بسم الله الرحمن الرحيم
(الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ)
وإليكم شرح هذه الآيات من التوراة نفسها ؛ فقد جاء في سفر الملوك الثاني في الإصحاح السابع عشر ما يلي :
"وكان أنّ بني إسرائيل أخطأُوا إلى الربّ إلاهِهم الّذي أصعدهم من أرضِ مصر وانْتَقوا آلِهةً أخرى ، وسلكوا حسب فرائض الأمم الّذين طردهم الربّ أمام بني إسرائيل وملوك إسرائيل الّذين أقاموهم ، وعمل بنو إسرائيل سرّاً ضدّ الربّ إلاهِهم أموراً ليست بمستقيمةٍ وبنَوا لأنفسِهم مرتفعاتٍ في جميع مدنِهم مِن برج النواطير إلى المدينة المحصّنة ، وأقاموا لأنفسِهم أنصاباً وسواري على كلّ تلٍّ عالٍ وتحت كلّ شجرةٍ خضراء ، وأوقدوا هناك على جميع المرتفعات مثل الأمم الّذين ساقَهم الربّ مِن أمامِهم وعملوا أموراً قبيحةً لإغاظة الربّ ، وعبدوا الأصنام الّتي قال الربّ لَهم عنْها لا تعملوا هذا الأمر ، وأشهدَ الربّ على إسرائيل وعلى يَهوذا عن يد جميع الأنبياءِ وكلِّ راءٍ قائلاً ارجعوا عن طرقكم الردِيّة واحفظوا وصاياي فرائضي حسب كلّ الشريعة الّتي أوصيت بِها آباءكم والّتي أرسلتُها إليكم عن يد عبيدي الأنبياء ، فلم يسمعوا بل صلّبوا أقفيتَهم كأقفية آبائهم الّذين لم يؤمنوا بالربّ إلاهِهم ، ورفضوا فرائضه وعهده الّذي قطعَه مع آبائهم وشهاداته الّتي شهد بِها عليهم وساروا وراء الباطل وصاروا باطلاً وراء الأمم الّذين حولَهم الّذين أمرهم الربّ أن لا يعملوا مثلهم ، وتركوا جميع وصايا الربّ إلاهِهم وعملوا لأنفسِهم مسبوكاتٍ عجلين وعملوا سواري وسجدوا لِجميع جند السماء وعبدوا البعل، وعبّروا بنيهم وبناتِهم في النار وعرفوا عِرافةً وتفاءلوا وباعوا أنفسَهم لعمل الشرّ في عيني الربّ لإغاظته ، فغضب الربّ جدّاً على إسرائيل ونحّاهم من أمامه ولم يبقَ إلاّ سبط يَهوذا وحده ، ويَهوذا أيضاً لم يحفظوا وصايا الربّ إلاهِهم بل سلكوا في فرائض إسرائيل الّتي عملوها ، فرذّل الربّ كلّ نسل إسرائيل وأذلّهم ودفعَهم إلى يد ناهبين حتّى طرحَهم مِن أمامه ، لأنّه شقّ إسرائيل عن بيت داود فملّكوا يربعام بن ناباط فأبعد يربعام إسرائيل من وراء الربّ وجعلَهم يخطِئون خطيئةً عظيمةً ، وسلك بنو إسرائيل في جميع خطايا يربعام الّتي عمل ، لم يحيدوا عنْها ، حتّى نحّى الربّ إسرائيل مِن أمامِه كما تكلّم عن يد جميع عبيده الأنبياء فسبى إسرائيل من أرضه إلى آشور إلى هذا اليوم ."
قال الله تعالى في سورة المائدة :
(22 وإذْ قال موسى لِقومِهِ يا قومِ اذْكروا نعمةَ اللهِ عليكم إذْ جَعلَ فيكم أنبياءَ وجَعلَكم ملوكاً وآتاكم ما لمْ يُؤتِ أحداً مِنً العالَمينَ . 23 يا قومِ ادْخلُوا الأرضَ المقدّسةَ الّتي كتبَ اللهُ لكم ولا ترتدُّوا على أدبارِكم فتنقلِبوا خاسرِينَ 24 قالوا يا موسى إنّ فيها قوماً جبّارينَ وإنّا لنْ نَدخلَها حتّى يَخرجوا مِنها فإنْ يَخرجُوا مِنْها فإنّا داخلونَ . 25 قال رجلانِ* مِنَ الّذينَ يخافونَ أنعمَ اللهُ عليهِما ادْخلوا علَيهِمُ البابَ فإذا دخلْتُموهُ فإنّكم غالِبونَ 26 وعلى اللهِ فتوكّلوا إنْ كنتم مؤمِنينَ 27 قالوا يا موسى إنّا لن نَدخلَها أبداً مل دامُوا فاذْهبْ أنتَ وربّكَ فقاتِلا إنّا هاهنا قاعِدون 28 قال ربِّ إنّي لا أملكُ إلاّ نفسي وأخي فافْرقْ بيننا وبينَ القومِ الفاسِقين 29 قال فإنّها محرّمَةٌ عليهِم أربعينَ سنةً يتيهونَ في الأرضِ فلا تَأسَ على القومِ الفاسِقين .)
