الهداية لعبادة والدلالة للصراط المستقيم .
والآية المخزونة : أي هم علامة قدرة الله تعالى وعظمته ، لكن معرفة ذلك كما ينبغي مخزونة إلا عن خواص أوليائهم ، وفيه إشارة إلى أن الآيات في بطون الآيات هم الأئمة عليهم السلام كما مر في الأخبار ، وقد قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه : ما لله آية أكبر منى ، أقول : الإنسان المؤمن فضل على المخلوقات وسيد المرسلين وأخيه أمير المؤمنين وولدهم الأئمة أفضل آيات الله تعالى لأنهم سادت العالمين .
والأمانة المحفوظة : أي يجب على العالمين حفظهم وبذل أنفسهم وأموالهم في حراستهم ، أو المراد ذو الأمانة بمعنى أن ولايتهم الأمانة المحفوظة المعروضة إلى أمانة أو صدق حديثهم وأعانهم بشطر كلمة خرج من ولاية الله عز وجل وولاية رسول الله صلى الله عليه وآله وولايتنا أهل البيت .
وكذلك خبر يزيد بن عمير المروي في العيون أيضا وقال فيه : دخلت على علي ابن موسى الرضا ( ع ) بمرو فقلت له يا ابن رسول الله روي لنا عن الصادق جعفر بن محمد عليه السلام أنه قال : لا جبر ولا تفويض أمر بين أمرين فما معناه ؟ فقال : من زعم أن الله عز وجل فوض أمر الخلق والرزق إلى حججه ( ع ) فقد قال بالتفويض ، والقائل بالجبر كافر والقائل بالتفويض مشرك .
ونحو هذين الخبرين مما أوضح معنى تفويض أمر الخلق إلى الأئمة وأبطل قول المفوضة وأوجب لعنهم ومقاطعتهم . فكل ما ورد في هذه الزيارة الجامعة - وغيرها مما يوهم ظاهره التفويض ولا يومي إلى ذلك ، فإنما هو محمول على رعايتهم عليهم السلام لأمر
خلقه عز وجل وقيامهم بينهم بإعلاء دينه إذ أنهم ( ع ) حججه على خلقه وأنهم عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون .
ويزيد ما قلناه إيضاحا ما جاء في آخر الزيارة المذكورة من قوله ( ع ) وأسترعاكم أمر خلقه أي جعلكم رعاة لأمرهم وولاة عليهم وأين هذا من التفويض المنهي عنه والملعون قائله ؟
على السموات والأرض ، وقد مر أخبار كثيرة في أن الامانة المعروضة هي الولاية ولا يبعد أن يكون في الأصل المعروضة .
والباب المبتلى به الناس : إشارة إلى قول النبي صلى الله عليه واله : مثل أهل بيتي مثل باب حطة ، أشهد أن هذا : اسم الإشارة راجع إلى وجوب المتابعة ، أو إلى كل من المذكورات ، سابق لكم فيما مضى أي جار لكم فيما مضى من الأئمة ويحتمل الأزمنة السالفة والكتب المتقدمة ، والأول أظهر ، فجعلكم بعرشه محدقين أي مطيفين .
فجعلكم في بيوت : إشارة إلى أن الآيات التي بعد آية النور أيضا نزلت فيهم ، كما أن الآيات التي بعدها نزلت في أعدائهم ، وقد تقدمت الأخبار الكثيرة في ذلك ، فالمراد بالبيوت ، إما البيوت المعنوية التي هي بيوت العلم والحكمة وغيرهما من الكمالات والذكر فيها كناية عن استفاضة تلك الأنوار منهم ، أو البيوت الصورية التي هي بيوت النبي والأئمة صلوات الله عليه وعليهم في حياتهم ، ومشاهدهم بعد وفاتهم ، طيبا لخلقنا بالفتح إشارة إلى ما مر في الروايات أن ولايتهم وحبهم علامة طيب الولادة ، أو بالضم أي جعل
صلاتنا عليكم وولايتنا لكم سببا لتزكية أخلاقنا واتصافنا بالأخلاق الحسنة .
وكنا عنده مسلمين بفضلكم : إشارة إلى ما ورد في أخبار الطينة ، والأخبار الدالة على أن عندهم كتابا فيه أسماء شيعتهم وأسماء آبائهم ، وفي بعض النسخ مسمين ولعله أظهر ، ولا خلق فيما بين ذلك شهيد أي عالم أو حاضر ، وخطر الرجل بالتحريك قدره ومنزلته ، والشأن بالهمز : الأمر والحال ، وقال البيضاوي في قوله تعالى " في مقعد صدق " أي مقام مرضي ، أقول : من يقبل من أله البيت هُدي للصراط المستقيم بمتابعة لهم ومن تركهم ضل عن هدى الله وغضب عليه لترك الأئمة الهداة والأبرار المنعم عليهم وبالخصوص من عاندهم وخرج عليهم .
