شهداء شباب حي العامل
2013/11/02
أم تفارق الحياة حال سماعها استشهاد ولدها وخطيب يغادر الدنيا قبل زفافه بيوم
علي طارق بطل العراق والعرب بالجودو بين ضحايا التفجير
عشرات الشباب الشهداء الذين سقطوا اثناء التفجير الارهابي في حي العامل، قد لا تبدو قصصهم مختلفة عن أمثالهم في مدينة اخرى من مدن العراق، فالمجرم واحد والطريقة واحدة والهدف واحد، والدم عراقي يراق كل يوم، في وقت يبحث السفاحون عن المزيد من دون ادنى انسانية او رحمة، أم تتلوّى حسرة على ابن وحيد، وأطفال ودّعوا اباءهم عصراً بانتظار عودتهم في المساء حاملين لهم أحضانهم الدافئة وبضعة حلوى كما في كل مرة، وحبيبات لا أمل لهن بلقاء قريب مع أحبتهن الذين تقطعت أشلاؤهم ولم يعد أي أثر لمعالم تلك الوجوه الباسمة، وشاب كان يحلم بدخول الجامعة وتحقق حلمه بعد حين عندما دخلها جثة ممزقة، حكايات تتكرر ومآسي لم تجف ذكرياتها على امتداد سنوات تكالب على مشاهد القتل والتدمير شذاذ الآفاق واعداء البشر وأحفاد الحاقدين الذين لم يفقهوا من الدين سوى الثوب القصير واللحية الطويلة ومسواك معلّق في جيوبهم وثمة آيات قرانية فسروها بما ينسجم وعقائدهم المريضة، وأحاديث تم وضعها كذباً، وعمائم منحرفة تسللت الى المؤسسات الدينية في الداخل والخارج لكنها باعت دينها واشترت عبادة السلاطين والشياطين والدولارات على حساب اخوة في الانسانية والوطن والدين.
"الغد برس" كانت ضيفاً على أسر الضحايا، رغم حراجة الوضع وصعوبته، فانطلقت الكلمات من اعماق الشجن باكية تختلط بالاهات والشجن بعد ان اضنى النفوس فراق الاحبة وفلذات الاكباد، فراق زرع في قلوبهم الحسرة والألم، وفي عيونهم المزيد من الدموع والحزن، اسر تحكي قصة اهالي حي العامل في بغداد، بعد أن أودى التفجير الارهابي بنصف شباب المنطقة.
يقول هيثم سعدي، من اهالي حي العامل لـ"الغد برس"، "لم نكن نعلم اننا سندفع ثمن مشاهدة مباراة في مقهى نرتاده، شباب بعمر الزهور ، كنت حينها في مكان يبعد عن المقهى امتاراً قليلة عندما اصطدمت سيارة الانتحاري بواجهة المقهى واثناء خروج الشباب لنجدة السائق وعند تزاحمهم حوله قام بتفجير سيارته المفخخة الامر الذي ادى الى تناثر اجساد الشباب في الهواء ، بعدها سادت المنطقة حالة من الذعر والهلع جراء ما حدث".خمسون اسرة مفجوعة
ويروي جاسم نصار، صاحب مقهى انترنت، حكايته مع الحادث الارهابي اللعين بالقول "فقدت اثنين من اصدقائي في هذا التفجير الذي لا نعرف ما الأهداف التي ستتحقق من ورائه، شباب لم يحققوا ابسط حقوقهم الا انهم واجهوا العنف والتفجير في وقت يواجه شباب الدول التقنيات الحديثة والمتطورة وتحقق لهم كل الامور التي تجعلهم افضل بكثير من ما نحن عليه".
ويستمر نصار، وهو يستذكر الحادث بمنتهى الألم "أزهقت نحو خمسين روحاً وتيتًم عشرات الأطفال وترمًلت نساء"، مطالباً "الحكومة والجهات المسؤولة عن الملف الامني ان تقف وقفتها لحماية الشباب العراقي لاننا على ما يبدوا يراد لنا الانقراض من قبل من لا يريد لنا الحياة".
ويضيف مرتضى فرحان، صاحب مطعم شعبي انه "كان من الاجدر على القوات الامنية ان تقوم بواجبها تجاه الخارجين والداخلين الى المنطقة لكي لا تحدث مثل هكذا الحالات، فما ذنب شباب لم يتجاوز معظمهم الخامسة والعشرين وبينهم من يعيل اسر بأكملها فمن سيكون العون لاهاليهم بعد اليوم، ام سيكون حالهم مثل من سقط ودفن وانتهى، المسالة تحتاج الى مواجهة حقيقية لكي يتبين للجميع المسؤول عن هذه الاعمال التي لا تمت للدين والانسانية بأية صلة".البطل علي طارق
ويرى الحاج مظهر جاسب، الذي فاضت عيناه بالدموع على ما فقدته المنطقة من رياحينها، قائلا "يفترض ان لا تمر هذه الحادثة مرور الكرام، لا بل يجب محاسبة جميع من تثبت ادانته بهذا الجرم الذي افقد اكثر من خمسين اسرة عراقية معيلها وولدها وزوجها وابنها".
