بسم الله الرحمن الرحيم



السلام عليكم ورحمه الله
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد
الطيبيين الطاهرين
والعنه الدائمه على أعدائهم الى قيام يوم الدين


إن الحسين لا يختص بالشيعة فحسب، ليس إماما للشيعة دون غيرهم، إنه رجل التاريخ الخالد.. إنه رمز الإنسانية الوتر، الذي كان له قصب السبق في البذل والعطاء، لتحرير الإنسان وتحقيق كرامته وسيادته.

لم يكن ثائراً فحسب، بل كان معلماً ملهماً للثوار على مدى الدهور والأعصار.. فما من صرخة استنكار ارتفعت في وجه ظالم أو جائر إلا وكانت مشوبة بروح الحسين (عليه السلام) وفكره.

هذا تاريخ الشهداء بين يديك، بعد عام 61 هجرية، لو نظرت إليه، لما وجدت نهضة أو ثورة أو حركة ضد الظلم والجور إلا وهي متأثرة بأهداف أبي عبد الله وشعاراته، فثورة التوابين انطلقت أساساً للمطالبة بذحوله وثارته، وثورة المختار قامت في الأصل للانتقام من قتلة الحسين (عليه السلام) ولم يكن المختار الثقفي لينجح في نهضته لولا هذا الشعار العتيد (يالثارات الحسين).

وهكذا ثورة زيد التي قامت واستمدت فكرها من نهضة الحسين (عليه السلام) إلا أنها كانت بالأصل ثورة شيعية حسينية.

وابنه يحيى بن زيد كذلك، وقيام الخراسانيين مع أبي مسلم الخراساني كان باسم الحسين خاصة وأهل البيت عامة، وهكذا كان حال الحركات الإسلامية منذ شهادة الحسين حتى يومنا هذا تستلهم روح النهضة والاستنفار من أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) وتستند إلى مبادئه وأفكاره. فأي خلود أعظم من هذا؟!.

إن شهداء الفضيلة على مر الأيام، اختلفوا في الأهداف والغايات والوسائل والمبادئ كثيراً ولكنهم اتفقوا على أمر واحد، لم يحيدوا عنه، وكان هو القاسم المشترك بينهم جميعاً، وهو الاستلهام من مبادئ أبي عبد الله الحسين (عليه السلام).

إن الحسين (عليه السلام) أسس للثورة في وجه الظالمين، كما أسس للتحدي في وجه الفاسقين والجائرين، ولا زال (عليه السلام) يرعب أعداء الدين وتخيفهم آثاره وبركاته، ولا زال العالم الإسلامي في أمس الحاجة إلى الاقتداء به والاستنارة بمصباحه، والسير على نهجه والانتهال من معينه.

وهذا هو المعنى المحدد والدقيق للخلود.. أن تجد حاجة الأمة إليه لا تنعدم، واستصراخهم إياه لا ينتهي، وحزنهم عليه لا ينقضي.

أن الموت بعزة وشهامة وشموخ كان احب إلى الحسين من العيش بذلة وهوان، ولقد صرح بذلك هو (عليه السلام)، حين قال: (إني لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برما).

وقد كان لا يريد لمن معه إلا أن يكونوا بهذا المستوى من الشجاعة والصلابة التي تستهين بالموت وتهزا بالحياة، إلا في ظل حكم العدالة والإسلام والقرآن، فلم يفوت فرصة إلا وأعلن عن رأيه الصريح للناس عامة، ولأصحابه خاصة، فكان يقول: (ألا فمن كان باذلاً فينا مهجته، موطناً على لقاء الله نفسه، فليرحل معنا) لأن الموقف الرهيب الذي سيقفه الحسين في كربلاء لا يطيقه إلا من كان باذلاً نفسه، موطناً على لقاء الله، منتزعاً رغبة حب الدنيا من قلبه!!.

ألسنا اليوم بحاجة إلى مثل هذا الرجل العظيم لينجي الأمة من ذلها وهوانها؟.

ألسنا اليوم -وكل يوم- نترصد للزمن ليخرج علينا مثل الإمام الحسين ليحقق لنا النصر والعز والكرامة؟.

وأخيراً.. ألسيت هذه المواقف الحسينية الصلبة مدعاة لخلوده وبقاءه على مر الأيام؟.

إننا اليوم أولسنا بحاجة إلى من يكون (مع من غلب) ولسنا بحاجة إلى جبناء خاذلين مخذولين.. ولسنا بحاجة إلى متربعين على عروش الغدر والخيانة.. ولسنا بحاجة إلى أيتام الاستعمار وأذنابه.

