يقول الله تعالى "وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ"(يس:38)
فهل تجري الشمس لتسقط في موقع ما؟ أو شيء ما؟
وما عساه أن يكون ذلك الموقع أو الشيء؟
هل هو ثقب أسود، أم هو موقع قرب نجم النسرالواقع Vega كما يقول أهل الإعجاز العلمي؟!
وإذا سقطت الشمس في شيء من هذا القبيل، هل يُعد سقوطها فيه استقراراً لها؟!
وكيف يكون ذلك مستقراً لها وفيه هلاكها ودمارها، وضياع معالمها كنجم، وانتهاء وجودها كحالة فلكية مُتفردة؟!
أقوال أهل الإعجاز العلمي في "مستقر الشمس":
تآلفت آراء عدد من المشتغلين بالإعجاز العلمي للقرآن والسنة المطهرة على رأي يقول - في مختصره - أن الشمس تجري نحو نجم النسر الواقع Vega، وأن هذا النجم هو المستقر الذي ستسقط الشمس فيه، أو تهوي إليه. وقد دعموا أقوالهم تلك بما اشتهر فلكياً من اسم لهذا النجم باعتباره الجهة التي ترنو إليها الشمس في حركتها الظاهرة في السماء، ونقصد اسم "أوج حركة الشمس" solar apex. ولنستمع لهم فيما يقولونه توثيقاً للمسألة، وتحريراً لمرادهم على وجه التحقيق؛ المزيل للإلتباس، والقاطع بالمراد.
قالوا(1): "والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم"(يس:38) ... الفعل (تجري) يعبر عن حركة واقعية أثبتها العلم الحديث للشمس التي اتضح أنها تنتقل في الفضاء وتجر معها (بالجاذبية) كواكبها التي تدور حولها... ولقد تمكن العلماء باستخدام ظاهرة دوبلر من تحديد سرعة هذه الحركة للشمس ومعها النظام الشمسي بحوالي19 كم/ث في الفضاء الكوني نحو نقطة في كوكبة هرقل مجاورة لنجم يُدعى فيجا في الإفرنجية والنسر الواقع في العربية. وهذه النقطة تُدعى علمياً مستقر الشمس(2). .. أما الشطر الثاني من الآية الأخيرة وهو عبارة (لمستقر له) فمن الواضح أن هذا المستقر الذي ينتهي إليه جري الشمس أمرٌ من أمور الغيب التي لا يعلمها إلا الله العزيز العليم. الذي قدر ذلك الجري على هيئته ينتهي إلى غايته في الوقت الذي استأثر سبحانه بعلمه، إذ هو فيما يبدو يشير إلى وفاة الشمس، والعلم الحديث لا ينكر وفاة الشمس في المستقبل عند تحولها إلى عملاق أحمر في شيخوختها. ... وتنكير المستقر يشير إلى عظم شأنه وهو آثاره،.. "
وقالوا(3):"أثبت العلم الحديث جريان الشمس جرياً حقيقياً مصداقاً لقوله تعالى "والشمس تجري) لتبلغ مستقراً لم تبلغه بعد"
وقالوا(4):"استشهدت سورة يس بعدد كبير من الآيات الكونية ... جري الشمس إلي مستقر لها حسب تقدير العزيز العليم."
وقالوا(5): "لو سألنا علماء وكالة الفضاء الأمريكية "ناسا" عن مستقر الشمس، فإنهم يقدمون تعريفاً وهو بالحرف الواحد:
The solar apex is the direction toward which the Sun and the solar system are moving.
"إن مستقر الشمس هو الاتجاه الذي تجري الشمس" والمجموعة الشمسية نحوه. إن هذا التعريف يتطابق تماماً مع التعريف القرآني للكلمة، فالقرآن يقول: (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا)، والعلماء يقولون: إن الشمس تجري باتجاه نقطة محددة هي مستقر الشمس. وفي ذلك سبق علمي للقرآن حيث تحدث عن جريان الشمس، وتحدث عن مستقر للشمس.
