لقد جاء حديث القرآن عن الكائنات التى أبدعتها يد القدره مناسبا لجميع الناس على اختلاف درجات عقولهم وأفهامهم فكان لهم من ظاهره معان واضحة سهلة تصور لهم روعة صنعة الخالق كما يشاهدونها أمامهم، وتبين لهم ما فيها من آيات القدرة العظيمة المبدعة ودلائل العلم الواسع المحيط بكل شئ والموجه للعقول إلى فهم رحمة الله ومبلغ لطفه بعباده لكي يتعرفوا منها بالتعقل والتبصر على خالق الخلق وجلال ذاته وكمال صفاته إذ الصنعة دليل ساطع على قدرة الصانع وإبداعه.
ولكن المتأملين في حديث القرآن من أهل العلم والخبرة بالكائنات يرون في ألفاظ القرآن وعباراته أنها فوق معانيها الظاهرة وأن لها معان دقيقة تنطوى على اصول وجوامع من العلم الواسع الدقيق الذي لم يكن معروفا للناس من قبل ولم يتعرفوا عليه إلا بعد انتشار العلم الحديث بينهم في القرنين الاخيرين، وانكشفت هذا المعاني للمتأملين من أصحاب العقول الراجحة في ضوء علومهم الخاصة إما من صريح النص القرآني أو من إشارات ورموز لها.
وقال تعالى: في سورة يس آية - 39: "( والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم )" تفسير علماء الدين: والقمر جعلنا له منازل كمنازل الشمس، وهو يزيد وينقص حتى يصير كالعذق للقوس أو السباطة اليابسة إذا حال عليها الحول وجفت.
النظرة العلمية: دلت الدراسات الفلكية على أن القمر يدور حول نفسه، وفي نفس الوقت يطوف حول الارض مرة واحدة في كل شهر، ولا يظهر لنا من القمر مدة دورته هذه سوى وجه واحد هو الوجه المواجه للارض، أما جهة الآخر فلم ولن يراه سكان الارض، وتعرف دورته هذه بالشهر القمري، وفي كل يوم من هذا الشهر يبدو لنا القمر بأوجه مختلفة، ففي أول الشهر يكون في المحاق لانمحاق نوره أي اختفائه ثم يكون بعد سبعة أيام في التربيع الاول، ثم يكون بدرا في وسط الشهر ثم يكون في التربيع الثاني بعد الاسبوع الثالث، ثم يكون في المحاق آخر الشهر وهكذا دواليك، وبذلك يعرف الناس المواقيت.
وتعبير القرآن بالعرجون القديم الذي لا خضرة فيه ولا ماء ولا حياة هو تشبيه علمى يمثل لنا حالة القمر الواقعية بأنه لا حضرة فيه ولا ماء ولا حياة، وقد تحقق ذلك فعلا بعد أن تمكن الانسان أخيرا من النزول على سطح القمر والسير فوقه ومشاهدة معالمه المقفرة، فسبحان من بيده ملكوت كل شئ وهو على كل شئ قدير.
وقال الله تعالى في سورة يس آية 40:(لا الشمس ينبغى لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون).
تفسير علماء الدين: إن الشمس لا يصلح لها أن تطلع في سلطان القمر فيذهب ضوؤه، ولا الليل
يطلع في سلطان النهار فيذهب ضوؤه بل إن الشمس والقمر والنجوم كل منها في أفلاكها تدور ولا تخرج عنها.
وتفسيرا آخر يقول: لا الشمس يتأتى لها أن تخرج على نواميسها فتلحق القمر وتدخل في مداره ولا الليل يتأتى له أن يغلب النهار ويحول دون مجيئه بل هما متعاقبان وكل الاجرام السماوية تسبح في أفلاك لا تخرج عنها.
النظرة العلمية: يثبت العلم الحديث أنه لا يمكن أن تدرك الشمس القمر ولا يمكن أن يتلاقيا لان كلا منهما يجرى في مدار مواز للآخر فيستحيل أن يتقابلا لان الخطين المتوازين لا يتلاقيان أبدا، كما يستحيل أن يسبق الليل النهار لان ذلك يتطلب من الارض أن تدور عكس اتجاهها الطبيعى الذى هو من الغرب إلى الشرق، وهو أمر مخالف لناموس الكون والله سبحانه يقول في كتابه العزيز:(إنا كل شئ خلقناه بقدر).
وقال تعالى في سورة يونس آية - 5:(هو الذى جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ما خلق الله ذلك إلا بالحق يفصل الآيات لقوم يعلمون).
