حسن الظن راحة للقلب


قال تعالى :


" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا


أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ "



إن الانشغال بتفسير التصرفات الشخصية للناس .. وإسقاطها على أسس الريبة وسوء النية


وتعديد الاستنتاجات لتأكيد هذا الإسقاط .. له من المفاسد القلبية والاجتماعية والنفسية مالا يعد فى حصره ..


فهو أمر معلوم للجميع يغضب الله .. ويفقد به الإنسان الصفاء .. وينشغل تفكيره


بتقصير الآخرين ومحاولة إثبات هذا التقصير


او هذا الخلل .. مع إننا غير مكلفين بذلك


فديننا يدعو إلى حسن الظن بالناس والابتعاد كل البعد عن سوء الظن بهم ؛ لأن سرائر الناس


ودواخلهم لا يعلمها إلا الله تعالى وحده



قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "‏ ‏إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ولا تحسسوا ولا ‏


‏تجسسوا ‏ ‏ولا تنافسوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا ‏ ‏تدابروا ‏ ‏وكونوا عباد الله إخوانا"



فلو سألنا أنفسنا ماذا بعد .. ماذا استفدت ..


هل تُحب ان يعاملك الناس كذلك؟


لماذا نسعى لقطع حبال المودة بين الناس ..


لماذا نؤجج المشاعر على الغير ..لماذا ؟


فليس أريح لقلب العبد في هذه الحياة ولا أسعد لنفسه من حسن الظن، فبه يسلم من أذى الخواطر


المقلقة التي تؤذي النفس، وتكدر البال، وتتعب الجسد .



وهناك اسباب معينه على حسن الظن منها :



الدعاء



فإنه باب كل خير، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل ربه أن يرزقه قلبًا سليمًا




إنزال النفس منزلة الغير



فلو أن كل واحد منا عند صدور فعل أو قول من أخيه وضع نفسه مكانه لحمله ذلك على إحسان


الظن بالآخرين، وقد وجه الله عباده لهذا المعنى حين قال سبحانه: لوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً/النور:12



حمل الكلام على أحسن المحامل



هكذا كان دأب السلف رضي الله عنهم. قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه:


"لا تظن بكلمة خرجت من أخيك المؤمن شرًّا، وأنت تجد لها في الخير محملاً"



وانظر إلى الإمام الشافعي رحمه الله حين مرض وأتاه بعض إخوانه يعوده، فقال للشافعي: قوى لله


ضعفك، قال الشافعي: لو قوى ضعفي لقتلني ، قال: والله ما أردت إلا الخير. فقال الإمام: أعلم أنك لو سببتني ما أردت إلا الخير




فهكذا تكون الأخوة الحقيقية إحسان الظن بالإخوان حتى فيما يظهر أنه لا يحتمل وجها من أوجه الخير




التماس الأعذار للآخرين




فعند صدور قول أو فعل يسبب لك ضيقًا أو حزنًا حاول التماس الأعذار، واستحضر حال الصالحين


الذين كانوا يحسنون الظن ويلتمسون المعاذير حتى قالوا: التمس لأخيك سبعين عذراً



وقال ابن سيرين رحمه الله: إذا بلغك عن أخيك شيء فالتمس له عذرًا ، فإن لم تجد فقل: لعل له عذرًا لا أعرفه

إنك حين تجتهد في التماس الأعذار ستريح نفسك من عناء الظن السيئ وستتجنب



عدم الإكثار من اللوم لإخوانك


تأن ولا تعجل بلومك صاحبًا .. ... .. لعل له عذرًا وأنت تلوم




تجنب الحكم على النيات



وهذا من أعظم أسباب حسن الظن؛ حيث يترك العبد السرائر إلى الذي يعلمها وحده سبحانه، والله لم يأمرنا بشق الصدور، ولنتجنب الظن السيئ




استحضار آفات سوء الظن



فمن ساء ظنه بالناس كان في تعب وهم لا ينقضي فضلاً عن خسارته لكل من يخالطه حتى أقرب


الناس إليه ؛ إذ من عادة الناس الخطأ ولو من غير قصد ، ثم إن من آفات سوء الظن أنه يحمل


صاحبه على اتهام الآخرين ، مع إحسان الظن بنفسه، وهو نوع من تزكية النفس التي نهى الله


عنها في كتابه: {فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} [النجم:32]


.وأنكر سبحانه على اليهود: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً} [النساء:49].


ولايخفاكم ان الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم ، ولا يكاد يفتر عن التفريق بين المؤمنين


والتحريش بينهم، وأعظم أسباب قطع


الطريق على الشيطان هو إحسان الظن بالمسلمين. ومجاهدة النفس لحملها على ذلك ..




رزقنا و اياكم قلبا سليما ..



