قراءة في وثائق النهضة الحسينية
نحن مع الأسف نعلم من تاريخ الحسين (ع) الجانب المأساوي ، ونركز على أحداث يوم عاشوراء ، ولكن ما الذي جرى قبل ذلك في مكة، وفي المدينة ، وفي طريقه إلى العراق... في هذا الحديث سيتم تسليط الضوء على بعض تلك الصور الجميلة من الوثائق الحسينية.
- إن محمد بن الحنفية كان معارضاً لخروج الإمام الحسين(ع) ،لأنه كان يستشم رائحة غدر أهل الكوفة ، ولكن الحسين(ع) حسم النقاش بأن أسند هذا الموقف إلى جده المصطفى (ص) ، الذي لا ينطق عن الهوى ، فقال : ( أتاني رسول الله بعدما فارقتك ، وقال يا حسين اخرج فقد شاء الله أن يراك قتيلا ) ، ولكنه اعترض اعتراضاً آخر فقال: فما معنى حملك هؤلاء النساء معك وأنت تخرج على مثل هذا الحال ؟.. فقال له : (قد قال لي: إن الله قد شاء أن يراهن سبايا).
- في أثناء توجه الحسين (ع) نحو العراق التقى بالفرزدق الشاعر ، فسأله (ع) : أخبرني عن الناس خلفك ؟.. فقال : الخبيرَ سألتَ ، قلوب الناس معك وأسيافهم عليك ، والقضاء ينزل من السماء والله يفعل ما يشاء .. قال : (صدقتَ ، لله الأمر من قبلُ ومن بعدُ ، وكل يوم ربنا هو في شأن ، إن نزل القضاء بما نحب فنحمد الله على نعمائه ، وهو المستعان على أداء الشكر ، وإن حال القضاء دون الرجاء ، فلم يبعد من كان الحق نيته ، والتقوى سيرته).
- (رضا الله رضانا أهل البيت ...) هذه العبارة قالها الحسين (ع) لما عزم على الخروج إلى العراق في خطبته المعروفة ، ليقرر هذه الحقيقة : أنه لا اثنينية بين خط الولاية وخط التوحيد.. فالإمام إنما خرج طلباً للإصلاح في أمة جده ، وأراد أن يأمر بالصلاة وفروع الدين ، ولم يكن له هدفاً وشعاراً غير هذا الشعار التوحيدي.
- من وثائق واقعة كربلاء : قوة تأثير الكلمة الحسينية.. فالذي يريد إصلاح انحرافاً لأخ أو صديق ، فليأخذه إلى هذه المجالس ، ولا تنظر إلى القائل بل انظر إلى ما يقول ، ولا تنس أن المجالس منتسبة إلى سيد الشهداء (ع) ، وأن الكل بلا ريب تحت رعاية صاحب الأمر (ع).
- بلا ريب أن ما حصل لزهير من الفوز العظيم يوم عاشوراء ، جاء من وراء زوجته المؤمنة : عندما دخل رسول الحسين (ع) على زهير بن القين وقال له : إن أبا عبد الله بعثني إليك لتأتيه فقالت له زوجته : سبحان الله، أيبعث إليك ابن رسول الله ثم لا تأتيه، فلو أتيته فسمعت من كلامه.
. فمضى إليه زهير، فما لبث أن جاء مستبشراً قد أشرق وجهه، فأمر بفسطاطه فقوض وبثقله ومتاعه فحول إلى الحسين (ع).. وقال لامرأته : أنت طالق، فإني لا أحب أن يصيبك بسببي إلا خير، وقد عزمت على صحبة الحسين (ع) لأفديه بروحي وأقيه بنفسي ، ثم أعطاها مالها وسلمها إلى بعض بني عمها ليوصلها إلى أهلها.. فقامت إليه وودعته وبكت، وقالت : خار الله لك، أسألك أن تذكرني في القيامة عند جدي الحسين (ع).
- إن الحسين (ع) لما سمع بمقتل مسلم ، استعبر باكياً ثم قال : (رحم الله مسلماً ، فلقد صار إلى روح الله وريحانه ، وتحيته ورضوانه ، أما إنه قد قضى ما عليه ، وبقي ما علينا).
- إن الإمام (ع) أكد سنة من سنن التأريخ ، ألا وهي أن (من ظَلَم سلّط الله عليه من يظلمه....).. نعم، وهذا الذي أصابهم على يد الثورات التي قضت على بني أمية ، فترى الذي وقف متحدياً الحسين (ع) قد أصبح في مزبلة التأريخ.
- وهذه بشرى للعصاة : إن الحر -وما أدراك ما الحر!- ، الذي أدخل الرعب على قلوب الهاشميات ، وضيق على الحسين وأصحابه ومنعهم من المسير ، تراه انقلب رأساً على عقب من أشقى الأشقياء إلى أسعد السعداء ، فما الذي جعله كذلك ؟.. هما موقفان بهما حصَّل السعادة الأبدية : صلاته خلف الإمام (ع) ، وإجلاله واحترامه لفاطمة (ع).
