صديق نشيط
الشيخ
تاريخ التسجيل: April-2013
الجنس: ذكر
المشاركات: 364 المواضيع: 278
مزاجي: عادي
أكلتي المفضلة: جميع نعم الله طيبة
موبايلي: صرصر
آخر نشاط: 14/July/2016
خطر العلمانية على الاسلام؟ ..........................ز الشيخ رضا الحمداني
خطر العلمانية على الاسلام؟
ما هو خطر العلمانية على الاسلام؟ [الاسلام "الحوار]
قد كفتنا القواميس المؤلفة في البلاد الغربية التي نشأت فيها العلمانية، مؤنة البحث والتنقيب، فقد جاء في القاموس الإنجليزي أن كلمة (علماني ) تعني:
1- دنيوي أو مادي. 2- ليس بديني أو ليس بروحاني. 3- ليس بمترهب، ليس برهباني. وجاء أيضاً في نفس القاموس بيان معنى كلمة العلمانية حيث يقول: العلمانية: هي النظرية التي تقول: إن الأخلاق والتعليم يجب أن لا يكونا مبنيين على أسس دينية. وفي دائرة المعارف البريطانية نجدها تذكر عن العلمانية: أنها حركة اجتماعية تهدف إلى نقل الناس من العناية بالآخرة إلى العناية بالدار الدنيا فحسب.
ودائرة المعارف البريطانية حينما تحدثت عن العلمانية تحدثت عنها ضمن حديثها عن الإلحاد، وقد قسمت دائرة المعارف الإلحاد إلى قسمين:
1- إلحاد نظري.
2- إلحاد عملي، وجعلت العلمانية ضمن الإلحاد العملي. وما تقدم ذكره يعني أمرين:
أولهما: أن العلمانية مذهب من المذاهب الكفرية: التي ترمي إلى عزل الدين عن التأثير في الدنيا فهو مذهب يعمل على قيادة الدنيا في جميع النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية والقانونية وغيرها بعيداً عن أوامر الدين ونواهيه.
ثانيهما: أنه لا علاقة للعلمانية بالعلم كما يحاول بعض المراوغين أن يلبس على الناس بأن المراد بالعلمانية: هو الحرص على العلم التجريبي والاهتمام به، فقد تبين كذب هذا الزعم وتلبيسه وبما ذكر من معاني هذه الكلمة في البيئة التي نشأت فيها. ولهذا لو قيل عن هذه الكلمة (العلمانية ) إنها: اللادينية لكان ذلك أدق تعبيراً وأصدق، وكان في الوقت نفسه أبعد عن التلبيس وأوضح في المدلول.
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين…..
أما بعد: فإني اخترت الكتابة في هذا الموضوع لما أرى من أهمية الكتابة فيه لانتشار هذه الفرقة في زماننا هذا، انتشر داؤها وفشى وبالها وإلى الله المشتكى ولا حولا ولا قوة إلا بالله.
تعريف العلمانية
قد كفتنا القواميس المؤلفة في البلاد الغربية التي نشأت فيها العلمانية، مؤنة البحث والتنقيب، فقد جاء في القاموس الإنجليزي أن كلمة (علماني ) تعني:
1- دنيوي أو مادي. 2- ليس بديني أو ليس بروحاني. 3- ليس بمترهب، ليس برهباني. وجاء أيضاً في نفس القاموس بيان معنى كلمة العلمانية حيث يقول: العلمانية: هي النظرية التي تقول: إن الأخلاق والتعليم يجب أن لا يكونا مبنيين على أسس دينية. وفي دائرة المعارف البريطانية نجدها تذكر عن العلمانية: أنها حركة اجتماعية تهدف إلى نقل الناس من العناية بالآخرة إلى العناية بالدار الدنيا فحسب.
ودائرة المعارف البريطانية حينما تحدثت عن العلمانية تحدثت عنها ضمن حديثها عن الإلحاد، وقد قسمت دائرة المعارف الإلحاد إلى قسمين:
1- إلحاد نظري.
2- إلحاد عملي، وجعلت العلمانية ضمن الإلحاد العملي. وما تقدم ذكره يعني أمرين:
أولهما: أن العلمانية مذهب من المذاهب الكفرية: التي ترمي إلى عزل الدين عن التأثير في الدنيا فهو مذهب يعمل على قيادة الدنيا في جميع النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية والقانونية وغيرها بعيداً عن أوامر الدين ونواهيه.
ثانيهما: أنه لا علاقة للعلمانية بالعلم كما يحاول بعض المراوغين أن يلبس على الناس بأن المراد بالعلمانية: هو الحرص على العلم التجريبي والاهتمام به، فقد تبين كذب هذا الزعم وتلبيسه وبما ذكر من معاني هذه الكلمة في البيئة التي نشأت فيها. ولهذا لو قيل عن هذه الكلمة (العلمانية ) إنها: اللادينية لكان ذلك أدق تعبيراً وأصدق، وكان في الوقت نفسه أبعد عن التلبيس وأوضح في المدلول.
كيف ظهرت العلمانية
كان الغرب النصراني في ظروفه الدينية المتردية هو البيئة الصالحة والتربية الخصبة التي نبتت فيها شجرة العلمانية وترعرعت، وقد كانت فرنسا بعد ثورتها المشهورة هي أول دولة تقيم نظامها على أساس الفكر العلماني، ولم يكن هذا الذي حدث من ظهور الفكر العلماني والتقيد به بما يتضمنه من إلحاد وإبعاد للدين عن كافة مجالات الحياة بالإضافة إلى بغض الدين ومعاداته ومعاداة أهله، لم يكن هذا حدثاً غريباً في بابه ذلك لأن الدين عندهم حينئذٍ لم يكن يمثل وحي الله الخالص الذي أوحاه إلى عبده ورسوله عيسى ابن مريم عليه السلام وإنما تدخلت فيه أيدي التحريف والتزييف، ولم تكتف الكنيسة ـ الممثلة للدين عندهم ـ بما عملته أيدي قسيسيها ورهبانها من التحريف والتبديل حتى جعلت ذلك دينا يجب الالتزام والتقيد به.
ومن جانب آخر فإن الكنيسة أقامت تحالفاً غير شريف مع الحكام الظالمين وأسبغت عليهم هالات من التقديس والعصمة وسوغت لهم كل ما يأتون به من جرائم وفظائع في حق شعوبهم زاعمةً أن هذا هو الدين الذي ينبغي على الجميع الرضوخ له والرضا به. من هنا بدأ الناس هناك يبحثون عن مهرب لهم من سجن الكنيسة ومن طغيانها ومن ذلك أعلنوها حرباً على الدين عامة. فإن كل الأفكار والناهج التي ظهرت في الغرب بعد التنكر للدين والنفور منه ما كان لها أن تجد آذاناً تسمع في بلاد المسلمين لولا عمليات الغزو الفكري المنظمة والتي صادفت في الوقت نفسه قلوباً من حقائق الإيمان خاوية وعقولاً عن التفكير الصحيح عاطلة ودنيا في مجال التمدن ضائعة متخلفة. ولقد كان للنصارى العرب المقيمين في بلاد المسلمين دور كبير وأثر خطير في نقل الفكر العلماني إلى ديار المسلمين والترويج له والمساهمة في نشره عن طريق وسائل الإعلام المختلفة، كما كان أيضا للبعثات التعليمية التي ذهب بموجبها طلاب مسلمون إلى بلاد الغرب لتلقي أنواع العلوم الحديثة أثر كبير في نقل الفكر العلماني ومظاهره إلى بلاد المسلمين حيث امتتن الطلاب هناك بما رأوا من عادات وتقاليد ونظم اجتماعية وسياسية واقتصادية عاملين على نشرها والدعوة إليها في الوقت نفسه الذي تلقاهم الناس فيه بالقبول الحسن توهماً منهم أن هؤلاء المبعوثين هم حملة العلم النافع وأصحاب المعرفة الصحيحة ولم تكن تلك العادات والنظم والتقاليد التي تشبع بها هؤلاء المبعوثون وعظموا شأنها عند رجوعهم إلى بلادهم إلا عادات وتقاليد ونظم مجتمع رافض لكل ما له علاقة أو صلة بالدين.
صور العلمانية
للعلمانية صورتان كل صورة منهما أقبح من الأخرى:
الصورة الأولى: العلمانية الملحدة: وهي التي تنكر الدين كلية وتنكر وجود الله الخالق البارئ المصور ولا تعترف بشيء من ذلك بل وتحارب وتعادي من يدعو إلى مجرد الإيمان بوجود الله وهذه العلمانية على فجورها ووقاحتها في التبجح بكفرها إلا أن الحكم بكفرها أمر ظاهر ميسور لكافة المسلمين فلا ينطلي بحمد الله أمرها على المسلمين ولا يقبل عليها من المسلمين إلا رجل يريد أن يخرج عن دينه، وخطر هذه الصورة من العلمانية من حيث التلبيس على عوام المسلمين ضعيف وإن كان لها خطر عظيم من حيث محاربة الدين ومعاداة المؤمنين وحربهم وإيذائهم بالتعذيب أو السجن أو القتل.
الصورة الثانية: العلمانية غير الملحدة: وهي علمانية لا تنكر وجود الله وتؤمن به إيماناً نظرياً لكنها تنكر تدخل الدين في شئون الدنيا وتنادي بعزل الدين عن الدنيا، وهذه الصورة أشد خطراً من الصورة السابقة من حيث الإضلال والتلبيس على عوام المسلمين فعدم إنكارها لوجود الله وعدم ظهور محاربتها للتدين يغطي على أكثر عوام المسلمين حقيقة هذه الدعوة الكفرية فلا يتبينون ما فيها من الكفر لقلة علمهم ومعرفتهم الصحيحة بالدين، ومثل هذه الأنظمة العلمانية اليوم تحارب الدين حقيقة وتحارب الدعاة إلى الله وهي آمنة مطمئنة أن يصفها أحد بالكفر والمروق من الدين لأنها لم تظهر بالصورة الأولى وما ذلك إلا لجهل كثير من المسلمين والله المستعان.
الخلاصة: أن العلمانية بصورتيها السابقتين كفر بواح لاشك فيه ولا ريب وأن من آمن بأي صورة منها وقبلها فقد خرج من دين الإسلام والعياذ بالله وذلك لأن الإسلام دين شامل كامل فقد قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة} وقال تعالى مبيناً كفر من أخذ بعضاً من مناهج الإسلام ورفض البعض: {أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون}…
نتائج العلمانية في العالم العربي والإسلامي
قد كان لتسرب العلمانية إلى المجتمع الإسلامي أسوأ الأثر على المسلمين في دينهم ودنياهم. وها هي بعض الثمار الخبيثة للعلمانية:
1- رفض الحكم بما أنزل الله سبحانه وتعالى، وإقصاء الشريعة عن كافة مجالات الحياة، والاستعاضة عن الوحي الإلهي المنزل على سيد البشر محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم بالقوانين الوضعية التي اقتبسوها عن الكفار المحاربين لله ورسوله واعتبار الدعوة إلى العودة إلى الحكم بما أنزل الله وهجر القوانين الوضعية اعتبار ذلك تخلفاً ورجعية وردة عن التقدم والحضارة وسبباً في السخرية من أصحاب هذه الدعوة واحتقارهم وإبعادهم عن تولي الوظائف التي تستلزم الاحتكاك بالشعب والشباب حتى لا يؤثروا فيهم.