تفسير علماء الدين: إن ربكم هو الذى جعل الشمس تشع بالضياء وجعل القمر يرسل النور، وجعل للقمر منازل ينتقل فيها فيختلف نوره تبعا لهذه المنازل لتسعينوا بهذا
في تقدير مواقيتكم وتعلموا عدد السنين والحساب، وما خلق الله ذلك إلا بالحكمة وهو سبحانه يبسط في كتابه الآيات الدالة على ألوهيته وكمال قدرته لكى تتدبروها بعقولكم وتستجيبوا لما يقتضيه العلم.
النظرة العلمية: كشفت هذه الآية الكريمة عن حقائق لم تكن معروفة للناس قبل نزولها، كشفت عن أن الشمس نجم تنبعث منه حرارة وضوء كما هو شأن سائر النجوم التى هى أجرام ملتهبة ومضيئة في آن واحد، وأن القمر كوكب أى جسم بارد مظلم يستمد ضوءه وحرارته من الشمس، وأن القمر يتحرك في مداره مرة في كل شهر بتوقيت دقيق يعرف منه عدد الايام وحسابها في الشهور والاعوام فلولا هذه الحركة المنتظمة ما عرف الانسان وقته ولا كيف يحسب الشهور والاعوام.
فهل كل هذا النظام الدقيق والتدابير المحكمة يحدث عبثا واعتباطا وبلا غاية؟ كلا ! إنه تقدير العزيز الحكيم الذى أراده رحمة بمخلوقاته وكائناته التى جعل الارض مستقرا لها ومجالا لنشاطها.
وقال الله تعالى في سورة يونس آية - 6(إن في اختلاف الليل والنهار وما خلق الله في السماوات والارض لآيات لقوم يتقون).
تفسير علماء الدين: إن في تعاقب الليل والنهار واختلافهما بالزيادة والنقصان وفى خلق السماوات
والارض وما فيهما من الكائنات لادلة واضحة وحججا بينة على ألوهية الخالق وقدرته لمن يتجنبون غضبه ويخافون عذابه.
النظرة العلمية: يقرر العلم الحديث أن طول كل من الليل والنهار يختلف باستمرار على مدار السنة، وأن هذا الاختلاف في التوقيت يرجع إلى دوران الارض حول الشمس وحول محورها المائل على مداره بمقدار 2 / 1 و 23 مما يجعل الليل يطول أو يقصر بحسب تعامد الشمس على المكان أو ميلها عنه، وهذه حقائق كونية تكون في حكم البدهيات لمن يدرس مبادئ الجغرافيا.
وقال تعالى في سورة الرعد آية 41:(أو لم يروا أنا نأتى الارض ننقصها من أطرافها؟ والله يحكم لا معقب لحكمه وهو سريع الحساب).
تفسير علماء الدين: إن الارض التى استولى عليها الكافرون يأخذها منهم المؤمنون جزءا بعد جزء وبذلك تنقص عليهم الارض من حولهم، والله وحده هو الذى يحكم بالنصر أو الهزيمة وبالثواب أو العقاب ولا راد لحكمه، وحسابه سريع في وقته فلا يحتاج حكمه إلى وقت طويل لان عنده علم كل شئ.
النظرة العلمية: تحتمل هذه في تفسيرها علميا أنها تطابق ما وصل إليه علماء الفلك من أن الكرة لارضية تفلطحت عند القطبين وانبعجت عند خط الاستواء بسبب
سرعة دورانها حول نفسها التى تبلغ سرعتها نحو ألف ميل في الساعة وأن جزئيات من الغازات والعناصر المحيطة بوسط الكرة الارضية تنطلق بقوة الطرد المركزية إلى الخارج حول خط الاستواء مما يساعد على الانبعاج أى زيادة في شكلها عند خط الاستواء ونقص في طرفى القطبين.
وقال تعالى في سورة النمل آية - 88:(وترى الجبال تحسبها جامدة وهى تمر مر السحاب صنع الله الذى أتقن كل شئ إنه خبير بما تفعلون).
تفسير علماء الدين: إنك يا محمد ترى الجبال وقت النفخة الاولى تحسبها جامدة ساكنة مستقرة وهى تمر في الهواء مر السحب صنع الله الذى أتقن كل شئ من الخلق وأنه خبير بما تفعلون من الخير والشر(ومعنى ذلك في رأيهم أن حركة الجبال هذه لا تكون إلا يوم القيامة فقط).
