الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
هذا بحث في الروح وحياة البرزخ ونعيم القبر وعذابه وتنقل الروح وحياة الأطفال في البرزخ والعبادة في البرزخ وما يقبل من الأعمال للموتى وما يسبب عذاب القبر والكثير من الأمور التي لم يتطرق لبعضها من قبل مع مجموعة أحاديث صحيحة أضفتها في نهاية البحث
من أراد النقل فجزاه الله خيرا ولا باس
كم أرجو المعذرة للتقصير رغم طول وقت البحث مع ملاحظة أن جميع الأحاديث الواردة صحيحة والله أعلم






مفهوم الروح وإستعمالاتها في القرآن الكريم
مفهوم الروح في اللغة
أصل الروح من روح: الراء والواو والحاء أصل كبير مطرد، يدل على سَعَةٍ وفسحةٍ
واطراد، وأصل ذلك كله الرّيح،وأصل الياء في الريح الواو، وإنما قلبت ياءً لكسرة ما قبلها،
فالرّوح: روح الإنسان.
وفي العيْن: "الروح: النفس التي يحيا بها البدن، يُقال: خرجت روحُهُ أي نفسه، ويقال : َ خرَجَ،
فيُذكَّر، والجميع أرواح.
أما مفهوم الروح في الاصطلاح
من المعاني التي جاءت في تعريف الروح الإنساني بأنها: اللطيفة العالمة المدركة من الإنسان،
الراكبة على الروح الحيواني، نازل من عالم الأمر، تعجز العقول عن إدراك كنهه، وتلك الروح
قد تكون مجردة، وقد تكون منطبقة في البدن
استعمالات الروح في القرآن الكريم
تعدّدت استعمالات الروح في القرآن على أوجه، منها:
الأول: الْوحي، جاء في قوله تعالى: "وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا، وقوله
تعالى: " يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ
"وسمي الوحي روحًا لأنّ الناس يحيون به، أي يحيون من موت الكفر كما تحيا الأبدان
بالأرواح.
الثاني: "جبريل عليه السلام ، كما في قوله تعالى:نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ , عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ
وهو روح القدس الذي جاء ذكره في قوله سبحانه: " قُلْ نَزَّلَه رُوحُ الْقُدُس.
الثالث: "المسيح ابن مريم عليه السلام ، وجاء في قوله عزوجل : " إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا.
( الرابع:"القرآن الكريم ، جاء في قوله عز شأنه:" وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا
ويعني الوحي بأمرنا: القرآن، لأنه يهتدي به ففيه حياة من موت الكفر.
الخامس:قال المفسّرون في تفسير قوله تعالى: " أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِھِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَھُمْ بِرُوحٍ مِنْه .): قوّاهم بنصر منه، وقيل: "بِرُوحٍ مِنْه " يعني: بالإيمان،وقيل: برحمة منه ومهما تعددت معاني الروح، فإنها تحمل إلينا معنىً رائعًا، متكاملا، وإشاراتٍ حية، فجبريل عليه السلام هو الوحي الذي ينزل إلى أنبياء الله تعالى ورسله، ومن يشاءُ من عباده وخلقه بأمره سبحانه وتعالى، فنفخ الروح في أحشاء السيدة مريم عليها السلام، ثم كلمها ليبشرها بالنبي الذي تلده، وبث فيها معاني القوة وأمرها بالثبات وعدم الخوف، لأن هذا أمر الله تعالى ومشيئته، قال . تعالى: " قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ ھُوَ عَلَيَّ ھَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَه آَيَة لِلنَّاسِ وَرَحْمَة مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا"( 4
وفي الحديث عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، َقال: بَيَْنا أََنا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي حَرْثٍ، وَهُوَ مُتَّكِئٌ عََلى عَسِيب، إِذْ مَرَّ الْيَهُودُ، َفَقالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْض: سَُلوهُ عَنْ الرُّوح، َفَقالَ: مَا رابَكمْ إَِليْهِ ،وََقالَ بَعْضُهُمْ: َلا يَسَْتقِْبُلكمْ بشيْءٍ تَكْرَهُونَهُ،َفَقاُلوا، سَُلوهُ، فَسَأَُلوهُ عَنْ الرُّوح، َفأَمْسَك النَّبِيُّ َفَلمْ يَرُدَّ عََليْ ِ همْ َ شيْئًا، َفعَلِمت أَنَّهُ يُوحَى إَِليْهِ، فَُقمت مََقامِي، َفَلمَّا َنزَلَ الْوَحْيُ َقال: " وَيَسْألونك عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْ رِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا .
وأما أرواح بني آدم فلم تقع تسميتها في القرآن الكريم إلا بالنفس، قال تعالى: " يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ وقال تعالى: " وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ وقال تعالى: " وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ وقال تعالى : وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ، وقال، وقال تعالى: " وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آَيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ. وقال تعالى: " كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَة الْمَوْت.. إذًا فالروح هي النفس، والنفس هي الروح، والروح والنفس اسمان لشيء واحد، وهما الّلذان يحيا بهما الإنسان، فإذا دنا أجله أمر الله سبحانه وتعالى بقبض روحه، فتخرج الروح إما إلى نعيم مقيم، أو عذاب أليم حسب ما اكتسبت يدا صاحبهما.


الموت في المنام
الحديث الأول
إذا آوى الرجل إلى فراشه ابتدره ملك وشيطان فيقول الملك اختم بخير ويقول الشيطان اختم بشر فإن ذكر الله ثم نام بات الملك يكلؤه وإذا استيقظ قال الملك افتح بخير وقال الشيطان افتح بشر فإن قال الحمد لله الذي رد علي نفسي ولم يمتها في منامها الحمد لله الذي { يمسك السموات والأرض أن تزولا } إلى آخر الآية الحمد لله الذي { يمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه } فإن وقع عن سريره فمات دخل الجنة
حديث صحيح
قال الحافظ ابن رجب: "أعظم الشدائد التي تنزل بالعبد في الدنيا الموت، وما بعده أشد منه، إن لم يكن مصير العبد إلى خير، فالواجب على المؤمن الاستعداد للموت وما بعده في حال الصحة بالتقوى، والأعمال الصالحة، قال الله تعالى: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ
فمن ذكر الله في حال صحته ورخائه، واستعد للقائه عزّ وجل بالطاعات، ثبته عند الموت وهون عليه ما بعده،وذكره الله عند هذه الشدائد، ولطف به، وأعانه وتولاه، وثبته على التوحيد، فلقيه وهو عنه راض، ومن نسي الله في حال صحته ورخائه، ولم يستعد حينئذ للقائه،لمستعد له، أحسن الظن بربه، وجاءته البشرى من الله، فأحب لقاء الله أحب الله لقاءه، والفاجر بعكس ذلك، وحينئذ يفرح المؤمن ويستبشر بما قدمه، مما هو قادم عليه، ويندم المفرط ويقول : يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ للهَّ.