شكل (1): الشمس وحركتها في مجرة درب التبانة وادعاء مستقر الشمس(6)
إن الوصف القرآني دقيق جداً من الناحية العلمية للشمس في حركتها، فهي تجري جرياناً باتجاه نقطة محددة سماها القرآن (المستقر) وجاء العلماء في القرن الحادي والعشرين ليطلقوا التسمية ذاتها، فهل هنالك أبلغ من هذه المعجزة القرآنية؟"
أمّا ما يُدمي القلب حقاً، فهو أن تستند الجهات الدينية الرسمية إلى هذه الأقوال المرسلة بلا تحقيق ولا توثيق، في بناء فتاواها وردودها على الشبهات، كما نراه في موقع للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية- وزارة الأوقاف المصرية(6-1). أو أن ترعى الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة في مكة المكرمة - والتابعة لمنظمة المؤتمر الإسلامي - من الإصدارات ما فيه عبارات من قبيل(6-2): [أن علماء الفلك يُقَدِّرون بأن الشمس تسبح إلى الوقت الذي ينفذ فيه وقودها فتنطفئ، وهذا هو المعنى العلمي الذي أعطاه العلماء لمستقر الشمس]!.... وهذه العبارة تنُم عن (لا-علمية) فجَّة. فالشمس لا تسبح بسبب من وقود، فتكف عن السباحة بنفاذه! كما أن الشمس أمامها من العمر التقديري قبل نفاذ هذا الوقود - والذي يُستنفذ في بثها للطاقة والضياء، لا أكثر - ما يكفي لدورانها حول المجرة ستة عشر دورة على الأقل، وعندئذ ستكون الشمس قد تجاوزت ذلك الموضع الوهمي الذي يظن صاحب العبارة السابقة أنه مستقر الشمس solar apex ستة عشر مرة أيضا، فأنّى يلتقي نفاذ الوقود بوصولها إلى الـ solar apex. ولو قال من علماء الفلك أحدٌ بمثل هذا القول، فقد حكم على نفسه بالإعدام العلمي! ... أما الذي لا يعلمه صاحب العبارة السابقة فهو أن مثل التقاء الشمس بأوج حركتها solar apex، كمثل التقاء أحدنا بمرمى بصره! .. كلما سعى إليه هرب منه .. كالسراب.. فأنّى يلتقيان؟!
كما تنشر مواقع الإعجاز بلغات أخرى مثل هذه الأخطاء عن مستقر الشمس ويقول أحدهم(7):
[According to astronomers' calculations, the Sun moves along a path known as the Solar Apex in the path of the star Vega]
ويقول ثاني(8):
[ (sur'a 36, verse 38) referred to the Sun running its course towards a place of its own. Modern astronomy has been able to locate it exactly and has even given it a name, the Solar Apex: the solar system is indeed evolving in space towards a point situated in the Constellation of Hercules (alpha lyrae) whose exact location is firmly established]
ويضع آخرون أفلاماً توثيقية على الإنترنت يدعو إلى هذا الإعجاز الذي يتوهمه، وكتاب الله تعالى غني عن سوء فهمنا لمعاني معجزاته الحقيقية:
http://www.youtube.com/watch?v=XF9Oc8O-_eY
http://www.youtube.com/watch?v=6WN7O_9lNNc
ونتعجب من فرط الحرص على إذاعة أخبار غير محققة عن إعجاز القرآن ومعاني آياته، ولو أنهم سألوا أهل الاختصاص والذكر بالمسألة لكان أولى بهم. أما إن كانت مصادر هذه المزاعم أهل ذكر واختصاص - بزعم أصحابها - فالطامة أكبر.
نقول:
هكذا إذاً تكون الأمور قد اختلطت، والتبست المفاهيم بين الحركة الحقيقية للشمس proper motion ؛ والتي هي محصلة دوران الشمس في فلكها حول مركز المجرة، وتدافعها في محيطها النجمي القريب local group من جهة، ثم الحركة الآنية لها instantaneous motion من جهة أخرى، وهذه الحركة الأخيرة خطية مستقيمة ظاهرياً فقط، وتتمثل في اتجاه حركتها في خط مستقيم يمس المسار الحقيقي – في هذا الزمن الذي نحياه من عمر الكون - ويشير إلى موضع قريب من نجم النسر الواقع Vega.