النظرة العلمية يقرر العلم الحديث أن الكرة الارضية منذ نشأتها تدور حول نفسها باستمرار أمام الشمس مرة في كل يوم، وأنها تدور مرة كل سنة حول الشمس، شأنها في ذلك شأن جميع الاجرام السماوية التى تسبح في أفلاكها بانتظام، وعلى ذلك فكل ما على الارض من جبال وبحار وغلاف جوى كلها تشترك مع الارض في دورتها اليومية حول محورها ودورتها السنوية حول الشمس مع ملاحظة أن كلمة تحسب الواردة في الآية بمعنى تظن لا تتفق مطلقا مع ثبوت كل شئ يوم القيامة الذى
لا شئ فيه سوى اليقين الذى لا شك فيه، ولا ظنون بأى حال من الاحوال، والذى لا شك فيه أن الارض متحركة حول نفسها وحول الشمس في وقت واحد وليست ثابتة لانها لو كانت ثابتة لما حدث الليل والنهار ولما حدثت الفصول الاربعة.
وقال تعالى في سورة الفرقان آية - 45، 46:(ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ولو شاء لجعله ساكنا ثم جعلنا الشمس عليه دليلا ثم قبضناه إلينا قبضا يسيرا).
تفسير علماء الدين: أنظر إلى صنع ربك كيف بسط الظل بعد طلوع الفجر وقبل طلوع الشمس من المشرق إلى المغرب ولو شاء لتركه دائما ثم جعل الشمس تزيل منه بما يحل محله من أشعتها فكانت الشمس دالة عليه ولولاها ما عرف الظل، ولو شاء الله لجعل الظل ساكنا مطبقا على الناس فتفوت مصالحهم ومرافقهم.
النظرة العلمية: في هذه الآية دليل قوى على دوران الارض حول نفسها، وأن هذا الدوران ضرورى للكائنات الحية فوق الارض لانها لو كانت غير متحركة لسكن الظل ولم يتغير طولا أو قصرا، ولظلت أشعة الشمس مسلطة على نصف الكرة الارضية باستمرار، بينما يظل النصف الآخر ليلا دائما وهذا ما يسبب اختلافا كبيرا في التوازن الحرارى على الارض ويؤدى ذلك إلى هلاك البشر من شدة الحرارة أو من شدة البرودة، والله سبحانه قد جعل نسخ الظل بالشمس تدريجيا وبمقدار، ولم يجعله دفعة واحدة وفي ذلك منافع للناس تحفظ عليهم نظام حياتهم ونشاطهم.
وقال الله تعالى في سورة الزمر آية - 5:(خلق السماوات والارض بالحق، يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل وسخر الشمس والقمر كل يجرى لاجل مسمى ألا هو العزيز الغفار).
تفسير علماء الدين: يقول المفسرون الاوائل إن الله سبحانه وتعالى خلق السماوات والارض متلبسة بالحق والصواب على ناموس ثابت يلف الليل على النهار، ويلف النهار على الليل على صورة الكرة وذلل الشمس والقمر لارادته ومصلحة عباده وكل منهما يسير في فلكه إلى وقت محدود عنده وهو يوم القيامة.
النظرة العلمية تدل الآية على شيئين هما كروبة الارض ودورانها حول نفسها لان معنى التكوير هو لف الشئ على الشئ على سبيل التتابع أى الدوران كما تدل على أن كلا من الشمس والقمر يجرى أى يتحرك في مداره وأن لكل حركة زمنا محددا فالقمر له حركته الشهرية وللشمس حركتها حول نفسها ثم حركتها في مسارها وقد ثبت ذلك بالمشاهدة وبالوسائل والاجهزة الفلكية ويرى العلماء أن للشمس نهاية عندما تستنفد وقودها الذرى ولا يكون ذلك إلا عند فناء الكون حسب تقدير الله وتدبيره لانه سبحانه قدر كل شئ تقديرا.
وقال تعالى في سورة النازعات آية 30:(والارض بعد ذلك دحاها)
تفسير علماء الدين: والارض بعد ذلك بسطها على الماء ومهدها لسكنى الناس.
النظرة العلمية: توضح المعاجم اللغوية أن كلمة دحاها تؤدى معنى أنه جعلها كالدحية أى كالبيضة لان الادحوة معناها بيضة النعام أو مكان بيض النعام ويكون عادة مستدير الشكل، ولا شك أن هذا يطابق شكل الارض الحقيقى الذى تدل عليه البراهين النظرية والعملية، كما تؤكده الصور التى سجلتها آلات التصوير أثناء رحلات الاقمار الصناعية في الفضاء، ولفظ دحا يدل على شيئين هما البسط مع الاتساع والتكوير في التكوين، وهذه روعة في التعبير عن أن الارض التى نراها أمامنا في الظاهر مبسوطة فسيحة الارجاء هى في واقع الامر مستديرة كالبيضة، وهذا تقدير العزيز الحكيم الذى أتقن كل شئ خلقه.