وثبات مقامكم : أي قيامكم في طاعة الله ومرضاته ومعرفته ، والأسرة بالضم من الرجل الرهط الأدنون ، والسلم : بالكسر المصالحة والانقياد . محتمل لعلمكم أي لا أرد ما ورد عنكم وإن لم يبلغ إليه فهمي ، محتجب بذمتكم أي مستتر عن المهالك بدخولي في ذمتكم وأمانكم .
مؤمن بإيابكم : أي برجعتكم في الدنيا لإعلاء الدين والانتقام من الكافرين والمنافقين قبل القيامة ، والفقرة التالية مفسرة لها ، وهما تدلان على رجعة جميع الأئمة وقد مر بيانها في كتاب الغيبة والارتقاب الانتظار ويقال : لاذ به إذا التجأ به واستغاث .
مؤمن بسركم وعلانيتكم : أي بالإمام المختفي والظاهر منكم أو بما ظهر من كمالاتكم وبما استتر عن أكثر الخلق من غرائب أحوالكم ، وهذا أظهر .
ومفوض في ذلك كله إليكم : أي لا أعترض عليكم في شئ من أموركم ، وأعلم أن كلما تأتون به فهو بأمره تعالى ، أو اسلم جميع أموري إليكم لكي تصلحوا خللها حيا وميتا والأول أظهر ، ومسلم فيه أي لا أعترض على الله تعالى في عدم استيلائكم وغيبتكم وغير ذلك بل أسلم وأرضى بقضائه معكم ، أي كما سلمتم ورضيتم ، وقلبي لكم مسلم أي منقاد لا يختلج فيه شيء لشيء من أفعالكم وأقوالكم وأحوالكم ، ورأيي لكم تبع أي تابع لرأيكم .
ويردكم في أيامه : إشارة إلى الرجعة ، وإلى ما ورد في الأخبار أن المراد بالأيام في قوله تعالى ( وذكرهم بأيام الله ) هي أيام قيام القائم عليه السلام .
ومن الجبت والطاغوت : أي الأول والثاني ، والشياطين سائر خلفاء الجور .
والوليجة : الدخيلة وخاصتك من الرجال ، أو من تتخذه معتمدا عليه من غير أهلك ، والرجل يكون في القوم وليس منهم أي لا أتخذ من غيرهم من أعتمد عليه في ديني وسائر أموري ، أو أبرأ من كل من أدخلوه معكم في الإمامة والخلافة ، وليس منكم ، وفيه إشارة إلى أن المؤمنين في قوله تعالى " ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة " هم الأئمة عليهم السلام وقال بعض المفسرين فيها أي دخلا وبطانة من المشركين يخالطونهم ويودونهم .
واقتص أثره : أي تتبعه . والزمرة : بالضم الفوج والجماعة ، ويكر في رجعتكم : الكر الرجوع يقال كره وكر بنفسه يتعدى ولا يتعدى وهذا يدل على رجوع خواص الشيعة أيضا في رجعتهم .
من أراد الله بدأ بكم : أي من لم يبدأ بكم فلم يرد الله بل أراد الشيطان ، ومن وحده قبل عنكم : أي من لم يقبل عنكم فليس بموحد ، بل هو مشرك وإن أظهر التوحيد ، أقول لأن كل تعليم مخالف لهم فهو مقابل ما أمر الله به من الكون مع الأبرار وأئمة الحق .
بكم فتح الله : أي في الوجود أو الخلافة أو جميع الخيرات ، والباء تحتمل السببية والصلة ، وبكم يختم أي دولتكم آخر الدول والدولة في الآخرة أيضا لكم ، إلا بإذنه : أي عند قيام الساعة أو في كل وقت يريد ، ويقال طاطأ رأسه أي طامنه وخفضه .
وبخع كل متكبر لطاعتكم : بخع بالحق بخوعا أقربه وخضع به كنجع بالكسر نجاعة وفي بعض النسخ بالنون يقال نخع لي بحقي كمنع أي أقر ، أقول : لا يوجد أحد لا يعلم من مناقب أهل البيت ما يوجب عليه محبتهم وودهم ووجوب متابعتهم وأخذ تعاليمه منهم ، ولكن البعض يكابر فيأخذ تعاليم الله من غيرهم .
ذكركم في الذاكرين : أي وإن كان ذكر كم في الظاهر مذكورا من بين الذاكرين ولكن لا نسبة بين ذكركم وذكر غيركم ، فما أحلى أسماءكم وكذا البواقي ، ويمكن تطبيق الفقرات بأدنى تكلف مع أنه لا حاجة إليه ، إذ مجموع تلك الفقرات في مقابلة مجموع الفقرات الآخرة ، ومنتهاه أي كل خير يرجع بالآخرة إليكم لأنكم سببه ، أو الخيرات الكاملة النازلة من الله ينتهي إليكم وينزل عليكم .
