النتائج 1 إلى 5 من 5
الموضوع:

مظاهر وظواهر نوعية في الشعر العربي ــ القسم الأول ــالأستاذ جواد دوش

الزوار من محركات البحث: 28 المشاهدات : 559 الردود: 4
جميع روابطنا، مشاركاتنا، صورنا متاحة للزوار دون الحاجة إلى التسجيل ، الابلاغ عن انتهاك - Report a violation
  1. #1
    عضو محظور
    تاريخ التسجيل: July-2013
    الجنس: ذكر
    المشاركات: 258 المواضيع: 71
    التقييم: 82
    آخر نشاط: 22/March/2023

    مظاهر وظواهر نوعية في الشعر العربي ــ القسم الأول ــالأستاذ جواد دوش

    مظاهر وظواهر نوعية في الشعر العربي ــ القسم الأول ــ

    • ‎كاتب أدبي وسياسي معروف‎








    November 12, 2011 at 12:32pm

    الشعر كحقل من حقول الفنون المعبرة والمؤثرة في حركة السياق التاريخي و الإجتماعي للتطور ، وكإطار عريض للأفكار والأحاسيس والوجدان والتخيل والرؤى ، لابد أن تشكل الأحداث والأنعطافات والتحولات الجذرية وآثارها رفداً وأفرازاً هائلاً على مجراه وأشكال التنقلات الحاسمة في بناء موضوعاته وآفاقه .. وإذا التاريخ عموماً هو " التغيير " فإن تاريخ الشعر ــ كما جاء في إحدى الدراسات النقدية ــ : هو و " أشكاله الجديدة " وما يدخل فيها من قفزات وتغييرات ومذاهب ، أو مايطرأ عليها من مد وجزر أيضاً ..
    والشعر العربي منذ ظهور المعلقات الجاهلية وفي ظل سيادة نظم خاصة تحددت بهيكل معين يقوم على تنوع الأغراض الشعرية ووحدة الإيقاع والقافية في القصيدة ــ أي وحدة البيت ــ ، لم يكن عاقراً ببروز أشكال وظواهر أخرى ــ بجانب المعلقات ــ ذات خلفيات إجتماعية مهمة وقفت في مواجهة سلطة القبيلة وقوانينها . فظهور الصعاليك كان بلا شك رد فعل لهذه السلطة وجبروت وترف الأغنياء ، ومغزى عميقاً ذا دلالات واعية لتمرد مجموعة من الشعراء والتفافهم حول بعضهم ، مشكلين بذلك وحدة إجتماعية من هؤلاء الذين " نبذتهم " قبائلهم بسبب لونهم أو كون أمهاتهم " إماء سوداء " ومتبنين بنفس الوقت نظاماً خاصاً خارج حدود العصبية بلا سيد أو مسود ، يؤمن بالعدالة والتعاون والشراكة الإجتماعية ...
    ولعل ما جهر به الصعاليك في عصر سلطة البطون ولأفخاذ القريشية ، وما تمخضت عنه مواقفهم المتمثلة في أشعار " عروتهم " عروة بن الورد ، ولامية الشنفرى وغيرهما ، ومن ثم تنقلهم وعدوهم المضني في الصحراء ، وحياتهم الشاقة القاسية ، جاء ليعطي هذه الظاهرة بعداً مؤثراً ، طالما جوبه بالإهمال والنسيان والتغافل ــ أنْ لم نقل التحامل ــ من سدنة التاريخ السلفي للأدب .
    كما برز في هذا العصر وعصر صدر الأسلام أطار " أخلاقي " معيَّن مثله شاعر الهجاء المخضرم " الخطيئة " هذا الإطار الذي حمل أوجهاً متعددة وتناقضات غير عادية لطريقة " ما " في الحياة أثارت كثيراً من التساؤلات والتحليلات ، بغض النظر عن الأثر الذي خلفته ، أو المواقف التي إرتهن الشاعر و "لسانه " الذي " أسكت " الناس ــ على حد وصف الخطيئة نفسه في رده على سؤال لحسان بن ثابت ـ ..
    ومن جانب آخر فإن تمرد وثورة عنترة بن شداد العبسي ومن ورائه العبيد ضد سادة القبائل ، من أجل حرية وكرامة الملونين ، كان عملية تحول إجتماعي مهمة ، وركيزة فكرية جديدة تعززت بقتال المضطَهدين لنيل حقوقهم الإنسانية ، فترسيخ تلك المثل لاحقاً ...