2- تحريف التاريخ الإسلامي وتزيفه: وتصوير العصور الذهبية لحركة الفتوح الإسلامية على أنها عصور همجية تسودها الفوضى والمطامع الشخصية.
3- إفساد التعليم وجعله خادماً لنشر الفكر العلماني وذلك عن طريق:
ا - بث الأفكار العلمانية في ثنايا المواد الدراسية بالنسبة للتلاميذ والطلاب في مختلف مراحل التعليم.
ب - تقليص الفترة الزمنية المتاحة للمادة الدينية إلى أقصى حد ممكن.
ج - منع تدريس نصوص معينة لأنها واضحة صريحة في كشف باطلهم.
د - تحريف النصوص الشرعية عن طريق تقديم شروح مقتضبة ومبتورة لها بحيث تبدو وكأنها تؤيد الفكر العلماني أو على الأقل أنها لا تعارضه.
هـ - إبعاد الأساتذة المتمسكين بدينهم عن التدريس ومنعهم من الاختلاط بالطلاب، وذلك عن طريق تحويلهم إلى وظائف إدارية أو عن طريق إحالتهم إلى المعاش.
و - جعل مادة الدين مادة هامشية حيث يكون موضوعها في آخر اليوم الدراسي وهي في الوقت نفسه لا تؤثر في تقديرات الطلاب.
4- إذابة الفوارق بين حملة الرسالة الصحيحة، وهم المسلمون وبين أهل التحريف والتبديل والإلحاد، وصهر الجميع في إطار واحد وجعلهم جميعا بمنزلة واحدة من حيث الظاهر وإن كان في الحقيقة يتم تفضيل أهل الكفر والإلحاد والفسوق والعصيان على أهل التوحيد والطاعة والإيمان. فالمسلم والنصراني واليهودي والشيوعي والمجوسي والبرهمي كل هؤلاء وغيرهم في ظل هذا الفكر في منزلة واحدة يتساوون أمام القانون، لا فضل لأحد على الآخر إلا بمقدار الاستجابة لهذا الفكر العلماني. وفي ظل هذا الفكر يكون زواج النصراني أو اليهودي أو البوذي أو الشيوعي بالمسلمة أمراً لا غبار عليه ولا حرج فيه، وكذلك لا حرج عندهم أن يكون اليهودي أو النصراني أو غير ذلك من نحل الكفر حاكماً على بلاد المسلمين. وهم يحاولون ترويج ذلك في بلاد المسلمين تحت ما أسموه بـ ((الوحدة الوطنية)).
5 - نشر الإباحية والفوضى الأخلاقية، وتهديم بنيان الأسرة باعتبارها النواة الأولى في البنية الاجتماعية، وتشجيع ذلك والحض عليه: وذلك عن طريق:
أ - القوانين التي تبيح الرذيلة ولا تعاقب عليها وتعتبر ممارسة الزنا والشذوذ من باب الحرية الشخصية التي يجب أن تكون مكفولة ومصونة.
ب - وسائل الإعلام المختلفة من صحف ومجلات وإذاعة وتلفاز التي لا تكل ولا تمل من محاربة الفضيلة، ونشر الرذيلة بالتلميح مرة وبالتصريح أخرى ليلاً ونهاراً.
ج - محاربة الحجاب وفرض السفور والاختلاط في المدارس والجامعات والمصالح والهيئات.
6 - محاربة الدعوة الإسلامية عن طريق:
أ - تضييق الخناق على نشر الكتاب الإسلامي، مع إفساح المجال للكتب الضالة المنحرفة التي تشكك في العقيدة الإسلامية والشريعة الإسلامية.
ب - إفساح المجال في وسائل الإعلام المختلفة للعلمانيين المنحرفين لمخاطبة أكبر عدد من الناس لنشر الفكر الضال المنحرف، ولتحريف معاني النصوص الشرعية، مع إغلاق وسائل الإعلام في وجه علماء المسلمين الذين يبصرون الناس بحقيقة الدين.
7 - مطاردة الدعاة إلى الله، ومحاربتهم، وإلصاق التهم الباطلة بهم، ونعتهم بالأوصاف الذميمة، وتصويرهم على أنهم جماعة متخلفة فكرياً ومتحجرة عقلياً، وأنهم رجعيون يحاربون كل مخترعات العلم الحديثة النافعة وأنهم متطرفون متعصبون لا يفقهون حقيقة الأمور بل يتمسكون بالقشور ويدعون الأصول.
8 - التخلص من المسلمين الذين لا يهادنون العلمانية، وذلك عن طريق السجن أو النفي.
9 - إنكار فريضة الجهاد في سبيل الله، ومهاجمتها واعتبارها نوعاً من أنواع الهمجية وقطع الطريق. والقتال المشروع عندهم إنما هو القتال للدفاع عن المال أو الأرض.
10 - الدعوة إلى القومية أو الوطنية، وهي دعوة تعمل على تجميع الناس تحت جامع وهمي من الجنس أو اللغة أو المكان أو المصالح على أن لا يكون الدين عاملاً من عوامل التجميع، بل الدين من منظار هذا الدعوة يعد عاملاً من أكبر عوامل التفرق والشقاق.
العلمانية والإسلام بين شرطيها التاريخي,والعقلي
تحت الرعاية والدعم السوفيتي, والصمت الأمريكي,تأسست الأنظمة الشمولية, ونمى الاستبداد العربي,على تربة هيأتها طبقة من المثقفين الراديكاليين,تمكنت وبحذاقة من قراءة الأفكار والمفردات العزيزة على الجماهير العربية,فدفعت بحماس منقطع النظير إلى الشعور الجمعي للمجتمع بشعاراتها القومية والاشتراكية,وأفرغت بالوقت نفسه هذه الشعارات من مضمونها المعرفي,بتزييف وابتزاز القيم العزيز, مثل الديموقراطية ,والحرية , والتعددية, والعلمانية, وحقوق الإنسان , والمجتمع المدني.
وبالمقابل, رفع مثقفوا الأنظمة المحافظة , شعارات الإسلام ,بين متشدد نادى بإسقاط الفكر القومي التغريبي, والأيديولوجية الاشتراكية ذات المنشأ الشيوعي الملحد, واصلا حييين حاولوا التوفيق بين العروبة والإسلام,
هذا السجال النظري بين المثقفين الرسميين,بين قوميين تجاهلوا الآثار الثقافية للإسلام الزمنية وليس الدينية بحكم علمانيتهم , وإسلاميين حاربوا أي تضامن أو تكتل وحدوي عروبي ,يدفعهم عقدة الخوف على دولهم الصغيرة,من دول قد تنموا وتقوى وتكبر بفعل دوافع التيار القومي, هذا الصراع أدى إلى تخلخل النظام العربي الرسمي, مدفوعا بادراكات سياسية خاطئة, للوضع الإقليمي والعالمي , إلى حروب خاسرة, لم تستشر فيها الشعوب, فحرب الخليج الأولى والثانية, و قرار احتلال الكويت, وقرار استدعاء القوات الأجنبية , وقرار المشاركة العربية مع القوات المتعددة الجنسيات,قرارات فردية ,ولم تستشرفيها الشعوب, وهذه الأنظمة ,مسؤولة عن كل الأزمات, وعن كل التردي العربي والإقليمي, فلتتحمل إذن مسؤولياتها.
الخطاب العلماني
للعلمانية اشتقا قين, أولهما علمانية بكسر حرف العين,نظرا لاشتقاقها من العلم, وثانيهما علمانية بفتح العين واللام لاشتقاقها من العالم .
وقد ارتبط المفهوم العلماني لدى الغالبية الساحقة من المفكرين القوميين والإسلاميين, تاريخيا بعصر النهضة في أوربا,وسيطرة الأكليروس على ثنائية السلطة الدينية والسياسية,باعتبار أن المؤسسة الدينية هي الوصية على شؤون المؤمن المسيحي الدينية والزمنية,وهي الواسطة الروحية بين المسيحي وربه,وفي ظل الدولة الثيوقراطية وسيطرة طبقة الأكليروس ,على كافة مناحي الحياة, خلق مناخا, من التشدد الديني, والعداء نحو الأخر, واتهام كل من يعمل في مجال العلم والتقدم,بالهرطقة وعقابها الحرق والموت,وخاضت العلمانية صراعا مريرا, وتضحيات جمة ,حتى استطاعت فصل الدين عن الدولة, وتحييد أي تدخل لرجال الدين في السياسة .
ويدرك المتتبعين للمسالة العلمانية إن اغلب المثقفين ,عرفوا العلمانية في سياقها التاريخي, وما حققته في النهاية في المجتمعات الأوروبية, وتحديدا فصل الدين عن الدولة, ودار سجالا بين القوميين والاسلامين, حول نصوص دينية تؤيد أو تنفي العلمانية, وقلة هم من رأوا فيها, طريقا لوحدة وطنية واجتماعية , وطريقا للتقدم والتنمية, وبإيجاز رأوا فيها ضرورة لتحديث المجتمع. انطون سعادة من المفكرين الأوائل الذين درسوا العلمانية وعلاقتها مع الطبيعة الدينية والله
هذا الفهم التاريخي لظهور العلمانية, أسس عليه الإسلاميين دفاعاتهم , فان أي من الظروف التاريخية, التي رافقت ظهور العلمانية لم يمر به الإسلام فهم بالتالي ليس معنيين بالمسالة العلمانية, فقال العلامة الشيخ مهدي شمس الدين"المبررات النظرية للعلمانية التي استنبطها الفكر الأوروبي من مجمل النظريات الفلسفية والاجتماعية- السياسية التي ظهرت من الفلاسفة والمفكرين الأوروبيين منذ القرن السادس عشر- هذه المبررات لم يوجد في الإسلام ما يدعوا إليها على الإطلاق" وبالتالي هي دعوة تغريب وانسياق أعمى نحو ثقافة الغرب الاستعماري.......... وفريق أخر من الإصلاحيين المسلمين , وعلى رأسهم المفكر الإسلامي القرضاوي, قالوا إن الإسلام هو دين ودنيا ولا يحمل مفهوم الدولة الثيوقراطية في الغرب المسيحي , وهذا الرفض لسيطرة طبقة الأكليروس على الدولة هو جوهر العلمانية وسماتها الضرورية,وطالما أن المفهومات الجوهرية للعلمانية ترتبط بشروطها التاريخية, فسقوط شرطها التاريخي في الإسلام يعني سقوط مفهومها الجوهري, وبالتالي نحن بغنى عن استيراد هذه العلمانية. طالما لدينا البديل.