كيف تكون تلك اللحظات، وكيفية وقوعها على المؤمن والكافر، وقد بين لنا الرسولَ وذلك في الحديث الذي يرويه البراء بن عازب رضي الله عنهما، حيث قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار ، فانتهينا إلى القبر ولما يلحد ، قال : فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وجلسنا حوله كأن على رءوسنا الطير ، وفي يده عود ينكت به ، قال : فرفع رأسه ، وقال : استعيذوا بالله من عذاب القبر ، فإن الرجل المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل إليه ملائكة من السماء بيض الوجوه ، وكأن وجوههم الشمس معهم حنوط من حنوط الجنة ، وكفن من كفن الجنة ، حتى يجلسوا منه مد البصر ، ثم يجيء ملك الموت ، حتى يجلس عند رأسه ، فيقول : أيتها النفس الطيبة ! اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان ، قال : فتخرج نفسه فتسيل كما تسيل القطرة من فم السقاء ، فيأخذها ، فإذا أخذها لم يدعها في يده طرفة عين حتى يأخذها ، فيجعلها في ذلك الكفن ، وفي ذلك الحنوط ، وتخرج منها كأطيب نفحة ريح مسك وجدت على ظهر الأرض ، فلا يمرون بملأ من الملائكة إلا قالوا : ما هذه الريح الطيبة ! فيقولون : فلان بن فلان ! بأحسن أسمائه الذي كان يسمى بها في الدنيا ، حتى ينتهي بها إلى السماء الدنيا ، فيفتح له ، فيشيعه من كل سماء مقربوها إلى السماء التي تليها ، حتى ينتهي بها إلى السماء السابعة ، فيقول الله عز وجل : اكتبوا عبدي في عليين في السماء السابعة ، وأعيدوه إلى الأرض ، فإني منها خلقتهم ، وفيها أعيدهم ، ومنها أخرجهم تارة أخرى ، فتعاد روحه في جسده ، فيأتيه ملكان ، فيجلسانه ، فيقولان : من ربك ؟ فيقول : ربي الله ، فيقولان : وما دينك ؟ فيقول : ديني الإسلام ، فيقولان : ما هذا الرجل الذي بعث فيكم ؟ فيقول هو رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيقولان : وما يدريك ؟ فيقول : قرأت كتاب الله عز وجل فآمنت به وصدقت ، قال : فينادي مناد من السماء أن صدق عبد فافرشوه من الجنة ، وألبسوه من الجنة ، وافتحوا له بابا من الجنة ، فيأتيه من روحها وطيبها ، ويفسح له في قبره مد بصره ، ويأتيه رجل حسن الوجه طيب الريح ، فيقول له : أبشر بالذي يسرك ، فهذا يومك الذي كنت توعد ، فيقول : من أنت ؟ فوجهك الوجه الذي يأتي بالخير ، فيقول : أنا عملك الصالح ، فيقول : رب أقم الساعة ! رب أقم الساعة ! حتى أرجع إلى أهلي ومالي ، وأما العبد الكافر إذا كان في انقطاع من الدنيا ، وإقبال من الآخرة ، نزل إليه من السماء ملائكة سود الوجوه ، معهم المسوح ، حتى يجلسوا منه مد البصر ، ثم يأتيه ملك الموت ، فيجلس عند رأسه ، فيقول : أيتها النفس الخبيثة ، اخرجي إلى سخط الله وغضبه ، قال : فتفرق في جسده فينتزعها ، ومعها العصب والعروق كما ينتزع السفود من الصوف المبلول ، فيأخذها ، فيجعلونها في تلك المسوح ، قال : ويخرج منها أنتن من جيفة وجدت على وجه الأرض ، فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا : ما هذه الروح الخبيثة ! فيقولون : فلان بن فلان بأقبح أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا ، حتى ينتهي بها إلى السماء الدنيا ، فيستفتح له فلا يفتح له ، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ ، قال : فيقول الله تبارك وتعالى : اكتبوا كتابه في سجين في الأرض السابعة السفلى ، وأعيدوا إلى الأرض ، فإنا منها خلقناهم ، وفيها نعيدهم ، ومنها نخرجهم تارة أخرى ، قال : فتطرح روحه طرحا ، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ ، ثم تعاد روحه في جسده ، فيأتيه ملكان ، فيجلسانه ، فيقولان له : من ربك ؟ فيقول : هاه هاه لا أدري ! فيقولان له : ما دينك ؟ فيقول : هاه هاه لا أدري ، فيقولان له : ما هذا الرجل الذي بعث فيكم ؟ فيقول : هاه هاه لا أدري ! فينادي مناد من السماء إن كذب فافرشوه من النار ، وألبسوه من النار ، وافتحوا له بابا من النار ، فيأتيه من حرها وسمومها ، ويضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه ، قال : ويأتيه رجل قبيح الوجه منتن الريح ، فيقول : أبشر بالذي يسوءك ، هذا يومك الذي كنت توعد ، قال : فيقول : من أنت ؟ فوجهك الوجه الذي يجيء بالشر ، فيقول : أنا عملك الخبيث ، فيقول : رب ، لا تقم الساعة ، رب ، لا تقم الساعة .


