حضارات العصر الكلاسيكي بالمغرب
يرجع المؤرخ Pline l’ancien بدايات تواجد الفينيقيين بالمغرب إلى حوالي نهاية القرن الثاني عشر ق.م مع ذكر موقع ليكسوس كأول ما تم تأسيسه بغرب المغرب. لكن بالنظر إلى نتائج الحفريات الأثرية نجد أن استقرار الفينيقيين بالمغرب لا يتجاوز الثلث الأول من القرن الثامن ق.م. بالإضافة إلى ليكسوس نجد موكادور التي تعتبر أقصى نقطة وصلها الفينيقيين في غرب المغرب. الاكتشافات الأخيرة أغنت الخريطة الأركيولوجية الخاصة بهذه الفترة بالمغرب حيث تم اكتشاف عدة مواقع على ساحل البحر الأبيض المتوسط.
موقع ليكسوس
تقع مدينة ليكسوس الأثرية على بعد ثلاث كيلومترات ونصف شمال شرق مدينة العرائش، على الضفة اليمنى لوادي اللوكوس، فوق هضبة مطلة على الساحل الأطلسي على علو 80 مترا.
وتعتبر المصادر التاريخية المدينة إحدى أقدم المنشآت الفنيقية بغرب البحر الأبيض المتوسط، إذ يذكر بلنيوس الشيخ، الذي توفي سنة 79م، بناء معبد أو مذبح هرقل المتواجد بجزيرة قريبة من مصب نهر اللوكوس، ويؤرخ له بالقرن الثاني عشر قبل الميلاد.
كما يوطن المؤرخون القدامى بلكسوس موقع قصر أنتيوس ومعركته ضد هرقل، وكذا حديقة الهسبيريسات ذات التفاح الذهبي التي كان يحرسها تنين رهيب – هو في نظر بلنيوس تمثيل رمزي لنهر اللوكوس – إلا أن هذه المعطيات النصية لا تستند إلى أي إثبات أركيولوجي، وتبقى أقدم البقايا الفنيقية بالموقع ترجع إلى القرنين الثامن والسابع قبل الميلاد، كما هو الشأن بالنسبة للمستوطنات الفنيقية على الضفة الشمالية لمضيق جبل طارق.
ابتداء من القرن الثالث ق. م عرفت المدينة تطورا معماريا تمثل في بناء حي سكني يحده من الناحية الغربية سور ذو طابع هلينستي يؤرخ بالقرن الثاني ق. م، وحياة دينية يبرزها المعبد المتواجد على قمة الأكروبول.
ومع بداية القرن الأول ق. م، شيدت بالمدينة معامل لتمليح السمك وصناعة الكاروم والتي تعتبر من أهم المنشآت الصناعية في غرب البحر الأبيض المتوسط وتدل على مكانة المدينة التجارية بالمنطقة.
أصبحت لكسوس مستعمرة رومانية خلال حكم الإمبراطور الروماني كلود (42-43 ب. م) ولقد عرفت خلال الفترة الرومانية عهدا جديدا تمثل في إنشاء عدة بنايات. إذ أصبح الاكروبول مركز الحياة الدينية وشيدت به عدة معابد ضخمة كما تم بناء حمام عمومي ومسرح – مدرج يعتبر فريدا من نوعه بالشمال الإفريقي.
وعلى إثر الأزمات التي عرفتها الإمبراطورية الرومانية مع نهاية القرن الثالث بعد الميلاد تم إنشاء سور حول الاكروبول والحي الصناعي ودخلت المدينة عهدا من الانحطاط.
خلال العهد الإسلامي، تفيد المصادر أن تشمس وهو الاسم الذي كانت تعرف به ليكسوس في هذه الفترة، قد عرفت انبعاثا جديدا حيث أصبحت عاصمة لإحدى الإمارات الادريسية. إلا أن الأبحاث الأركيولوجية التي أجريت بالموقع لم تكشف إلا عن مسجد صغير ومنزل بفناء بالإضافة إلى عدة قطع خزفية تؤرخ بالفترة الممتدة من القرن الثاني عشر إلى القرن الرابع عشر الميلاديين.
موكادور
هذا الموقع عبارة عن جزيرة صغيرة توجد قرب مدينة الصويرة ، ويعتبر من أهم المواقع الفينيقية بغرب البحر الأبيض المتوسط.
أتبثت الحفريات الأثرية التي أجريت بالجزيرة وجود بقايا أركيولوجية تتمثل في أواني فخارية وأمفورات يرجع أقدمها إلى النصف الثاني من القرن السابع قبل الميلاد . وقد دلت الأبحاث الأركيولوجية أن جزيرة موكادور عرفت فترة فراغ ما بين القرن الخامس والأول ق.م ، إلا أن وجود بعض القطع الفخارية ترجع للقرن الرابع ق.م يدل على وجود علاقات تجارية بين الجزيرة وباقي المدن الموريطانية بالمغرب القديم.
