سطوة الخيال
عام 1593 شاع في مدينة سيليزيا في بولونيا (Slezsko) قصة طفل عمرة 7 سنوات. تقول القصة: سقط له أحد أسنانه، ونبت له "سن ذهبي" بدلاً منه. أنتشرت القصة بوصفها كرامة أو "إعجوبة" بحسب التعبير المسيحي. كرامة اظهرها الله لـ(تثبيت قلوب المؤمنين) وسلوى لهم أمام سطوة العثمانيين وتهديداتهم لأوربا. بدأت المؤلفات تنتشر لتوثيق هذه الكرامة. كبار الفقهاء كتبوا عنها. باتت أحاديث الناس. وأفواج المؤمنين تحج لرؤية الطفل العجيب الذي باركه الله وأظهر تأييده للمؤمنين عبر (فمه المبارك). بعد سنتين أحد أطباء جامعة (Helmstadt) الإلمانية، نشر كتاباً لتوثيق (الكرامة) و(إثبات إمكانها العلمي) وشرح أنها نصف معجزة- ونصف طبيعية.
المفكر فونتنل (Bernard le Bovier de Fontenelle, (1657-1757) ينقل القصص وأراء الفقهاء والعلماء عن هذا الـ(Golden Tooth) ويقول: إن مثل هذه المشكلة، الكاشفة عن "سطوة الخيال"، مردها، إلى إننا نبحث عن تأويلات وتفسيرات، لوقائع لم تحدث أصلاً! فهل من المعقول أن نبحث عن سبب وتفسير لواقعة لم تحدث؟ لماذا إنساق الجمهور والفقهاء والعلماء وراء تصديق القصص الخيالية؟ لأنهم صدقوا قبل أن يبحثوا مباشرة، قبل أن يذهبوا ليعاينوا الحدث بشكل حي. ما الذي إكتشفوه لاحقاً بعد إصدارهم الكتب والمصنفات عن هذه الكرامة المزعومة؟ لقد إكتشفوا لاحقاً أن سن هذا الطفل لم يسقط أبداً. وأنه كان مطلياً بالذهب في خدعة فاضحة! ثم يقول: كم من الأباطيل المشابهة، شائعة بيننا، لمجرد، أن المؤرخين القدامى نقلوها لنا؟ نقلوها بدون أن يكلفوا أنفسهم عناء معاينة الحدث وفحصه بشكلٍ مباشر، أو نقلوها عمن قبلهم وسلموا بصحتها! كم من أباطيل ألصقت بالأديان والشعوب التي لا تعجبهم؟ بالمذاهب التي لا تعجبهم؟
كم يتطلب منا من جهد لـ"نصحح طرقنا في التفكير .......؟؟؟