يسكن في أعماق كل إنسان منا .. كتل من المشاعر .. ما بين فرح وحزن . ما بين حب وشوق .. ما بين صدق وزيف .. ما بين عتاب . وغضب .. ما بين مودة .. وكراهية .. وتبقى هذه المشاعر كامنة لا تتحرك إلا بمؤثرات خارجية .. تثيرها وتهيجها .. فيعبر عنها الإنسان بصور مختلفة ..
وتختلف عند البشر صور التعبيرعن هذه المشاعر ، فمنهم من يعبر عنها بدموع تخفف عنه عبء ما حمله من هم تلك المشاعر ، ومنهم من يعبر عنها بصمت .. ومنهم من يعبر عنها .. بالإنعزال والإنطواء والوحدة .. ومنهم من يعبر عنها بضحكات تلجلج في الآفاق .. تطرب لها النوارس .. وتتمايل معها الأزهار .. ومنهم من يعبر عن مشاعره .. بقسوة وقوة .. فيخرب كل ما يواجهه أو يكسر في يده شيئا .. أو يرتكب حماقة .. سرعان ما يندم على ارتكابها .. ومنهم من يعبر عن مشاعره بحروف وكلمات .. وتظهر لنا في صورة من صور الأدب كالشعر أو النثر .. من قصائد ومقالات وقصص وخواطر .. ومنهم من يعبر عن تلك المشاعر .. في لوحة تشكيلية فنية .. تعجز كل الأقلام .. وتتقازم كل التعابير أمام هذا التعبير .. الآسر الجميل .. ومنهم من يعبر عنها في صورة حديث صوتي .. عندما يحدث أصدقائه وأحبائه .. لكنه لا يستطيع ترجمة تلك المشاعر لكلمات .. تكتب وتقرأ .. ومن الناس .. من لا يستطيع أن يعبر عن مشاعره أبدا ... وهو ليس بارد الإحساس .. بقدر أنه لم يجد الطريقة المناسبة للتعبير عن مشاعره .. فلا يهتم بها .. ولا يلقي لها بالا . وقد يجد في لوحة .. أو في قصيدة .. أو في خاطرة .. أو في مقال ... ما يعبر عن مشاعره .. فيكتفي بقراءتها والتعايش معها ومع أحداثها .. تعانقها الروح .. وتتشربها النفس .. وتخالطها المشاعر والأحاسيس .. فيكتفي بها معبرة عن مشاعره وأحاسيسه .. وقد يقتبسها أو يستخدمها .. ليوصل رسالته لمن يريد إيصالها له ....
وتلك ملكات ومواهب .. قسمها الله بين البشر .. حتى نستطيع التعبير عن أحزاننا .. وأفراحنا .. عن حبنا .. وكراهيتنا .. بالطريقة التي تتناسب مع اشباع هذه الحاجات النفسية .. التي تتذبذب بين الكمال والنقص ..
إذا .. ما من إنسان منا .. إلا لديه قدرة على التعبير عن مشاعره .. لكنها تختلف من شخص لآخر .. ومن بيئة لأخرى .. ومن طبيعة نفسية لأخرى .. فبعض الناس .. يريد أن يحتفظ بمشاعره لنفسه .. يكبتها في صدره .. يحتفظ بحزنه وحبه .. وغضبه وفرحه .. لا يفضي بها لأحد .. وهو بذلك يشعر بسعادة لا توصف عندما يحدث نفسه بمشاعره وأحاسيسه ..
ومنهم من لو احتفظ بها في صدره .. دون أن يحملها صديقا له .. يثق فيه . أو حبيبا يرتمي إليه .. لتفجرت في صدره آهات .. لها دوي وحرقة البراكين ..
لم يكن ضروريا .. أن كل تعابيرنا عن مشاعرنا .. تكون كلاما مكتوبا .. ما بين شعر أو نثر .. لأن حتى الذين يعبرون عن مشاعرهم بالكتابة .. يتفاوتون من شخص لآخر .. فمنهم من يجيد الإيجاز ويوصل ما يشبع تلك المشاعر من أقصر الطرق وأسهلها .. ومنهم من يطيل الحديث ولا يصل في النهاية لرضى كامل عن ما يريد التعبير عنه .. ومنهم من يعانده القلم .. وتتفلت منه الأفكار .. وتضيع منه الخواطر .. فيمسك بقلمه .. يجره على ورقته .. ينقط به .. أو يرسم خطوطا متعرجة .. وأشياء أشبه بالطلاسم .. لا هي تكون مفهومة .. ولا هي تعبر عن ما يختلج في صدره من مشاعر .. ومنهم من إذا جر القلم .. وامتشق الورقة .. توالت الأفكار تترى تترى .. وتواردت الخواطر .. وتسارعت الجمل في يديه .. كما يتسارع ماء الجدول الرقراق المتدفق من أعالي الجبال .. فما يشعر بنفسه إلا قد وصل لنقطة النهاية ووضع القلم .. فأنتج أدبا جميلا عذبا .. طعمه كالشهد .. أو أحلى !!
بقي أن أقول :
أن من ظن أن التعبير عن المشاعر .. يقتصر فقط على الورقة والقلم .. فهو واهم .. ومن ظن أن قدرته على التعبير .. يجب أن تكون كفلان من الناس .. فهو واهم .. ومن تضجر من عدم قدرته على التعبير بالطريقة التي تناسبه .. فهو واهم ... تلك قد تحدث في نفسه صراعات نفسية .. وعصبية .. هو في غنى عنها .. فقط عليه أن يعرف الطريقة المناسبة له في التعبير عن مشاعره .. وسيشعر بالسعادة .. التي يشعر بها عندما يقرأ خاطرة أعجبته .. أو عندما يقرأ قصيدة أحدثت في نفسه أثرا ...