في عهد الملك الموري يوبا الثاني ، عرفت الجزيرة ازدهارا مهما إذ كانت تتواجد بالموقع مصانع لإستخراج الصباغة الأرجوانية .
دلت الحفريات الأثرية على استيطان الجزيرة خلال الفترة الرومانية إلى حدود القرن الخامس الميلادي.
ـ الفترة البونيقية:
في القرن الخامس ق م قام حانون برحلة استكشافية على طول شواطئ المغرب حيث قام بتأسيس عدة مراكز، التأثير القرطاجي يظهر بالخصوص في عادات الدفن وانتشار اللغة البونيقية. ومنذ القرن الثالث ق.م ، مدينة وليلي الموريطانية كانت تخضع لحكم يشبه حكم قرطاج.
ـ الفترة الموريتانية:
أقدم ما ذكر حول الملوك الموريتانيين يعود إلى الحرب البونيقية الثانية حوالي 206 ق م و ذلك حين وفر الملك باكا حماية للملك ألنوميدي ماسينسا تتمثل في 4000 فارسا. أما تاريخ المملكة الموريطانية فلم تتضح معالمه إلا مع نهاية القرن الثاني ق.م و ذلك مع الاهتمامات التي أصبحت توليها روما لهذا الجزء من أفريقيا. في سنة 25 ق م، نصبت روما الملك جوبا الثاني علـــى رأس المملكة. و بعــد اغتيال" الملك بتوليمي" من طرف الإمبراطور كاليكيلا سنة 40 ق م تم إلحاق المملكة الموريتانية بالإمبراطورية الرومانية.
ـ الفترة الرومانية:
بعد إحداث موريتانيا الطنجية، قامت روما بإعادة تهيئة لعدة مدن: تمودة، طنجة، تاموسيدة، زليل، بناصا، وليلي، شالة ... . كما قامت بإحداث عدة مراكز ذات أهداف عسكرية، و خلال هذه الفترة عرف المغرب انفتاحا تجاريا مهما على حوض البحر الأبيض المتوسط. في سنة 285 بعد الميلاد تخلت الإدارة الرومانية على كل المناطق الواقعة جنوب اللكوس باستثناء سلا و موكادور. مع بداية القرن الخامس الميلادي، خرج الرومان من كل مناطق المغرب.
موقع تمودة
تقع تمودة وسط سهل خصب على الضفة اليمنى لوادي مارتيل، وعلى بعد 5 كلم جنوب غرب تطوان بجانب الطريق المؤدية إلى شفشاون.
يعتبر "التاريخ الطبيعي" لبلنيوس الشيخ الذي توفي سنة 79م أقدم نص ذكر المدينة. وقد تمكن علماء الآثار من توطينها بالموقع بعد أن عثروا بين أنقاضها على نقيشة لاتينية تحمل اسم تمودة. وتبرز البقايا الأثرية التي عثر عليها في هذا الموقع المستوى الحضاري الرفيع الذي بلغته هذه المدينة خلال القرنين الثاني والأول قبل الميلاد. ويبدو ذلك جليا من خلال تصميم المدينة ما قبل الرومانية ذات الطابع الهلينستي المنتظم وكذا من خلال الجودة التي طبعت بناياتها المتناسقة. فقد عرفت تمودة المورية تمدنا وازدهارا سريعين بحيث اتسعت شوارعها المتعامدة وتعددت المنازل المطلة عليها. ولقد ساهم موقعها الاستراتيجي في هذا النمو إذ مكن السكان من العمل على بناء وتطوير مدينتهم في مأمن من المخاطر الخارجية.
في النصف الأول من القرن الأول الميلادي، ونظرا للمزايا المتعددة لموقع تمودة، عمل الرومان على تشييد مدينة ثانية فوق أنقاض المدينة المهدمة. وكان أول ما قاموا ببنائه هو معسكر دائم للمراقبة، استمر في لعب دوره إلى غاية الربع الأول من القرن الخامس الميلادي.
لقد أثبتت الحفريات الأثرية لموقع تمودة وجود آثار مدينتين متعاقبتين، تتشكل الأولى من المدينة البونية المورية التي أسست حوالي 200 ق. م وهدمت خلال النصف الأول من القرن الأول قبل الميلاد، ليعاد بناؤها قبل أن تخرب مرة ثانية سنة 40 م على إثر أحداث ثورة أيدمون. أما تمودة الثانية فهي عبارة عن حصن روماني شيد وسط المدينة المهدمة، وهو معلمة مربعة الشكل، يصل ضلعها إلى 80 مترا، وتحيط بها أسوار ضخمة مبنية بالحجارة ومدعمة بعشرين برجا ومفتوحة بأربعة أبواب تحميها أبراج متينة. كما تم الكشف عن مذبح خاص بآلهة النصر الأغسطسية وعدد كبير من اللقى المتمثلة في تماثيل برونزية ونقود وأواني خزفية فاخرة.
يتبع