عـــــوآقـــب ســــوء الظـــــــن



وقال النبي -صلى الله عليه وسلم


[ إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث ]


وفي الحديث


[ صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر فنادى بصوت رفيع فقال يا معشر من أسلم بلسانه ولم يدخل


الإيمان قلبه لا تؤذوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته ومن تتبع


الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله ونظر ابن عمر إلى الكعبة فقال ما أعظمك وما أعظم حرمتك والمؤمن


أعظم حرمة عند الله منك ]


وسوء الظن بالمسلم يدعو إلى الخوف وتوجس الشر منه


وبالتالي التجسس والتحسس، وما يترتب على ذلك من التقاطع والتدابر وفساد القلوب


وكلها أخلاق ذميمة نهى عنها الشارع الحكيم


وطيب القلوب وسلامة الصدور وستر العيوب وتجاهلها والتغافل عنها من شيم فضلاء المسلمين مع إخوانهم.


قال الغزالي في الإحياء


فكما يجب عليك السكوت بلسانك عن مساوئ أخيك يجب عليك السكوت بقلبك وذلك بترك إساءة الظن به


فسوء الظن غيبة بالقلب ولا تحمل فعله على وجه فاسد ما أمكنك أن تحمله على وجه حسن، وتحمل ما تشاهده من سيئ على سهو أو نسيان


ويجب أن يعلم أنه لا منافاة بين كون الشخص يأخذ الاحتياطات اللازمة لأمنه


وبين كونه حسن الظن بالناس، فحسن الظن بهم لا يعني أن تفرط في نفسك أو مالك وهذا منهج السلف


الصالح رضوان الله عليهم



نمـــلة تلتمس العذر للانســـان ...!!!


تأملوا معي يرحمكم الله حال هذه النملة، وقد يظن أكثرنا أنها حشرة صغيرة

لا تملك من القوة والعقل ما يمتلكه الإنسان !


انظروا لحسن أدبها ورجاحة عقلها وحسن ظنها ! ....كل هذا وهي ؟؟ (( نملة )) !!


بينما نجد هذه الصفة
(( التماس العذر للآخرين ))
في بني الإنسان تعدم عند البعض أحياناً !!


تأملوا ماذا قالت لما رأت نبي الله تعالى سليمان عليه السلام وجنوده !

قال تعالى : {حتى إذا أتوا على واد النمل قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يَحطِمَنَّكُم سليمان و جنوده وهم لا يشعرون }



قالت : (( وهم لايشعرون ))


يقول الشيخ عبد الرحمن السعدي في تفسيره ( تيسير الكريم الرحمن ) ص603


عرفت حالة سليمان وجنوده وعظمة سلطانه ، واعتذرت عنهم، أنهم إن حطموكم فليس عن قصد منهم ولا شعور فسمع سليمان عليه السلام قولها وفهمه { فتبسم ضاحكاً من قولها } إعجاباً منه بفصاحتها ونصحها وحسن تعبيرها . انتهى .


فهي بقولها (( وهم لايشعرون ))

التمست لبني الإنسان عذراً , لتحطيمه لها , لدقة حجمها , واستحالة رؤيتها في حال

انشغاله عنها بما هو أعظم !

بينما نرى بني البشر اليوم !

لا يلتمس لأخيه المسلم عذراً , ويتسلط عليه بإساءة الظنون , والتدخل

في نوايا لم يؤمر بها بها !

والسعي خلف الظن السيئ وتحريش الشيطان !


كما قال صلى الله عيه وسلم : { إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب
ولكن في التحريش بينهم }


فأين نحن اليوم عن هذا المعنى { لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا ولا تقاطعوا وكونوا عباد الله إخواناً، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث } أصبح التماس العذر اليوم عند البعض أمراً محال!

فالبعض لايحسن إلا إساءة الظن بالآخرين !


وكل الأسف أن يكون هذا التصرف ممن قد أحسنت ظنك فيهم , وحسبتهم من عداد أهل الخير
الذين لايغفلون عن هذه الجوانب ..!

عن أبي قلابة أنه قال : ( إذا بلغك عن أخيك شيئاً تكرهه فالتمس له عذراً ، فإن لم تجد له عذراً
فقل : لعل له عذراً لا أعلمه )

فما أجمل أن يكون شعارنا حسن الظن بالآخرين , وامتثال هدي خير المرسلين, وصفاء السريرة على الإخوان , والبعد عن كل ما يمليه الشيطان , والتماس العذر لأخينا الإنسان رضىً للرحمن ..

فقد أرادنا الله تعالى إخوة متحابين , غير متشاحنين ولا متباغضين ..

فحري بنا أن لا نجعل غير المسلمين يفوقوننا بهذه الصفات , ونحن أهلها وأصحابها ..