[*والرجلان هما يوشع بن نون وكالب بن يفنّة . ]
وإليك شرح هذه الآيات والقصّة من التوراة نفسها باختصار :
وذلك في سفر العدد في الإصحاح الرابع عشر قال بعد ما بعثوا جواسيس منهم يتجسّسون أرض فلسطين وخيراتِها ، فلَمّا رجع الجواسيس أخذوا في ذمّها لأنّهم خافوا من أهلِها فلم يتكلّموا بالحقيقة إلاّ رجلينِ منهم وهُما يوشع بن نون وكالب بن يفنّة تكلّما بالحقيقة . قال :
"فرفعت كلّ الجَماعة صوتَها وصرخت وبكى الشعبُ تلك الليلة ، وتذمّر على موسى وعلى هارون جميعُ بني إسرائيل وقال لَهما كلُّ الجماعة ليتنا متنا في أرض مصر أوليتنا متنا في هذا القفر، ولِماذا أتى بنا الربُّ إلى هذه الأرض لنسقط بالسيف ، تصير نساؤنا وأطفالنا غنيمةً ، أليس خيراً لنا أن نرجع إلى مصر ، فقال بعضهم لبعض نقيم رئيساً ونرجع إلى مصر .
فسقط موسى وهارون على وجهَيهما أمام كلّ معشر جماعة بني إسرائيل ، ويشوع بن نون وكالب بن يفنّة مِن الّذينَ تجسّسوا الأرض مزّقا ثيابَهما ، وكلّما كلّ جماعة بني إسرائيل قائلَينِ : الأرض الّتي مررنا فيها لنتجسّسها الأرض جيّدةٌ جدّاً جدّاً ، إن سُرّ بنا الربُّ يُدخِلْنا إلى هذه الأرض ويعطِنا إيّاها أرضاً تفيض لبناً وعسلاً ، إنّما لا تتمرّدوا على الربّ ولا تخافوا من شعب الأرض لأنّهم خبزنا ، قد زال عنهم ظلّهم والربّ معنا لا تخافوهم .
ولكن قال كلّ الجماعة أن يُرجما بالحجارة . ثُمّ ظهر مجد الربّ في خيمة الاجتماع لكلّ بني إسرائيل ، وقال الربّ لموسى حتّى متى يُهينني هذا الشعبُ ، وحتّى متى لا يُصدِّقونني بجميع الآيات الّتي عملتُ في وسطهم ، إني أضربهم بالوباء وأبيدهم وأصيّرك شعباً أكبر وأعظم منهم ، فقال موسى ... فإن قتلت هذا الشعب كرجلٍ واحدٍ يتكلّم الشعوب الّذين سمعُوا بخبرك قائلين : لأنّ الربّ لم يقدر أن يُدخلَ هذا الشعب إلى الأرض الّتي حلفَ لَهم قتلَهم في القفر ، فالآن اصفحْ عن هذا الشعب كعظمةِ نعمتك وكما غفرتَ لِهذا الشعب من مصر إلى هاهنا . فقال الربّ قد صفحتُ حسب قولك ، ولكن حيٌّ أنا فتُملأُ كلّ الأرض من مجد الربّ ، إنّ جميع الرجال الّذينَ رأوا مَجدي وآياتي الّتي عملتُها في مصر وفي البرّيّة وجرّبوني الآن عشر مرّاتٍ ولم يسمعوا لقولي لن يَرَوا الأرض الّتي حلفتُ لآبائهم ، وجميع الّذين أهانوني لا يَرَونَها ، وأمّا عبدي كالب فمِن أجل أنّه كانت معه روحٌ أخرى وقد اتّبعني تَماماً أدخلُه إلى الأرض الّتي ذهب إليها وزرعُه يرثُها .
وإذ العمالقة والكنعانيّون ساكنون في الوادي فانصرَفوا غداً وارتحَلوا إلى القفر في طريق بحرِ سوفٍ .
وكلّم الربّ موسى وهارون قائلاً : حتّى متى أغفر لِهذه الجماعةِ الشرّيرة المتذمّرة عليّ ، قد سمعتُ تذمّر بني إسرائيل الّذي يتذمّرونه عليّ ، قل لَهم حيٌّ أنا يقول الربّ لأفعلنّ بكم كما تكلّمتم في أذني ، في هذا القفر تسقط جثَثُكم جميع المعدودين منكم حسب عددكم من ابن عشرين سنة فصاعداً الّذين تذمّروا عليّ ، لن تدخُلوا الأرض الّتي رفعتُ يدي لأسكنكم فيها ما عدا كالب بن يفنّة ويشوع بن نون ، وأمّا أطفالكم الّذين قلتم يكونون غنيمةً فإنّي سأدخلُهم فيعرفون الأرض الّتي احتقرتموها ، فجثَثُكم أنتم تسقطُ في هذا القفر ، كعدد الأيّام الّتي تجسّستم فيها الأرض أربعين يوماً للسنة يومٌ ، تحملون ذنوبكم أربعين سنةً فتعرفون ابتعادي ، أنا الربّ تكلّمتُ لأفعلنّ هذا بكلّ هذه الجماعة الشرّيرة المتّفقة عليّ ، في هذا القفر يفنون وفيه يَموتون ."
__________________________________
المصادر
القرآن الكريم
الكتاب المقدس
كتاب الخلاف بين التوراة والقرآن لمحمد علي حسن