مسلم تركي - فرنسي يسعى إلى دحض نظرية داروين
هارون يحيى
لندن : يفنّد تركي فرنسي نظرية النشوء والتطور الداروينية باعتبار أن العلم لم يأت بالدليل الذي يثبت التحولات التي طرأت على الأحياء وفقاً لهذه النظرية، ويصر على أن الخلق حدث كما ورد في القرآن. لكنه يجد مخالفين لهذا الرأي حتى وسط بعض المسلمين.
ذات أمسية جمعة قريبة التقى حوالى 200 شخص في مسجد في بلدة إيفري، الواقعة بالقرب من جنوب باريس، للاستماع الى حلقة جديدة في مسلسل هجمات يشنها التركي – الفرنسي هارون يحيى على داروين ونظريته الخاصة بالنشوء والتطور.
على أن يحيى – واسمه الحقيقي عدنان اوكتار – لا يظهر بنفسه في هذه التجمعات، بل يتحدث إما برابط الفيديو أو عبر ممثلين له يوزعون منشوراته على من يرغب بالمجان. وقد اشتهر يحيى في فرنسا منذ العام 2007 عندما وزع على مختلف المدارس آلاف النسخ من كرّاسة بعنوان «أطلس الخلق» تدحض، كما يقول «الخداع والدكتاتورية اللذان تتسم بهما نظرية داروين».
وكان من حضور التجمع الأخير الطالبة مروة قوسة (19 عاما) التي تقول إنها مهتمة حقا بمسألة خلق الإنسان والعصور القديمة منذ أيام الديناصور. وتشتكي قائلة: «في المدارس يعلموننا أن البشر يتحدرون من القرود، بينما يقول لنا القرآن إننا من صلب آدم وحواء وإن الله خلق كل شيء. لهذا فإنني أجد أن ما يقوله هارون يحيى معقول ومنطقي».
ويمكن تلخيص ما يقوله يحيى في الآتي: «إذا هجر السمك الماء ليمشي على قدمين وإذا تحولت الديناصورات الى طيور فعلا، لاكتشفنا متحجرات تثبت لنا مرحلة التحوّل هذه، لكن هذا لم يحدث. وعلى هذا الأساس يمكن القول إن
داروين
العلم نفسه يثبت لنا الخلق على النحو الذي ورد في القرآن».
ويسخر يحيى من نظرية داروين قائلا إنها تقوم على شيء أشبه بقصة الضفدع الذي تقبله فتاة جميلة فيتحول الى أمير وسيم، كما يرد في روايات الأطفال الخيالية. ويقول أحد ممثليه والناطقين باسمه ويدعى علي سعدون اينجين: «يحيى رصد مبلغ 7 ملايين دولار لأي شخص يأتي بمتحجرة واحدة تدل على نوع التحوّل الذي تحدث عنه داروين».
على أن لجنة شكلها أكاديميون فرنسيون في 2007 قالت إن يحيى، الذي درس الفلسفة والفن في اسطنبول، يفتقر الى المؤهلات العلمية اللازمة للخوض في مسائل كهذه. ووصفت كراسته «أطلس الخلق» بأنها «فقيرة علمياً وإلى حد مريع».
ويقول إينجين – من وحي جرائم هتلر وهجوم 9/11 – إنه «لا يمكن تصنيف جميع الداروينيين باعتبارهم إرهابيين ولكن يمكن تصنيف جميع الإرهابيين باعتبارهم داورينيين». ومن الواضح، تبعا لمجلة «تايم»، أن يحيى نفسه يوظف أسلوب الوعاظ الإنجيليين الأميركيين ولا يقل فعالية عنهم وسط المسلمين.
وتنقل عن حمادو باه (26 عاما) قوله: «أنا، كمسلم، اؤمن بالخلق كما ورد في القرآن، ولكن لم تكن لدي الحجج اللازمة للدفاع عن معتقدي هذا». ومن جهتها تقول يانينا جيلاسي (19 عاما): «ما تعلمناه في المدارس شيء مختلف. لكن ها هو يحيى يثبت خطأ النظريات الأكاديمية تلك».
لكن نوري حميد (28 عاما)، الذي يحضّر للدكتوراه في علم المورّثات، يتأرجح بين الاثنين إذ يقول إنه ليس على قناعة تامة بغياب الدليل على المتحجرات التي تثبت النشوء والتطور كما أورد داروين. لكنه، بالقدر نفسه، ليس على قناعة تامة بصحة هذه النظرية الأخيرة».
على أن سعيد برانين، الذي يدير موقع «أمّة دوت كوم» يمضي الى حد القول إن في آراء يحيى «مدعاة للقلق». ويضيف قوله إن مصدر القلق هو «غياب التفكير وسط المسلمين في العلاقة بين العلم والدين. فالخلق يرتبط لديهم بالإيمان، والتساؤل عنه يصبح لديهم بالتالي تساؤل عن الإيمان وهو ما لا يقبلونه».
نضال قسوم
ويضيف قوله: «هذا يستدعي الحاجة لتدريب المثقفين المسلمين. وتزداد هذه الحاجة لأن يحيى يتمتع بموارد وإمكانات هائلة ويستطيع بالتالي ترسيخ المفهوم القائل إن الدين يتعارض مع العلم». ويذكر أخيرا أن المصدر تلك الموارد التي تموّل «مؤسسة البحث العلمي التي يديرها يحيى تظل غير معروفة حتى الآن.
وتشرح «تايم» لقرائها أن المسلمين، في تناولهم للاكتشافات العلمية المثبتة بالدليل والبرهان، يقولون إنها لا تخالف ما يرد في القرآن. بل أنها هي ذكرت فيه بشكل أو آخر قبل 1400 سنة، أي قبل أن يتوصل اليها العلم الحديث، كما تقول نجوى أوبيّة (21 عاما).
وتبعا لمقالة نشرها الفيزيائي الفلكي د. نضال قسوم على صفحات «لوموند» في 2009 فإن هذه المناقشات «مفيدة للناس لأنها تثبت أن الغرب لم يكتشف شيئا، وإن للقرآن اليد العليا حتى عندما يتعلق الأمر بالعلوم». ويذكر أن قسوم، وهو باحث سابق في وكالة الفضاء الأميركية «نايا»، أصدر عددا من الكتب من بينها «التصالح بين الإسلام والعلم الحديث – روح ابن رشد». وهو يدعو للبحث عن الروابط بين العلم والإيمان مثلما حدث في المسيحية.
ويذكر أن بابا الفاتيكان يوحنا بولس الثاني أقر في العام 1996 بأن نظرية النشوء والتطور «أكثر من مجرد افتراض». لكن الكنيسة الكاثوليكية تصر على أن العلم «ليس هو الوحيد الذي يشرح أصل الحياة» وفقا لما قاله البابا بينيدكتوس السادس عشر في 2007.
المصدر: ايلاف