10. Nov. 2013
المالكي يسعى لزيادة فرصه لفترة ثالثة برئاسة الوزراء


أحكم المالكي قبضته على السلطة بشكل أكبر بعد فوزه بفترة ثانية لرئاسة الوزراء عام 2008

مايكل نايتس
باحث بمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى

تدور على نطاق واسع نظريتان حول رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، الذي عاد لتوه من أول زيارة عراقية رفيعة المستوى لواشنطن منذ انسحاب القوات الأمريكية من العراق عام 2011.
حيث تصوره إحدى النظريتين بأنه الديكتاتور القادم الذي يسعى للحصول على حد أقصى من السلطات التنفيذية من جهة، ويسحق الرموز والمؤسسات المعارضة له من جهة أخرى مستغلا في ذلك سلطة الدولة.

إلا أن المالكي لم يلبث في أن يكتسب تلك السمعة حتى بدأ في التخبط ليتعثر في الأزمات السياسية والأمنية واحدة تلو الأخرى.
أما العديد من المراقبين فيرون ذلك إشارةً على أن أيامه السياسية باتت معدودة، وأن الانتخابات العامة المقرر إجراؤها في الثلاثين من إبريل/نيسان المقبل ستخرجه من السلطة إذا ما كانت تتمتع بقدر من الحرية.
فأيهما إذن سيكون نوري المالكي؟ هل سيكون ذلك الرجل الحديدي الذي قد يستمر حكمه للبلاد عقودا؟ أم ستطوي الأيام ذكراه سريعا إذا ما أصبح شخصية اطيحت في أول انتخابات تجرى في البلاد بعد زوال الاحتلال؟

انتخابات محلية

فبالرغم من أنه كان يظهر في بادئ الأمر ضعيفا عند توليه ذلك المنصب عام 2006، فإن المالكي تحول إلى زعيم أكثر نجاحا وثقة بنفسه عام 2008 عندما سمح لقوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة القيام بعملية أمنية حاسمة ضد جيش المهدي، تلك الجماعة المسلحة التي تقع تحت إمرة الزعيم الديني الشيعي مقتدى الصدر.
واستنادا إلى الزخم الذي جاءت به تلك الانتصارات العسكرية، بدأ المالكي عملية دمج فعالة للسلطة التنفيذية كان من شأنها أن تضع كلا من الجهاز الأمني العراقي والمحكمة العليا والخزينة العراقية إلى جانب البنك المركزي والإعلام في قبضته.
وعلى الرغم من هذه التغييرات التي أعادت المركزية للسلطة، كان المالكي في حاجة لأن يحدث توازنا سياسيا داخل البرلمان العراقي المتفكك بعد انسحاب القوات الأمريكية في ديسمبر/كانون الأول عام 2011.
إلا أنه ومنذ انسحاب القوات تقريبا، بدأ المالكي في إقصاء عدد كبير من الطوائف العراقية في آن واحد.
ومع الربع الأول من عام 2012، حاولت الأحزاب الكردية وحلفاء مقتدى الصدر إجراء تصويت برلماني لسحب الثقة من المالكي.
ومع أن تلك الجهود باءت بالفشل تقريبا نتيجة الدعم الإيراني القوي للمالكي، إلا أنه بات من الواضح أنه سيواجه تحديا كبيرا للبقاء لفترة ثالثة في الحكم في عام 2014.


أظهر المالكي في الآونة الأخيرة مرونة سياسية مع الأكراد فيما يتعلق بالقضايا المتنازع عليها بين الإقليمين

وجاءت أولى المؤشرات على ضعف موقفه في الانتخابات المحلية التي أجريت في إبريل/نيسان عام 2013.
حيث لم تؤد تلك الانتخابات فحسب إلى الانخفاض في عدد المقاعد التي حصل عليها ائتلاف دولة القانون الذي يرأسه إلى 22 في المئة بدلا من 28 في المئة، بل فقد الائتلاف أيضا سيطرته على المجالس المحلية المهمة مثل بغداد والبصرة، كما شكلت الأحزاب الشيعية الأخرى تحالفات ضده.
بل إن الأدهى من ذلك هو أن دور حلفاء المالكي في ائتلاف دولة القانون بدا متراجعا في تلك الانتخابات.
ففي البصرة التي تمثل معقلا له على سبيل المثال، لم يكن من بين المرشحين الستة عشر المنتخبين من ائتلاف دولة القانون سوى ثلاثة فقط يتحالفون معه بشكل قوي.