- هذه وثيقة لكم أنتم الشباب، لتجعلوا الحق نصب أعينكم في كل حركة : بينما كانوا يسيرون في الطريق ، وإذا بالإمام (ع) يسترجع ويكرر ذلك عدة مرات ، فسأله الأكبر عن استرجاعه فقال : إني خفقت برأسي فعنَّ لي فارس إذ كان (ع) ينعى نفسه ، فقال علي الأكبر :لا أراك الله سوءاً ألسنا على الحق ؟.. قال: بلى والذي إليه مرجع العباد.. فقال : يا أبت إذن لا نبالي أن نموت محقين !.
- ثم إن الإمام (ع) أول ما وصل إلى كربلاء ، أراد أن يعرف ضمائر من كان معه من أصحابه ، فعلق هذه التعليقة : (الناس عبيد الدنيا والدين لعق على ألسنتهم، يحوّطونه ما درّت معايشهم ، فإذا مُحّصوا بالبلاء قلّ الدّيانون...) نعم، علينا أن نكون صادقين فيما ندعيه ، وإلا فالادعاء سهل ولكن أين الصدق في ذلك ؟!.
- إن الحرّ أتى الحسين (ع) فقال : يا بن رسول الله !.. كنت أول خارج عليك ، فأذن لي لأكون أول قتيل بين يديك ، وأول من يصافح جدك غدا ، فأذن له، فجعل يقاتل أحسن قتال حتى قتل جماعة من شجعان وأبطال، ثم استشهد، فحمل إلى الحسين (ع) ، فجعل يمسح التراب عن وجهه ويقول : (أنت الحر كما سمتك أمك، حر في الدنيا وحر في الآخرة).
- كان الحسين (ع) يودع كل من أراد أن يخرج من أصحابه ، ويقول : }ومنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا}.. ومن هؤلاء كان هناك من يسمى وهب ، وقد كانت معه أمّه يومئذ فقالت : قم يا بني!.. فانصر ابن بنت رسول الله ، فقال : أفعل يا أمّاه ولا أقصّر.. فقاتل قتال عظيماً ، ثم رجع منتصراً ، فقال : يا أمّاه أرضيتِ ؟..
فقالت : ما رضيتُ أو تقتل بين يدي الحسين (ع) ، فلم يزل يقاتل حتى قتل ، هو كان قد قطعت يداه فذهبت امرأته تمسح الدم عن وجهه فبصر بها شمر ، فأمر غلاماً له فضربها بعمود كان معه فقتلها ، وهي أول امرأة قتُلت في عسكر الحسين.
- وعندما وصل الدور إلى قرة عين الحسين (ع) نظر إلى ولده وأرخى عينيه وبكى وقبض على شيبته المباركة وقال: (اللهم اشهد، فقد برز إليهم غلامٌ أشبه الناس خلقاً وخُلقاً ومنطقاً برسولك صلى الله عليه وآله، وكنا إذا اشتقنا إلى نبيك نظرنا إليه ... ) ثم صاح الحسين بعمر بن سعد : (ما لكَ ؟.. قطع الله رحمك !.. ولا بارك الله لك في أمرك ...) ، ثم إنه قاتل ورجع إلى أبيه وقد أصابته جراحات كثيرة ، فقال : يا أبه !..
العطش قد قتلني ، وثقْل الحديد أجهدني ، فهل إلى شربةٍ من ماء سبيل أتقوى بها على الأعداء ؟.. فبكى الحسين (ع) وقال : يا بني !.. يعزّ عليّ وعلى محمد وعلي أن تدعوهم فلا يجيبوك ، وتستغيث بهم فلا يغيثوك.. فدفع إليه خاتمه وقال : ( فإني أرجو أنك لا تمُسي حتى يسقيك جدك بكأسه الأوفى شربة لا تظمأ بعدها أبدا )، فقاتل قتالاً شديداً وقتل جمعاً كثيراً حتى قتل.. ثم احتمله الفرس إلى عسكر الأعداء فقطّعوه بسيوفهم إرباً إرباً ، فلما بلغت الروح التراقي قال رافعا صوته : يا أبتاه !.. هذا جدي رسول الله (ص) قد سقاني بكأسه الأوفى شربة لا أظمأ بعدها أبدا ،
فصاح الحسين(ع) : (قتل الله قوماً قتلوك، ما أجرأهم على الرحمن وعلى انتهاك حرمة الرسول (ص) ...) وهنا زينب (ع) خافت على أخيها من الموت ، فخرجت مسرعة تنادي بالويل والثبور : يا حبيباه !.. يا بن أخاه !.. وا ثمرة فؤاداه !.. وجاءت فانكبت علي