ذاتَ يومٍ كانَ الصبيةُ يلعبون
في الفناءِ يمرحون
و البناتُ عليهم يتفرجون
كانَ هناكَ صبيٌ يحاولُ شدَ انتباهِ إحداهن
لم يكن يعرفُ الحب
و لا حتى الإعجاب
فقط
كان طفلاً يبحثُ عن ابتسامةِ فتاةِ جميلةٍ رغم أنها صغيرة
لـ يحكي لـ أصدقاءهِ عن تلك الفتاةِ التي ضحكت لهُ ذات يوم
لم تبادله الابتسامة
كانت رغمَ طفولتها تعرفُ أنها وردةً جورية
يُنظرُ لها بـ إعجاب
و تنظرُ هي بـ ثقةٍ و غرورٍ و خيلاء
كبرت الوردةُ و أضحت بستاناً من الورود
بستانٌ لم يحن موعدُ حصاده
و لكنها تعتقد أنها بستانٌ سـ يبقى مليئاً بـ الورود
فـ لا أحدَ يستحقها
(( كانت هي تعتقدُ هذا ))
كبر الصبي أيضاً
و لا زالت نظراتها لهُ و أقرانهُ حين كانوا يلعبون . . عالقةً في خياله
و لا زال يوهمُ نفسهُ أنها كانت تبتسمُ له
لم يعد يراها
حاول أن يلجأَ لـ غيرها
لأنه يثقُ تماماً أنهُ لا شيءَ بـ عينيها
و يثقُ أيضاً أنه لا شيءَ بدونها
لم يجد معَ غيرها سوى ضحكاتٍ عابرة
لا تمت لـ السعادةِ بصلة
كانت سعادتهُ الكبرى . حينَ يتخيلُ ابتسامةً تعلو ثغرها البكر
كان يخافُ من محاولةِ الوصولِ لها
أو حتى السؤالِ عنها
لم يكن الخوفُ منها
بل كانَ خوفاً على أحلامهِ و خيالاتهِ التي اعتادها حد العشق من أن تنتهي في لحظة
قررَ أن يرسلَ طفلاً نحوها
ذهبَ الطفلُ ثم عاد
فـ قبلَ هذا الشابُ الطفل (( ظناً منه أنها قبلته ))
ثم سأله : كيف هي جالسه ؟
ماذا تلبس ؟
أوصفها لي بالله عليك ؟
( لم يكن يشعرُ بـ أن ترتيب الأسئلةَِ معكوس )
كانَ الطفلُ يجيب
و هو لا يعرفُ أنه يساهمُ في قتلِ هذا الشاب
من الوريدِ إلى الوريد
مرت الأيامُ و هذا الطفلُ عن دربهِ لا يحيد
يدخلُ عندَ النساءِ لـ يأتي بـ الأخبارِ و الأوصاف
و ينثرها داخلَ صدرِ هذا الشابِ التائه
ذاتَ يوم
أتى الصبيُ و هو متفاجيء
فـ الفتاةُ طلبت منهُ نفس الطلب
اوصفه لي .
هل لا زالت ملامحه طفولية ؟
ماذا يلبس ؟
كيفَ هو جالس ؟
( كانت أسئلتُها مرتبةً دونَ شعور )
أجابها الطفل :
لم يعد طفلاً يا فتاة
و لم تعد نظراتهُ كما تذكرين
هناكَ شيءٌ ما يخفيه
و لكنني لا أعرفه
ذات يوم
أتى الطفلُ حاملاً سلاماً من الفتاةِ لـ الشاب
. .
لم ينم تلكَ الليلة
و أخذَ يُفكر
هل هي تنظرُ لي كما أنظرُ لها !
أم هي تشفقُ علي !