استراتيجية العودة

إلا أن المالكي، مع ذلك الموقف الحرج الذي يواجهه، أظهر مرونة سياسية خلال الأشهر الأخيرة.
حيث منح الأكراد بعض المميزات فيما يتعلق ببعض القضايا، بما في ذلك إفساحه الطريق أمامهم للسيطرة بشكل أكبر على مدينة كركوك المتنازع عليها واستكمال خط أنابيب النفط الذي يصل إلى تركيا من هناك.
وفي المقابل، لم يُبدِ الأكراد في السادس والعشرين من أغسطس/آب أي اعتراض على ما قام به رجال المالكي في المحكمة الاتحادية العليا العراقية من إسقاط للتشريع الذي كان من شأنه أن يحرم رئيس الوزراء من تولي فترة رئاسية ثالثة للحكومة.
وفي جهد متزايد منه لتفتيت قوى المعارضة العربية السنية، يعمد المالكي حاليا إلى إعادة النشاط لحركة الصحوة التي تلقى دعما قبليا مسلحا، كما يستمر في وعوده لاجتثاث حزب البعث من الساحة السياسية العراقية وتبني إصلاحات مناهضة للإرهاب يواجه بها الطائفة السنية.
وعمد المالكي أيضا إلى تذكير العراقيين بدوره في كسر شوكة الميليشيات عام 2008.
ففي يوم الاثنين الماضي، ذكّر المالكي العراقيين "بنظام ميليشيات مقتدى الصدر الذي كان يشجع على القتل والاختطاف والسرقة في البصرة وكربلاء وبغداد وغيرها من المحافظات".


يستطيع المالكي تصوير زيارته للبيت الأبيض بأنها إقرار ضمني من الإدارة الأمريكية لترشيحه لفترة رئاسية ثالثة

ولم يكن المالكي هو الزعيمَ الوحيد لكتلة خسرت مقاعد في الانتخابات المحلية عام 2013 أمام قوائم مستقلة أصغر حجما، وهو ما دفعه لدعم جهود تشريعية تضع قيودا على التصويت من شأنها أن تمنع خوض مرشحين مستقلين في الانتخابات العامة المقرر عقدها عام 2014.
كما يعمل المالكي أيضا على التودد والتقرب بشكل كبير إلى الشركاء الخارجيين.
إذ يتفرد بتباهيه بأن إيران والولايات المتحدة الأمريكية هما أقرب الداعمين له، حيث كانت الدولتان تتدخلان في الصراعات السياسية الداخلية التي كادت أن تطيح به مرات عدة منذ عام 2006.
ومع تفاقم الأزمة التي تشهدها سوريا، يبقى المالكي شريكا أساسيا لإيران التي تجد قوافلها الجوية والبرية المتوجهة لدعم النظام السوري محطات استراحة تمر بها على الأراضي العراقية.
وكان المالكي أيضا هو الداعم لجهد الحكومة العراقية الحثيث لاسترضاء تركيا، ولجأ في ذلك إلى القادة العرب السنة كوسطاء حتى يخفف من حدة معارضتها لفكرة إعادة انتخابه.
وعلى الرغم من الفتور الذي اكتنف استقباله في واشنطن الأسبوع الماضي، إلا أن المالكي يستطيع أن يصور زيارته للبيت الأبيض على أنها إقرار ضمني من الإدارة الأمريكية لترشيحه لفترة رئاسية ثالثة.

اختبار للديمقراطية

ويهدف رئيس الوزراء العراقي إلى الخروج من انتخابات عام 2014 بمظهر المرشح الأوفر حظا لرئاسة الوزراء، مستندا في ذلك بشكل كبير إلى صيته في القدرة على إدارة الأمور، ولأن استبداله بآخر قد يفضي إلى أوضاع سياسية صعبة أو غير مستقرة.
ويعتمد المالكي أيضا على حقيقة أن مخاوف أغلب الزعماء العراقيين من تنظيم القاعدة وظهور السياسيين المستقلين أكبر من تخوفاتهم من الطوائف الأخرى الموجودة على الساحة السياسية في العراق.
ولا يزال من المحتمل أيضا أن تظهر مفاجأة ما خلف الأبواب المغلقة لعملية اختيار رئيس الوزراء بعد انتخابات عام 2014.
فقد يكون أحد السيناريوهات المحتملة لاستبدال المالكي متمثلا في "انقلاب شيعي عليه"، حيث يمكن أن تفتح النتائج الضعيفة للانتخابات الطريق أمام الأحزاب الشيعية الأخرى لاستبداله برجل أقل صرامة أملا منهم بأن يكون أسهل في السيطرة عليه.
إلا أن المالكي -كونَه رئيسا مؤقتا للوزراء خلال الفترة الانتقالية التالية- قد يعمل على الاستحواذ على عدد من أوراق الضغط المهمة التي من شأنها أن تحدث توازنا لديه، بما في ذلك السيطرة على المحكمة الاتحادية العليا، وهي الوسيط في النزاعات المتعلقة بالانتخابات، بالإضافة إلى السيطرة على الأجهزة الأمنية والاستخباراتية.
فمع إخفاق التصويت في مايو/أيار عام 2012 بسحب الثقة منه، لم يفكر أحد بعد ذلك في اختبار رغبة المالكي في التنازل عن منصبه بعملية انتقال سلمي للسلطة.
بل إنه وخلال تلك الأزمة، أخذت قوات الحرس الجمهوري الخاص العراقية وضعية التأهب على مداخل مدينة بغداد وحول مركز الحكومة، وذلك في رد فعل على عملية التصويت المحتملة تلك وكأنها محاولة للانقلاب عليه.
ولا تزال كل السيناريوهات التي تستدعي فكرة الإطاحة بالمالكي من رئاسة الوزراء بمثابة اختبار لبقاء العراق دولةً ديمقراطية دستورية بعد ثلاثة أعوام من انسحاب القوات الأمريكية منها.