ويزداد هذا الالتباس فجاجة، في توحيده بين حركتين للشمس؛ الحقيقية المنحنية، والظاهرية الخطية في آن واحد. ويصنف هذا التفسير – ولكل المفسرين المشار إليه أعلى- بالجمع بين المتناقضين. حيث لا يمكن أن توصف حركة جرم متحرك بالمنحنية، وبالخطية، إلا أن تكون آنية، في فضاء مستوي ثلاثي الأبعاد. هذا بخلاف أنه يتضمن الإقرار بوجود حركة خطية للشمس في السماء حتى وصولها إلى ذلك المستقر الذي يتوهمونه. وهو قول منكر في أعراف أهل الفلك والكونيات. فالحركة في السماء لا يمكن أن تتخذ الخط المستقيم لها مساراً مهما تحايل أصحاب الحيل، فكيف بهم يُجبرون الشمس في أذهانهم على هذا المسار المستحيل؟!– ولو عادوا لكتاب الله تعالى لما وجدوا إلا وصف الحركة في السماء بالعروج، ولكل ما يتحرك في السماء، فأنى لهم هذا الخط المستقيم الذي يزعمون أنه مسار حركة الشمس؟! ثم كيف بهم يجعلون من ذلك إعجازاً، ويا ليته إعجاز لٌغوي بلاغي أو مجازي، بل إعجاز علمي واقعي. حقاً إنها كارثة علمية محققة - لو أنهم يعلمون!!! - يتأذي منها كتاب الله تعالى الحق، أكثر مما يتأذى منه المؤمنون الواعون لدينهم ولما آتاهم الله تعالى من علم بشيء من السنن الكونية.
وإذا عدَّدنا الأخطاء العلمية في المقولات السابقة، لوجدناها:
1- عدم تصور معنى أوج (حركة) الشمس Apex of Sun’s motion ، والتي يجيء تعريفه على أنه(9): [اتجاه حركة الشمس بالنسبة للنجوم المحلية من المجرة، أي القريبة من الشمس والمحيطة بها]. وحيث أن النجوم المحلية متحركة أيضاً، فهذا يعني أن أوج الشمس هو خط الحركة النسبية الذي تسير فيه الشمس بالنسبة لتلك النجوم، أي: باعتبار أن تلك النجوم ساكنة.
ومعنى هذا التعريف أن أوج حركة الشمس لا يزيد عن كونه مرمى البصر للخط المستقيم الذي يمس منحنى الحركة الحقيقية. أي أنه ليس موقعاً فيزيائياً حقيقياً، وإنما هو اتجاه هندسي تقديري. وذلك مثلما يقود أحدنا سيارته على طريق منحنىٍ فيرى أن مرمى البصر المباشر أمامه يمسح مساراً وهمياً منزلقاً على الدوام على أشياء تصادف أنها وقعت أمام ناظريه، ولأنات من الزمن متتابعة، كما بالشكل (2) الآتي.
شكل (2): أوج المنظر يتغير مع انحناء الحركة
وكذلك الشمس، فهي تجري في فلك متعرج حول مركز المجرة، ويتأرجح صعوداً وهبوطاً على مستوى الدوران بحركة موجية، وتصادف أن يقع أمام الشمس – في هذه اللحظة الزمنية من عمرها – نجم النسر الواقع Vega، فظُنّ بالشمس أنها تتجه نحوه أو نحو موقع قريباً من، وهذا غير صحيح. هذا بالإضافة إلى أن نجم النسر الواقع نفسه يتحرك حركتين، الأولى أنه يدور مع المجرة كالشمس، والثانية أنه يتحرك حركة محلية تتعين بمحيطه النجمي القريب منه. لذلك، لا توجد علاقة بين هذا النجم وبين مستقر الشمس الذي تتكلم عنه الآية، ولا يوجد للشمس مآل ناحية تلك النقطة المسماة أوج الشمس أكثر من أن وجهة حركة الشمس تلتقي بها هندسياً. وبالتالي، فالترجمة التي ظنها أهل الإعجاز بأن "مستقر الشمس" هو هو أوج الشمس عارية عن الصحة، ولا سند لها يدعمها، سواء من لغة أو فيزياء فلكية.