غير أن التحليل النقدي للعلمانية, من وجهة نظر فلسفية, ترى إن الشرط التاريخي, هو سمة لاحقة, وليس أساسي للعلمانية, وبالتالي هو تحصيل حاصل السيمانتية العلمانية,أما السيمانتية الجوهرية للعلمانية,هي المبادئ والأفكار التي كانت تحملها طبقة الأكليروس, عن الله والدين, واتفق على تسميتها المؤسسة الدينية, التي سيطرت على الشؤون الزمنية, التي سعت كمؤسسة سياسية , لإقامة دولة يكون فيها الدين صاحب الكلمة الأولى والأخيرة, في السياسة والاقتصاد والاجتماع والدين.
والديموقراطية المباشرة التي عرفت في مجمع أثينا وفي سياق ظرف تاريخي معين , لم يمنع اختلاف هذا الظرف التاريخي في أوروبا, من الأخذ بها وتطويرها , من ديمقراطية مباشرة, إلى ديمقراطية يكون فيها التمثيل الفردي أو الحزبي عن طريق الانتخاب , دون أن يؤثر السياق التاريخي على المفهوم الجوهري للديموقراطية .
كنت في مقال سابق نشر في الحوار المتمدن بتاريخ .......... إن الأنظمة العربية حجرت وكلست واعتقلت كل العلوم الإنسانية والاجتماعية لاعتمادها بالدرجة الأولى على النقد, وللقدسية المطلقة,للاستبداد العربي ,حرم النقد,لان من ينتقد إما هو من الطابور الخامس أو عميل خائن,او شيوعي مارق, لذلك لم ينتج المجتمع مفكرين وطنيين ينتمون إلى ثقافة هذا المجتمع,أسسوا لنظريات نقدية تعالج تلك العلوم,لذلك بقينا نجتر النظريات الغربية,ونؤسس عليها.
لذلك نرى على الانترنيت تستعمل المفرد ت ,كالديموقراطية, والرأي والرأي الأخر, والحرية وحقوق الإنسان, والعلمانية والإرهاب, والاسلاموي , والاستبداد العربي, والشمولية.......بمعانيها المجردة وكأنها موضة , أو موجة امتطاها المثقفين, فجاءت بعض المقالات وصفية, حكواتية , أكسبتها الممارسة سلاسة في الأفكار, وجزالة في الأسلوب, هي اقرب إلى التهويمات , منها إلى التحليل , والى الدروشة منها إلى المفهوم السياسي الاجتماعي, تعتمد على التعميم لما فيه من الضبابية حول المعنى, وليس على التحديد الذي يرتبط بالوعي والإدراك. هي مفردات سياسية, في ذهن الكاتب , وليست اجتماعية وإنسانية.
إن هذه المفردات العزيزة على القلوب, والتي ابتز لت على مدى أربعون عام,مع كل تنوعاتها ومدارساها, موضوعها واحد وهو الإنسان الاجتماعي ذو النزعة الأممية, الذي بلغ رقيه وتمدنه, درجة إيجاد مثل عليا له, تجعله يقدم مصلحة المجتمع على مصلحة الفرد ,لذلك وبالضرورة تتطور معه شبكة من العلاقات, تفرضها من حيث الشكل طبيعة البيئة ودرجة التطور والتقدم, لتنظيم حياته اليومية والمجتمعية, وعندما تستقر هذه الشبكة وتأخذ شكل" الانا" الجمعية في ذات المجتمع ,وتصبح المرجعية الأخلاقية لكل قضايا الخطأ والصواب , في المعاملات اليومية الزمنية , يكون قد تحدد ضمير الأمة , في هذه الانا الجمعية المستقرة في الشعور ,وتتحول إلى هوية ثقافية, عندما تضطر إلى تنظيم قضايا اقتصادية وسياسية وقانونية, منحوتة من التاريخ ومن الذاكرة الثقافية واحتياجات التطور,وتتناغم جملة هذه الشبكة العنكبوتية من العلاقات, لتشكل عقلية خاصة تتميز عن عقلية شعب أخر أو امة أخرى.
إذا استثنينا الشرط التاريخي الذي أسس عليه الإسلاميون دفاعاتهم,وأخذنا بان الفتاوى والاجتهاد في دولة الإسلام الدينية الدنيوية, هي المرجعية لكل الأمور الزمنية , لان شرط القانون في الدولة الإسلامية هو عدم خروجه عن النص, و هذا استبعاد العقل عن تدبير شؤون الإنسان الحياتية . ويرى فلاسفة العلمانية في هذا وساطة دينية لا تختلف في جوهرها عن واسطة رجل الدين المسيحي.
غير أن الحامل للمفهوم العلماني هو الإنسان , والوعاء الحاضن للقضايا الجوهرية للعلمانية هو المجتمع,دون التقليل من أهمية الشرط التاريخي, والمفهوم السيمانتي للعلمانية, لكنهما ليس الشرطين الأساسيين لها, وإنما الشرط الموضوعي, الذي أدى إلى المفهوم الجوهري للعلمانية, هم مفكري وفلاسفة عصر النهضة الذين استطاعوا , أن يفصلوا بين الدين ومكونات العقل الاروبي, ولم يعد الفرد الأوروبي, حكمه في تصويب أو تخطيء ممارسته اليومية المسيحية, وإنما العقل, وبعبارة أدق إن الانا الجمعية في ألذات الأوروبية, والتي تشكل الضمير الجمعي , لم يعد الدين مرجعيتها في تقييم الخطأ والصواب وإنما العقل, و العقل هو الحكم النهائي في مجال العلاقات القيمية,لذلك الضوابط الأخلاقية والسياسية والاقتصادية والقانونية, هي ضوابط عقلية وليست دينية , وليس لسلطان ديني على أي من الشؤون الدنيوية للإنسان الأوربي,فعندما يمارس الإنسان الأوربي الجنس خارج مؤسسة الزواج,أو يقر الزواج المتلي, لا يلقي عليه النص الديني ظلاله, لأنه لا علاقة له بالشأن الدنيوي مطلقا.
وعلى خلاف ذلك لم تعرف البشرية دينا أو إيديولوجية, تدخلت في الشؤون الدنيوية كما تدخل الإسلام , فهو في كل كبيرة وصغيرة, حاضرا في نصه, ينهي ويسمح, يحلل ويحرم, فعند الصباح نتشا هد, وعندما نأكل نبسمل, وعندما ننتهي نحمد الله, وعندما نفتح الحانوت ننادي يا رزاق يا كريم, ورئيسة الاتحاد النسائي, تنهي بناتها عن العيب وتعلمهم ماهو حلال وحرام,والعلماني يرفض الزواج المدني لبناته, والسياسي يتمترس خلف المفتي ,الضمير , الشعور, القيم, العادات والتقاليد, الأخلاق, القانون, الخطاب السياسي العلاقات التجارية, المرأة , الجنس ......... وكل الشؤون الزمنية ذات مرجعية دينية واحدة,ابتعدت عن الدين الرسمي, واتخذت في العقل العربي والإسلامي , مكان الصدارة في الذاكرة والفعل, وحاضرة في الممارسة والقول, ولذلك ليس مستغربا من وقوف , جماهير واسعة في كل أرجاء الوطن العربي والإسلامي , مع الخطاب العراقي في أزمتي الخليج الأولى والثانية, رغم أن الخطاب كان اقرب إلى لغة الدراويش منه إلى اللغة السياسية , صادر عن نظام يدعي العلمانية , ولم يعرف عنه أية وجهة دينية, يعتمد في محنته خطابات دينية تبدأ بنحت الله واكبر على العلم ويبدأ" يا محلى النصر بعون الله ". بسم الله الرحمن الرحيم .................., ورغم فقدان الثقة بين الجماهير العربية وبين الخطابات السياسية , فقد كان صدى واسع الانتشار, والقبول من المغرب إلى المشرق , فما هي الأسباب التي جعلت هذه القطاعات الواسعة , تتجاوب مع خطاب كهذا.
إذا وجدنا الجواب فمن السهل أن نكتشف المسالك الآمنة للديموقراطية وحقوق الإنسان , والعلمانية ......إلى وجدان هذه الشعوب وان شئت إلى ضمير هذه الأمة.
3
أما العلمانيون فى مصر فمازالوا مقتنعين بأن منتصف القرن الماضى أفضل من هذه الأيام ،ويُذَكرون من حولهم بمدي التحرر والثقة التي كانت عليها المرأة في هذا العصر، وكيف كانت تستفيد من مناخ الحرية الاجتماعية الذي كان سائدا آنذاك.
وعلى هذا الدرب يسير الأستاذ شريف الشوباشى الذى إندهش – فى مقاله المعنون " هل كنا فى ضلال ؟ " والمنشوربالأهرام يوم 12/12/2007- من أن غالبية بطلات الشاشة الكبيرة اليوم يتفاخرن بأنهن يرفضن بتاتا أي مشاهد بها قبلات أو أحضان. ويبدو الأمر –فى نظره- وكأنه إدانة ضمنية للممثلات السابقات اللاتي كن يظهرن في لقطات تتضمن قبلات مع الحبيب طالما أن السيناريو وتسلسل الأحداث يستلزمان ذلك.
إن العلمانيين –فى مصر والعالم العربى – يعيشون فى السنوات الأخيرة فى مأزق حقيقى – فمنذ عشرات السنين نادى إمامهم - الدكتور طه حسين - الشعوب العربية بمقولته الشهيرة :يجب أن نأخذ الحضارة الغربية بحلوها ومرها لأن الحضارة لا تتجزأ ؟ لماذا نرفض الأيادي الممدودة لمساعدتنا ونتهمها بالتآمر على مصالحنا وبأنهم لا يرغبون الا في نهب ثرواتنا ؟ ، ومن قبل كانوا يتحكمون فى وضع مناهج التعليم حسب فكرهم العلمانى الذى يفصل الدين عن الدولة ،وكانوا يسيطرون على جميع وسائل الإعلام –المرئية والمسموعة والمقروءة –وكانوا بإستطاعتهم توجيه الراى العام فى المجتمعات العربية إلى إتباع عادات وتقاليد بعيدة عن الأخلاق و الدين ، ولم تكن هناك فرص حقيقية لمخالفيهم أن ينشروا آراءهم ويفندوا حججهم - كما هو عليه الحال هذه الأيام - .