إسناده صحيح
فهذا حديث عظيم بيَّن لنا فيه المصطفى كيف تخرج روح المؤمن وروح الكافر، وما تلقيانه من حُسن معاملة واستقبال، أو شدّة وغلق الأبواب، كلٌّ حسب ما قدّمت يداه في الحياة الدنيا، والرسول بيّن لنا ذلك لنسلك طريق التقوى والإيمان والصلاح، والبعدε عن طريق الغيِّ والفساد.
شدة الموت وسكرته
وروى الصعدي في النوافح العطرة بسند مرسل
أدنى جبذات الموت بمنزلة مائة ضربة سيف
قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها:
إن من نعم الله علي : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي في بيتي ، وفي يومي ، وبين سحري ونحري ، وأن الله جمع بين ريقي وريقه عند موته : دخل علي عبد الرحمن ، وبيده السواك ، وأنا مسندة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فرأيته ينظر إليه ، وعرفت أنه يحب السواك ، فقلت : آخذه لك ؟ فأشار برأسه : ( أن نعم ) . فتناولته ، فاشتد عليه ، وقلت : الينه لك ؟ فأشار برأسه : ( أن نعم ) . فلينته ، فأمره ، وبين يديه ركوة أو علبة - يشك عمر - فيها ماء ، فجعل يدخل يديه في الماء فيمسح بهما وجهه ، يقول : ( لا إله الإ الله ، إن للموت سكرات ) . ثم نصب يده ، فجعل يقول : ( اللهم في الرفيق الأعلى ) . حتى قبض ومالت يده .


حُسْن الظن بالله تعالى
عندما تحين لحظة الكرب الشديد، وتشتد سكرات الموت على العبد، ويوقن بلا أدْنى شك أنها آخر أنفاسه، وينقطع الأمل بالعودة إلى الدنيا وملذاتها وشهواتها، فإن العبد الكافر الذي أعرض عن ذكر الله تعالى، وغفل عن كل معاني الإيمان، وكان همه الوحيد كثرة الأموال والأولاد ،والغوص في الملذات والشهوات، ناسيا ما كتبه الله على عباده بنهاية آجالهم بالموت،هذا ومن كان على شاكلته يصدق فيهم قول الحق جل وعلا: "ذَرْھُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْھِھِم الأمل فسوف يعلمون "
وقوله عزّ وجل:" ( حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ )
في ε وهؤلاء الغافلون الراكضون خلف شهوات المال والجاه والدنيا، يصف حالهم الرسولَ في هذا الحديث عَنْ أَِبي سَعِيدٍ الْخدْريِّ رضي الله عنه: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غرز بين يديه غرزا ثم غرز إلى جنبه آخر ثم غرز الثالث فأبعده ثم قال هل تدرون ما هذا قالوا الله ورسوله أعلم قال هذا الإنسان وهذا أجله وهذا أمله يتعاطى الأمل يختلجه الأجل دون ذلك
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْن مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، َقالَ:
خط النبي صلى الله عليه وسلم خطا مربعا ، وخط خطا في الوسط خارجا منه ، وخط خططا صغارا إلى هذا الذي في الوسط من جانبه الذي في الوسط ، وقال : ( هذا الإنسان ، وهذا أجله محيط به - أو : قد أحاط به - وهذا الذي هو خارج أمله ، وهذه الخطط الصغار الأعراض ، فإن أخطأه هذا نهشه هذا ، وإن أخطأه هذا نهشه هذا ) رواه البخاري


والعبد المؤمن الذي تعلقت روحه ببارئها في حياته بالطاعة والعبادة، مأمورٌ بأن يبقى على طريق الهداية، فإذا دنى أجله واحتضر عليه أن يُحسن الظن بالله تعالى، التزامًا منه بأمره
