لماذا غضبت ميركل من أميركا؟
لماذا تتنصّت الولايات المتحدة على مكالمات الهاتف النقال الخاص بالمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل؟ ولماذا يخاطر فريق الرئيس أوباما بإغضاب واحدة من أقرب حلفاء الرئيس؟ ولأي سبب؟ وهل هو لمجرد سماع ثرثرة، مثلاً، حول محادثات التجارة؟ بالتأكيد ليس بسبب شأن ذي صلة بمكافحة الإرهاب، لأن ألمانيا تعتبر واحدة من أقرب شركائنا في تلك المعركة.
إن عبثية التنصت على هاتف ميركل النقال -التي بدأت في عام 2002 في عهد بوش، وكشف عنها مؤخراً المسرب الأميركي إدوارد سنودن- توضح المدى الذي وصل إليه إهمال واشنطن حيال طرق جمع المعلومات الاستخبارية، وقد أدت إلى هذا البيروقراطية الاستخباراتية دون إشراف سياسي كافٍ، ونحن نرى النتيجة الآن.
يقول برايان كاتوليس، خبير الأمن القومي بمركز التقدم الأميركي: «على مدى العقد الماضي، نمت القدرة التكنولوجية لدينا كثيراً إلى درجة أن البيروقراطية خرجت عن نطاق السيطرة». ويترافق هوس التكنولوجيا مع افتقارنا للذكاء البشري الحاسم في أماكن مثل سوريا وأفغانستان، حيث «لا يوجد لدينا أفراد لفهم ما الذي يجري مع المعارضة السورية على أرض الواقع، وعلى رغم ذلك، فإننا نواجه قضية التجسس على زعماء الدول الحليفة. ويجب أن يكون هذا بمثابة دعوة للاستيقاظ». كما يقتضي أيضاً ضرورة التفكير مجدداً بصورة أكثر استراتيجية فيما يتعلق بجمع المعلومات الاستخباراتية وكيفية الإشراف عليها، حسبما يقول كاتوليس.
إنني أتفق مع هذا الرأي. ولكن لا تسيئوا فهمي، فأنا أدرك الحاجة إلى جمع المعلومات الاستخبارية واسعة النطاق لمواجهة التهديدات الإرهابية الآتية من الخارج، التي تزداد مرة أخرى بينما تغادر القوات الأميركية أفغانستان، وينفجر الوضع داخلياً في الشرق الأوسط.
نعم، نحن نعلم أن الحلفاء المقربين غالباً ما يتجسسون على بعضهم بعضاً. (وعلى المرء فقط أن يتذكر جوناثان بولارد، المحلل المدني بشركة «إنتل» في البنتاجون، الذي يقضي حكما بالسجن مدى الحياة لقيامه بتمرير معلومات سرية لواحدة من أقرب حلفائنا، إسرائيل).
وعلاوة على ذلك، فإن الضجة التي تشهدها أوروبا حول مزاعم بأن وكالة الأمن القومي الأميركية جمعت سجلات هاتفية لملايين من الإسبان والفرنسيين- وهي مزاعم أيضاً تستند على تسريبات سنودن- تبدو وكأنها تنبني على معلومات كاذبة، حيث يقول كبار مسؤولي الاستخبارات الأميركية إن هذه التسجيلات الهاتفية قد تم جمعها من قبل أجهزة المخابرات الأوروبية في مناطق الحرب وخارج حدودها، وتقاسمتها معهم وكالة الأمن القومي دعماً للعمليات العسكرية، لا أكثر.
وبعبارة أخرى، فإنهم هم يفعلون ذلك أيضاً وغالباً ما يشاركونه معنا، غير أن التنصت على ميركل يكشف عن شيء مثير للقلق بشدة: كيف أصبحت واشنطن مهملة بهذه الطريقة حول مصادر جمع المعلومات، وكأننا نجمع المعلومات لأننا نستطيع ذلك، وليس لأنه يجب علينا القيام به.
إن غضب ميركل الشخصي لاكتشافها أن الهاتف الخاص بها يتم التنصت عليه ليس كما يدعي بعض الساخرين في واشنطن مجرد مسرح سياسي. فقد نشأت في ألمانيا الشرقية، حيث كانت الشرطة السرية، المعروفة باسم «ستاسي»، سيئة السمعة تثير الرعب والسخط بسبب تجسسها على كافة الجوانب في حياة الناس.
