بسم الله الرحمن الرحيم
{أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ }البقرة 214
الصدمة(Traumatic). هذه الكلمة لها تأثيرات متعددة وشاملة وخاصة التأثيرات التي تحدث خلال الأحداث المعروفة لنا مثل: الحروب، والاغتصاب، وسوء المعاملة، والصدمات التي تحدث نتيجة صدمة عاطفية معينة، أو نتيجة صدمة نفسية معينة وذلك خلال المراحل الحياتية للفرد وما لها من آثار نفسية وعاطفية لدى هذا الشخص وقد تؤثر عليه خلال المراحل الحياتية اللاحقة من حياته أي (المستقبلية أو حتى الحاضرة).
ولقد تغيرت القدرة على فهم مضمون الصدمة النفسية وكذلك الصدمة النفسية والعاطفية وذلك لأن الصدمة النفسية والعاطفية لا تحدث فقط بعد انتهاء فترة من الحروب المتتالية ولا بسبب فقدان شخص عزيز بل هي تشمل الأذى الجسدي وكذلك النفسي والأذى الجنسي لأن ذلك يشكل نوع من الصدمة النفسية للفرد وذلك لفترة طويلة وقد تحتاج إلى فترة من العلاج النفسي للفرد ، وتحتوي الصدمة النفسية بالأخص الصدمة العاطفية على العديد من المراحل المتلاحقة والمتقاربة وهي بأن يكون وقوع الحدث بصورة غير متوقعة، وبأن يكون الشخص غير مستعد لوقوع مثل هذا الحدث ، أو أن يعمل جاهدا الفرد على منع وقوع مثل هذا الحدث ، ولكن لا يعرف الفرد كيفية حدوث مثل هذه الظروف، لأن الشخص ببساطة لا يعرف متى يتم وقوع مثل هذه الأحداث المزعجة والتي قد تكون مؤلمة للفرد والتي قد تترك في أكثر الحالات أزمة نفسية مؤلمة وبالتالي هذه الأزمة قد تترك آثارا بسبب وقوع الحدث المؤلم غير المتوقع .
وبصراحة شديدة مثل هذه الأحداث الحياتية المؤلمة قد تسبب رد فعل عاطفيا مؤلما وذلك من بعد حدوث الصدمة النفسية لدى الفرد وذلك يكون بدرجات متفاوتة ما بين الأفراد والسبب ببساطة يعود إلى : شدة الحدث ، درجة تحمل الفرد للصدمة ، مهارات التعامل مع الحدث من قبل الفرد ، دعم العائلة للفرد ، والعامل الأهم ألا وهو قدرة الفرد على تجاوز هذه المرحلة المؤلمة من حياته.
أما بالنسبة لأعراض الصدمة النفسية ، وقد تكون هذه الأعراض جسدية وقد تكون نفسية وعاطفية في آن واحد ، وقد تكون إدراكية، وهذه الأعراض وبمختلف أنواعها تختلف شدتها وتأثيرها وذلك يعود حسب درجة تحمل الفرد وللحدث المؤلم ، وكذلك إلى نوع الحدث الذي تعرض إليه الفرد ، وبالنسبة للأعراض الجسدية قد تنتج عنها العديد من المضاعفات ألا وهي: اضطراب في الأكل ، اضطراب النوم ، ضعف جنسي .
ومن الناحية النفسية / العاطفية وتنتج عنها الأعراض الآتية ومنها: القلق، الكآبة ، البكاء التلقائي، الغضب والاستياء، وكذلك البرود العاطفي تجاه الأشخاص الآخرين، ومن الناحية الإدراكية وينتج عنها ما يلي : التسرع في اتخاذ القرار ، قلة التركيز، النسيان بصورة تدريجية وسريعة ، وضعف الذاكرة ، ومحاولة الابتعاد عن الحالات التي تشبه الحدث الذي حصل مع الفرد.
وقد تكون الصدمة النفسية والعاطفية بعدة أشكال قد تكون طويلة الأمد ، أو تأثيرات قصيرة الأمد ، وقد تكون كاضطرابات ما بعد الصدمة(P.T.S.D) ، وهذه الاضطرابات هي من أقوى أشكال الاضطرابات ذات الأثير بصورة قوية على الفرد وذلك من حيث استرجاع ذكريات الحدث المؤلم لدى الفرد وهذا الاسترجاع يحدث من خلال استرجاع الأحداث المؤلمة لدى الظروف أو المواقف أو حتى التجارب التي تعرض لها الفرد من حيث استرجاعها بصورة حيوية وذلك وكأن الفرد يعيش الحدث بصورة جديدة وذلك لمدة ثوان حتى الدقيقة على الأكثر.
ففي هذه الحالة يأتي دور الأهل والأصدقاء لمساعدة الفرد حتى يتخلص من هذه الفترة المؤلمة من حياته وهي بالفعل فترة مؤلمة لأنها تؤثر على الشخص من ناحية نفسية ومن ناحية صحية، وكذلك من ناحية نظرته للأمور سواء الحاضرة أم المستقبلية، فلا بد من مساعدة الفرد للتخلص من هذا الحدث الذي يكتنف الفرد وذلك من خلال : إعطاء الفرد فرصة لوصف الحدث الذي حصل معه، وإعطاءه فرصة للتعبير عن مشاعره وذلك بدءا من بداية الحدث حتى انتهائه فيما بعد.
والأهم من ذلك لا بد من تقديم العون والمساعدة والدعم النفسي والمعنوي للفرد وذلك لتجاوز هذه المرحلة المؤلمة من حياته وذلك حتى لاتترك آثارا مستقبلية لديه ، وأيضا والأهم من ذلك كي لا تكون كجزء من شخصية الفرد بحيث ينعكس على تعامله مع الآخرين وعلى دافعيته في المستقبل ، ولا بد بأن نساعد الفرد لممارسة مختلف الأنشطة التي تساعد على التخفيف من حدة الصدمة لديه مثلا عن طريق ممارسة رياضة الاسترخاء العضلي والجسدي للفرد لفترة وجيزة من الوقت مع التنفس بعمق، وكذلك الأنشطة الجماعية تساعد الفرد على عملية التفريغ وتجاوز المرحلة التي يعيشها الفرد.
فلا بد بأن يكون لدى الفرد قابلية للتغيير والخروج من هذه المحنة خلال فترة وجيزة والعمل على تشجيع ذاته وتقوية إرادته بنفسه والتعلم من هذا الحدث للمستقبل بأن يؤثر عليه من ناحية ايجابية وأخذ هذا الموقف كتجربة يتعلم منها خلال حياته المستقبلية لأنه بصراحة التأثير الأكبر لتخلص الفرد من هذه الأزمة هو الفرد ذاته ومساعدة وتقوية ذاته للخروج منها بدون أية آثار سلبية تنعكس على تصرفاته وسلوكياته ، فجميعنا نمر بأزمات نفسية أو حتى مواقف حياتية مؤلمة في حياة الفرد ، وهذا يساعد الفرد للخروج من الحدث كونها الحياة مدرسة ، فالحياة عبارة عن تجارب ومواقف يتعلم من خلالها الفرد الكثير الكثير.
تحياتي للجميع