2- خطأ تحليل اتجاهات القوى والحركة الناتجة للشمس بالنسبة لمركز مجرة درب التبانة وأوج حركة الشمس Solar Apex. ونورد هنا إعادة رسم التحليل الخاطيء وتصحيحه الأولي كما في شكل (3):
شكل (3): تصحيح أولي للعلاقة بين أوج الشمس Solar Apex ومسار الشمس، مع تحليل القوى والسرعة
3- عدم الانتباه لطبيعة الأجرام السماوية التي لا تكف عن الحركة، تصديقاً لقول الله تعالى "كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ"(الأنبياء:33)، ولقوله تعالى "وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ"(إبراهيم:33). فالباحث عن قرار للشمس تستقر فيه، كأن يكون موقعاً نُقَطياً بعينه دون سواه، أو جرماً آخر، ثقباً أسوداً أو غيره، وتظل بحالتها الجِرْمِية، فإنه يبحث عن مستحيل. وقد انتبه أحد المفسرين الذين أسلفنا كلامهم أعلى لهذه الحقيقة الكونية وقال: [من الواضح أن هذا المستقر الذي ينتهي إليه جري الشمس أمر من أمور الغيب التي لا يعلمها إلا الله العزيز العليم.] وذلك خروجاً من مأزق تعيين هذا المستقر باعتباره موقعا نُقَطِياً بعينه. وعلى ما يبدو أن المتكلم قد قرن بين هذا المستقر وبين نهاية أجل الشمس الذي قال الله تعالى عنه "وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى"(الرعد:2)،(فاطر:13)،(الزمر:5) ، وجعل من الحدثين حدثاً مركباً وقال: [قدّر (الله تعالى) ذلك الجري على هيئته ينتهي إلى غايته في الوقت الذي استأثر سبحانه بعلمه، إذ هو فيما يبدو يشير إلى وفاة الشمس، والعلم الحديث لا ينكر وفاة الشمس في المستقبل عند تحولها إلى عملاق أحمر في شيخوختها. ... وتنكير المستقر يشير إلى عظم شأنه].
وفي الحقيقة أن هذا الاقتران بين مستقر الشمس الذي تحدثت عنه الآية ونهاية أجلها في الآية الأخرى غير ضروري، بل إنه مرجوح بأن هذا المستقر واقع في الدنيا بقرينة قوله تعالى " ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ " ختماً لقوله تعالى " وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ". إذ أن ذكر "التقدير" وحكمته هنا موجب لكونها من آيات الدنيا، وليس من علامات النهاية التي هي مدعاة للترويع من أهوالها وليس للتعجب من حكمة تقدير الله تعالى فيها من آيات باهرات.
4- وإذا استقرأنا المعنى اللغوي لكلمة Apex، والتي سلّم المفسرون الإعجازيون دون أي غضاضة في ترجمتها بـ [المستقر]، لوجدنا أنها ذات معنى مغاير تماماً.
فالمعنى العام لها هو: [القمة أو النهاية الشكلية أو ذروة التركيب لشيئٍ ما، أو ذروة أي طرف هرمي أو مخروطي أو مُقوس الشكل]
وأي شكل يتحقق في جزء من تركيبه ذلك، يمكن أن يلحق تسمية ذلك الجزء منه بهذا الوصف/التسمية(10). مثل قمة جبل أو تل، أو رأس مثلث، أو طرف ورقة نبات. ومما اشتهر في جسم الإنسان من ذلك مواضع بعينها في: القلب(11)، والرئة(12)، والسن(13)، واللسان(14). كما بالشكل (4) الآتي:
شكل (4): بيان لما أطلق عليه اسم apex في جسم الإنسان ووحدة المعنى اللُّغوي
وإذا انتقلنا للشمس لنبحث عن علة تسمية "أوج الشمس" Solar Apex، لوجدنا أن حركة الشمس في السماء – وهي تدور حول مجرة درب التبانة- لها وجهة بعينها. وهذه الوجهة هي امتداد الخط الماس لمدارها في تلك المرحلة الزمنية، وما يقابل امتداد هذا الخط في السماء موضعاً يبدو في ظاهره أنه مركز تباعد النجوم عنه مع مزيد من الحركة، فكأنه في ذروة بعيدة تحيط بها النجوم التي تتساقط منها. فكان المشهد النجمي موحياً بقمة أو أوج بين النجوم، ومن هنا جاءت التسمية "الأوج الشمسي" solar apex. أنظر شكل (6 ، 7).
