يعد الاعتذار أحد السلوكيات الايجابية لنشر واشاعة الحب بين الناس ، إذ يعمل الاعتذار على مد جسور الثقة والتعاون التي هدمت بسبب أحدى التصرفات السيئة او غير المقبولة التي قمنا بها ، مما يمهد الاعتذار الطريق لأن نسير مرة أخرى في افكار ومشاعر الشخص الذي أسائنا إليه . ورغم بساطة الاعتذار أو قول كلمة محببة او جميلة في نفس الأخر إلا أن بعض الناس يجدون صعوبة كبيرة في التعبير عنها ، او يمتنعون من قولها ، او حتى برمي نظرات تدل على ان الشخص يتأسف على ما صدر منه من سلوكيات غير مقبولة ولكنه يخجل من قول كلمات الأسف ، مما يجعل المشكلة والفجوة التي ظهرت بين طرفي الخلاف تكبر شيئا فشيئا حتى تصبح عملية ترميم العلاقة الاجتماعية او الحميمة من جديد صعبة جدا ، وبذلك فأن قول كلمة أسف تحتاج الى ثقافة ومهارة خاصة يجب أن يتمتع بها كل شخص لأننا غالبا ما نتعرض الى مثل هذه المواقف سواء كانت مع الوالد او الزوج والصديق أو الجار او حتى الشخص الغريب .
ويتبادر هنا سؤال مهم يجب تناوله هل سلوك الاعتذار يعتمد على الشخص نفسه أم يرجع الى ثقافة المجتمع الذي نشأ فيه؟؟؟؟ . إن تأييد احد الاطراف في السؤال السابق يجعل الاجابة عليه ناقصا ، إذ تحتاج سلوكيات تقديم الاعتذار الى تفاعل بين سيكولوجية الشخص والمجتمع الذي يتفاعل فيه . ورغم ذلك فأن هناك دراسات تشير الى تأييد أحد العاملين على الآخر على سبيل المثال تشير دراسة Worthington,2011 أن الاعتذار يعتمد على مزاج الشخص ، وما يحمله من أفكار ومشاعر طيبة تشجعه على الاعتذار أو مبادرة التصالح مع الطرف الذي أساء إليه ، وهذا ما أكدته دراسة Noll ايضا حيث تشير ان الشخصية الانبساطية غالبا ما تكون متسامحة وتحب أقامه العلاقة الاجتماعية ولا تحب فقدانها لذا تجدها تغفر خطايا الاخرين ، وتبادر بالصلح وتقديم الاسف ، فضلا عن ذلك يرى عالم النفس مايرز صاحب نظرية الانماط في الشخصية أن هناك نوع من الشخصية يدعى بالمربي ومن خصائصه الرئيسة العفو والودية والصداقة . هذا الرأي يعارضه بعض علماء النفس الاجتماعي الذين يرون أن هناك عامل مهم في سلوك التسامح والاعتذار وهو الطبيعة الثقافية والبيئية التي يعيش فيها الافراد ، فهناك الكثير من الاشخاص المتسامحين ولكنهم في الظروف البيئية القاهرة والعدائية أو التي ينقصها اشباع الحاجات (مثل المجتمع العراقي) تقل لديهم سلوكيات التسامح وتقديم الاعتذار والمعونة للآخرين ، بل نجدهم في كثير من الاحيان غير مبالين وقاسيين ، مما يجعل هذا الأمر سلوكيات العفو والاعتذار ترجع الى ثقافة المجتمع بدرجة كبيرة .
وفضلا عن الدراسات التي تؤكد على شخصية الفرد وثقافته التي يعيش فيها هناك بعض المتغيرات الطريفة التي احب ان أشير اليها ، على سبيل المثال ان الاعتذار يختلف لدى الجنسين ، حيث يشير Thomas et al., 2008 أن النساء لديهم رغبه أكثر للعفو، أما الرجال لديهم رغبه أكثر للسعي وراء الانتقام. كما تشير الدراسات ان هناك علاقة ايجابية بين الاعتذار والوازع الديني ، والمستوى الثقافي والتعليمي العالي ، والاشخاص الذين يؤمنون بالقيم الديمقراطية . وبغض النظر عن المتغيرات السابقة فأننا بحاجة ماسة الى سلوكيات الاعتذار وكيفية تقديمها ، لأننا نمر بمرحلة عصيبة وظروف قاسية قد تضغط علينا وتجعلنا نتصرف احيانا بالطريقة التي لسنا عليها أطلاقا ، مما يجعلنا ذلك نعاني وغير راضين عن أنفسنا وأن نخسر الكثير من الاحبة بدلا من الاحتفاظ بهم .