يُحكى أن السلطان العثماني بايزيد رأى هاتفاً (منادي) في المنام فانتفض ، وأمر أمين سرّه أن يجهز بعض النفر كي يذهبوا جميعاً إلى مكان ما، ودون أن يسأله امين السر عن الأسباب , فأعلمه أن هاتفاً جاءه في المنام .
قصد السلطان وصاحبه والحاشية وهم متنكرين المكان المقصود على حسب ما جاء في المنام ولدى وصولهم إليه وجدوا أنه حي سكني يقطنه ذوو الحال الميسور، ورأوا لفيفاً من الناس مجتمعين حول شخص قد مات للتو ، فسألهم السلطان : ما الأمر؟ فأجابوه أن هذا شخص يعمل في حيهم منذ مدة طويلة وكان مثال الجد والتفاني في عمله ( نعّال لحوافر الخيول ) اي يقوم بتصليح ومعالجة حوافر الخيل وكان يحصل على الأجر الوفير من عمله .
فسألهم السلطان : لماذا لا تدفنوه إذاً ؟.
فقالوا: إننا لا نعلم أين يسكن ولا من أين يأتي كل يوم ، ثم إنه رغم جدّه في عمله كان منبوذاً ومكروهاً من كل أهل الحي لأنه كان بعد انتهاء عمله يُشَاهد حاملاً زجاجات الخمر ومصاحباً لبنات الهوى , لذلك حين توفي أقسمنا أن نتركه هكذا دون دفن !!!
فأقترح عليهم السلطان أن يخلّصهم من جثته ؛ فوافقوا .
حمل النفر الجثة وساروا بها ، فهمس السلطان في أذن أمين سره أن يدفنه في باحة مسجده (مسجد السلطان بايزيد المشهور حتى يومنا هذا – في استانبول ) حسب ما جاءه في الحلم ،، فحاول أمين السر أن يعترض قائلا : يا سيدي السلطان.. بعد العمر الطويل ستدفن في ذلك المكان و لا يصح أبداً أن يكون قبرك مجاوراً لقبر ميتٍ كهذا .
فقطع السلطان الطريق عليه وأمره أن ينفذ دونما اعتراض ، ودفن الرجل في مسجد بايزيد .
بقي السلطان حائراً في أمره وقضّ عليه مضجعه، وهو يريد أن يعرف حقيقة أمر ذلك الرجل الميت وحاول مراراً أن يقصد ذلك الحي الذي حمله منه عسى أن يعثر على بصيص أمل يقربه من الحقيقة .
إلى أن عثر وبعد فترة ليست وجيزة على شيخٍ هرم يسير على عكازتين وكان يعرف المتوفى لأن الميت ساعده ذات يوم ماطر بارد للوصول إلى بيته ، وأسرّ إليه أنه يسكن في مكان قريب من حيّه فدلّه عليه، وكان الحي في الطرف البعيد من استانبول، فقصد السلطان المكان وهو متنكر أيضاً وسأل أهل الحي عن بيت نعال الخيول فدلوه عليه .
طرق الباب ففتحت له امرأة ، وقالت له بعد أن ألقى السلام : لقد توفي زوجي.. أليس كذلك؟ فقال: نعم، وجلس ينظر في زوايا الغرفة الصغيرة التي تقطنها مع أولادها فتعجب السلطان وقال ل: ماذا أنتم على هذه الحال من الفقر وقد علمت أن زوجك المرحوم كان يجني مالاً كثيراً ؟ .
أجابته المرأة: لقد كان زوجي الصالح يأتي كل يوم بالقليل من المال ما يسد به رمقنا لمعيشة يوم واحد فقط .
فسألها متعجباً : زوج صالح ؟!! لقد سمعت أنه كان ينصرف من عمله للّهو وشرب الخمور .
فتبسّمت الزوجة وقالت : لقد كان ينصرف من عمله ويأتي سيراً على قدميه، فكلما رأى رجلاً من حاملي زجاجات الخمر كان يحاول إقناعه بالعدول عن المحرمات فيأخذها منه ويدفع له ثمنها ليكسرها ويهدرها، أما بنات الهوى فكان يمسك بيد الواحدة منهن وينصحها ويجعلها تعدل عن فعلها للحرام ويوصلها إلى بيتها بعد أن يدفع لها المال ، وكنت أنصحه دائماً أن ينقل عمله إلى حيّنا فيقول : وهل في حينا من يملك قوت يومه كي ينفق على حماره أو بغله؟!. وقلت له ذات مرة ماذا لو حانت ساعتك وتوفيت في ذلك الحي البعيد حيث لا أحد يعرف أهلك أو بيتك ؟ .
فرد عليّ :إن الله معنا، وسيتولى السلطان بايزيد كل شيء بإذن الله.
و ها أنت السلطان بايزيد عندنا .