حاولَ أن يصلَ لها
أجابتهُ ذاتَ اتصال / وصال
صمتَ طويلاً و هي تسأل : منِ المتحدث ؟
كان هناكَ شيء ما يعانقُ قلبه
تمالكَ نفسهُ و تكلم
قال : لا تتكلمي
فقط أنصتي لي
بدأ يتكلمُ عن رحلتهِ الطويلةَ مع طيفها
منذُ كانوا في الفناءِ حتى هذه اللحظة
لم تتكلم و لم تجب
سمع أنيناً كـ أنين الطفل . . هناك
ثم سمعها تبكي . . فـ بكى
حاولَ أن يعرف ما بها
لم تجبه
و أنهت الاتصال / الوصال
حاولَ أن يتحمل
لعلها هي من يتصلُ الآن
تشجعَ و اتصل
أجابته
بدأَ يتكلمُ عن نفسِ الفترة
و أضافَ ما جرى بعدَ ذلكَ الاتصال
بكت مرةً أخرى و قالت : لم أكن أحلمُ بـ لحظةٍ كـ هذه
كانت أحلامي وردية
و لكنها لم تكن بـ هذا النقاء
كانت كلماتها تختلطُ بـ الدموع
لم يكن يبكي اليوم
كانَ يسمعها بـ قلبه
و يشعرُ بها بين يديه
انتهى الإتصال
.
.
.
فـ كتبَ لها هذه الرسالةَ التي حملها ساعي البريد
& & & حبيبتي & & &
ها أنا أحتضنكِ من جديد
أحتضنكِ بعدَ أن احتضنت طيفك كل هذه السنوات
كنا أطفالاً و أصبحنا كبار
و لكنكِ حتى الآن في عيني طفلة
و أنا طفلٌ يريدُ أن يرسمَ الابتسامةَ على ثغرك
ذات يوم .
كنت أشرب قهوة الصباح و أنا مبتسم
فـ قد كانَ ذلكَ الصباحُ جميلاً على غيرِ العادة
قد يكونُ جمالهُ في أنهُ تَبِعَ ليلةَ كنتي فيها الحُلم
فجأه
دمعت عيناي
أتعرفين لماذا ؟
رأيتُ صورتكِ حينَ كُنا نلعبُ في ذلكَ الفناء
و لكنكِ كنتي هنا تضحكين و عن حضني تبحثين
وضعتُ الكوبَ جانباً
أشعلت سيجاره
كنتُ أنفثُ الدخانَ دونَ شعور
كنتُ أرمي ما يحترقُ منها في المنفضة
حبيبتي .
كانَ الكوبُ هو ذلكَ الفناء
و كانت روحي هيَ التي تحترق
فقد أشعلتي الشوقَ بي كما أشعلتُ أنا النارَ في السيجارة
بدلتُ ثيابي لـ أخرج
وجدتكِ خلفي
تمسكينَ بـ ثوبي لـ تناوليني إياه
و تودعيني بـ قبله
حبيبتي .
كان هذا خيالاً رأيتهُ في المرآةِ خلفي
لـ صورةٍ اشتريتها منذُ زمن
لأنها احتوت أنثىً تشبهك
.
.
.
.
لم تعدِ الكلماتُ واضحة
فـ قدِ اختلطَ هنا
الدمعُ بـ الحبر
و انطمست الكلماتُ على وقع الدمعات
بدأت رحلةٌ جديدةٌ من الحب
رحلةٌ تتصادم فيها الطموحات و الأماني مع الواقع
فـ المجتمع لا يعترف بـ حبٍ قبل الزواج
بدأ التواصل بينهما يحضر
كل ليلة
.
كل ساعة
.