والانسان في سيره على سطح الارض لا يزيد في حجمه عن نملة ضئيلة جدا تتحرك فوق منطاد ضخم جدا ولا ترى حولها غير استواء طريقها عليه ولا ترى أى انحناء أو استدارة أينما كانت فوقه.
وقال الله تعالى في سورة البقرة آية - 22:(الذى جعل لكم الارض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون).
تفسير علماء الدين: إن الله وحده هو الذى مهد لكم الارض وبسط رقعتها ليسهل عليكم
الاقامة فيها والانتفاع بهما، وجعل ما فوقكم من السماء وأجرامها وكواكبها كالبنيان المشيد وأمدكم بالماء الذى هو سبب الحياة والنعمة أنزله عليكم من السماء فجعله سببا في إخراج النبات والاشجار المثمرة التى رزقكم بفوائدها فلا يصح مع هذا أن تتصوروا أن لله نظراء تعبدونهم لانه ليس له مثيل ولا شريك، وأنتم بفطرتكم الاصلية تعلمون أنه لا مثيل له ولا شريك فلا تنحرفوا عن ذلك.
النظرة العلمية: يرى العلم الحديث أن موضع الاعجاز في هذه الآية قوله تعالى والسماء بناها، فقد أثبت العلم بما لا يقيل الشك أن السماء في معناها الواقعى والطبيعى هى كل ما يحيط بالارض من جميع أقطارها ابتداء من الغلاف الجوى الذى يرتفع بنحو ثلاثمائة كيلومتر فوق سطح الارض وكأنه بحر من الهواء حول الكرة الارضية ثم إنه بعد هذا الغلاف الجوى يوجد فراغ كونى تسبح فيه ملايين الاجرام السماوية في أعماقه السحيقة وهى تتجاذب فيما بينها وتتحرك في تماسك واتزان في طبقة بعد طبقة وكأنها البناء المحكم، أو كأنها السقف المبنى فوق الارض، فتبارك الله أحسن الخالقين.
وقال تعالى في سورة الانبياء آية 30:(وجعلنا من الماء كل شئ حى أفلا يؤمنون).
تفسير علماء الدين: فسرها المفسرون السابقون بأن الله خلق جميع الاحياء من ماء الذكر والانثى، وأن كل شئ من الكائنات الحية يحتاج إلى الماء في حياته، أفلا يؤمن أهل مكة بمحمد صلى الله عليه وسلم وبالقرآن؟
النظرة العلمية: يقرر العلم الحديث في تفسير هذه الآية الكريمة أن الماء يدخل في بناء أى جسم حى إذ هو في الحقيقة قوام حياته، فالماء في نظر العلم هو المكون الاصلى في تركيب مادة الخلية، والحلية هى وحدة البناء في كل شئ حى نباتا كان أو حيوانا، كما أن علم الكيمياء في أبحاثه الحديثة قد أثبت أن الماء عنصر لازم وفعال في كل ما يحدث من التحولات والتفاعلات التى تتم داخل الاجسام فهو إما وسط أو عامل مساعد أو داخل في هذا التفاعل أو ناتج عنه، وتقول الآيات الكريمة في قصة خلق آدم أبى البشر عليه السلام أنه خلق من طين، والطين هو خليط من الماء والتراب أى أن الماء عنصر أساسى في تكوين أى شئ حى.
وقال تعالى في سورة طه - آية 50:(قال ربنا الذى أعطى كل شئ خلقه ثم هدى).
تفسير علماء الدين: ربنا الذى منح نعمة الوجود لكل موجود، وخلقه على الصورة التى اختارها سبحانه له، ووجهه لما خلق.
النظرة العلمية: يرى العلم بنور الايمان أن قدرة الله تعالى وحكمته ورحمته قد أودعت في كل شئ خلقه صفاته الخاصة التى تؤهله لاداء وظيفته التى خلق لها ومن أجلها بصورة مدهشة تجعل الانسان يقر بعظمة الله جل جلاله ووحدانيته، فكل مخلوق
لم يخلق عبثا وإنما خلق ليؤدى الدور الذى أهلته له مقوماته وقدراته واستعداداته.