فعَنْ جَاِبر بن عبد الله رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما، َقالَ: سَمِعْت النَّبِيَّ َقبْلَ وَفَاتِهِ بِثَلَاثٍ يَُقو لُ:"َلا يَمُوتَن أَحَدُ كمْ، إِلَّا وَهُوَ يُحْسِنُ ِباللَّهِ فسوء الظَّنَّ بالله من أكبر الكبائر. أما سوء الظن بالله، فهو من أكبر الكبائر الاعتقادية بعد الكفر، لأنه يؤدي إليه: والله تعالى عند ظن عبده به، لكن كما قال تعالى (وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ)
يجب على العبد إحسان الظن بربه، يجب عليه أن يخاف عقابه، ويخشى عذابه، فطريق السلامة بين طريقين مخوفين مهلكين، طريق الأمن وطريق اليأس، وطريق الرجاء وطريق الخوف، وهو العدل بينهما، فمتى فقدت الرجاء، وقعت في طرق الخوف، ومتى فقدت الخوف، وقعت في الرجاء ، فطريق الاستقامة طريق الأمن بينهما، فإن ملت عنه يمنة أو يسرة هلكت، فيجب أن تنظر إليهما جميعا، وتركب منهما طريقًا ممتد بينهما دقيقًا وتسُلكهُ، نسأل الله السلامة، واعلم أن النفس إذا كانت ذات َ شرَهٍ وشهوة غالبة، فارت بدخان شهواتها كدخان الحريق، فأظلمت الصدر، فلم يبق له ضوء بمنزلة قمر ينكسف ، فصار الصدر مظلما، وجاءت النفس بهواجسها، وتخليطها، واضطربت فظن العبد أن الله لا يعطف عليه، ولا يرحمه ولا يكفيه أمر رزقه، ونحو ذلك، وهذا من سوء الظن بالله وصل إلى حد اليأس من الرحمة، ووقع في القنوط، وهو كفر.( ومن يقدم حسن الظن بالله طوال حياته فهو يخشى عليه أن يكون ممن تنطبق عليهم هذه الآية قال تعالى: أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ.
و معنى حسن الظن بالله تعالى: أن يظنّ أنه يرحمه ويعفو عنه، ففي حالة الصحة يكون خائفًا،راجيًا ويكونان سواء، وقيل: يكون الخوف أرجح، فإذا دنت أمارات الموت، َ غلَّب الرجاء،أو محضه، لأن مقصود الخوف الانكفاف عن المعاصي والقبائح، والحرص على الإكثار من الطاعات والأعمال، وقد تعذر ذلك، أو معظمه في هذا الحال، واستحب إحسان الظن المتضمن للافتقار إلى الله تعالى والإذعان له"(
وإذا أحسن العبد الظن بالله تعالى فإنه من دلالات إيمانه وحبه للقاء الله تعالى، وإذا أحب العبد لقاء الله تعالى أحب الله سبحانه لقاءه، وإذا َ كرِهَ العبد لقاء الله تعالى َ كرِهَ الله سبحانه لقاءه.وهو عدم حسن الظن بالله ، وإذا أساء العبد الظن بالله تعالى فإنه يقع فيما نهى عنه رسول تعالى، ومن كره لقاء الله تعالى كره الله سبحانه لقاءَه، لما كان منه من المعاصي والآثام والبعد عن الطريق المستقيم، ومن عدله سبحانه أن يحب لقاء من أحبه وأطاعه وكان دومًا عابدًا ذاكرًا له، محسن الظنّ به، ومشتاقًا للقائِهِ عزَّ وجلَّ.َقالَ:" مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لَِقاءَه، عَنْ عُبَادََة بْن الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه . قالت عائشة أو بعض أزواجه : إنا لنكره الموت ، قال : ليس ذاك ، ولكن المؤمن إذا حضره الموت بشر برضوان الله وكرامته ، فليس شيء أحب إليه مما أمامه ، فأحب لقاء الله وأحب الله لقاءه ، وإن الكافر إذا حضر بشر بعذاب الله وعقوبته ، فليس شيء أكره إليه مما أمامه ، فكره لقاء الله وكره الله لقاءه.


