(يَهْدِي اللهُ لنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ) ماذا تعني؟
سؤال: هل أن الله يهدي من أراد هدايته ولا يهدي من لم يرد هدايته؟ أو هل الهداية الإلهية المبتنية على اساس الحكمة تشمل أولئك الذين شملتهم مشيئة الله فقط؟
الجواب: مشيئة الله تتبع حكمة الله دائماً، والحكيم يهدي وفق محاسبات لا اعتباطاً.
إن هذه الهداية الالهية شملت سلمان الفارسي الذي طوى مسافات شاسعة بين ايران والمدينة وتحمَّل المشاق والمتاعب الكثيرة لأجل لقاء الرسول وقبول دينه، وقد كان من أوائل المسلمين الذين لبّوا دعوة الرسول وبقى على عقيدته وصمد وقاوم ودافع عنها حتى آخر لحظات عمره الشريف.
ولم تشمل هذه الهداية أمثال أبي لهب وأبي سفيان; لأنهما كانا إلى جنب الرسول وكانا يرانه كل يوم ويسمعان حديثه وآيات الله، ولم يزدهما ذلك إلاَّ عصياناً ولجاجاً ومقاومة لهذا الدين.
من الواضح أن شمول أو عدم شمول الهداية لم يكونا اعتباطاً بل كانا عن حكمة، فقد تحمَّل سلمان المشاق والمتاعب الوافرة لأجل هذا الدين، وتحمَّل عبء العبودية والرق مرات عديدة وتحمَّل التعذيب، ولم تثبّط هذه الاُمور عزيمته على لقاء الرسول، فكان جديراً للهداية حقاً، أما العصاة المتعصّبون وعبدة الأهواء والمغرورون، فكان التعصّب والغرور واللجاجة قد ضرب بينهم وبين نور الايمان ستاراً يمنع من نيلهم من هذا النور، فكانوا دون نصيب منه.
لا يمكن للأعمى أن يهتدي بنور الشمس مهما كان قوياً، وهذا ليس لنقص في نور الشمس بل لسقم في عينيه.
والخفاش إذا كان يعيش في الظلام ويهرب من نور الشمس سعياً وراء الظلمات فلأجل أنه غير جدير ولا مؤهَّل لنور الشمس، بل ذلك هو شأنه.
النور نور مهما كان، وما علينا هو إعداد أنفسنا للاستلهام منه، فنتجنّب الرذائل الأخلاقية لكي نكتسب أهليه الهداية الالهية.
إذن، الآية: (يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ) تعني: يهدي الله لنوره من وجدت فيه الأهلية والجدارة.
والآية: (وَاللهُ بكُلِّ شَيء عَلِيمٌ) تعني: الله عالم بمن تحققت فيه هذه الجدارة فيهتدي ومن لم تتحقق فيه فلا يهتدي بل يُحرم من الهداية. وبتعبير آخر: لا يتوفّق الانسان لعمل إلاَّ إذا عشقه، ولو أراد الانسان الهداية الإلهية فعليه أن يحب الله ويترك الأهواء واتّباع الشيطان.
شكى شخص عند أحد العظماء بأنه لم يُوفّق لرؤية صاحب الأمر والزمان (أرواحنا وأرواح العالمين لتراب مقدمه الفداء) حتى في المنام، رغم حبه إياه وعشقه الوافر له.
فقال له العالم: أدلّك على طريق يبلغ بك إلى الرؤية، كُل هذه الليلة طعاماً مالحاً جداً ونم دون أن تشرب ماء بعده.
عمل هذا الشخص بوصفة هذا العظيم، فنام عطشاناً، وقد سرق العطش منه النوم إلاَّ أنه كان ينام بين الحين والآخر وكلَّما نام شاهد في المنام ماءً وأنهاراً ومنامات تتعلَّق بالماء فقط ولم يرَ في المنام شيئاً غير الماء. وفي الصباح استيقظ وقال مع نفسه: عملت بوصفه ذلك الرجل ولم أرَ إلاَّ الماء، فذهب وحكى له ما جرى، فأجاب ذلك الرجل: إنك كنت أمس عطاشاً ومشتاقاً للماء حقاً فما رأيت في منامك غيره، ولو كنت مشتاقاً لرؤية الحجة بن الحسن حقاً (عجل الله فرجه) لرأيته.
يناسب بحثنا رواية وردت عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقد قال في طعم الإيمان: «ثلاثٌ مَن كنَّ فيه ذاق طعم الإيمان، مَن كان لا شيء أحبُّ إليه من الله ورسوله، ومَن كان لإنْ يُحرَق بالنار أحب إليه مِن أنْ يرتدَّ عَن دينه، ومن كان يحبُّ لله ويُبغض لله»(1).
وجود هذه الثلاثة في الانسان يعني الالتفات والتوجّه الخالص لله لا للزوج والأولاد والأهواء والجيران والأصدقاء والمعارف، كما تعني اختيار الانسان الحرق بالنار فيما لو خُيِّر بينه وبين البقاء على دينه، كما تعني أن لا يعادي إلاَّ مَن أراد الله معاداته وان لا يحب إلاَّ من أحبه الله، أي أن علاقاته تبتني على حبّ الله وبغضه، عندئذ يذوق الانسان طعم الإيمان وحلاوته.
وهناك رواية اُخرى يقول فيها الرسول (صلى الله عليه وآله):
«مَن كَانَ أكثرُ همّه نيل الشهوات نزعَ من قلبه حلاوة الإيمان»(2).
أمثال القرآن
تأليف آية الله العظمى مكارم الشيرازي