لم يعد العلمانيون قادرين على مواجهة المد الإسلامى ، ورغم أنهم مازالوا يملكون وسائل الإعلام الرسمية -وخاصة الجرائد الحكومية وأجهزة التلفاز بقنواته الموجهة من الحكومات -، إلا أن الخرق قد إتسع على الراقع ، وقد تنامى المد الإسلامى فى المجالات الإقتصادية والسياسية والإعلامية والدعوية والعلمية وغيرها من المجالات الحيوية والمؤثرة فى واقع الناس ،واللذين عاد أكثرهم إلى فطرته السليمة والتى تلفظ مبادىء العلمانية ومنهج العلمانيين ، واللذين يوقنون بأن عقارب الساعة لاتعود إلى الوراء .
ينبغى على العلمانيين أن يعترفوا بهزائمهم المتلاحقة فى محاولة إبعاد الناس عن دينهم ، وأن يقروا بواقع الأمر ، فالغالبية من الناس يئسوا من المبادىء الشيوعية والعلمانية ،وبدأوا فى الرجوع إلى دينهم ليس بالإلتزام فى الأمور العبادية فحسب ، وإنما لجأوا إلى الدين كذلك لينظم لهم جميع شئون حياتهم مع النفس والأسرة والمجتمع.
وبعد ذلك فهل يُراجع العلمانيون فى مصر أنفسهم – كما راجع العديد من الشيوعيين أنفسهم – ويعودوا إلى الفطرة التى فطر الله الناس عليها ؟
لم يعد يخفى على احد تحول النظام المصرى وتفرغه للدفاع عن العلمانيه والهجوم على الأسلاميين بشكل فظيع وتصوير ان الاسلام والمسلمين هم سبب التخلف أمتدادا للحمله الامريكيه الصهيونيه والسير فى ركبها حتى لو كان ذلك على حساب ديننا الحنيف
بل وتحويل الحجاب كما قالت أوربا الى رمز وليس جوهر وشرع أمر به الله عز وجل واخافه الشعب من الأسلام والأسلاميين وأنهم يفرضون الحجاب وأنهم سيفتكون بالبلد أذا وصلوا لكرسى الحكم وهذا يعكس الفوبيا والرعب الذى أصاب النظام من تنامى شعبيه الأخوان والتى ينظر اليها الشعب على أنها البديل الوحيد للخلاص من النظام
ودائبا المسئولين فى الفتره الأخيره وبعض الصحافيين الموالين لهم على التعبير عن الرغبه فى التخلص من المعالم الأسلاميه وساعدهم على ذلك حاله ضياع الازهر وفقده لاستقلاليته وتباعيته للدوله
ولكن زادت الوتيره فى الايام الأخيره فها هو وزير الأعلام يمنع عرض المسلسلات التى يشارك فى تمثيلها المحجباتثم هجوم السيد نظيف على الحجاب والنقاب أيضا
مشروع قانون مقدماً من وزير الأوقاف بمنع التجمعات داخل المساجد وحظر الحديث في قضايا الأمة.
وقبلهم منع الوزير صفوت الشريف ظهور المذيعات المحجبات وبعد صدور الحكم لصالحهم رفضت الدوله تنفيذه , وأخيره ظهر لنا وزير المشاكل فاروق حسنى ليهاجم الحجاب ويدعى أنه سبب تخلف المرأه
وهكذا أصبح شغل الشاغل للنظام هو محاربه الأسلام والحجاب ومحاوله تحويل مصر الى دوله علمانيه أتاتوركيه جديده
وماقاله الوزير جزء من أدوار محددة لشخصيات مسؤولة في الحكومة المصرية، لحساب العداء للإسلام والمسلمين، فقضية الحجاب محسومة بالآيات والأحاديث الصريحة، والحديث عنها بهذا الشكل استهزاء وسخرية، ويصب في خندق أعداء الأمة.
كما أنه يرضى الغرب عن النظام ناسيين أن الاسلام هو أساس حياتنا وهو دوستورنا وأن النصارى واليهود لن يرضوا عناكما نص القران
ونسوا أن الحضاره الأسلاميه التى قامت عليها نهضه أوربا كانت المرأه فيها محجبه ومنقبه
وياليتهم يتبعوا الأسلام ليتخلصوا من الفساد الذى أستشرى فى الدولة وأدى الى تخلف الدوله
ياليتهم يرعوا الله فى رعيتهم كما كان سيدنا عمر بن الخطاب يفعل أو السيد عمر عبد العزيز حين أمتلاء بيت المال أكثر من حاجه الفقراء
نناقش فكرة العلمانية في النقاط التالية :
1 - يرى الإسلاميون أن الدين الإسلامي دين شامل مترابط يؤثر بعضه على بعض ، بمعنى مفصل أكثر ، إن من يصلي ويصوم ويحج ويزكي ولا ينظر إلى تطبيق مسائل العدل والمساواة والأخلاق وغيرها من قيم بتجاهلها لا تنفعه صلاته - بمعنى أن أثرها فيه قليل أو قد يكون أحياناً معدوم - ، وهذا واضح في أن من يصلي ولكنه يكذب أو يظلم أو يسرق لا تنفعه صلاته " إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر " فمن يصلي ولا تؤثر فيه صلاته لا فائدة منها ، فالإنسان لا يدين الصلاة بل هي تدين هذا الإنسان . وطالب الإسلام الإنسان المسلم أن يتفاعل مع ما يدور حوله " من لم يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم " ولا يقصد بـ - ليس بمسلم أنه خرج من الإسلام - بل يعني أن عليه أن ينظر في ممارسته لهذا الإسلام ، ولم يطالبه بأن يصلي ويصوم فقط ، حيث يحيط بحياة الإنسان الظلم والكذب والسرقات وغيرها من المسائل . إن العلمانية عندما تقوم بحصر الدين في المسجد ما الذي يبقى للإنسان من وجود وهو يشاهد الكثير من الأخطاء والفساد والمآسي تحيط حوله دون أن يؤثر في ذلك ، واعتماد العلمانية فقط على القانون في مقاومة الظلم والتأكيد على العدل والمساواة والوقوف في وجه الفساد فيه تقزيم للإسلام إن لم تقضي عليه .
2 - هناك سبب نراه مهم في طرح العلمانية فبعض ممن يطرح العلمانية لا ينطلق من أجل المساواة بين أفراد المجتمع بمختلف أديانه أو قومياته أو مذاهبه ، بل أن الطرح ينبع من عدم دينية ، بمعنى آخر أن هناك لا دينيين ونتيجة لموقف سلبي واضح من الدين ، أو عقدة من الدين يطرحون العلمانية . من المعلوم أن الدين يطالب أتباعه بالالتزام بما يأمر به ، وهذا الاتباع يلزم مجاهدة النفس لدرجة وصف مجاهدة النفس بالجهاد الأكبر الذي يقارن بالقتال الموصوف بالجهاد الأصغر ، ورغبة منهم بعدم الالتزام بذلك يطالبون بالعلمانية لأنها سوف لن تقف ضد الكثير من رغباتهم وطموحاتهم وشهواتهم ، بعكس الإسلام الذي سيقف في وجه الرغبات والطموحات والشهوات غير المشروعة ، ونجد هؤلاء دائمي السخرية من الإسلاميين والإسلام .
3 - هل كان اختيار العلمانية في مجتمعاتنا نتيجة ضغط عالمي بأن نتبنى الخيار العلماني أم أنه نتيجة تحولات تاريخية حقيقية فرضتها الظروف التاريخية الاجتماعية وبالتالي لا محيص من تبني العلمانية ، فلا يمكن أن نتجاهل العوامل السياسية في مشكل العلمانية في مجتمعاتنا .
4 - إن نجاح العلمانية في المجتمعات الغربية لا يعني أنها بالضرورة قد تنجح في غيرها من المجتمعات ، فطبيعة المجتمعات الأوروبية في نظرتها لدور الدين - المتمثل في الدين المسيحي - في الحياة الاجتماعية والسياسية تختلف عن طبيعة المجتمعات المسلمة التي ترى للدين دور في حياتها ، فالعلمانية كانت حلاً لمشكلة المجتمعات الأوروبية لكي يتقدموا حيث احتكار الكنسية للعلم الذي كان مطلب مهم لكي تتقدم المجتمعات الأوروبية بل ومصادرة الآراء العلمية التي لا تتفق مع وجهة نظر الكنيسة ، بينما لا نجد أن المؤسسة الدينية تحتكر العلم بل الدين الإسلامي يحث على العلم ، ولكنه ضد استخدام العلم في الضرر بحياة الإنسان ، ومن هنا لا يمكن القول أن العلمانية ستكون حلاً لمشاكل المجتمعات الإسلامية بل أنها ستزيد المجتمعات الإسلامية أزمات فوق أزمتها .
6 - إن تقديم بعض الدول الإسلامية البرامج الدينية في إعلامها الرسمي لا يعني ذلك أنها دولة ذات توجه إسلامي أو أنها تطبق الشريعة الإسلامية ، وهنا يطرح سؤال ما الفرق بين البرامج الدينية التي تبث في الإعلام الرسمي والإعلام غير الرسمي ولا سيما مع ثورة الفضائيات العربية على سبيل المثال ، نجد أن البرامج الدينية التي تطرح في الإعلام الرسمي تتوافق مع السياسات التي تنتهجا الدولة ولا يمكن لها أن تعارض هذه السياسات فهي أحد مؤسسات الدولة ، فالحكومات العربية لديها الإسلام الرسمي إن جاز التعبير الذي قد يتعارض مع الإسلام الشعبي أو الإسلام السياسي ، ومن جهة أخرى إلى أي مدى تطرح القضايا الملحة في مثل هذه البرامج التي تحتاج إليها الشعوب العربية والمسائل التي يحث عليها الإسلام ، وهناك برامج تقدم في بعض الإعلام الرسمي للإسلام فيها موقف واضح .
7 - إن طرح عدم تدخل الدين في أنظمة الدولة يفضي إلى حالة لدى المسلمين يرون فيها أنهم مخيرون بين إما أن يكون مع دينهم أو مع قوانين وأنظمة الدولة ، والتي قد تكون في أحيان كثيرة متعارضة فالواقع يثبت أن القوانين في جميع الدول القائمة حالياً ذات مرجعية وضعية ، يمكن أن تتوافق قواعد من النظم الوضعية مع المرجعية الإسلامية لكن ليس بالضرورة يحدث دائماً فكثير من الأنظمة والقوانين الوضعية تتعارض مع المرجعية الإسلامية ، ولعل الدول العربية يوجد بها من ذلك الكثير ، وأحياناً يكون الاختلاف في الكيفية التي وصلت للنتيجة وهي التي تعتبر الإشكالية أكثر من النتيجة ، فإما أن يختاروا دينهم على القانون ولا سيما عندما تكون العلمانية مفروضة على المسلمين ، أو أن يعيشون حالة عدم استقرار بسبب عدم قدرتهم الالتزام بدينهم باتباع القانون الذي مضطرون إتباعه ، فمثلاً عندما يفرض على المسلمات عدم ارتداء الحجاب عند الدخول في الجامعات أو دخول البرلمان - تركيا في المثالين ، فرنسا في المثال الأول - وبالتالي فإن الملتزمين بدينهم إما عليهم عدم الدخول في الجامعات أو عدم الالتزام بحكم شرعي ، وتحضر هنا مسألة عدم السماح للنساء بارتداء الحجاب في الجامعات التركية مما يجعل المرأة المسلمة إما عدم لبس الحجاب أو ترك الجامعة أو لبس شعر مستعار لكي لا يظهر شعرها الحقيقي ورغم ذلك لا تسلم من سخرية البعض .