    إنَّ تلك المظاهر والظواهر ، رغم أنها قد أحدثت هزات ما ، وتطرقت الى الجانب الإجتماعي بأشكل متباينة ، ولكنها بقيت تدور في النظم الإتباعية المعروفة للقصيدة الجاهلية ، ولم تتجاوزها .. وفي هذا الإطار الإتباعي تُدرج أيضاً المدرسة " الحولية " أو " الشعر المحكَك " وروادها " زهير بن أبي سلمى ، وكعب بن زهير والخطيئة وآخرون " مع أنها أدخلت تطوراً نسبياً على القصيدة ، بخروجها متكاملة بعد مرور عام على نظمها من خلال تهذيبها وتثقيفها ، أي بمعنى دخول الصنعة على الشعر .. وقد جاءت هذه المدرسة التي إستمرت لفترة غير قليلة في عصر صدر الإسلام ، لترافق ولادة الشعر الديني للمؤمنين بعد الأفكار الجديدة التي بشر بها الدين الإسلامي وكفاح الشعراء ضد مخلفات الجاهلية التي وقف منها الإسلام موقف النقيض .لقد إستفاد الشعراء هنا وهم في غمرة حماسهم للدفاع عن المثل والأفكار للدين الجديد من القرآن كمعين فكري ولغوي وإجتماعي ، وأرضية للتبشير ومقارعة مناوئي الدعوة الروحية . إلاّ أن تلك الموضوعات الوليدة والجديدة على أهميتها لم ترافق تغييراً مؤثراً يُذكر في أطر المواصفات الفنية للهيكل القديم ــ ولعل " بردة " كعب بن زهير المشهورة في مدح الرسول خير مثال على ذلك ..
    وبدخولنا العصر الأموي حيث إحياء ونشاط الإستقراطية القريشية وإستعادة مواقعها من جديد . فصراع وتناحرات الأحزاب والمذاهب ، نكون أمام ولادة وتطور نوعين مهمين من أنواع الشعر هما الشعر السياسي، والشعر الغزلي . كما إن إتساع ظاهرة " النقائض " بين جرير و الفرزدق والأخطل في سوق " عكاظ " كان إفرازاً آخر لحالة هذا العصر والمساجلات التي دارت بين العلويين والأمويين .
    رغم أنها من طرف آخر صبت في منحى الإلهاء الجماهيري الذي إستغلته الأدوات الحاكمة ودفعت بإتجاه شحنه وتضخيمه .. وبجانب النقائض تستعيد حركة الصعاليك الفقراء الناقمين والمنادين بالعدالة الإجتماعية حيويتها ممثلة بقصائد " مالك بن الريب " ..
    وبنجاح الثورة العباسية عام 750 م وقيام الحواضر العربية والإسلامية وبروز دور المدينة على أنقاض البداوة والعصبية ــ إلاّ مظاهر طفيفة من تعصب بعض الشعراء لقبائلهم ــ ، ثم التطور السريع والشامل الذي أحدثته الدولة الجديدة ــ بعد إستقرارها ــ على صعيد العلوم والآداب .
    وخاصة بين القرنين الثامن والعاشر ، يكون الشعر هو أيضاَ قد خطا خطوات نوعية مهمة توجت بحركات ونقلات تجديدية سواء في نظم القصيدة الفنية أو موضوعاتها ..
    وإذا كانت ولادة " العروض " في بداية القرن الثامن على يد العالِم اللغوي " الخليل بن أحمد الفراهيدي " قد شكلت طوراً مهماً في تقنين موسيقى الشعر بوضع ضوابط و أسس له من خلال الأوزان الخمسة عشر ، والتي زاد عليها " الأخفش الأكبر " واحداً آخر لا حقاً لتصبح ستة عشر ، ثم تحديد ثماني تفعيلات رئيسية يقوم عليها الشعر العربي ، فإلتزام الشعراء بذلك .. إلاّ أن هذا لايعني إن شعراء العصر الأول لم يضيفوا شيئاً أو يأتوا بجديد ليلائم التغييرات التي أصابت المجتمع والدولة ، وإنعكست آلياً على الشعر . لذا جاءت ولادة مجموعة الشعراء المجددين " المولِّدين " ــ أبي تمام ، وأبي نوّاس ، وأبي العتاهية ، وبشار بن برد وآخرين ــ ثورتهم على مواصفات القصيدة الجاهلية ونظامها القائم على تعدد الأغراض الشعرية والوقوف على الأطلال ، كمحصلة طبيعية من محصلات العصر ، وبقدر ما أصبحت هذه الحركة ظاهرة بتجانسها وأفكار الحياة الجديدة وما تخللها من رفد وتفاعل فكري وثقافي ، فإنها تكون قد ترسخت بآفاق تغيير عميقة . إذ أنها ليس مجرد تطور عابر بل تجربة وأفق شعري جديد . لقد وقف شعراء هذه المدرسة موقف السخرية من الشعر القديم ، ومن هؤلاء الذين مابرحوا يكتبون عن الأطلال والبكاء عليها في العصر الجديد . منها سخرية أبي نواس بقوله : " قل لمن يبكي على رسم درسْ ،،، واقفاً ما ضرَّ لو كان جلسْ "