ومن هنا لا بد أن يُعلم أن أوج الحركة غير مرتبط بالشمس فقط، وإنما هو صفة تلحق بكل متحرك في السماء بسبب حركته. أي أنه لكل نجم أو كوكب أو غير ذلك "أوج"– بما في ذلك الأرض نتيجة حركتها المدارية حول الشمس. ولكن الأرض تقطع دورة كاملة حول الشمس في سنة شمسية، أي أن أوج الأرض نقطة منزلقة على الكرة السماوية وتتحرك مع حركة الأرض المدارية لتمسح دائرة كاملة 365 درجة كل سنة، أي أنها تمسح تقريباً درجة كل يوم، ومن ثم ينزاح أوج الأرض سريعاً بين النجوم. أما الشمس، فيتطلب دورانها حول المجرة حوالي 220-250 مليون سنة ، مع تأرجحها صعوداً وهبوطاً عن مستوى المجرة (شكل (9))، وهي أرجحة تتطلب مرور حوالي 40 مليون سنة بين كل مرورين للشمس في مستوى المجرة، ومن ثم لا يكاد ينزاح أوج الشمس بين النجوم شيئاً في عمر الحضارة الإنسانية. ومن هنا كان تعيين موضعه في كرة السماء هاماً كنقطة مرجعية ذات مغزى حقيقي له قيمته. غير أنه موضع وهمي على أي حال، مثله مثل أوج الأرض الذي ينزاح سريعاً جداً، وذلك في افتقاره لأي قيمة قيمة فيزيائية تجعله مستقراً لأي شيء.
من فوائد العلم بموضع أوج الأرض(15) Earth’s Apex:
لأوج حركة الأرض تأثير كبير على كيفية وصول صورة النجوم إلى الراصدين على سطح الأرض التي تسبح في السماء. ومن ثم كان تعيينه من الأهمية بمكان. ونورد هنا تحليل سريع لهذا التأثير:
شكل (5) أوج الأرض وفائدته في تعويض الزيغ النجمي الناتج عن حركة الأرض، ومن ثم تعيين أدق لمواقع النجوم، وإثبات حركة الأرض في مدار حول الشمس
إذا كان الخط EA هو اتجاه حركة الأرض لحظة أن كانت على المدار كما بالشكل (5)، فإن امتداد هذا الخط على الكرة السماوية يُسمّى أوج الأرض Earth’s Apex. وإذا كان X هو موضع نجم ما بالنسبة للأرض، فإن الزاوية AEX المبينة بالشكل تُسمّى زاوية مسار الأرض لهذا النجم.
ولكن النجم X لن يُرى في موضع الحقيقي بسبب ظاهرة الزيغ النجمي(16)stellar aberration، وسوف يُرى في موضع آخر هو X، وسيصنع الخط الواصل هذا الموضع الزائغ للنجم زاوية مع اتجاه النجم الحقيقي، تُسمى زاوية الزيغ، (ذات اللون الأحمر بالشكل)، وسوف تُعطى هذه الزاوية من العلاقة الآتية:
زاوية الزيغ = 20.5" * جيب (زاوية اتجاه أوج الأرض XEA مع موضع النجم الحقيقي)
[حيث القيمة (20.5") تمثل ثابت الزيغ، وقيمتها = (سرعة الأرض حول الشمس/سرعة الضوء)*قتا(1")]
أنظر (ملحق 1)
ومعنى ذلك أنه لمعرفة المواضع الحقيقية للنجوم في السماء، يجب معرفة موضع أوج الأرض لحظة رصد تلك النجوم، ومن ثم، التعويض عن الزيغ الحاصل بالمعادلة السابقة.
الاستدلال بالزيغ النجمي – القائم على معرفة أوج الأرض- على دوران الأرض حول الشمس:
جدير بالذكر هنا أن هذا الزيغ قد نتج في الحقيقة عن حركة الأرض حول الشمس. بمعنى أن الأرض لو كانت ساكنة، وتدور الشمس حولها، لما كان هناك زيغاً نتيجة لذلك، ولكانت مواضع النجوم في السماء لا تتغير إذا كانت على جانبي حركة الأرض مقارنة بما تكون عليه في اتجاه أوج الأرض. وعسى أن يعي المنكرون لحركة الأرض حول الشمس هذا الدليل، فيكفوا عن زعمهم بغياب دليل مادي على دوران الأرض حول الشمس. علماً بأن هذا دليل دامغ، من بين أدلة أخرى عديدة، ولا يمكن تفسير ظاهرة هذا الزيغ النجمي بغير دوران الأرض.