8 - إن التجربة العربية التاريخية تثبت أنه لا يمكن أن تفصل أثر الدين عن الحياة السياسية ، فتاريخياً كان من ضمن القوى الوطنية الفاعلة في مقاومة الاستعمار ، قوى تستند للدين كمرجعية في مقاومة الاستعمار فمن ينكر دور الأمير عبد القادر الجزائري وعبد الحميد بن باديس والبشير الإبراهيمي في الجزائر ، وعمر المختار في ليبيا ، وعلماء الدين في ثورة العشرين في العراق ، ودور الشيرازي في فتواه المشهورة عن التنياك ، وعز الدين القسام ، وفي العقد الأخير من ينكر دور حزب الله في لبنان وحركة حماس والجهاد الإسلامي في فلسطين في مقاومة إسرائيل . ومن ينكر دور الحركات الإسلامية في الحياة السياسية ولو أخذنا الانتخابات البرلمانية كأحد المعايير السياسية ولا سيما في انتخابات العقد الحالي نجد أن الإخوان المسلمين رغم ما يعانونه من مضايقات النظام الحاكم الحالي حققوا مقاعد أكثر من مقاعد المعارضة المصرية مجتمعة رغم حظرها سياسياً ، وقبل عدة أشهر فاز حزب العدالة والتنمية في المغرب الذي استطاع أن يحقق 41 مقعد في البرلمان ويحتل المرتبة الثالثة ، ويتخلف عن الحزب الذي حقق أكبر عدد من المقاعد سوى 4 مقاعد ، رغم تقديمه مرشحين في 56 من أصل 90 دائرة واستطاع أن يضاعف عدد مقاعده في البرلمان عن البرلمان السابق حيث مثله 17 نائب ، وانتخابات الجزائر والبحرين وباكستان ، ولعل آخرها فوز حزب العدالة والتنمية التركي الذي شكل الحكومة منفرداً بعد فوزه بالمركز الأول في الانتخابات التشريعية - ولسنا بحاجة لتعليق على هذا الحدث بالذات - .
9 - يمكن القول أن الإسلام يحتوي على عقيدة وأحكام وأخلاق ، والفقه الإسلامي يعتمد على القرآن الكريم باعتباره المصدر الأول ، ويقسم الفقهاء الأحكام الشرعية إلى قسمين أحكام العبادات وأحكام المعاملات ، ويختص النوع الأول بالأحكام المتعلق بالفرد في علاقته بربه والتي تختص بالصلاة والصوم والحج ، بينما يختص النوع الثاني بالأحكام المتعلقة بعلاقة الفرد بالجماعة والأفراد الذين يتعامل معهم ، فنجد في هذا الجانب المعاملات المالية مثل القرض والربا والشراكة أو العلاقات الاجتماعي كما في مسائل الزواج والطلاق والزنا وغيرها من المسائل . ومن ثم عندما يتم تجاهل النوع الثاني من الأحكام ويختصر علاقة الإنسان بالدين فقط بالنوع الأول من الأحكام فمعنى ذلك أن يتم تعطيل عدد من الأحكام التي وردت في القرآن الكريم والتي أمرنا باتباعها .
10 - يطرح السيد محمد حسين فضل الله فكرة وهي لماذا لا يأخذ المسيحيين العرب الشريعة الإسلامية بدلاً من القانون الوضعي ، ومعروف أن أغلب القوانين الموجودة في الدول العربية مأخوذة من القوانين من الدول الغربية ، وبالتالي فالشريعة التي يضعها المسلمون العرب خير من القوانين المأخوذة من تلك القوانين .
11 - أن لكل دولة مرجعية فكرية وقانونية تستند إليها ومن ثم فهل يعقل أن تكون هناك دولة قومية تتنكر للفكرة القومية والوحدوية ، وكذلك عندما يحكم الاشتراكيون هل سيستندون للفكر الاقتصادي الرأسمالي أو الفكر السياسي الليبرالي أم الفكر الإسلامي ، وهذا ينطبق على الليبراليين هل عندما يحكمون في دولة هل سيستندون إلى المرجعية الاشتراكية ، فهناك فرق بين كون الدولة لا دين لها وبين أن الدولة لها مرجعية ، ولعل ما يفكر به الاتحاد الأوروبي في أن يكون للمسيحية وجود باعتبارها مكون مهم للهوية الأوروبية إشارة إلى أنه لا يمكن تجاهل الدين " يعكف الاتحاد الأوروبي اليوم على وضع دستور له ، وهو يتساءل إن كانت ثمة مرجعية دينية له ، وكان النقاش في هذا الموضوع قد انصب على مسألة إن كان من الواجب تضمين نص الدستور الجديد إشارة إلى المسيحية على أساس أنها إحدى المقومات التاريخية الأساسية للهوية الأوروبية .
وكان البابا وراء المطالبة بتضمين الدستور مثل تلك الإشارة ، وتقوم حجته في ذلك على أن المصدر النهائي للقيم الأوروبية حتى للعلمانية الأوروبية الإنسانية منها يتمثل في المسيحية · وقام الرئيس الفرنسي السابق فاليري جسكار ديستان الذي يترأس لجنة صياغة الدستور الأوروبي بزيارة البابا في الفاتيكان الأسبوع الماضي لمناقشة الأمر معه " ( حدود السياسي والديني : جذور الهوية الأوروبية الحديثة ، ويليام فاف ، صحيفة الاتحاد الإماراتية ، العدد 9993 ، الخميس 9 رمضان 1423 هـ / 14 - 11 - 2002 م ) ومن هنا كيف يستطيع مثلاً القومي أو الاشتراكي أو الليبرالي من إدارة الدولة من دون أن تتأثر هذه الإدارة بفكره ، فهناك رابط مهم بين الفكر والممارسة ، وإلا هل يمكن أن نقول أن اشتراكي يدير الحكومة بفكر ليبرالي . وباعتبار الإسلاميين قوى حقيقية في المجتمعات العربية والإسلامية أليس من حقهم أن تكون لهم وجهة نظرهم في كيفية إدارة الدولة ومرجعيتها خصوصاً عندما لا يهدد ذلك السلم الاجتماعي بممارسة ذلك من باب الحرية التي ينادي بها غيرهم ، وذلك يكون عن طريق الدعوة بالفكر والممارسة التي تجعل الدولة الإسلامية ليست بعبعاً يخيف الآخرين ، إلا إذا كان للكل الحق أن يصل للحكم وليس للإسلاميين الحق في ذلك .
وهنا بما أن الإسلاميين ملتزمين بالمرجعية الإسلامية ، فبالتالي لا يمكن للإسلامي أن ينشد الدولة وفق مرجعية غير إسلامية ، وإلا حدث لديه تناقض بين ما يفكر به وما يطبقه ، فكثير من الأحكام الشريعة لا يمكن تطبيقها من دون وجود دولة ، فكما يقول الفقهاء ما يتم به الواجب فهو واجب ، فالقضاء يلزم أن يكون إسلامياً حيث يختلف القضاء الإسلامي عن غيره من القضاء الوضعي ففي الفقه الإسلامي كان أحكام متميزة في الزواج والطلاق والمواريث والمعاملات المالية ، حيث لا يمكن مع القضاء الوضعي أن تطبق الأحكام الشريعة .
12 - إن قضية المساواة التي يطرحها العلمانيون هي ذات جانب سياسي ، فهم يرون أنه ينبغي أن تكون مساواة بين أفراد المجتمع بحيث يكون للجميع الحق في الوصول إلى مناصب الحكم كما ذكرنا أعلاه ، ومعلوم أن هناك في الفكر الإسلامي وجهة النظر ترى أن الحاكم في الدولة الإسلامية لابد أن يكون مسلم ، وأخيراً قرأت رأي للدكتور رضوان السيد مفاده أن الإسلاميين في سوريا ولبنان لا يوجد لديهم مانع من أن يكون الحاكم غير مسلم " وقد أصدر الإسلاميون المصريون والأردنيون والباكستانيون وأخيراً السوريون وثائق في مسألة التعددية ، وما يزال كثيرون منهم مترددين في التعددية الثقافية ؛ لأنها متصلة بهوية المجتمع ولا يجوز التلاعُبُ بها ، أما التعددية الاجتماعية والسياسية فإنهم يقرُّونها ، بل ويؤكدون عليها بالعودة للقرآن والسنة وممارسات المجتمع الإسلامي القديمة ، وقد أقرُّوا إنشاء أحزاب ، كما تحالفوا في الانتخابات النيابية والنقابي مع أحزاب وحركات غير إسلامية ·
كما أن جماعات التيار الرئيسي تُقرُّ الآن بمبدأ المواطنة ، والتساوي بين المواطنين على اختلاف أديانهم ، بيد أن لدى بعضهم تحفظات على ولاية غير المسلم لرئاسة الدولة أو قيادة الجيش ، لكن الإخوان المسلمين السوريين ، والإسلاميين اللبنانيين يقولون بذلك من دون تحفظ ، ويعتبرون أن المسألة انقضت منذ عصر التنظيمات في العهد العثماني " ( الإسلام والمجتمع المدني ، د. رضوان السيد ، صحيفة الاتحاد الإماراتية ، الأحد 22/7/1422هـ الموافق 29/9/2002 ، العدد 9947 ) ، ونرى أنه ما المانع من أن يكون غير المسلم حاكم في الدولة الإسلامية إذا انطلقنا من عدد من المرتكزات الأولى أن هناك لدى الإسلاميون نظرة ترى أن المسيحي مواطناً وهذه النظرة تمثل قطيعة للنظرة التقليدية التي لا ترى في المسيحي مواطناً حيث ترتبط المواطنة بصورة واضحة بالحقوق . الثاني أنه ما دام هناك في الدولة الإسلامية قانون مطبق يسري على الجميع فما المانع من أن يكون المسيحي حاكم طالما هو يعمل ضمن القانون ومع مستشارين يطبقون القانون فهو لن يستطيع أن يأتي بما يخالف الشريعة الإسلامية ، فضلاً عن قبوله العمل في دولة تطبق الشريعة الإسلامية . الثالث أن الرأي الذي يرى أنه لا يمكن أن يكون المسيحي في المناصب القيادة ، ناشئ من الفقه الذي يعتمد على الاجتهاد ، من هنا قد يمارس الفقه اجتهاده ويتغير الرأي الذي لا يرى للمسيحي الحق في تولي المناصب القيادية في الدولة الإسلامية .