    وكثيراً ما إستفادوا من القرآن وروح العصر والحضارة في الدفاع عن مذهبهم في الشعر وصورهم وافكارهم ومعانيهم التي بدأت وقتئذ غير مألوفة و " غريبة " . كما أعادوا بنفس الوقت " الأعتبار " للشعر ضد هؤلاء الذين رؤوا فيه عنصر " فحش وضلالة " . وإتجه آخرون للإسترشاف من الفلسفات وتنوع الثقافات كأبي تمام ، والى التصوف ومفاهيم الزهد كأبي العتاهية .
    ورغم أن شعراء هذه المدرسة أرتكنوا لعروض " الخليل " وأوزانه ، إلا أن محاولاتهم في مواجهة " وحدة البيت " ـ ولو بحدود معينة ــ شكلت قفزة في تطور القصيدة العباسية . حتى وصل البعض منهم حد التمرد على هذه الأوزان ، والكتابة على بحور أخرى ، أو أبتكار أوزان جديدة .لقد جوبهت ولادة هذه المدرسة بمواقف متعارضة ومتباينة من قبل النقاد واللغويين . فمنهم من ناصرها مقيِّماً ، كقول " أبي هلال العسكري " وتأكيده على : " حق الشاعر بإختيار صوره وألفاظه " . أو دفاع " الجاحظ " و " الصولي " ضد تحامل " الآمدي " وموقفه الهجومي من هذا الجديد ، و إدعائه ب " قصور " الصنعة عند شعرائه . كما رافق هذا الجديد في العصر الأول والعصر الذي ولاه دراسات لغوية ومنهجية ونقدية ساهمت في إغناء التصورات والأفكار رغم تعارضها . كدراسة " إبن طباطُبا العلوي " في كتابه " عيار الشعر " ومحاولته " تأسيس عيار للشعر عن المهمة والماهية والأداة ومواجهة محنة الشاعر المحدث في عصره " . أو " قُدامة بن جعفر " في " نقد الشعر " و ووضع بعض الأسس في صناعة الشعر . و " إبن سلام " في " طبقات الشعراء " . والملاحظات الكثيرة " للأصفهاني " في " الأغاني " . ومن ثم " الجاحظ " وآراؤه بتكوين منهج للشعر يعتمد على " الوزن والعروض ، والقوافي والمقاطع ، واللغة والغريب ،والمعاني ومقصودها ، وتمييز الجيد من الرديء . " وتلك الأفكار التي جاء بها الفيلسوف " إبن خلدون " وتناوله لمسألة الإنسجام الموسيقي في الشعر ، وأفكار نقاد آخريين يقتربون من آراء " أرسطو طاليس " في " كتاب الشعر " ، والقائمة على تحديد غريزتي " المحاكاة والموسيقى " كدافعين أساسيين للشعر ...
    ولم تتوقف حدود الأضافات عند هذه المدرسة فقط ، إذ أن إنفجار ثورتي القرامطة والزنج وظهور شعرائهما المعبرين عن تطلعات هاتين الثورتين ، فشعراء الشطار والعيّارين الفقراء لاحقاً قد رفد القصيدة العربية بموضوعات جديدة أغنت آفاقها ، ووسعت من عطاء الشعراء ...
    ومن ناحية أخرى فإن ولادة " الموشح " في الأندلس في القرن العاشر الميلادي بعد التطور والتفاعل الحضاري بين ثقافات مختلفة ، وأشكال التغيير التي دخلت في بناء على حساب وحدة البيت والوزن والقافية الواحدة ، جاء ليشكل نقلة نوعية كبيرة في صلب البنى العامة للشعر العربي وموضوعاته بنفس الوقت .. وهناك من النقاد المعاصرين من أورد بعض النبذ الشعرية " لأبي العلاء المعري ، وإبن دريد " كنماذج خارج إطار القوانين التقليدية المعروفة .
