شارع النهر.. ملتقى الجمال والأناقة في زمن مضى
بغداد - العباسية نيوز: سلوى البغدادي/.
العراق اليوم مريض وعليل، فان أحياء وشوارع بغداد العريقة، يسكنها القهر أكثر من غيرها..
اليوم سنأخذكم في جولة "عباسية" الى شارع النهر، الذي بات اليوم حزيناً يشكو عزلته، وهجرات عشاق ومحبي زمن مضى ولن يعود، فنشاهد واجهات المحلات تتراكم عليها طبقات من الأتربة والغبار، والتماثيل النسائية مهملة، شارع يشكو الخواء، وتلفه الوحشة والسكون، أما المحلات القليلة الباقية فتقفل أبوابها باكراً لأن زبائن الأمس وجدوا بدائل أخرى أقرب إلى منازلهم ومواقع سكناهم.
شارع النساء الاول في بغداد
عرفت مدينة بغداد الكثير من الشوارع ذات الطابع التسويقي الخاص ولكن يبقى أشهرها وأكثرها التصاقاً بالذاكرة شارع النهر كونه طريق الجنس اللطيف للحصول على أشكال الملابس والكماليات وأكثرها حداثة في دنيا الأزياء.
منذ بداية الخمسينيات من القرب الماضي انطلقت شهرة شارع النهر الذي هو ظهير شارع الرشيد ابتداء من رقبة جسر الأحرار وامتداداً حتى بدايات شارع السمؤال وعمارة الدفتردار حيث تتجمع محلات بيع الأقمشة الرجالية المستوردة من أرقى المناشئ الأوروبية إلى جانب محلات أشهر خياطي البدلات الرجالية.
شارع السمؤل حيث صناعة الأناقة الرجالية كان امتدادا لشارع النهر مصنع الأناقة النسائية..
جميلات بغداد وحسناوات ذلك الزمن الجميل كن يترددن على شارع النهر في فترات متقاربة وربما أسبوعية للتعرف على آخر خطوط الموضة والجديد في منتجات أدوات الزينة والمكياج.
كانت المحلات تتقن طريقة العرض عبر الاستعانة بالتماثيل النسائية وإلباسها الأزياء الجديدة كإحدى وسائل الإغراء والجذب والتشجيع على الشراء.
حتى تكتمل الصورة ويكون التسوق النسائي شاملاً فقد كان شارع النهر يضم أيضاً محلات لأشهر صاغة الذهب والفضة والأحجار الكريمة ... وكانت مواكب الأعراس تبدأ من شارع النهر والزغاريد الأولى تنطلق من محلات الصاغة بعد اتفاق العروس والعريس على اقتناء المصوغات المطلوبة لهذه المناسبة السعيدة، والمرحلة الثانية تكون بعد تسوق الملابس وقطع القماش وحسب ذوق العروس واختيارها لما يناسبها من المحلات الكثيرة ومعروضاتها المتنوعة.
كانت اسراب الجميلات والصبايا من مختلف الاعمار تتبختر على طول شارع النهر ابتداء من فترة ما بعد الظهر وحتى تأذن الشمس بالمغيب يتجولن بين عشرات المحلات ويتوقفن أحياناً عند محلات بيع العصائر والمشروبات الخفيفة لتناول المرطبات أو التوقف عند عربات بيع الوجبات الساخنة في حال كان الفصل شتاء.
ولأن شارع النهر كان ملاذ ومأوى الجميلات فقد تعود شباب بغداد على التسكع هناك طمعاً في الحصول على نظرة خجولة أو التقات مشجعة وكان الشارع فعلاً مسرحاً للكثير من العلاقات العاطفية التي توجب في نهاية الأمر بالخاتمة السعيدة والزواج .
لقد بقي شارع النهر الشارع الرئيسي للتسوق النسائي حتى نهاية السبعينيات عندما توسعت مدينة بغداد وتم استحداث الكثير من الأحياء السكنية البعيدة من مركز المدينة الأمر الذي شجع على فتح محلات في كل حي لبيع الملابس والأزياء وأدوات الزينة، وبمرور الوقت تراجعت مكانة شارع النهر وبدأ صيته باعتباره شارع الجمال الأوحد يختفي تدريجياً، ومع الثمانينيات أصبح الشارع جزءاَ من الماضي يستذكره الناس بمحبة بعد أن ازدادت المحلات في بغداد وتوسعت الأسواق فيها، وأصبحت منافسة لشارع النهر.
نهاية حزينة
وهكذا.. طويت صفحة شارع النهر فيما تفقد بغداد ومنذ أكثر من (10) سنوات بريقها وحلاوتها وسحرها وجاذبيتها بفعل إجراءات وممارسات القوى الظلامية التي تهيمن على السلطة والحكم وتتمتع بمليارات الدولارات فيما تمنع عن الملايين كل أسباب الحياة الحلوة وآخرها منع الاكسسوارات وأدوات الزينة النسائية فيما هو حق مشروع للمرأة ومن مقتضيات الأناقة الهادئة التي لا تخرج عن حدودها النساء والفتيات العراقيات.
لا نقول وداعاً يا شارع النهر.. وإنما نقول الى لقاء في زمن قريب..