13 - يطرح بعض العلمانيون أن العلمانية مرتبطة بقوة مع الديمقراطية ، ولكن لا يقول لنا العلمانيون أن العلمانية عندما جاءت وطبقت في دولنا العربية والإسلامية تم ذلك بطريق ديمقراطي ، حيث تم الاستفتاء عليها من قبل هذه الشعوب وإن الشعوب قبلت بها بالتالي فهي مطلب شعبي ، وليس ما قام به كمال اتاتورك ببعيد ألم يقم بإلغاء الخلافة الإسلامية واستبدالها بالعلمانية رغم عن شعب تركيا .
14 - يطرح العلمانيون أن لا دولة في الدين الإسلامي مستندين على ذلك من رأي للشيخ علي عبد الرازق ، وأن هذا الرأي يأتي من شخص تخرج مؤسسة علمية دينية ، ولكن السؤال الذي يطرح ماذا يمثل رأي الشيخ عبد الرازق بالنسبة لرأي العلماء في وقته أو الوقت الراهن ، ولماذا لا يورد لنا العلمانيون رأي لعالم دين أو مفكر إسلامي آخر يرى في العلمانية كما يراها الشيخ علي عبد الرازق سواء كان معاصراً للشيخ عبد الرازق أو في عصرنا الراهن ، ومن جهة أخرى هناك آراء لمفكرين مشهود لهم في الساحة العربية المعاصرة رؤيتهم في قضية العلمانية ، فمثلاً د. محمد عابد الجابري يرى أننا لسنا بحاجة للعلمانية ونستطيع أن نستعيض بدلاً عنها بالعقلانية والديمقراطية ، أو مثلاً رأي غلنز من أن العلمانية قابلة لكي دين إلا مع الدين الإسلامي ، أو بعض دارسي الإسلام من الباحثين الغربيين الذين يرون أن العلمانية غير قابلة في المجتمعات الإسلامية ، أمثال جون أسبوزيتو وجون فول ورودني ستارك وبين بريديج ( راجع ، المفترون : خطاب التطرف العلماني في الميزان ، فهمي هويدي ، ص 242 ) .
15 - ليس المقصود من الدولة الإسلامية أنها هي التي يحكمها رجال الدين كما هو موجود مثلاً في إيران ، فهذا رأي اعتقد أنه ليس جديراً بالثقة ، فيمكن أن يحكم رجل دين الدولة ولكن لا يطبق فيها الإسلام ، ولكن الدولة الإسلامية هي الدولة التي تطبق الشريعة الإسلامية وفق ما جاء به الدين الإسلامي لا الشريعة التي يلعب بها بعض الفقهاء وكثير من الحكام .
16 - هناك نقطة مهمة وهي رد على تجارب علمانية ففي تركيا صاحبت العلمانية قمع لبعض الحريات ، وفي الاتحاد السوفيتي سابقاً كانت دولة ضد الدين وكانت تعيش حياة الاستبداد ولم تستطع تبني نموذجها ، فحتى في الدول الغربية لا يكفي أن تكون هناك علمانية إن لم يكن معها حرية لكي تنجح هذه الدول ، النازية الفاشية أليست دول علمانية ، وبالتالي الحديث عن تلازم العلمانية بالديمقراطية أو التقدم ليس ضروري .
17 - سبق أن تحدثنا في فقرة سابقة من أن نجاح العلمانية في الغرب ليس بالضرورة أن تنجح في المجتمعات العربية والإسلامية ، فرغم أن هناك نماذج مختلفة للعلمانية في الغرب ، ففي الوقت الذي تكون فيه العلمانية الفرنسية تصطدم مع الدين بقوة ، نجد أن هناك العلمانية الألمانية التي يوجد فيه أحزاب مسيحية ، والعلمانية البريطانية حيث تتبوأ الملكة رئيسة الكنيسة ، والعلمانية الأمريكية التي تعتبر علمانية متصالحة مع الدين .
وهنا بعد ذكر نماذج علمانية مختلفة سوف نأخذ النموذج العلماني الأمريكي الذي يوصف بأنه الأفضل فيما بينها ، سننطلق باعتبار نظرة العلمانية المادية للكون والإنسان والمجتمع للإلقاء نظرة على المجتمع الأمريكي ، فلو أخذنا ما يعيشه المجتمع الأمريكي في جانبه الاجتماعي نجد أن هناك تجارة مخدرات وتعاطي مخدرات ، أمراض جنسية أبرزها الأيدز ، إجهاض ، أطفال غير شرعيين ، تفكك اجتماعي ، عنف اجتماعي ، سرقات ، نصب ، احتيال ، قتل إلى غيره من المشاكل الاجتماعية ، صحيح أن ذلك يحدث مع وجود معارضة من قبل جهات دينية ، ولكن ما مدى تأثير هذه المعارضات والدعوات للعودة إلى الدين في داخل المجتمع الأمريكي ، إضافة وهو المهم هل يمكن لنا أن نبعد أثر التدين من المشاكل الاجتماعية ، نحن لا ندعي أن التدين وحده قادر على حل المشاكل ولكن يبقى هو أقوى العوامل المساعدة لذلك ، والنقطة المهمة التي نريد إثارتها هل نحن بحاجة لتبني النموذج الأمريكي للحياة الاجتماعية ، نحن نعاني من مشاكل اجتماعية كبيرة ولكن لا أتصور أن النموذج الاجتماعي الأمريكي لو تم تبنيه سيحل مشاكلنا بقدر ما سيزيدها تعقيداً .
يوحي هذا العنوان على أن هناك علاقة ما بين الإسلام والعلمانية ، فهناك من يرى أن ثمة تعارض بين الإسلام والعلمانية ، باعتبار أن الإسلام دين جاء من أجل الإنسان كما يراه أتباعه ، والعلمانية مشروع لا يمكن لها أن تتيح للإسلام تطبيق ما جاء به ، وهناك من يرى أنه ليس هناك داعي للأخذ بالإسلام كدين يمارس على أرض الواقع بل يبقى دوره في الوجدان والقلوب وهو إيمان ، فقط يحتاجه الإنسان في مواقف ضعف تعتريه ، وهناك من يرى أننا بالعلمانية نستطيع أن ننجز الكثير لا نستطيع إنجازه مع الإسلام ، وأخيراً من يرى أن العلمانية فكرة تنظم المجتمع كما يراه أتباعها ، ولا تتعارض مع الإسلام .
نتيجة لعقود تاريخية عاشها المجتمع الأوروبي بين الإصلاح الديني والنهضة والتنوير انبثقت العلمانية في المجتمعات الأوروبية " قامت في أوروبا خلال القرن السادس عشر ثورة الإصلاح الديني بقيادة مارتن لوثر ( ألمانيا ) الذي بدأ دعوته عام 1520 ، وتابع من بعده عملية الإصلاح هذه جان كالفن ( سويسرا ) . إن عملية الإصلاح الديني تعني مواجهة احتكار الكنيسة في روما لتفسير الإنجيل المقدس ، ومعارضة إضفاء القدسية الإنجلية على المذهب الكاثوليكي ، حيث ينظر إلى المقدس عامة من خلال الكثلكة .
والجدير ذكره أن الإصلاح الديني قاد إلى البروتستانتية في إطار الكنيسة المسيحية الغربية قد تطور ليصبح ثورة ضد تكبيل العقل بقيود الوحي ، فقامت حركة التنوير الأوروبي التي هي امتداد لثورة الإصلاح الديني . وتعني في جوهرها الإيمان وقدرة العقل على معرفة الحقيقة . ومن فلاسفة التنوير نذكر :
هوغو غروتيوس ( 1583-1645 ) ، توماس هوبز ( 1588-1679 ) ، جون لوك ( 1632-1704 ) ، دافيد هيوم ( 1711-1776 ) ، جان جاك روسّو ( 1712-1778 ) ، جيرمي بنتام ( 1748-1832 ) ، ستيوارت ميل ( 1806-1873 ) ...
تحولت حركة التنوير هذه إلى ثورة سياسية ضد استبداد الكنيسة والسلطة فكانت العلمانية " ( تطور الفكر السياسي ، د. عدنان السيد حسين ، 109-110 ) .
وحضرت العلمانية في المجتمعات العربية نتيجة عدة عوامل منها الاحتكاك العربي والإسلامي بأوروبا الذي كان عن طريقين الأول من داخل المجتمع العربي والإسلامي عندما استحدثت السلطة العثمانية في أواخرها التنظيمات الأوروبية المستندة إلى مرجعية وضعية بدلاً عن التنظيمات التي كانت معمول بها والمستندة إلى الشريعة الإسلامية ، وآثار الخضة التي عاشها المجتمع المصري بعد حملة نابليون بونابرت الذي جلب معه كل شيء من آلات الطباعة والعسكر إلى المومسات ، والثاني من داخل المجتمع الأوروبي وكان نتيجة لاحتكاك العرب بأوروبا عن طريق البعثات والهجرات ، وصاحب كل هذا وجود شريحة ترى أن هناك مجتمعات أوروبية متقدمة ، وهناك فارق كبير بيننا وبينهم ، فهم يستطيعون الفعل في جميع مناحي الحياة ولهذا فهم متقدمون ، وفي نفس الوقت لا نستطيع أن القيام بهذا الفعل لكي نتقدم ، ومن ثم لا تستطيع أن نصل ونتقدم إلا باتباع الطريق الذي سلكه الأوروبي ، الذي تضمن في أحد أسبابه العلمانية .
فأول طرح للعلمانية في مجتمعاتنا كان في عصر النهضة من قبل مجموعة أفراد متعلمين من أمثال شبلي الشميل وفرح أنطون ، واستمر طرح العلمانية بشدة امتداداًً لمثقفي ومفكري عصر النهضة الذين كانوا يرون أهمية تبني العلمانية .
