من أوربا إلى كربلاء قوافل متعددة و هدف واحد محمد جواد الدمستاني
صفر 1434 هجري قمري
قدموا من كل مكان
متعددوا الأعراق و اللغات
و التقاليد و العادات
و الدول و الأمكنة و المحافظات.
و قدمت قوافل من أوربا ، من بلجيكا و فرنسا و ألمانيا و النمسا و السويد و الدنمارك و غيرها.
و لكنهم جميعا متحدون في المحبة و الولاء للنبي و أهل بيته صلوات الله و سلامه عليه و عليهم.
هدفهم زيارة سبط رسول الله الامام الحسين بن علي عليه السلام في كربلاء ، شوقهم إلى الحسين هو الذي حركهم لزيارته و تلبية ندائه، هيأوا و عملوا مقدمات السفر استعدادا للزيارة ثم وصلوا و زاروا.
البداية
كان ذهابنا لزيارة العتبات المقدسة في كربلاء و النجف توفيقا طالما طمحنا إليه و دعونا لأجله في مواطن الدعاء ، و في يوم من أيام أوائل شهر رمضان المبارك 1433 هجري ذهبنا مشاركين في اعتصام أمام سفارة ميانمار في بروكسل احتجاجا على القتل العنصري ضد المسلمين دعت إليه أحد الجمعيات المحلية في بلجيكا ، حيث حضرت اعداد قليلة قياسا بعدد المسلمين في بلجيكا ، و بالقياس للجرائم و حرب الابادة التي يتعرض لها المسلمون في ذلك البلد ، حيث ذبح الآلاف بل قيل مئات الآلاف دون ناصر و لا معين ، و كان أكثر المحتجين على المذابح في هذا الاعتصام هم من المسلمين الشيعة.
و هناك التقينا بأحد السادة الفضلاء من أهل المغرب ممن يوفق لزيارة كربلاء و سألناه عن الزيارة فقال نعم في الأربعين القادم و أنّ آخر تسجيل للذهاب للزيارة سيكون هذه الليلة و قد بقى عن موعد الرحيل اكثر من خمسة أشهر فسجّلنا في ليلتها و أرسلنا المطلوب للتسجيل.
الأربعين
إنّ لزيارة الأربعين ميزة خاصة وهي الوصف بالإيمان فقد روي عن الامام الحسن العسكري عليه السلام :
(علامات المؤمن خمس : صلوات إحدى وخمسين ، وزيارة الأربعين ، والتختم باليمين ، وتعفير الجبين ، والجهر ببسم الله الرحمن الرحيم ) إقبال الأعمال / السيد ابن طاووس / ج 3 / ص 100.
و المعنى إنّ احدى علامات المؤمن هي زيارة الإمام الحسين عليه السلام في الأربعين ، و هو العشرين من صفر ذكرى رجوع سبايا أهل البيت إلى كربلاء بعد أربعين يوما على إستشهاء الإمام الحسين عليه السلام ، و وجدوا عند موضع مصرع الامام الحسين الصحابي جابر بن عبد الله الأنصاري وجماعة من بني هاشم و رجالاً من آل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قد وردوا لزيارة قبر الحسين عليه السلام ، فتوافدوا في وقت واحد ، و جددوا الحزن و البكاء وأقاموا المآتم واجتمع عليهم أهل ذلك السواد وأقاموا على ذلك أياماً.
و رغم المخاطر و الترهيب فإنّ أعداد زوار أربعين الامام الحسين تزداد و تكثر كل سنة عما قبلها، و التقديرات بعدد الزوار لهذه السنة تقارب العشرين مليون زائرا ، لا تزيدهم التهديدات إلا تحديا و صمودا ، و هذا الاستهداف للزوار ليس جديدا فقد قام به أعداء أهل البيت في حياتهم و عانى الزوار كما المزار من الاستهداف و الانتقام في حقبات تاريخية سوداء قاتمة ، و لكنه لم يستطع توقيف حركة الزائرين باتجاه ضريح سيد الإباء الإمام أبي عبد الله الحسين (ع) طوال التاريخ.
ساعة الانطلاق
كان الموعد سحرا في الثالثة و النصف بعد منتصف الليل و حيث تطلع الشمس قبل السابعة تقريبا و انطلقت حافلة الزائرين التي كانت مميزة من طابقين في الرابعة و الربع من بروكسل بتوقيتها في 24/12/2012 م ، و لم يكن الجو الشتوي باردا قارسا إذ هطلت أمطار في اليوم السابق فخفّت شدة البرودة ، رجال و نساء و أطفال ترتفع من حناجرهم بين الحين و الآخر الصلوات على النبي و آله ، غالبيتهم بلجيكيين و فرنسيين من أصول مغاربية و جزائرية ، قرئ في الحافلة دعاء السفر و بعد التوقف و الصلاة قرئ دعاء الصباح المروي عن أمير المؤمنين و هو دعاء عظيم يستحب قراءته في كل صباح.