أوج الشمس Solar Apex وكيفية تعيينه وفائدته:
إذا كانت الشمس تتحرك بين النجوم، وبافتراض أن النجوم ثابتة، فلا بد أن حركة الشمس ستواجه النجوم التي أمامها وتبدو النجوم عندئذ وكأنها تتفرق من المشهد الأمامي، كمثال السيارة والطريق الذي ذكرناه من قبل ويظهر في شكل (6).
شكل (6)
وتبدو النجوم وكـأنها تخرج تحديداً من مركز الأفق الذي تندفع ناحيته الشمس، وهذا هو أوج حركة الشمس Solar Apex، والعكس صحيح في خلفية المشهد، فتبدوا النجوم التي تبتعد الشمس عنها وكأنها تتجمع في أقصى البعد الذي تتباعد عنه الشمس Antapex، أنظر شكل (7). أما باقي النجوم فتبدوا متحركة على منحنيات دوائر عظمى تخرج من مقدمة المشهد؛ أي أوج الشمس، لتدور حول السماء من جميع الجهات، وتقع في النهاية في خلفية المشهد ناحية ذيل أو حضيض الشمس Antapex. وهذا التفسير ليس جديدا، بل يعود إلى توبياز ماير (1723-1762)، Tobiaz Mayer،الفلكي الألماني من جوتنجن(17).
شكل (7)
فإذا تم تصوير كرة السماء بما فيها من نجوم وعلى مدار آلاف السنين، وإسقاطها على مسطح أفقي كما الخرائط الأرضية، ومراعاة أن النجوم ذاتها تتحرك أيضاً، فعندئذ سنحصل على مشهد كالآتي:
شكل (8)
الزيغ النجمي الكوني Secular Aberration
وينتج هذا الانزياح الإجمالي في اتجاه حركة النجوم عن حركة الشمس في رحلتها بينهم جميعاً في اتجاهها الآني ناحية الأوج الشمسي، وهو شبيه بما نتج عن حركة الأرض من الزيغ النجمي المحدود الذي رأيناه أعلى، والذي يُسمّى بالزيغ السنوي annual aberration. وقد أصبحت معرفة قيمة الزيغ النجمي الكوني وحسابه، ضرورة في علم الفلك والفيزياء الكونية لتعيين مواقع وسرعات النجوم في مجرتنا، وما خلف مجرتنا أيضاً، معرفة دقيقة. وإذا تم إهمال معرفة موقع أوج الشمس، ومن ثم السرعة الظاهرة للشمس ناحيتها، لما أمكن تعيين سرعة الانتقال المتغير لمركز ثقل المجموعة الشمسية في السماء barycenter بالنسبة لمركز المجرة، وهو الشرط الضروري للقياس الكوني من مواقع وسرعات للأجرام، باعتبار مركز المجموعة الشمسية هو المحدد للإطار الإحداثي القصوري(18) الذي يقاس ما عداه بالنسبة إليه.
العلاقة بين اتجاه حركة الشمس ناحية الأوج، وحركتها حول مجرة درب التبانة:
لا يمثل اتجاه حركة الشمس ناحية أوجها محض مماس بسيط لفلك الشمس في فلك دائري لها حول مركز المجرة، كما هو الحال في العلاقة بين اتجاه أوج الأرض واتجاه دورانها حول الشمس. فحركة الشمس أعقد من ذلك بكثير. فحركتها حول المجرة لها سرعة 220-250 كم/ثانية في مستوى قرص المجرة. في حين أن سرعتها في محيطها النجمي القريب لا يزيد عن 20 كم/ث نتيجة الحركة الجماعية حول المجرة. كما وأن اتجاهي هاتين السرعتين ليسا متوازيان نتيجة تأرجحات الشمس أعلى وأسفل قرص المجرة على الدوام (شكل (9)). ومازالت العلاقة بين الحركتين تحت التنقيح والتصحيح مع إضافة تأثير المجموعة النجمية المحلية على حركة الشمس. لذا كانت الشمس في حركتها أشد صعوبة، وأشكل في التعيين، من حركة الأرض البسيطة للغاية حول الشمس.