2
تطرح العلمانية من قبل بعض المثقفين العرب لعدد من الأسباب منها :
1 - حصر دور الدين في المسجد ، وإن ليس للدين دور في حياة الإنسان سوى في دور العبادة ، وعندما يتدخل الدين في شؤون الإنسان السياسية والاجتماعية فإنه يفرض قدسية على العمل السياسي نابعة من هذا الدين ، فالشأن الديني شأن مطلق بينما السياسة شأن نسبي ومن ثم فلا مكان للدين في العمل السياسي وإن محله فقط هو المسجد يقول د. عزيز العظمة " ولكنني أود أن أؤكد على رأيي الذاهب إلى أن دور الدين في العصر الحديث ليس في مجال السياسة بل هو في المساجد وفي القلوب، لا أعتقد بصحة المقالة الذاهبة إلى أن الإسلام دين ودولة ، هذه عقيدة سياسية حديثة ، وليست هي بالضرورة مما ينتج عن قراءة النصوص الدينية التأسيسَّة ، وهذا أمر بيَّنه الشيخ عبد الرازق منذ ما يفوق السبعين عاماً ، منذ حوالى خمسة وسبعين عام . ولا أعتقد أن الإسلام هو شيء يُطبق ، إنه دين ، وككل الأديان ، وككل مجموعات التصورات والنظم والأخلاق وما شابه ذلك ، أمور تتطور بفعل التاريخ ، وأن التطورات التي حصلت في العالم العربي ، وفي كل أنحاء المعمورة في القرنين الأخيرين قد جعلت من الدين ، أو جعلت للدين توصيفاً مخالفاً ومغايراً لما كان عليه منذ قرون ، فيجب أن نعترف بهذا الواقع ، وألاَّ نتقوقع في جملة من التصورات التي تستلبنا من الحاضر ، وتبعدنا عن الواقع " ( قمة الدوحة الإسلامية ومنظمة المؤتمر الإسلامي ، برنامج الاتجاه المعاكس ، موقع الجزيرة نت ) .
2 - تتميز مجتمعاتنا العربية بتعدد الأديان والمذهبيات والقوميات ، ولكي لا يكون هناك تمايز لدين أو مذهب أو قومية على بقية الأديان أو المذاهب أو القوميات في الدولة الواحدة ، الذي يؤدي لحدوث اضطهاد لفئات بينما تتمتع فئة واحدة بالامتيازات في الدولة ، ومن هنا فالعلمانية هي الحل بتوفيرها المساواة بين أفراد المجتمع .
ولكي لا يكون هناك اختلافات داخل المجتمع تؤدي لعدم استقراره يلزم أن يكون هناك نظام واحد يخضع له جميع أفراد المجتمع بمختلف أديانهم ومذاهبهم وقومياتهم ، وسوف نضرب عدد من الأمثلة لتوضيح هذه الفكرة .
المثال الأول في المجال التعليمي ، يرى العلمانيون أن تعليم الطلاب الدين في المدارس يعمل على تغذية الطلاب الحس الديني الضيق ، من ثم يلزم أن يتم تعليم الطلاب تعليم وطني أي أن يبتعد عن إثارة المشاكل الدينية لأن هناك وطن واحد وأديان متعددة ، يعزز ذلك وجود مشاكل تاريخية بين الأديان والطوائف والقوميات ، فمثلاً عندما يكون هناك مسيحيين ومسلمين في مجتمع واحد هل يكون التعليم إسلامي أم مسيحي ؟ فإذا كان التعليم مسيحياً سوف يشتكي المسلمون من ذلك والعكس صحيح ، مما قد يثير عدد من المشاكل لدى كل طرف يرى أنه متضرر من هذا التعليم ، أو عندما يكون هناك في نفس المجتمع مسلمون سنة وشيعة فهل يكون التعليم وفق المذهب السني إن كانت الأغلبية سنية أو يكون شيعياً إن كانت الأغلبية شيعية مع وجود الكثير من المشاكل الموروثة والمعاصرة بين السنة والشيعة بينهما في بعض المجتمعات التي تعاني من مشاكل طائفية ، ومن ثم فحافظاً على عدم وجود انقسامات في داخل المجتمع الواحد يلزم أن تحضر العلمانية .
المثال الثاني في المجال القضائي ففي مجتمع يكون فيه عدد من الأديان إذا حدثت فيه مشكلة بين مسيحي ومسلم وتطلب ذلك اللجوء للقضاء فهل يتم التقاضي على أساس أن القضاء يلزم المسيحي أن يُحكم وفق القضاء الإسلامي وهو لا يريد ذلك ، أو كمثال آخر بين الشيعة والسنة هل يرتضي الشيعي أن يتحاكم مع شيعي آخر في نزاعه وفق المذهب السني إذا كان قضاء الدولة التي ينتميان لها قضاء سني أو العكس ، ومن هنا يلزم أن يكون القضاء وضعي لكي تحقق المساواة بين أفراد المجتمع .
المثال الثالث أن تضطهد الأغلبية الأقلية من منطلق ديني كما قد يكون في بعض المجتمعات التي لديها مشاكل طائفية أو التي كانت تعيش في فترة تاريخية منها مثل هذه المشاكل ، وبالتالي لحل هذا الاضطهاد يلزم أن تكون العلمانية هي الحل .
ويرى العلمانيون العرب أن الدولة العربية ليست دولة علمانية ومن ثم عليها أن تكون دولة علمانية فهي تخصص برامج دينية في إعلامها وتستضيف " رجال دين " يتحدثون عن الدين .
هذا باختصار ما يستلزم حضور العلمانية لدى مؤيديها في مجتمعاتنا .
3
العلمانية هي نظرة مادية للإنسان والمجتمع والكون تستبعد الدين من ذلك ، ولكنها في الوقت ذاته لا تتنكر للدين أي أنها ليست نظرية إلحادية ، وهي ليست كما يصورها البعض أنها معادل للعلم ، فلفظة العلمانية ليست مشتقة من العلم لأن أصل الكلمة secularism لا تدل على ذلك حيث تعني العالم أو الدنيا ، ويمكن إرجاع السبب في إرجاع البعض العلمانية للعلم من أنهم يرون أن البديل للدين هو العلم ، وتعرف العلمانية على أنها " ظاهرة تاريخية ذات أسباب وغايات مركبة ومعقدة ، تتصل بعوامل اقتصادية وفكرية وحضارية عدة ، ساهمت في مجملها بانقلابات جذرية في حياة الإنسان ونظرته إلى المجتمع والطبيعة والدين " ( تطور الفكر السياسي ، مصدر سابق ، 112 )
يطرح السيد محمد حسن الأمين أن هناك نوعان للعلمانية ملحدة ومؤمنة ويمكن لنا أن نقبل بالعلمانية المؤمنة ، بينما يطرح د. عبد الوهاب المسيري أن هناك نوعان من العلمانية جزئية " هي رؤية جزئية للواقع لا تتعامل مع الأبعاد الكلية والمعرفية ، ومن ثم لا تتسم بالشمول ، وتذهب هذه الرؤية إلى وجوب فصل الدين عن عالم السياسة ، وربما الاقتصاد وهو ما يُعبر عنه بعبارة " فصل الدين عن الدولة " ، ومثل هذه الرؤية الجزئية تلزم الصمت حيال المجالات الأخرى من الحياة، ولا تنكر وجود مطلقات أو كليات أخلاقية أو وجود ميتافيزيقا وما ورائيات ، ويمكن تسميتها " العلمانية الأخلاقية " أو " العلمانية الإنسانية " " ، وشاملة " رؤية شاملة للواقع تحاول بكل صرامة تحييد علاقة الدين والقيم المطلقة والغيبيات بكل مجالات الحياة ، ويتفرع عن هذه الرؤية نظريات ترتكز على البعد المادي للكون وأن المعرفة المادية المصدر الوحيد للأخلاق وأن الإنسان يغلب عليه الطابع المادي لا الروحي ، ويطلق عليها أيضاً " العلمانية الطبيعية المادية " ( نسبة للمادة و الطبيعة) " ( العلمانية ، د.عبد الوهاب المسيري ، مفاهيم ومصطلحات ، موقع إسلام أون لاين ) ، بينما يطرح الباحث السوري محمد جمال باروت أن الدين الإسلامي دين علماني لأنه دين فيه شريعة التي بحاجة لتطبيقها للدور بشري وهو يهتم بمصلحة الإنسان .
4
1
عرار 01/12/2009 12:44:39 م الإبلاغ عن إساءة الاستخدام السِجل المعدّل غياب العلمانية هو الذي يشكل خطر على الاسلام. للاسف يصر البعض على ربط العلمانية بالكفر والالحاد وهذا غير صحيح بالمرة فكون الدولة علمانية لا يعني ان افرادها غير مؤمنين ولكن علمانية الدولة هي ضمان لوحدة المجتمع وسلامة انتمائه.. مع الاحترام والتقدير
0
عبد المغني الإدريسي 01/12/2009 1221 م الإبلاغ عن إساءة الاستخدام العلمانية: هي النظرية التي تقول: إن الأخلاق والتعليم يجب أن لا يكونا مبنيين على أسس دينية.
وفي دائرة المعارف البريطانية نجدها تذكر عن العلمانية: أنها حركة اجتماعية تهدف إلى نقل الناس من العناية بالآخرة إلى العناية بالدار الدنيا فحسب.
ودائرة المعارف البريطانية حينما تحدثت عن العلمانية تحدثت عنها ضمن حديثها عن الإلحاد، وقد قسمت دائرة المعارف الإلحاد إلى قسمين:
1- إلحاد نظري.
2- إلحاد عملي، وجعلت العلمانية ضمن الإلحاد العملي. وما تقدم ذكره يعني أمرين:
أولهما: أن العلمانية مذهب من المذاهب الكفرية: التي ترمي إلى عزل الدين عن التأثير في الدنيا فهو مذهب يعمل على قيادة الدنيا في جميع النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية والقانونية وغيرها بعيداً عن أوامر الدين ونواهيه.
ثانيهما: أنه لا علاقة للعلمانية بالعلم كما يحاول بعض المراوغين أن يلبس على الناس بأن المراد بالعلمانية: هو الحرص على العلم التجريبي والاهتمام به، فقد تبين كذب هذا الزعم وتلبيسه وبما ذكر من معاني هذه الكلمة في البيئة التي نشأت فيها. ولهذا لو قيل عن هذه الكلمة (العلمانية ) إنها: اللادينية لكان ذلك أدق تعبيراً وأصدق، وكان في الوقت نفسه أبعد عن التلبيس وأوضح في المدلول.
كيف ظهرت العلمانية
كان الغرب النصراني في ظروفه الدينية المتردية هو البيئة الصالحة والتربية الخصبة التي نبتت فيها شجرة العلمانية وترعرعت، وقد كانت فرنسا بعد ثورتها المشهورة هي أول دولة تقيم نظامها على أساس الفكر العلماني، ولم يكن هذا الذي حدث من ظهور الفكر العلماني والتقيد به بما يتضمنه من إلحاد وإبعاد للدين عن كافة مجالات الحياة بالإضافة إلى بغض الدين ومعاداته ومعاداة أهله، لم يكن هذا حدثاً غريباً في بابه ذلك لأن الدين عندهم حينئذٍ لم يكن يمثل وحي الله الخالص الذي أوحاه إلى عبده ورسوله عيسى ابن مريم عليه السلام وإنما تدخلت فيه أيدي التحريف والتزييف، ولم تكتف الكنيسة ـ الممثلة للدين عندهم ـ بما عملته أيدي قسيسيها ورهبانها من التحريف والتبديل حتى جعلت ذلك دينا يجب الالتزام والتقيد به.