كلهم أمل و شوق و لهفة بالوصول إلى الأئمة عليهم السلام ، الرجال باهتمامهم و النساء بفرحتهم و الأطفال ببرائتهم كأنّهم يتحدون الموت و هم يعلمون بما يحيط بزوار الحسين ، هنالك تجول الخواطر فأيّ شئ يدفع هؤلاء للزيارة مع كل الصعاب و الاستهداف؟ و من أوجد في قلوبهم هذا التحدي الكبير؟ و مالذي فعلوه لكي يكونوا هدفا للقتل و التفجير؟ و هل مودة أهل البيت الواجبة بنص القرآن أصبحت محرمة و جريمة و يُعاقب عليها ؟ قال الله تعالى في كتابه الكريم :
( قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ) الشورى / 23 .
و لم تكن الرحلة قصيرة بل كانت طويلة فمن بروكسل إلى فرانكفورت لعدة ساعات بالحافلة ثم بالطائرة لأكثر من خمس ساعات و ترانزيت باثنتي عشرة ساعة بطهران و بما يقرب من ساعتين بطائرة أخرى للنجف و اجراءات مطار النجف المزدحم أيام موسم الأربعين فيكون المسافر قد أكمل يوم و نصف للوصول إلى مدينة النجف الأشرف.
زيارة أمير المؤمنين
ولكن كل ذلك من جهد و وقت ينهيه فرح الوصول فما أن هبطت الطائرة أرض المطار حتى علا البكاء فقد تحقق جزء من الهدف و اقترب عمليا موعد زيارة سيد الوصيين و إمام المتقين ، و بكت نسوة حتى ارتفعت أصواتهن و استمر بكاء امرأة قادمة من فرنسا عاليا من هبوط الطائرة ثم في حافلة المطار حتى دخولنا المطار و جلوسنا فيه لفترة طويلة، أما البكاء الجماعي الكثير فقد كان بعد رؤية قبة و منارات مشهد أمير المؤمنين عليه السلام و نحن في الحافلة التي أقلتنا من المطار إلى السكن قرب المشهد المبارك فما أن وقعت الأعين على مشهده حتى ذرف الرجال دموعهم و ارتفعت أصوات بكائهم، أما النساء فكنّ في حافلات خاصة بهنّ لكن لا شك أنّ بكاءهنّ كان أكثر، و نحن الآن في ضيافة أمير المؤمنين.
وحول زيارة الإمام و العتبات و الزوار روي عن النبي (ص) مخاطبا الإمام (ع) :
( والله لتقتلن بأرض العراق وتدفن بها ، قلت : يا رسول الله ما لمن زار قبورنا وعمرها وتعاهدها ؟ قال لي: يا أبا الحسن إنّ الله جعل قبرك وقبور ولدك بقاعا من بقاع الجنة وعرصة من عرصاتها ، وإنّ الله جعل قلوب نجباء من خلقه وصفوة من عباده تحن إليكم ، وتحتمل المذلة والأذى فيكم فيعمرون قبوركم ، ويكثرون زيارتها تقربا منهم إلى الله ، ومودة منهم لرسوله ، أولئك يا علي المخصوصون بشفاعتي ، والواردون حوضي ، وهم زواري غدا في الجنة). وسائل الشيعة / الحر العاملي / ج 14 / ص 382 .
أمير المؤمنين (ع)، ابن عم رسول الله (ص) ، و أخوه و وصيه و خليفته ، بطل الاسلام و صاحب ذو الفقار ، و مكسر الأصنام ، قسيم الجنة والنار ، ، علي بن أبي طالب ،.. و في زيارة أمين الله :
السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا أَمِيْنَ اُللهِ فِيْ أَرْضِهِ وَحُجَّتَهُ عَلَى عِبَادِهِ ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا أَمِيْرَ اُلْمُؤْمِنِيْنَ، أَشْهَدُ أَنَّكَ جَاهَدْتَ فِي اُللهِ حَقَّ جِهَادِهِ وَعَمِلْتَ بِكِتَابِهِ وَاُتَّبَعْتَ سُنَنَ نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اُللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ حَتَّى دَعَاكَ اُللهُ إلَى جِوَارِهِ فَقَبَضَكَ إِلَيْهِ بِاُخْتِيَارِهِ وَأَلْزَمَ أَعْدَاءَكَ اُلْحُجَّةَ مَعَ مَا لَكَ مِنَ اُلْحُجَجِ اُلْبَالِغَةِ عَلَى جَمِيْعِ خَلْقِهِ.