شكل (9): مسار الشمس المركب من دورانها حول المجرة وتأرجحها على مستوى الدوران، وعلاقة هذه الحركة باتجاه الحركة اللحظي تجاه الأوج الشمسي الواقع قرب نجم النسر الواقع
هذا بخلاف أن الشمس تواجه زخماً من الأجرام ومسارات النيازك والغازات في عبورها أذرع المجرة الدوارة(19) أنظر شكل (10))،
شكل (10)
ماذا لو واصلت الشمس رحلتها حقاً في خط مستقيم عبر الأوج الشمسي؟
للإجابة عن هذا السؤال سنتحرى مزيدا من الدقة، نتفحص بها كوكبة الجاثي Hercules ونجم "النسر الواقع" Vega الواقع في كوكبة القيثارة Lyra، والتي تقع نقطة أوج الشمس بينهما، لنرى، هل هناك موقع مميز هناك، "يصلح أن يكون مستقراً"، وكم يبعد عنا!! (انظر شكل 9) و(شكل 11)
شكل (11):
الشمس في مواجهة كوكبة الجاثي (Herculesconstellation) ونجم النسر الواقع (Vega) وتتحرك باتجاه نقطة واقعة بينهما بسرعة 19.4 كم/ث. وتسمى هذه النقطة التقديرية أوج الشمس (Solar Apex)، أما خلف الشمس فتقع كوكبة الحمامة (Columba)
وعلماً بأن كوكبتي الجاثي Hercules والقيثارة Lyra إثنتين من الكوكبات النجمية constellations التي تُقسَّم الكرة السماوية إليها. وحسب التقسيم الحديث يصل عدد الكوكبات، أي التقسيمات النجمية لكرة السماء، إلى 88 كوكبة. وكان عدد هذه الكوكبات في كتاب المجسطي لبطليموس 48 كوكبة فقط، شملت أيضاً كوكبة الجاثي وليرا. وأقرب نجوم كوكبة الجاثي والمسمى بـ (µ Her) يبعد عنا 27.4 سنة ضوئية، في حين يصل أبعد نجومها عنا (8 her- sp.class k4lll) إلى 5175 سنة ضوئية (قارن ذلك مع أبعد نجوم مجرتنا إلينا والذي يصل إلى حوالي 80,000 سنة ضوئية). إلا أن أغلب نجوم كوكبة الجاثي - والبالغ عددها 263 نجم - يقع في حدود 1000 سنة ضوئية. وعلى سبيل المثال يبعد عنا نجم "رأس الجاثي" (α Her) مسافة 382 سنة ضوئية، ويبعد نجم "رجل الجاثي" (ι Her) مسافة 495 سنة ضوئية، ويبعد نجم "فُضيل" (π Her) مسافة 367 سنة ضوئية. أما نجم "النسر الواقع" Vega والوقع في كوكبة القيثارة Lyra المجاورة لكوكبة الجاثي والتي يقع قريباً منها أوج الشمس فيبعد عنا مسافة 25.3 سنة ضوئية فقط.
ما معنى ذلك؟
معنى ذلك أن كوكبة ما من الكوكبات (سواء كانت كوكبة الجاثي Herecules أو القيثارة Lyra) هي بمثابة مدينة نراها من بعيد، وبها عدة مئات من النجوم، وإذا اخترقناها بصاروخ وهمي يسير بسرعة الضوء، فسوف نقابل أول نجومها (النسر الواقع Vega إذا كانت الكوكبة هي القيثارة Lyra) بعد 25.3 سنة، ونظل نمر وسط نجومها – لمدة 1000 سنة إذا كانت "كوكبة الجاثي"- حتى تختفي معالمها التي كنا نراها من بعيد، مثلما يتلاشى المنظر الأفقي لمدينة ما، إذا بدأنا في اجتياز شوارعها، والذي كنا نراه لها على الطريق إليها. ولا نقابل من تلك النجوم بعد ألف سنة من رحلتنا إلا بضع نجوم. ونتساءل مع الذين يظنون أن نقطة أوج الشمس solar apex هي مستقر للشمس: أين موقع الاستقرار الذي تظنونه؟! إن التصور الفلكي الصحيح لأوج الشمس ليس إلا نقطة هندسية وهمية يؤول إليها متجه الشمس في حركتها المرصودة بين نجوم مجرتنا، لا أكثر من ذلك!