ويستذكر الحاج "حال الشاب سامر الفتلاوي المتزوج ولديه طفلة وهو المعيل الوحيد لاسرته، الا انه سقط شهيدا مع والده وابن عمته، واخيه الذي اصيب ويرقد في المسشفى من اثر الاصابة، الامر الذي اصاب العائلة بحالة من الانهيار".بينما تحدث ميثم علاء، صاحب أسواق غذائية، عن بطل العراق والعرب بالجودو علي طارق فيقول، إن "العراق خسر شبلا من أشباله جراء هذا التفجير الذي وقع في المقهى، ومنهم علي طارق الحاصل على العديد من الميداليات الذهبية أخرها من تونس، وأسرته التي مازالت الى لحظة كتابة الموضوع مصابة بانهيار عصبي ونفسي تام من وقع ما حدث".
ويضيف ميثم، أن "لسان حال أسرته يطالب الجهات المختصة من قوات الأمن والجيش بالكشف على الجناة الحقيقيين وزجهم بالسجن ليقتص منهم القانون، ندائي ورسالتي إلى كل من يحاول ان يزرع التفرقة بين العراقيين بأننا شعب واحد نرغب ونتطلع ونحب السلام ولن تثنينا هكذا اعمال بالرغم من خسارة الأعمام والأخوال والأشقاء".
قتلوا حلمه كما قتلوا ابناء منطقته
ويلفت فالح طالب، احد رواد المقهى، الى ان "من بين الشباب الذين سقطوا جراء هذا التفجير الغادر شاب جاء الى المقهى ليقوم بدعوة أصدقائه لحفل خطوبته، الا ان يد الغدر كانت قد سبقته الى المكان، وما ان وصل بدقائق حتى زف الى مثواه الاخير مقطع الاوصال تملأ ثيابه النقية الجديدة دماؤه الطاهرة، زغاريد الحزن طغت على مظاهر الفرح، قتل حلمه كما قتل ابناء منطقته، وفاضت روحه الى بارئها ليضاف الى سلسلة قوافل الشباب المغدورين يوميا على يد من لا يخاف ولا يرحم".
الأم تتبع إبنها الى الجنة
ولا يختلف علي سعد، احد اقارب الضحايا، عن غيره بمطالبة الجهات الامنية ان "لا تركن قضية حي العامل في رفوف النسيان، بل عليها ان تشكل لجاناً سريعة مهمتها الاولى معرفة من يرتكب ويمول القتل في عموم العراق". ويصف سعد اهالي المنطقة بأنهم في "حداد وحزن وغضب شديد على زهورها التي تقطعت، ومن بين الحالات التي تدمي القلب، الام التي سمعت بمقتل ولدها فانهارت ولفظت انفاسها الاخيرة فوق جثة ولدها، فنكبت العائلة بالام والابن".
وشهدت منطقة حي العامل انفجار سيارة مفخخة قرب مقهى شعبي اعقبه انفجار عبوة ناسفة، فيما قتل سبعة اشخاص واصيب عشرون اخرون بانفجار عبوة ناسفة في سوق شعبي في المنطقة نفسها، الامر الذي ادى الى استشهاد اكثر من 55 شابا وجرح 45 اخرين.
وينتهج تنظيم القاعدة اسلوباً جديداً منذ أكثر من أربعة أشهر يتمثل بتفجير سيارات مفخخة وعبوات ناسفة تستهدف تجمعات المدنيين بشكل شبه يومي، فضلا عن استهداف مؤسسات الدولة واغتيال المدنيين والموظفين والعناصر الامنية في سعي منه لإرباك الوضع الأمني، فيما تؤكد احصائيات تصدرها منظمات عالمية أن ما لا يقل عن 300 شخص يقتلون أو يصابون بالعوق في العراق شهرياً، بينما كان ضحايا شهر تشرين الاول الماضي الأشد منذ نيسان حيث قالت بعثة الامم المتحدة في العراق في بيان اصدرته في الأول من هذا الشهر، إن عدد الشهداء العراقيين بلغ (979) شهيداً، فيما أُصيب (1902) آخرون بجروح جرّاء أعمال العنف والإرهاب في شهر تشرين الاول المنصرم.
واضافت أن عدد الشهداء من المدنيين بلغ (852) شهيداً، بينهم (158) فرداً من الشرطة، فيما بلغ عدد المُصابين من المدنيين (1793)، من ضمنهم (218) فرداً من الشرطة، كما استشهد (127) عنصراً من قوات الأمن العراقية وأصيب (109) آخرون بجروح.
الغد برس