الموت على الروح أم على الجسد
اختلف العلماء رحمهم الله في وقوع الموت على الروح أو على الجسد؟، وهذا الاختلاف راجع إلى عدم وجود نصّ صريح يحدّد وقوع الموت على الروح أم على الجسد.
وظواهر وعمومات القرآن الكريم، لا تقطع بأن الموت يكون على الروح فقط، أم على الجسد فقط؟، أم عليهما؟، ومن هنا نشب الخلاف بين العلماء، قال الله تعالى : " وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ
وقال تعالى(: " قَالُوا رَ بَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَھَل إلى خروج من سبيل ).
وقوله تعالى : " ( وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)
قال ابن القيم: "إن الروح لها بالبدن خمسة أنواع من التعلق متغيرة الأحكام:
أحدها: تعلقها به في بطن الأم جنينًا.
الثاني: تعلقها به بعد خروجه إلى وجه الأرض.
الثالث: تعلقها به في حال النوم، فلها به تعلق من وجه، ومفارقة من وجه.
الرابع: تعلقها به في البرزخ، فإنها وإن فارقته، وتجردت عنه، فإنها لم تفارقهُ فراقًا كليًا، بحيث لا يبقى لها التفات إليه البتة.
الخامس: تعلقها به يوم بعث الأجساد، وهو أكمل أنواع تعلقها بالبدن.
كل شيء يفنى ولا يبقى إلا الله وقال ابن كثير في تفسير قوله تعالى: " وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ.
و كما قال الله تعالى: " كُلُّ مَنْ عَلَيْھَا فَانٍ ، وَيَبْقَى وَجْه رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ، فإن الضمير عليها، للأرض وقد جرى َ قال القرطبي: "قوله تعالى: " كُلُّ مَنْ عَلَيْھا فان َ ذِكرها في أول السورة، في قوله تعالى: " وَالْأَرْضَ وَضَعَھَا لِلْأَنَام، وقد يقال هو أكرم من عليها، يعنون الأرض، وإن لم يجر لها ذكر، وقال ابن عباس: لما نزلت هذه الآية، ، قالت الملائكة: هلك أهل الأرض، فنزلت: " كُلُّ شَيْءٍ ھَالِكٌ إِلَّا وَجْھَه .( قاله مقاتل فأيقنت الملائكة بالهلاك.
ووجه النعمة في فناء الخلق، التسوية بينهم في الموت، ومع الموت تستوي الأقدام، وقيل: وجه النعمة، أن الموت سبب النقل إلى دار الجزاء والثواب.
قال ابن القيم: " اختلف الناس في هذا، فقالت طائفة: تموت الروح وتذوق الموت، لأنها نفس، وكل نفس ذائقة الموت، قالوا: وقد دلت الأدلة على أنه لا يبقى إلا الله وحده.
قال تعالى: " كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ) فالملائكة تموت، فالنفوس البشرية أوْلى بالموت، قالوا: وقد قال تعالى عن أهل النار أنهم: " قَالوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ . فالموتة الأولى هذه المشهودة، وهي للبدن والأخرى للروح.
وقال آخرون، منهم ابن أبي العز الحنفي والألوسي وابن القيم: لا تموت الأرواح، فإنها خلقت للبقاء، وإنما تموت الأبدان، قالوا: وقد دلت على هذا الأحاديث الدالة على نعيم الأرواح، وعذابها، بعد المفارقة إلى أن يرجعها الله في أجسادها، ولو ماتت الأرواح، لانقطع عنها النعيم والعذاب، هذا مع القطع بأن أرواحهم قد فارقت أجسادهم، وقد ذاقت الموت. والصواب أن يقال: موت النفوس هو مفارقتها لأجسادها، وخروجها منها، فإن أريد بموتها هذا القدر، فهي ذائقة الموت، وإن أريد أنها تعدم وتضمحل وتصير عدمًا محضًا، فهي لا تموت بهذا الاعتبار، بل هي باقية بعد خلقها في نعيم أو عذاب، كما صرح به النص، أنها كذلك حتى يردها الله في جسدها