جميل بلائكم : أي نعمتكم ، والبلاء تكون منحة ومحنة ، وغمرة الشيء شدته ومزدحمه ، من شفا جرف الهلكات شفا كل شئ حرفه وجانبه ، والجرف بالضم وبضمتين ما تجرفته السيول وأكلته من الأرض ، أقول بينا في الباب الأول شروط الإمامة الصبر والنجاح في الإمتحان الهي عندما يصدق النية ، وهم نجحوا كما نجح جدهم النبي إبراهيم عليهم السلام ، والناس مبتلون بالأخذ منهم لأنهم الصراط المستقيم ، وهم على هذا كلمة الله المبتلى بها الناس كما أبتلي النبي إبراهيم عليه السلام بكلمات فأتمهن .
وبموالاتكم تمت الكلمة : أي كلمة التوحيد أو الإيمان إشارة إلى قوله تعالى : " اليوم أكملت لكم دينكم " والمفترضة على بناء المفعول يقال افترضه الله أي أوجبه ، ولكم المودة الواجبة أي في قوله تعالى ( قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ) .
والمقام المحمود : هو مقام الشفاعة الكبرى كما قال تعالى ( عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا ) والمقام المعلوم أي في القرب والكمال إشارة إلى قوله تعالى ( وما منا إلا له مقام معلوم ) في بطن الآية كما مر .
لا تزغ قلوبنا : أي لا تملها إلى الباطل " أن كان " أن مخففة من المثقلة " وعد ربنا لمفعولا " أي ما وعده لنا من إجابة الدعوات وتضعيف المثوبات .
لا يأتي عليها إلا رضاكم : أي لا يذهبها ولا يمحوها إلا رضاكم عنا وشفاعتكم لنا ، يقال أتى عليه الدهر أي أهلكه ، لما أستوهبتم : كلمة لما إيجابية بمعنى إلا أي أسألكم واقسم عليكم في جميع الأحوال إلا حال الإستيهاب الذي هو وقت حصول المطلب .
ولا قال : أي مبغض ، ولا مال من الملال ، وأعلا كعبي بموالاتكم : أي غلبني على أعدائي بأن يجعلهم تحت قدمي ، أو المراد مطلق العلو والرفعة ، وقال الجزري في حديث قيلة والله لا يزال كعبك عاليا ، هو دعاء لها بالشرف والعلو انتهى .
والإخبات : الخضوع ، اجعلوني في همكم : أي فيمن تهتمون لأمورهم ، ولكم العناية في شأنهم بالشفاعة لهم في الدنيا والآخرة .
قال المحلسي : إنما بسطت الكلام في شرح تلك الزيارة قليلا وإن لم أستوف حقها حذرا من الإطالة لأنها أصح الزيارات سندا ، وأعمها موردا ، وأفصحها لفظا وأبلغها معنى ، وأعلاها شأنا.
قال محقق بحار الأنوار :
لقد عكف كثير من الأعلام على شرح هذه الزيارة اهتماما بها فشرحوا بعض ما ورد فيها مما يوجب الإيهام وأوضحوا بعض ألفاظها ومعانيها المغلقة دفعا للاعتراض وردا للانتقاد وقد ذكر جملة منهم شيخنا الحجة الرازي دام ظله في كتابه الذريعة والى
القارئ أسماء من ذكرهم في خصوص ج 13 - وهم .
1 - الشيخ أحمد بن زين الدين الإحسائي المتوفى 1243 أو 41 وشرحه مطبوع وعندي منه نسخة مخطوطة كتبت في حياة المؤلف في سنة 1238 بعد تأليفه .
2 - المولى محمد تقي المجلسي والد شيخنا الباقر مؤلف البحار.
3 - السيد حسين بن محمد تقي الهمداني واسم شرحه الشموس الطالعة .
4 - السيد عبد الله شبر الحسيني واسم شرحه الأنوار اللامعة وهو مطبوع .
5 - السيد ميرزا علي نقي بن المجاهد الطباطبائي الحائري .
6 - الميرزا محمد على بن محمد نصير الجهاردهي الرشتي .
7 - ألسيد محمد بن محمد باقر الحسيني النائيني المختاري .
8 - السيد محمد بن عبد الكريم الطباطبائي البروجردي واسم شرحه الأعلام اللامعة .
وغيرهم ممن لا يسمعنا الوقت باستقرارئهم .
بحار الأنوارص126ب8ح4الزيارة الثانية .