حياة زوجية بلا مشكلات




زوج متسلط.. زائغ العينين.. حاد الطبع.. زوجة متطلعة.. متمردة.. صفات قد يجدها الزوج في زوجته، وقد تجدها الزوجة في زوجها بعد أن
يضمهما عش الزوجية، ونتساءل: هل يمكن أن تتغير هذه الصفات مع العشرة ؟ وهل يستطيع كل طرف أن يؤثر في الآخر؟
وإن لم يحدث هذا، فكيف يتكيفان مع بعضهما البعض؛ لتسير سفينة الحياة؟
هذه الأسئلة وغيرها طرحناها على الدكتورة صفية عفت - رئيسة قسم الطب النفسي بجامعة عين شمس - من خلال هذا الحوار.
شخصية الزوجة
- هل هناك صفات تستطيع الزوجة أن تتحملها في زوجها أو أن تتقبلها كما هي ؟
هذا الأمر يتوقف على شخصية الزوجة نفسها، وعلى مدى التوافق بينها وبين زوجها، كما يتوقف على صفات الزوج السلبية ونوعيتها، فهناك صفات قد تحتملها النساء، وأخرى لا تستطيع تحملها، وكل هذه الأمور مرتبطة بمدى قدرة المرأة على مواجهة العقبات واستعدادها للبحث عن أساليب للتعايش السلمي، واستمرار الحياة الزوجية، وتحقيق السعادة، فلو كانت العلاقة بين الزوجين ودية دافئة فسوف تنجح المرأة في التكيف مع هذه العيوب.
فمثلاً - فيما يخص الزوج البخيل - هناك بعض الزوجات قد يحتملن بخل الزوج، على الرغم من معاناتهن من التضييق عليهن في نفقات المعيشة الضرورية، وربما تعوض هذا التضييق بوسائل أخرى للإنفاق، وفي حالة ما إذا كان لديها مصدر دخل آخر، فإنها تستعين به لمواجهة متطلبات المعيشة، أو تحاول الاستغناء عن كل ما هو أقل أهمية، فتتصرف بذكاء في نطاق المتاح لها، وهذا أمر نسبي يختلف من سيدة لأخرى، وعلى الجانب الآخر نجد زوجة أخرى لا تقبل هذا العيب، ولا تستطيع أن تتواءم معه، في حين أنها إذا بحثت عن جوانب أخرى إيجابية لدى الزوج سوف تجد الكثير، ولكنها لا تريد بذل الجهد، وربما تكون النتيجة أن تسعى للانفصال.
التكيف والاندماج
- ماذا تفعل الزوجة إذا اكتشفت بعد الزواج أن زوجها كذاب، أو ذو شخصية متسلطة؟
من المتعارف عليه في بداية الحياة الزوجية أن كلا الزوجين يبدأ في محاولة التعرف على سمات شخصية شريكه، وهذا يستدعي أن يكون لدى كل منهما القدرة على تقبل عيوب الآخر، التي قد يكتشفها، ويجاهد نفسه للتكيف معها، ومن ناحية أخرى عليه أن ينظر ببصيرة إلى داخل نفسه؛ ليتعرف أيضًا على ما به من صفات سيئة، ويحاول الإصغاء الجيد لما يوجهه له شريكه من نقد أو اعتراض على سلوكٍ ما يأتي به، أو إبداء ملاحظة على طريقة تفكيره، وهكذا، فلابد من المصارحة بكل ما يعتري الأحاسيس بشكل دائم، الأمر الذي يمكنهما من التواصل، بل والاندماج العاطفي، وعلى كل منهما أيضًا أن يكون مستعدًا لتغيير ذاته وقبول الآخر كما هو.
- هل القبول الذي تتحدثين عنه يكون بشكل مطلق، أم لحين إحداث تغيير؟
بالطبع لابد من الصبر لفترة زمنية ليست قصيرة، حتى يحدث هذا التغيير، فقد أثبتت الدراسات أن الخمس سنوات الأولى من الزواج تكون عرضة للتقلبات والخلافات، وأيضًا الفشل، ولذلك نقول: إن المدى الزمني عامل مهم حتى يستطيع كلا الزوجين تغيير بعض طباعه غير المرغوب فيها، ومن ثم الحفاظ على الروابط الزوجية، وعلى كل زوج أيضًا أن يتواءم مع العيب الذي لم يستطع تغييره في شريكه، وهذا غالبًا ما يأتي بالممارسة والتعود، بالإضافة إلى إقناع النفس بالتنازل عن شيء من المثالية التي ينشدها في شريكه، والصبر على خطوات التغيير، وعمليًا فإن تغيير الصفات الشخصية يستلزم وقتًا، ولكن في بعض الأحيان يسيطر الغرور والدوافع النرجسية على الإنسان، فنراه يرفض التنازل أو استيعاب الآخر.
ومن خلال خبرتي ودراساتي، أؤكد أن ذلك يعد السبب الرئيس في ارتفاع نسب الطلاق في السنوات الأولى من الزواج.
- إذن، ما دور الطرف الآخر أثناء رحلة التغيير؟
إن دور الشريك الأساسي هو الإشادة بكل محاولة ناجحة، فمثلاً عندما يطلب زوج من زوجته شيئًا معينًا، مثل (تهيئة المنزل عند عودته من العمل)؛ ليشعر بالراحة والاطمئنان، فهنا يبدأ دورها في تحقيق طلبه؛ لكي ترضيه، وسوف تنجح مرات وتفشل مرات أخرى، وعليه أن يتغاضى عن بعض مرات الفشل، الأمر الذي يجعلها تصر على تحقيق النجاح.