ومن جانب آخر فإن الكنيسة أقامت تحالفاً غير شريف مع الحكام الظالمين وأسبغت عليهم هالات من التقديس والعصمة وسوغت لهم كل ما يأتون به من جرائم وفظائع في حق شعوبهم زاعمةً أن هذا هو الدين الذي ينبغي على الجميع الرضوخ له والرضا به. من هنا بدأ الناس هناك يبحثون عن مهرب لهم من سجن الكنيسة ومن طغيانها ومن ذلك أعلنوها حرباً على الدين عامة. فإن كل الأفكار والناهج التي ظهرت في الغرب بعد التنكر للدين والنفور منه ما كان لها أن تجد آذاناً تسمع في بلاد المسلمين لولا عمليات الغزو الفكري المنظمة والتي صادفت في الوقت نفسه قلوباً من حقائق الإيمان خاوية وعقولاً عن التفكير الصحيح عاطلة ودنيا في مجال التمدن ضائعة متخلفة. ولقد كان للنصارى العرب المقيمين في بلاد المسلمين دور كبير وأثر خطير في نقل الفكر العلماني إلى ديار المسلمين والترويج له والمساهمة في نشره عن طريق وسائل الإعلام المختلفة، كما كان أيضا للبعثات التعليمية التي ذهب بموجبها طلاب مسلمون إلى بلاد الغرب لتلقي أنواع العلوم الحديثة أثر كبير في نقل الفكر العلماني ومظاهره إلى بلاد المسلمين حيث امتتن الطلاب هناك بما رأوا من عادات وتقاليد ونظم اجتماعية وسياسية واقتصادية عاملين على نشرها والدعوة إليها في الوقت نفسه الذي تلقاهم الناس فيه بالقبول الحسن توهماً منهم أن هؤلاء المبعوثين هم حملة العلم النافع وأصحاب المعرفة الصحيحة ولم تكن تلك العادات والنظم والتقاليد التي تشبع بها هؤلاء المبعوثون وعظموا شأنها عند رجوعهم إلى بلادهم إلا عادات وتقاليد ونظم مجتمع رافض لكل ما له علاقة أو صلة بالدين.
صور العلمانية
للعلمانية صورتان كل صورة منهما أقبح من الأخرى:
الصورة الأولى: العلمانية الملحدة: وهي التي تنكر الدين كلية وتنكر وجود الله الخالق البارئ المصور ولا تعترف بشيء من ذلك بل وتحارب وتعادي من يدعو إلى مجرد الإيمان بوجود الله وهذه العلمانية على فجورها ووقاحتها في التبجح بكفرها إلا أن الحكم بكفرها أمر ظاهر ميسور لكافة المسلمين فلا ينطلي بحمد الله أمرها على المسلمين ولا يقبل عليها من المسلمين إلا رجل يريد أن يخرج عن دينه، وخطر هذه الصورة من العلمانية من حيث التلبيس على عوام المسلمين ضعيف وإن كان لها خطر عظيم من حيث محاربة الدين ومعاداة المؤمنين وحربهم وإيذائهم بالتعذيب أو السجن أو القتل.
الصورة الثانية: العلمانية غير الملحدة: وهي علمانية لا تنكر وجود الله وتؤمن به إيماناً نظرياً لكنها تنكر تدخل الدين في شئون الدنيا وتنادي بعزل الدين عن الدنيا، وهذه الصورة أشد خطراً من الصورة السابقة من حيث الإضلال والتلبيس على عوام المسلمين فعدم إنكارها لوجود الله وعدم ظهور محاربتها للتدين يغطي على أكثر عوام المسلمين حقيقة هذه الدعوة الكفرية فلا يتبينون ما فيها من الكفر لقلة علمهم ومعرفتهم الصحيحة بالدين، ومثل هذه الأنظمة العلمانية اليوم تحارب الدين حقيقة وتحارب الدعاة إلى الله وهي آمنة مطمئنة أن يصفها أحد بالكفر والمروق من الدين لأنها لم تظهر بالصورة الأولى وما ذلك إلا لجهل كثير من المسلمين والله المستعان.
الخلاصة: أن العلمانية بصورتيها السابقتين كفر بواح لاشك فيه ولا ريب وأن من آمن بأي صورة منها وقبلها فقد خرج من دين الإسلام والعياذ بالله وذلك لأن الإسلام دين شامل كامل فقد قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة} وقال تعالى مبيناً كفر من أخذ بعضاً من مناهج الإسلام ورفض البعض: {أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون}…
نتائج العلمانية في العالم العربي والإسلامي
قد كان لتسرب العلمانية إلى المجتمع الإسلامي أسوأ الأثر على المسلمين في دينهم ودنياهم. وها هي بعض الثمار الخبيثة للعلمانية:
1- رفض الحكم بما أنزل الله سبحانه وتعالى، وإقصاء الشريعة عن كافة مجالات الحياة، والاستعاضة عن الوحي الإلهي المنزل على سيد البشر محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم بالقوانين الوضعية التي اقتبسوها عن الكفار المحاربين لله ورسوله واعتبار الدعوة إلى العودة إلى الحكم بما أنزل الله وهجر القوانين الوضعية اعتبار ذلك تخلفاً ورجعية وردة عن التقدم والحضارة وسبباً في السخرية من أصحاب هذه الدعوة واحتقارهم وإبعادهم عن تولي الوظائف التي تستلزم الاحتكاك بالشعب والشباب حتى لا يؤثروا فيهم.
2- تحريف التاريخ الإسلامي وتزيفه: وتصوير العصور الذهبية لحركة الفتوح الإسلامية على أنها عصور همجية تسودها الفوضى والمطامع الشخصية.
3- إفساد التعليم وجعله خادماً لنشر الفكر العلماني وذلك عن طريق:
ا - بث الأفكار العلمانية في ثنايا المواد الدراسية بالنسبة للتلاميذ والطلاب في مختلف مراحل التعليم.
ب - تقليص الفترة الزمنية المتاحة للمادة الدينية إلى أقصى حد ممكن.
ج - منع تدريس نصوص معينة لأنها واضحة صريحة في كشف باطلهم.
د - تحريف النصوص الشرعية عن طريق تقديم شروح مقتضبة ومبتورة لها بحيث تبدو وكأنها تؤيد الفكر العلماني أو على الأقل أنها لا تعارضه.
هـ - إبعاد الأساتذة المتمسكين بدينهم عن التدريس ومنعهم من الاختلاط بالطلاب، وذلك عن طريق تحويلهم إلى وظائف إدارية أو عن طريق إحالتهم إلى المعاش.
و - جعل مادة الدين مادة هامشية حيث يكون موضوعها في آخر اليوم الدراسي وهي في الوقت نفسه لا تؤثر في تقديرات الطلاب.
4- إذابة الفوارق بين حملة الرسالة الصحيحة، وهم المسلمون وبين أهل التحريف والتبديل والإلحاد، وصهر الجميع في إطار واحد وجعلهم جميعا بمنزلة واحدة من حيث الظاهر وإن كان في الحقيقة يتم تفضيل أهل الكفر والإلحاد والفسوق والعصيان على أهل التوحيد والطاعة والإيمان. فالمسلم والنصراني واليهودي والشيوعي والمجوسي والبرهمي كل هؤلاء وغيرهم في ظل هذا الفكر في منزلة واحدة يتساوون أمام القانون، لا فضل لأحد على الآخر إلا بمقدار الاستجابة لهذا الفكر العلماني. وفي ظل هذا الفكر يكون زواج النصراني أو اليهودي أو البوذي أو الشيوعي بالمسلمة أمراً لا غبار عليه ولا حرج فيه، وكذلك لا حرج عندهم أن يكون اليهودي أو النصراني أو غير ذلك من نحل الكفر حاكماً على بلاد المسلمين. وهم يحاولون ترويج ذلك في بلاد المسلمين تحت ما أسموه بـ ((الوحدة الوطنية)).
5 - نشر الإباحية والفوضى الأخلاقية، وتهديم بنيان الأسرة باعتبارها النواة الأولى في البنية الاجتماعية، وتشجيع ذلك والحض عليه: وذلك عن طريق:
أ - القوانين التي تبيح الرذيلة ولا تعاقب عليها وتعتبر ممارسة الزنا والشذوذ من باب الحرية الشخصية التي يجب أن تكون مكفولة ومصونة.
ب - وسائل الإعلام المختلفة من صحف ومجلات وإذاعة وتلفاز التي لا تكل ولا تمل من محاربة الفضيلة، ونشر الرذيلة بالتلميح مرة وبالتصريح أخرى ليلاً ونهاراً.
ج - محاربة الحجاب وفرض السفور والاختلاط في المدارس والجامعات والمصالح والهيئات.
6 - محاربة الدعوة الإسلامية عن طريق:
أ - تضييق الخناق على نشر الكتاب الإسلامي، مع إفساح المجال للكتب الضالة المنحرفة التي تشكك في العقيدة الإسلامية والشريعة الإسلامية.
ب - إفساح المجال في وسائل الإعلام المختلفة للعلمانيين المنحرفين لمخاطبة أكبر عدد من الناس لنشر الفكر الضال المنحرف، ولتحريف معاني النصوص الشرعية، مع إغلاق وسائل الإعلام في وجه علماء المسلمين الذين يبصرون الناس بحقيقة الدين.
7 - مطاردة الدعاة إلى الله، ومحاربتهم، وإلصاق التهم الباطلة بهم، ونعتهم بالأوصاف الذميمة، وتصويرهم على أنهم جماعة متخلفة فكرياً ومتحجرة عقلياً، وأنهم رجعيون يحاربون كل مخترعات العلم الحديثة النافعة وأنهم متطرفون متعصبون لا يفقهون حقيقة الأمور بل يتمسكون بالقشور ويدعون الأصول.
8 - التخلص من المسلمين الذين لا يهادنون العلمانية، وذلك عن طريق السجن أو النفي.
9 - إنكار فريضة الجهاد في سبيل الله، ومهاجمتها واعتبارها نوعاً من أنواع الهمجية وقطع الطريق. والقتال المشروع عندهم إنما هو القتال للدفاع عن المال أو الأرض.
10 - الدعوة إلى القومية أو الوطنية، وهي دعوة تعمل على تجميع الناس تحت جامع وهمي من الجنس أو اللغة أو المكان أو المصالح على أن لا يكون الدين عاملاً من عوامل التجميع، بل الدين من منظار هذا الدعوة يعد عاملاً من أكبر عوامل التفرق والشقاق.