أما أعظم المواقف فهي دخول الحرم وصولا إلى الضريح حيث ملايين الزوار بين داع و باك و متوسل و متضرع ، و حيث ترتفع الأيدي و تصدح الحناجر و تذرف الدموع حبا في أبي الحسن ، و بعد جهد تصل يداك إلى الضريح الشريف و قد تقع عيناك على داخله ، و يهتف قلبك باسم صاحبه ، و يجول التاريخ في خاطرك كأنّه كان بالأمس القريب ، هذا هو مرقد بطل الاسلام ، و هنا تقضى الحوائج.
هنا بهذه الأرض المباركة تقضي أياما من عمرك بقرب ولي الله و ابن عم رسوله ، تزور و تبكي و تدعو وتتوسل و تتضرع إلى الله سبحانه و تعالى.
و قريبا من النجف تقع مدينة الكوفة و هي كانت مركز دولة أمير المؤمنين عليه السلام ، و بها مسجدها المعروف و محرابها الذي استشهد فيه أمير المؤمنين و معالم المسجد العظيم ، و به مقامات عدد من الأنبياء و الأئمة ، و مراقد الشهداء مسلم بن عقيل و المختار الثقفي و هانئ بن عروة، و بقرب المسجد بيت أمير المؤمنين ، هناك تمشي في طرق وطأتها قدما أبي الحسن و تشرفت بهما، هناك تتذكر شيئا من تاريخ أمير المؤمنين.
و يوجد بالكوفة مسجد السهلة و هو مسجد عظيم و به عدد من مقامات الأنبياء و الأئمة و الصالحين يزورها المؤمنون. كما يوجد قبر الشهيد ميثم التمار في مدينة الكوفة.
والنجف الأشرف مركز علمي و تراثي كبير و بها حوزة النجف و هي من أقدم جامعات العالم فعمرها تقريبا الف عام أو أكثر و بها عدد كبير من العلماء و الفقهاء و المراجع العظام و المفكرين و الكتاب و الشعراء و الآلاف من طلبة العلوم الدينية و عشرات المدارس العلمية.
زيارة الحسين مشيا
يزور المؤمنون ضريح أبي عبد الله الحسين في 20 صفر من كل عام و تمشي الملايين على الأقدام وصولا إلى ضريحه عليه السلام ، و القسم الأعظم من العراقيين في الأربعين يكون زائرا للحسين أو خادما لزواره ، من كل أمكنة العراق و هم النسبة الكبرى من الزوار بينما يأتي المؤمنون الآخرون من أقطار العالم حيث قدّر عدد الزائرين من خارج العراق بسبع مائة و خمسين الف من مجموع الزوار و هم ثمانية عشر إلى عشرين مليونا تقديرا لهذا العام.
و كان المشهد عظيما حيث بدأنا التحرك مشيا على الأقدام ، و صرخات لبيك يا حسين تصدح من حناجر الزائرين ، ترتفع معها سواعدهم بقبضات الأيدي تلبية للحسين ، رجال و نساء و أطفال ، شيوخ و شبان ، من كل الأمكنة بالعراق و كثيرون من خارجها باتجاه واحد هو كربلاء و ضريح أبي عبد الله الحسين ، حاملين ارواحهم على أكفهم يتحدون الموت في حب سيدهم و مولاهم الامام الشهيد ، و كان التحرك بعد الظهر من يوم الجمعة و استمر يومين إضافيين فالوصول كان يوم الأحد بعد الغروب لمجموعتنا حتى الوصول إلى حرم أبي عبد الله ثم وقت آخر للوصول إلى العنوان المراد مع الازدحام الشديد و لم يبق إلا أيام قليلة عن الأربعين و كربلاء تمتلئ من الزائرين.
