وحيدة ليلة مقتلك ترافقني دمعتي تسقط واحدة فتتبعها أخريات، يتغلغل بللها فوق وجهي فأشعر بالرغبة في المزيد يأتيني صوت" رادود" حسيني وهو يسألك على لسان العقيلة"وين رايح". وحيدة أتذكر" رقية" و" سكينة" و"زينب" في غربتها وليل موحش كئيب وأجساد تلفها أرض كربلاء الحزينة. وحيدة مع نفسي والليل طويل وكل من حولي غادرني إلى أرض أبيك وأرض تشرفت بجسدك، أية فجيعة أن أسهر ليلة ذبحك وحدي مع أصوات أتنقل بينها وهي تودعك وتسألك" وين رايح" وأنا أعرف ويعرفون أنك لم ترحل يوما فأنت في قلوبنا في ضمائرنا في كل دمعة حسينية تنزل حرى عليك.
أرافقك في ليل كربلاء وتهفو روحي إلى أرض احتوتك ياشهيد.. أية فجيعة تقابلك يازينب، أينما تتلفتين تحوطك الأجساد الصامتة والأرواح تحف بك وتحزن معك لما ينتظرك من مسير .. أيتها الغالية أرافقك ولا أريد لدموعنا أن تتوقف.. أيتها الليلة المليئة بالعطش بظمأ الروح إلى الأخ الذي احتضنها ودموعها تبلل وجهيهما، يودعها، يوصيها وتعيد تذكر وصاياه، والقلب ينزف دما وظمأ اليه، سيفارقها بعد قليل والقلب يمتلئ بسؤال"وين تروح" أترحل وتتركنا والعين تتلفت إلى النساء، إلى السبايا, إلى بنات النبوة.. يهمس لها أختاه أنت رفعة الرأس وأعرف أنك ستكملين المسير بعدي لوحدك.. آه يا أختاه وآه يا أخي.. هل نحن سنكون سبايا؟؟
يضج السؤال في رأسي وأخبئه بين عيني في وحدتي بليلة وداعك أيها الحسين الذي ما أن أسمع اسمك حتى تنساب دموعي.
يذوب قلب الحسين حزنا على رؤية نساء أهل بيته، وهو لا يدري ما الذي سيحل بهن والموت يتربص وراء أمتار تنتظر والعطش يلوك الشفتين والأرض تصمت بانتظار لحظة تساوي كل ما سيأتي من سنوات.. آه من قلبك يازينب.. لا تنحني أيها القلب حتى لا ينحني الظهر وراءك.. مات القاسم ومات العباس واختفى الصحاب كل بدوره والأخت تنظر " رملة" وهي تعجن حنة " القاسم" الشهيد.
لا أريد أن أودعك أيها الحبيب. بل ليتني كنت معك، معكم، مع الرباب التي تحمل الرضيع المتلوي بنحيب الجوع والعطش، أيها الرب الرحيم كيف احتملت السماء نحيب الرضيع الجائع، وكيف ستحتمل" الرباب" وداع الحبيب!! وحيدة محملة بأوجاعي، أنقل الصوت والصور تتدافع أمامي، أبحث عن وجه ابني" حيدر" بين الوجوه التي ذهبت إليك في كربلاء، جاءك محملا بشوقي بلوعتي بحزني بقلبي الذي ينزف كمدا وألما ولوعة ودما يطوف فوق تربتك الطاهرة، خرج إليك ولم يصحبني خشية علي من مشقة الطريق ولم يكن يدري أن مشقة بقائي بعيدا عنك أقوى وأقسى على قلبي المكلوم، كيف أطفئ نار وداعك في هذه الليلة التي تبعد بمسافاتها عنك وهي أقرب إلي من حبل الوريد، لم أعد أحتمل نزف قلبي وأقترب منك أكثر وأهتف بك" لا ترحل" ليل الوداع مليء بالأحزان والنيران لا تنطفئ والقلب مكلوم توزع وتشظى وضاع من صدري، لم أعد أدري أين اختفى قلبي مني وهو يسير وراء ظلمة أرض ستحتوي جسدك أيها الغريب في أرض لم ترحمك ولم ترو قلبك الظامئ إلى رشفة ماء.. أمنع نفسي من شرب الماء وأشعر بالعطش يسير بعروقي.. أريد أن أشاركك، أن اصغي لصوت" زينب" وهي تحادث ظمأك وظمأ من حولها.. يأتيني صوتها" ياضوء عيني هل ستتركنا " ياضوء عيوننا مكانك وسط العيون منذ رأت عيوننا النور وستبقى فيها إلى أن نلتقيك وياسعد من يحشر بمن يحب يا أغلى من نحب.
منقووول