زائغ العينين

- زوج زائغ العينين.. هل يمكن استمرار الحياة الزوجية معه؟
أقول: إنه لابد من مواجهة هذا الزوج بما يصيب زوجته من تلك التصرفات، فإذا علل ذلك بأنها هي السبب، وأنها مهملة في مظهرها أو أية أشياء أخرى! فواجبها في هذه الحالة محاولة سد الثغرات بأن تهتم أكثر وأكثر بنفسها؛ حتى تغلق أمامه باب المبررات التي يتذرع بها.

مسؤولية مشتركة

- هناك من لا تجيد فن المواجهة ولا تستطيعه، ومن ثم فهي تندفع باتخاذ القرار دون إظهار أسبابه للزوج؟
من الخطأ القيام برد فعل دون إعلام بأسبابه؛ لأنه من حق كل منهما معرفة التفاصيل عن الآخر؛ حتى تزيد الألفة والمودة والدفء بينهما؛ فإن نجاح الزواج هو مسؤولية اطرفين.
- تلام المرأة دائمًا عند فشل الزواج، ويصفها البعض بأنها مثل “إكصدام “السيارة، أي عليها أن تتحمل كافة المشكلات، فماذا رأيك في ذلك؟
أرى أن العبء يقع على الطرفين وليس على طرف دون الآخر، فكل منهما عليه أن يبذل الجهد المناسب لاستمرار هذا البناء الجميل، وغير صحيح القول بأنها هي الوحيدة المسؤولة عن الفشل؛ لأن ذلك فيه ظلم لها.
- كثير من الرجال قليلو الكلام، فما موقف الزوجة من زوجها الكتوم، الذي لا يفصح عما بداخله؟
عليها أن تتحدث معه عما تشعر به من قلة حواره معها ، وما يسببه لها من إحساسها بعدم ثقته بها أو شعورها بعدم حبه لها، وتحاول السير في هذا الاتجاه مرات متتالية بطرق مختلفة وبأساليب متنوعة، فإذا نجحت كان خيرًا، وإذا لم يحدث سوى تغيير طفيف، فعليها أن ترضى بقدرها، وأنصحها بعدم التفكير في الانفصال إلا إذا استحالت العشرة، فحينئذٍ يكون الطلاق هو الحل الوحيد.
ولكننا أصبحنا نستسهله، ومرجع ذلك هو ضعف الوازع الديني، والذي يُعد عاملاً مهمًا لنجاح أية زيجة؛ ذلك لأن التعاليم الدينية دائمًا ما تحث الإنسان على الرضا واحتواء الآخرين، والأهم الصبر على المكاره، فلو قوي هذا الوازع لاستطاع كلا الزوجين هضم عيوب الطرف الآخر والصبر عليها، أما إذا ضعف هذا الوازع سيصبح رد الفعل وسيسود التفكير بالمنطق الدنيوي، مما يُضعف قدرة الزوجين على التحمل، حتى مع أبسط المشكلات.

- ارتفاع نسبة العنوسة أدى بالفتاة إلى التنازل عن معايير أساسية في الاختيار، سواء كانت معايير ثقافية أو اجتماعية، فهل ترين أن ذلك أسهم في زيادة حالات الطلاق؟
لابد في البداية أن نبحث عن أسباب العنوسة، حيث نجد أن جل اهتمامات الفتاة عند الاختيار أو المفاضلة هي المادة، وما سوف تحيا فيه من رَفَاهٍ، وهذا ما دفعها لرفض كل متقدم ليس بمقدوره تحقيق أحلامها المادية، بل وأحلام أهلها أيضًا! فغالبًا ما يكون الشاب المقبل على الزواج في بداية مشواره العملي، فتكون إمكاناته محدودة، وبالتالي ترفضه من في ظروفه نفسها، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع سن الزواج، وهنا تجد الفتاة نفسها مطالبة بالتنازل عن مواصفات أساسية لنجاح العلاقة، كما أن قدرة الفتاة على التواؤم والتوافق مع شريك الحياة يقل كلما تقدمت في العمر، لذلك تفشل كثير من الزيجات.
وفي هذا الصدد، فأنا أشجع وأدعو إلى الزواج المبكر، ولا أرحب إطلاقًا بتلك الحملات التي تنادي بتجريم الزواج المبكر تحت أية مبررات؛ فهم يضعون لنا قوانين لا تتلاءم مع مجتمعاتنا، ولا مع الفطرة البشرية السوية، والأمر نفسه بالنسبة للشاب، فكلما تزوج مبكرًا تصبح قدرته على الكفاح في الحياة أعلى بكثير.