بل هو كل لحظة
لم يكونا يحلما بـ لقاء أو بـ احتضان
فـ هو يحتضنها فعلا بـ قلبه و هي كذلك
لم يكن يدري بـ هذا التواصل سوى الطفل الذي كان مرسولاً بينهما
ذات يوم كان فيه الصفاء يجمع قلبيهما
زل لسان الطفل و باح بـ سر التواصل بينهما
لم تكن الزلة أمام أطفال مثله
بل كانت الزلة أمام أخ الفتاة
أزبد و أرعد و كاد ينفجر من الغضب
و لكنه توقف حين تذكر أن الشاب هو قريبه و صديقه
فـ تمالك نفسه و هدد الشاب بـ ما لا تحمد عقباه إن هو لم يبتعد عنها
انقطعت العلاقة بينهما
و لكن هذه الفترة كانت أشد إيلاماً من مرحلة الطفولة و ماكان فيها من شوق و هيام تغلفهما البراءة
عاش وحيداً رغم كونه مع أهله
كان كـ طفل مجروح و لا يستطيع اللعب مع أقرانه فـ انزوى في ركن قصي
حاول أن يتقدم لها
لعل هذه المأساة تنتهي
لم يكن يستطيع البوح بـ حب يجمعهما
حاول إقناع أهله
و لكنهم كانوا يرفضون بـ حجة أن هناك من هي أجمل منها
تهور و صرح بـ حبه لها
و كان نصيبه الرفض مجدداً
فـ عقوبة من يحب هي أن لا يرتبط بـ من يحب
رغم كل هذا و ما جرى قبله
لازال متواصلاً معها
فـ كل شيء أصبح رخيصاً أمامهما
كرهوا الناس
و لم يبقى في قلبيها سوى حب يجمعهما
و مرارة خلّفها رفض الجميع لـ هذا الاجتماع / الارتباط
تركت دراستها و انزوت على نفسها داخل غرفتها أياماً و ليالي
و أصبح هو يقضي معظم يومه خارج البيت
يعود لـ ينام و من ثم يخرج
ذات يوم
حاولت هي أن تنتحر
فـ هي لم تعد ترى سواه
و لا تستطيع أن تكون بـ قربه مشتهاه
فـ رخصت عليها الحياة
هو عرف كل هذا من أهله
زادت حيرته حيرة
و زاد ألمه آلاماً كثيرة
و أصبح يمارس جلد ذاته لأنه ساهم في ضياع هذه الفتاة و لا يملك شيئا يجعلها تستعيد حياتها من جديد
لم يعد يتواصل معها
كان يمني نفسه بـ أن تنساه
و كان يؤمن بـ أنها سـ ترتبط بـ غيره لا محالة و بـ أنه سـ يكمل بقية حياته كما مضى ماضيه
ابتعد عنها و لم تبتعد عنه
كانت تزوره كل ليلة
و تفتح له ذراعيها لـ تحتضنه
كانت طفلته و أمه
هي فرحه و همه
فـ الرجل هو طفل كبير يرى محبوبته طفلته الصغيرة و يراها أمه التي تعطف عليه
كان يتنفس اسمها
و حين يرى اسماً شبيهاً له يتحول يومه إلى معانقة الأوراق و محاولة ترجمة دمع رقراق
بـ اختصار
كان يضحي بـ كل ماتعنيه هذه الكلمة
استمر على هذه الحالة
هي تبحث عنه و هو يواصل الهروب تضحية بـ نفسه و حباً لها
فـ الارتباط لم يعد ممكناً بينهما
و حتماً هي سـ تتزوج بـ رغبتها أو بدونها
تقدم لها بعد أن وافق أهله عليها
و أهلها وافقوا ( لم يكن يعرف العلاقة غير أحد إخوانها )
و لكن الأخ وقف أمام هذا الزواج و رفضه
و انتهى الحلم
.
.
.
استمرت الايام كما هي
دموع و آلام و آهات تجمعهما كل مساء
و صمت كئيب و حزن مطبق يجمعهما كل نهار
باحت البنت بـ حبها له
فـ لم تعد تريد سواه
و بعد أن أفاق أهلها من الصدمة
و بـ حكم أنه قريب لهم و ليس فيه ما يعيب
و بـ النظر لـ حالتها
تمت الموافقة حتى من أخيها
لم يحتفل بـ هذه الموافقة
فـ كثرة الإحباطات جعلته لايحتفل إلا بعد إتمام كل شيء
تمت الخطبة و حتى الآن هو خائف من شيء يجهله
مرت الأيام و هو خائف
حتى انتهى كل شيء
بـ كتابة العقد و إعلانه زوجاً لها و هي زوجةٌ له
عندها
كان مجرد سماع صوته و هو يبشر أصدقائه بـ أن رحلته انتهت بـ سلام
كفيلاً بـ الصمت و رسم ابتسامة على وجه كل من عايش القصة
و بدأ الجميع بـ تجهيز عش الزوجية و الاستعداد لـ ليلة الدخلة
تلك الليلة الــــ حلم
ملاحظة :
القصة واقعية
و جميع فصولها حصلت دون زيادة أو نقصان
فـ ليس لـ الكاتب سوى الصياغة و السبك
تحياتي