    هذا إضافة الى ولادة الوان شعرية عامية في هذا العصر كالزجل والمواليا وكان وكان والقوما وغيرها .. أما عن الشعراء فإن ماجاء به " المتنبي " و " أبو العلاء المعري " و " أبن الفارض " وآخرون ، من أفكار ونظرات للحياة والكون . كان حقلاً آخر من حقول تطور القصيدة العربية وإخصاب مضامينها ..
    كل ذلك بلا شك رفد الشعر العربي بمقومات النهوض والإزدهار لفترة طويلة ، حتى عصر الإنحطاط بسقوط بغداد في منتصف القرن الثالث عشر ، ومن ثم إنحطاط الشعر معه من خلال إثقاله بعسف البلاغة والتصنع والجمود حتى القرن التاسع عشر ..
    ومع إن الظلام الذي خيَّم على الحياة الإجتماعية والأدبية لأكثر من خمسة قرون قد أضعف ــ والى حد بعيد ــ من موضوعات الشعر ، وجعلها رهينة للإضطهاد بشقيه السياسي والفني ـ اللغوي ــ إلا اننا لا يمكن نغفل أو نعدم تلك المحاولات غير القليلة لبعض الشعراء في تصريحهم وتعبيرهم عن تناقضات العصر ونقمتهم وتمردهم ، إلا أنها لم تشكل ثقلاً ما يُذكر في حركة التجديد ، عدا " البند " الذي ظهر في القرن السابع عشر في العراق على يد " إبن معتوق الموسوي " . إلاّ أنَّ تجاوزه للنظام التقليدي بإعتماده على بحري الهزج والرمل وإطلاق القافية اعتبر خطوة مهمة الى الأمام ، وعُدَّ " اكثر أشكال الشعر قرباً من الشعر الحر وإرهاصاً له " ــكما جاء في نظام الشاعرة " نازك الملائكة " الذي رسمته له . إن هذا اللون رغم ما أحدثه من تغيير في شكل القصيدة فقد بقيت موضوعاته تقليدية غير مهمة وغير متناسبة وهذا التغيير .. وإنتهى به المطاف الى الإهمال والنسيان ليصبح أثراً على الرف لا أكثر بعد أن تغافله الشعراء الكبار ولم يحترموه أو يكتبوا به ــ سوى بعض الشعراء من الطبقة الثانية ــ وبعد عدم إشارة كتب الأدب له . عدا كتاب واحد هو " البند في الأدب العربي ــ تاريخه ونصوصه ل " عبد الكريم الدجيلي " الصادر في بغداد 1959 ..
    أما النصف الأول من القرن التاسع عشر فلم نجد شيئاً ما يمكن أن يدرج في خانة التجديد . بل على العكس فقد جاء الشعر متخلفاً ضعيفاً ، إنعكاساً للتخلف العثماني عموماً ، ركيكاً مثقلاً بالبديع والأشكال البلاغية الأخرى ، بينما تغيرت الحال في النصف الثاني من القرن التاسع عشر . فبعد إصلاحات " محمد علي " وحملة نابليون وفتح قناة السويس وكثرة البعثات وعدد من الإنتفاضات هنا وهناك ، ثم الطباعة والترافد الحضاري ، وظهور الدعوات المنادية بالإصلاح كدعوات الأفغاني ، ومحمد عبده ، والطهطاوي ، يكون الشعر قد تأثر بشكل عميق وأخذ يخطو حثيثاً ، محاولاً الخروج من " أزمته " بالأساليب الجديدة للبارودي وشوقي وحافظ إبراهيم والزهاوي الرصافي وبشارة الخوري وآخرين .
    إن أغلب شعراء هذه الفترة عاصروا ــ كما هومعروف ــ كثيراً من أحداث القرن العشرين حتى الثلث الأول فيه . وبرزت في أشعارهم موضوعات وكلمات لم تكن مطروقة من قبل . مثل الإستقلال والحرية والإصلاح . كما ضخوا بالمدرسة الإتباعية أفكارهم بحيث تأصل على يدهم طريق الكلاسيكية الجديدة . تلك التي أضاف إليها الجواهري الكبير وقصائده السياسية روحاً جديدة مازالت متدفقة حتى وقتنا الحاضر ..