وبعد سقوط جدار برلين، أصيب الكثير من الألمان الشرقيين بالرعب مجدداً لمعرفة أن أصدقاءهم وأقاربهم، تحت ضغط من «ستاسي»، قد تجسسوا عليهم وعلى تفاصيل حياتهم الشخصية. وقبل بضع سنوات، زرتُ محفوظات «ستاسي» السابقة في برلين -حيث يستطيع المواطنون حالياً الاطلاع على الملفات التي جمعها جهاز «ستاسي»؛ وهناك شاهدت رجلًا ينتحب بعد معرفته أخيراً مَن غدر به.
ولا عجب إذن إن كانت ميركل غاضبة لمعرفتها أن عملية التنصت قد تمت من السفارة الأميركية في برلين، بالقرب من بوابة «براندنبورج» الشهيرة حيث ألقى أوباما خطابه الشهير في عام 2008 أمام الألمان الذين كانت تستهويهم بلاغته وخطابه حينئذ. فيا لها من خيانة للثقة.
وعلى رغم ذلك، يبدو أنه لا أحد في البيت الأبيض قد تنبأ بالمشكلة. ويقول مساعدو أوباما إنه لم يكن يعلم بأمر التجسس على ميركل. حقاً؟ ألم يعرفوا؟ كما أعربت ديان فاينشتاين، النائبة الديمقراطية عن ولاية كاليفورنيا، ورئيسة لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ أيضا عن تذمرها هي أيضاً، لأن أحداً لم يبلغها كذلك. إذن من المسؤول؟
بالطبع، فقد طرح نفس السؤال على نطاق أوسع منذ كشف سنودن مدى قيام وكالة الأمن القومي بجمع البيانات الوصفية -بما في ذلك تسريبات واسعة لسجلات الهاتف والبريد الإلكتروني للأميركيين أنفسهم. نعم، هناك إجراءات وقائية لضمان ألا شيء من مضمون هذه السجلات البريدية والهاتفية قد تم فحصه بدون إذن خاص من المحكمة. ولكن، إذا كان هاتف ميركل قد تم التنصت عليه لسنوات من دون ملاحظة البيت الأبيض أو الكونجرس، فإذن على المرء أن يسأل عما إذا كان هناك إشراف كافٍ على بيروقراطية الاستخبارات، حتى أن صقراً أمنياً مثل النائب الأميركي جيمس سينسين برينر (النائب الجمهوري عن ولاية ويسكنسون) يقول إن أميركا في حاجة إلى إعادة التفكير في كيفية الموازنة بين حقوق الخصوصية والأمن.
وفي عام 2006، شارك الخبير المخضرم دينيس ماكدونو في صياغة تقرير لمركز التقدم الأميركي بعنوان «انكسار رقابة الكونجرس على المخابرات». ويشغل ماكدونو حالياً منصب كبير موظفي البيت الأبيض، وقد يرغب في إعادة النظر في الموضوع من جديد، أو التأكد من أن وكالة الأمن القومي لن تتنصت، في المستقبل القريب، على الهواتف النقالة لبعض الحلفاء الأجانب المقربين.
ومن اللافت بهذا الخصوص أن عدداً من كبار المسؤولين الحاليين والسابقين في الإدارة الأميركية، من بينهم ماكدونو وديك تشيني نائب الرئيس الأميركي السابق، قد حرصوا على تبرير كل هذا التجسس الأميركي على العالم وعلى الحلفاء وعلى الأميركيين أنفسهم، وقالوا ذلك في برامج حوارية وتلفزيونية وفي تصريحات صحفية. كما اعتبر مايكل هايدن الرئيس السابق لوكالة الاستخبارات المركزية ووكالة الأمن القومي أن قيام الحكومة بجمع البيانات عن الأميركيين والرعايا الأجانب «كان دستورياً»، وتم الإشراف عليه من قبل السلطات التنفيذية والتشريعية، ولا حاجة للتذكير هنا بأن هذا الادعاء يثير الآن طبعاً العديد من الشكوك والأسئلة.
ترودي روبين
محللة سياسية أميركية