والطريق من النجف إلى كربلاء يبلغ أكثر من سبعين كيلومتر يزدحم بالزائرين المشاة رجالا و نساء و اطفالا من كل الأعمار و الفئات في مشهد فريد و وحيد ، و لكن المسافات تقل مع كثرة الناس ، حشود تتلوها حشود ، و تصطف المواكب و المتبرعون على طول الطريق بتقديم الماء و الزاد و مختلف المواد لزوار الحسين ، و تتسابق العشائر و العائلات العراقية المؤمنة بتقديم الخدمة للمشاة ، و تخرج العشائر العراقية ما تملكه و تقدمه للزوار ، و يصّرون و يتوسلون بالزائرين لضيافتهم ، و يستقبلونهم في بيوتهم و مواكبهم و مضايفهم و حسينياتهم ، و يتوددون الناس للخدمة دون مقابل إلا الأجر و الثواب من الله الكريم ببركة الحسين و أهل البيت (ع)، وجبات طعام و فطور و تمور و فواكه و أطعمة و مياه و شاي و كل ما لديهم ، و يقوم البعض بتطبيب الزائرين و آخر بالتدليك نتيجة التعضل بسبب المشي ، و بعضهم بعمل أحواض ساخنة توضع فيها الأقدام لعله لتخفيف الآلام في مشهد عجيب لا يتكرر في أيّ مكان في العالم ، و في الطريق قسنا مقدار الضغط و السكر و الحمد لله على سلامتنا.
و أهم من ذلك نفس الخدمة فهؤلاء الموالون المحبون يتلذذون بخدمة زوار الحسين ويبذلون في ذلك أموالا وممتلكات بعقيدة صافية و فطرة خالصة بأنّ تلك الخدمة للمؤمنين الزائرين للحسين لها من الأجر العظيم مالا يحصى ، و تكثر في أماكن متعددة عبارات مختلفة معناها واحد في المطار وكذا في الطريق وهي إنّ الخدمة تتضمن المذلة إلا خدمة زوار الحسين.
و اتفق أن نزلنا في الليلة الأولى في موكب خدّام الحسين لعشيرة آل شكر التابع لمدينة النجف الأشرف و هذا الموكب مثال لبقية المواكب فكلهم أهل كرم و جود و يستأنسون بضيافة الزوار ، و قد أخجلونا بكرمهم و حين الفجر بعد الصلاة حينما قمنا بالتوديع اغرورقت عينا صاحب الموكب بالدموع كأنّنا نعرفه من دهور و قد حقق أمنيته باستضافة زوار الحسين القادمين من آلاف الكيلومترات ثم علمنا كما قال مرشد المجموعة أنّ الموكب ذبح في اليوم السابق جملين و خمسة خرفان و 400 رغيف خبز عراقي نجفي (و هو ذو شكل معين هندسيا) ، و قدّم أطعمة أخرى للزائرين المشاة في سبيل الله وطلبا للأجر و الثواب ، أدام الله عليهم جميعا النعم و أذهب عنهم النقم بحق محمد وآله الطاهرين.
و الزيارة مشيا لها ثواب خاص و في الرواية عن الامام أبي عبد الله عليه السلام:
(من أتى قبر الحسين عليه السلام ما شياً كتب الله له بكل خطوة ألف حسنة ومحى عنه ألف سيئة ورفع له الف درجة). وسائل الشيعة / الحر العاملي / ج 14 / ص 440
و (من أتى قبر الحسين ماشياً كتب الله له بكل خطوة و بكل قدم يرفعها ويضعها عتق رقبه من ولد اسماعيل). وسائل الشيعة / الحر العاملي / ج 14 / ص 441
و بالزيارة مشيا يدرك الانسان و يشعر شيئا من المعاناة الكبيرة التي عاشها أطفال و نساء أهل البيت و الإمام زين العابدين عليهم السلام في موكب السبي من كربلاء إلى الكوفة و من الكوفة إلى الشام ، ثم رجوعا إلى المدينة مرورا بكربلاء ، فنحن قد شعرنا بالتعب و الارهاق مع أمن الطريق النسبي و خدمة المواكب الحسينية الممتدة عليه ، و توددهم و توسلهم بتقديم الخدمات ، و بالاستراحة أينما وحيثما نريد ، مع وجود محطات الاستراحة الاختيارية ، و أنواع كثيرة من الأطعمة و الأشربة و الخدمات و التطبيب ، و حصلنا بعد ذلك على نصيب من الأرهاق و التعب ، فكيف كان موكب سبايا أهل البيت عليهم السلام الذين كانوا ثكالى برجالهن و أولادهن و هم بين يدي عدو لا يرحم ، و قد أخذوا قسرا من كربلاء ، و تعرضوا للضرب و الشتم و الاهانات ، و فقدوا بعضهم طول الطريق و مات آخرون ، و هم نساء و أطفال ، و كان النّاس يتفرجون عليهم، و يشمت بعضهم فيهم ، و هددوا بالقتل ، و هم أسارى سبايا ، ففي طريقنا إلى كربلاء مشيا شعرنا ببعض معاناتهم ، فبالمشي يتأسى الموالي بموكبهم ، لعن الله الظالمين.