    ومع إن هناك هزات عديدة قد حدثت في النظام القديم للقصيدة عند هذا الجيل من الشعراء والمتمثلة بإضافات شوقي وتحرر البارودي ، وبروز الشعر السياسي عند الرصافي والجواهري والتي أخصبت من آفاق وأهداف وتوجهات القصيدة الجديدة في القرن الماضي ، غير أنها ظلت تراوح في الإطار العام للنظام العروضي الكلاسيكي مع إحتذائها ــ غير المقلد ــ بشعراء العصر العباسي وريادتهم في هذا الباب ..
    وإذا كان الشعر العالمي قد عاش انعطافات حاسمة خلال تاريخه الطويل ، وكان للأحداث أثارها الجليلة فيه ، منذ إنشقاق " مارتن لوثر " 1483 ــ 1546 عن الكنيسة الكاثوليكية ، ودعوته للتخفيف عن المسك بالطقوس والشعائر التي فرضتها الكنيسة ، ومن ثم الثورة الأمريكية والفرنسية فالإشتراكية لاحقاً ، فسنجد أن أشعار أوربا قد مرت بمراحل تطور وأخذت طابعاً معيناً خلال كل عصر .. فالعصور الوسطى ــ كما هو معروف ــ في أوربا سادتها الفلسفة الدينية من الفكر المسيحي والإفلاطونية الجديدة ، فتشدد المذهب الكلاسيكي بالأنظمة والأنواع والأنماط اليونانية والرومانية ــ والتي حاول " فان تيجم " لتطبيقها على الكلاسيكية الجديدة من خلال بحوثه ودراساته ..
    أما عصر النهضة فكان عصر سيادة العقل على الغيبيات . والثامن عشر فكر أرسطو الذي يدور حول مقولة إن العالم هو " ناموس محكم " . أما العصر الرومانتيكي فقد برز فيه فكر إفلاطون الجديد ، أي سيادة " عالم المثل على الواقع " والبحث عن مخارج وتساؤلات ، والإتجاه الى الذات والطبيعة ، وظهور شعر الإكتئاب والعذاب الروماني في مواجهة العالم المادي والحضارة الجديدة ، كما عند " اليوت وكيتس وشللي وهوجو وبوشكين " .. بينما نجد أن القرن العشرين قد سادت فيه أفكار الفلسفة الماركسية وتأثيرها الفاعل على الشعر ، إضافة الى فكر مدرسة التحليل النفسي الفرويدي ، وقيام المدارس والمذاهب الأدبية كالرمزية والواقعية والواقعية الإشتراكية والسريالية والدادائية وغيرها .
    كذلك تجذر وتطور الشعر الثوري الإشتراكي الذي إسترفد مقومات نهوضه من أفكار ثورة اكتوبر والحرب الأسبانية والكفاح ضد النازية ، والأحداث الأخرى على الصعيدين الوطني والعالمي ، كما عند " مايكوفسكي ونيرودا ولوركا وفابتزاروف وأتيلا وناظم حكمت و آخرين " .
    أو ظهور شعر الطبيعة بشكل صافٍ من خلال رائده الذي توفي في منتصف القرن العشرين " أوسكار ليركه " في ديوانه " تجوال "وقبل ذلك بروز الشعر الغنائي بعد تصنيفات " غوته " للأنواع الأدبية " الأدب الملحمي ، الشعر الغنائي ، الأدب الدرامي " وما رافق ذلك من دراسات نقدية كثيرة ، كتلك الدراسات التي جاءت بها نظرية الأدب الإشتراكية ، وابرازها لقضية التحوّل النوعي في المضامين الذي يأتي عبر التاريخ وتطور القوانين الداخلية من خلال ترابطها وديالكتيكها و " مجرى تطورها المنسجم مع الواقع " ، ودون تكريس تقسيم الأصناف الأدبية على حدة ومنفصلة كما تفعل نظرية الأدب البرجوازية . وعلى ضوء ذلك جاءت دراسة " بوشكين " الرومانتيكي الذي كانت اغلب قصائده غنائية من خلال المنهج الواقعي ..
    ثم شرعت دراسات أخرى تلاحق التطور الشعري لا من خلال التقسيم المدرسي فقط ، بل ومن خلال الضوابط ، كتلك الضوابط التي قال بها " وارين وويليك " في " نظرية الأدب " والتي تتجاوز الضوابط المدرسية التقليدية الى : " الضوابط الضمنية التي يجب أن تستخلص من أية تجربة مفردة في عمل فني واحد ، وهذه التجارب مجتمعة تؤلف مجمل العمل الفني الأصلي " . تأكيدهما على نظرية "كولردج " في الخيال الثانوي والرئيسي وتقسيمها الى ما هو : " إجتماعي وما هو فائق للطبيعة أو النموذج والبرمجة والسري والصوفي أو الإستجابة للإسطورة " وغيرها ..