إننا بحاجة إلى مثل الإمام الحسين الذي بَرَعَ في إذلال الطواغيت، واسكت أصوات المنافقين، وأقدم على الموت ليحيى، وأحجم عن الدنيا ليعز ويعظم ويخلد.

ألا يستحق مثل هذا الرجل الفذ والطود الشامخ والوتر الموتور والعزيز المهاب.. ألا يستحق أن تسخر كل وسائل الإعلام لتعرفه لأهل الدنيا جميعاً؟.

ألا يستحق منا أن نجعل كل طاقاتنا وإمكاناتنا في خدمة أهدافه ومبادئه (عليه السلام)؟.

إلا يجب أن يبشر له ولموافقة وأخلاقه وسماته وصفاته النبوية السامية؟.

ولندع الحديث عن خاتمة حياته الطاهرة، تلك الخاتمة التي اتسمت بالبطولة النادرة، والصلابة الغربية، ولنرجع قليلاً إلى الوراء لنقرأ في حياته تلك السمات الكريمة، والأريحية الموروثة عن أبيه وجده صلوات الله عليهم أجمعين، وتلك النزعة الدائمة إلى الخير والمعروف التي تأصلت في خلائقه الشريفة.

كان (عليه السلام) يدخل يوماً بستاناً لبعض شيعته، وكان بها غلام مملوك يعمل فيها دخل الحسين (عليه السلام) في البستان دون أن يلمحه الغلام، فوجد الغلام جالساَ يأكل طعامه، والى جنبه كلب جائع، يأكل الغلام لقمة ويطعم الكلب لقمة.. ففاجأة الحسين بالسلام عليه فقام الغلام، ورد على الإمام مرحبا به معتذراً إليه من عدم انتباهه لدخوله.. ولكن الحسين بادره بالسؤال: رأيتك تأكل لقمة وتطعم الكلب لقمة، وأنت لا تملك غير طعامك الخاص بك؟. فقال الغلام: سيدي أنا وهذا الكلب شركاء في العمل في هذا البستان فلا يصح أن آكل وشريكي ينظر إلي وهو جائع، فأطعمته مما رزقني الله لعل الله يرحمني بسبب هذا العمل.

فقال الحسين (عليه السلام) يا غلام: لقد اشتريت البستان واشتريتك، وجعلتك حراً لوجه الله ووهبتك البستان جزاء عملك النبيل، فقال الغلام: أما وقد مننت علي فإني أجعلها وقفاً للمؤمنين، وأظل أخدم فيها ما دمت حياً، ولا امنع أحداً عنها.

وذكر أرباب التاريخ: أن أعرابياً دخل على معاوية في حاجة له، فجعل معاوية، يماطله فيها ويؤجله عنها.. وذات مرة بينا كان الأعرابي عند معاوية، يستعطفه في حاجة إذ دخل رجل مهاب الجانب، بهي الطلعة، عليه سيماء الأنبياء ومهابة الصالحين فقام إليه معاوية إجلالاً وإكراماً له ثم أجلسه إلى جنبه، ولما استقر المجلس بالضيف الكريم سأل الأعرابي عنه فقيل له: هذا الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) فأسرع الرجل إليه مقبلاً يده راجيا إياه أن يتشفع له عند معاوية لقضاء حاجته، واستجاب له الحسين (عليه السلام) وكلم معاوية وتشفع له فيها فقضاها له. فتوجه الأعرابي إلى الإمام (عليه السلام) قائلاً:

أتيت العَبشَمي فلم يَجُد لي
إلى أن هزه ابنُ الرسولِ

هو ابن المصطفى كرماً وفخراً
ومن بطن المطهرة البتولِ

وان لهاشم فضلاً عليكم
كما فضل الربيعِ على المحولِ

فقال معاوية: أعطيتك وتمدحه؟! فقال الأعرابي: والله ما أعطيتني إلا من ماله، وما أغنيتني إلا من نواله.

وماذا عساي أن أقول في الحسين (عليه السلام) وقد قال عنه جده رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (حسين مني وأنا من حسين) وقال: (إن الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة) وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): (إن لكل شيء موقعاً في القلب وما وقع في قلبي مثل حب الحسن والحسين شيء) فقال بعض أصحابه: أوكل هذا يا رسول الله؟ فقال: (نعم وأكثر من هذا، إن الله أمرني بحبهما).

وأننا اليوم نتأسى برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في حزننا على أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) وأسفنا لما ناله من أمة جده وننظر إليه بكل الإعجاب والإكبار والتقديس والإجلال لأنه النموذج الوحيد في تاريخ البشرية الذي أعطى ربه ذلك العطاء السخي والبذل الوافر من حياته وحياة عترته وأهل بيته، صلوت الله عليه وعلى آله جميعاً
نسألكم الدعاء