السلام على الحسين ، وعلى علي بن الحسين ، وعلى أولاد الحسين ، وعلى أصحاب الحسين.

كلما قرأت دعاء الندبة ووصلت إلى فقرة (أين الطالب بدم المقتول بكربلاء) تراءت لي صورة مولاي صاحب العصر والزمان (عجل الله فرجه الشريف) وهو يواجه سؤالنا هذا بعتبِ شديد ، مختصراً الإجابة بقوله : أن سبب التأخير بالظهور هو أنتم !
لا اله إلا الله وكيف يكون ذلك يا مولاي ؟
فيأتيني الجواب : راجعوا أنفسكم ، وانظروا إلى مقدار طاعتكم لنا ، ومستوى تمسككم بنهجنا؟
حينها أراجع نفسي ومن حولي فأرى بوناً شاسعاً ومسافة طويلة بيننا وبين إمامنا خلفناها بابتعادنا عنهم (عليهم السلام) وعما يأمروننا به من تعاليم لله فيها رضا ولنا فيها صلاح.
ونحن نعتقد بعد أن يزين لنا الشيطان الرجيم والنفس الأمارة بالسوء سوء أعمالنا فنراها حسنةً ونستمر في غينا ونستمر بابتعادنا عنهم ونحن نعتقد واهمين أننا نتقرب إليهم ونقترب منهم.
نعم نبتعد عنهم وكيف لا نكون كذلك ونحن ندعي حبنا وولائنا لهم (عليهم السلام) ولكننا نبتعد عن نهجهم، وندعي أننا حسينيون ونجد ونجتهد سنوياً في شهر محرم الحرام في سبيل إحياء الشعائر الحسينية في الوقت الذي نترك أهم ما دعا إليه سيد الشهداء ولا نقتدي به وبأهم ما أوصانا به. وأهمها العبادات والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فكلنا يعلم أن سيد الشهداء أعلن عن سبب خروجه قائلاً : (إني لم أخرج أشراً، ولا بطراً ولا مفسداً، ولا ظالماً، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهي عن المنكر) .
فكم من مدعي لإحياء الشعائر يدعي نصرة الحسين (عليه السلام) وتعظيم شعائره في حين تكون أعماله عبارة عن جعبة من السهام السامة التي يوجهها إلى صدر الإمام حالها حال سهام بني أمية وسائر قتلت الأئمة الأطهار (عليهم السلام) .

اليوم هو يوم تاسوعاء وتحديداً في وقت صلاة المغرب ، انسحبنا من المواكب الحسينية متوجهين لأداء صلاة العشائين فتفاجئنا بموكب للتطبير كان قد بدأ لتوه بممارسة التطبير ! نعم لقد ابتدئوا التطبير مع وقت الأذان !!!
ولا يخفى عليكم أن المطبرين بعد أن تسيل الدماء من رؤوسهم وتسيل على وجوههم ومن ثم على أكتافهم يعمدون للاستعراض بتلك الهيئة!
ولعل السؤال الذي يطرح نفسه هو : متى يصلي هؤلاء ؟ إذ لابد لهم أن يغتسلوا ويستبدلوا ملابسهم ليتطهروا من الدم الذي هو من (النجاسات) ! بالتأكيد لن يسعفهم الوقت، لأنهم ابتدئوا بالتطبير مع رفع الأذان، ومن ثم يستعرضون لفترة زمنية معينة، ومن ثم عليهم أن يذهبوا لمنازلهم لاستبدال ملابسهم بأخرى طاهرة ومن ثم يغتسلون وبعدها يصلون! هنا يكون وقت الصلاة قد مضى عليه الكثير!
وهنا يكونوا قد تركوا الواجب في سبيل المستحب وهذا لا يجوز، إذ يقول المعصوم (عليه السلام) : (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق).
ولعل الكثير منهم يبررون هذا الفعل بأنه من دواعي تعظيم الشعائر الحسينية، ولا ضير في تأخير الصلاة في سبيل إتيان تلك الشعيرة.
أقول : إذا كنا حسينيون حقيقيون فعلينا أن نقتدي بإمامنا العظيم، إذ ينقل لنا أرباب المقاتل أنه في ظهيرة يوم عاشوراء وعندما حضر وقت الصلاة، قال الصحابي الجليل أبو ثمامة الصائدي لسيد الشهداء : نفسي لنفسك الفداء! أرى هؤلاء قد اقتربوا منك، و الله لا تقتل حتى أقتل دونك، و أحب أن ألقي ربي و قد صليت هذه الصلاة. فرفع الحسين رأسه، و قال: ذكرت الصلاة جعلك الله من المصلين، الذاكرين، نعم، هذا أول وقتها، ثم قال: سلوهم أن يكفوا عنا حتي نصلي.
فإمامنا العظيم لم يؤخر الصلاة رغم ذلك الظرف العصيب والوضع الرهيب الذي لا يقاس بأي ظرفٍ ووضعٍ آخر.
وكذلك سائر أئمتنا الأطهار (عليهم السلام) الذين كانوا يحرصون على تقديم الصلاة والوصية بإتيانها في أوقاتها في مقدمة وصاياهم، فهذا الإمام الصادق (عليه السلام) يقول عند الاحتضار موصياً أبنائه وأتباعه وشيعته (الله .. الله بصلاتكم ، لا ينال شفاعتنا مستخف بصلاته) فالاستخفاف بالصلاة وتحت أي عذر كان يباعد بيننا وبين أئمتنا الأطهار (عليهم السلام) فضلاً عن أخطائنا الكبرى وذنوبنا الأخرى التي توسع الهوة بيننا وبين إمام زماننا.

فلك العذر يا سيدي يا صاحب الأمر ، وعظم الله لك الأجر وأحسن الله لك العزاء .
وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي إن ربي غفور رحيم