    إن الشعر والنقد العربين وإن كانا لم يعرفا التقسيم التقليدي الأوربي للمدارس الأدبية ، إلى أنه بلا شك ــ وكأي شعر في العالم ــ يخضع لضوابط وقواعد وتتحكم به أشكال ونصوص معينة مرّت به عبر مسار طويل من التطور الإجتماعي والتاريخي وأثرت فيه ..
    كما ولدت خلال عملية التحوّل تلك نوعيية مختلفة أخذت تتفاعل من أجل بناء نظام وهيكل جديد للقصيدة العربية بعد تلك الهزات والتحولات العديدة التي تفجرت على الساحة الإقتصادية والسياسية والإجتماعية . وبعد تلك المرحلة من التغيرات في التراث القديم .
    هذا الأمر الذي يقودنا هنا الى إستقصاء بعض الظواهر المؤثرة التي جرت وتجري في القرن العشرين سواء في البنا أو المضامين والآفاق ..
    فإن كانت لغة شوقي الخاصة وإن تحولت الى لغة سياسية ذات إسلوب متفرد عند الجواهري مما عزز من أواصر الكلاسيكية الجديدة ، لإإن محاولة " خليل مطران " عام 1908 ودعوته عبر مجلة " المقتطف " المصرية الى الشعر القصصي ، وتحرير القصيدة العربية من خلال ثلاث قضايا رئيسسية هي " وحدة القصيدة والتجديد في المضمون وتطعيم الشعر العربي بمذاهب الشعر الغربي " جاءت للتأكيد على " الوحدة العضوية " في القصيدة ، والإنفتاح على أشكال النظم في الشعر الأوربي وبذر البذور الرومانسية الأولى في الشعر العربي على يده ، هذه البذور التي أخذت تتضح أكثر وتنمو حثيثاً لتشكل رافداً وأساساً للمدرسة الرومانتيكية في الشعر العربي عند شعراء مدرسة المهجر الشمالي والجنوبي . وخاصة في " عرائس المروج " و " الأرواح المتمردة " و " المواكب " لجبران خليل جبران . و " الجداول " و " الخمائل لإليا أبي ماضي ، والتي توجت بكتاب " الغربال " النظري النقدي لميخائيل نعيمة الذي كان إنجيل " الرابطة القلمية " في نيويورك . هذا إذا أضفنا نظراتهم للكون والوجود وترجماتهم العديدة من الشعر الرومانتيكي العالمي ، وكتابابتهم بإسلوب الموشحات والشعر المرسل ، مما شكل أثراً كبيراً في شعر المشرق العربي عامة .
    لقد برز شعراء هذه المدرسة مدافعين عن مذهبهم الجديد بوضع طاقاتهم الفنية في خدمة ما بشروا به ودعوا اليه ، ولا أدل على ذلك مخاطبة " جبران " للتقليديين بقوله : " لكم لغتكم ولي لغتي " . كما وقفت هذه المدرسة موقفاً إيجابياً متضامناً مع ما جاءت به مدرسة " الديوان " التي تزعمها " العقاد " والمازني وعبد الرحمن شكري " وأفكارها القائمة على تثبيت الوحدة العضوية في القصيدة مع التحسينات التي أضافوها وإنفتاحهم على الشعر الرومانتيكي العالي وكثرة الترجمات . لقد إتضحت آراء مدرسة " الديوان " تلك بعد إصدار كتاب الديوان عام 1922 من قبل المازني والعقاد . إلا أن تلك الآراء بقيت تدور في الجانب النظري دون نقلها الى الشعر ، إلا على يد عبد الرحمن شكري الذي عدَّ رائداً مجدداً من خلال إضافاته في ديوانه " ضوء الفجر " . وقد إنتهت هذه المدرسة بعد أن نشبت الخلافات بين روادها . وخاصة بين العقاد والمازني من جهة وعبد الرحمن شكري من جهة أخرى .
    وإتهام الأخير للمازني بالسرقة من أشعار الأوربين ، حتى آل المطاف بإتجاه العقاد والمازني للنثر ، وسكوت شكري لاحقاً ..