الوصول إلى كربلاء
ما أن تصل إلى كربلاء و ترى قبتي ضريحي الامام الحسين و أبي الفضل العباس عليهما السلام حتى تكون في حال آخر ، و روحية أخرى ، تهطل الدموع من عيون العاشقين لأبي عبد الله عليه السلام ، قبب و منارات الذهب تتلألأ في السماء و تتحدى الطغاة مدى العصور ، و لا أثر للقتلة المجرمين و لا قبر.
و لا يستطيع كل زائر أن يصل إلى القبر الشريف أو يلمس الضريح لكثرة الزائرين ، الحناجر تهتف بالحسين ، و في كل زاوية من مشهده الشريف بكاء و دموع ، و الزيارة المأثورة في الأربعين تردد في كل شبر من مشهده، و الدعاء تحت قبته ، و طلب الحوائج من الله سبحانه و تعالى في هذا المكان المقدس و التوسل بأبي عبد الله الذي أعطى كل ما يملك لله و في سبيله مسبب للاستجابة و قضاء الحاجات و كثير من الكرامات تحصل ببركة هذا المكان الطاهر و صاحبه. قال الشاعر :
مولى بتربته الشفاء وتحت قبته الدعاء من كل داع يسمع
و يضم مشهد الامام الحسين قبور شهداء كربلاء من أهل بيته و أصحابه و قبر حامل راية الحسين حبيب بن مظاهر عليهم جميعا السلام ، كما تضم موضع قتل الامام الحسين و هو المذبح.
كما يضم المشهد قبر السيد ابراهيم المجاب و عدد من العلماء و يسمي الرواق الشرقي برواق الفقهاء نسبة لكبار العلماء المدفونين فيه.
و إلى جنب مشهد الإمام الحسين عليه السلام يقع مشهد أبي الفضل العباس عليه السلام الذي اسستشهد الى جنب الشريعة حينما ذهب ليحضر الماء من نهر الفرات إلى الأطفال و النساء في المخيم فاستشهد سلام الله عليه بعد أن قطعت يمينه و شماله ، ملايين الزوار تهتف و تدعو و تتوسل بمقطوع اليدين بكربلاء أبي الفضل العباس عليه السلام رمز الإخاء و المواساة و الإيثار و التضحية. و يوجد مقامان ليدي أبي الفضل العباس عليه السلام.
و تضم كربلاء مخيم الحسين و هو المكان الذي نصب فيه خيامه و أهل بيته و أصحابه ، و التل الزينبي ، و مقامي علي الأكبر و علي الأصغر (عبد الله الرضيع) أي محلا شهادتهما (ع) ، و مقام الامام الصادق (ع) ، و مقام الإمام الكاظم (ع) و مقام صاحب العصر و الزمان الامام المهدي عجل الله تعالى فرجه و مقام السيدة فضة.
تبقى في كربلاء زائرا لشهدائها و متزودا منهم معاني الخير و القيّم و التضحيات و تخرج متمنيا رجوعك ثانية.
هذه كانت الزيارة الثانية لي لكربلاء و أئمتنا عليهم السلام في أرض العراق أما الأولى فكانت قبل ما يقرب من ثماني و ثلاثين سنة حينما كنت صغيرا و ذهبت مع والدي رحمهما الله برحمته و حشرهما مع النبي و أهل بيته وجزاهما الله خير الجزاء حيث غذياني حب النبي و أهل بيته صلوات الله و سلامه عليه و عليهم.
السَّلام عَلَيْكَ يَا أبا عَبْدِ اللهِ وَعلَى الأرواحِ الّتي حَلّتْ بِفِنائِكَ ، وَأنَاخَت برَحْلِك، عَلَيْكًم مِنِّي سَلامُ اللهِ أبَداً مَا بَقِيتُ وَبَقِيَ الليْلُ وَالنَّهارُ ، وَلا جَعَلَهُ اللهُ آخِرَ العَهْدِ مِنِّي لِزِيَارَتِكُمْ ، السَّلام عَلَى الحُسَيْن ، وَعَلَى عَليِّ بْنِ الحُسَيْنِ ، وَعَلَى أوْلادِ الحُسَيْنِ ، وَعَلَى أصْحابِ الحُسَين.
صور في الطريق إلى كربلاء المقدسة