  2. #2
    سماحة كراميل
    سَرَادِيب العِشْق
    تاريخ التسجيل: October-2013
    الدولة: القلب في بوظبي ساكن ..
    الجنس: أنثى
    المشاركات: 18,274 المواضيع: 758
    صوتيات: 21 سوالف عراقية: 0
    التقييم: 20794
    مزاجي: مشكلتك انك قلب حساس ..
    المهنة: أقطف النجوم
    موبايلي: S20+
    مقالات المدونة: 9

  3. #3
    من اهل الدار
    ادارية سابقة
    تاريخ التسجيل: November-2012
    الدولة: بغــــــــــــــداد
    الجنس: أنثى
    المشاركات: 48,535 المواضيع: 8,156
    صوتيات: 85 سوالف عراقية: 13
    التقييم: 23426
    مزاجي: صامته.. و لم اعد ابالي
    المهنة: مصورة شعاعية
    أكلتي المفضلة: شوربة عدس .. وعشقي لليمون
    آخر نشاط: 1/June/2024
    مقالات المدونة: 206
    شكرا لك
    موضوع قيم

  4. #4
    عضو محظور
    الف شكر حضوركم الكريم

  5. #5
    عضو محظور
    كل الرود لجمال الرد

تم تطوير موقع درر العراق بواسطة Samer

قوانين المنتديات العامة

Google+

متصفح Chrome هو الأفضل لتصفح الانترنت في الجوال