النتائج 1 إلى 10 من 10
الموضوع:

مظاهر وظواهر نوعية في الشعر العربي الأستاذ جواد دوش

الزوار من محركات البحث: 132 المشاهدات : 1472 الردود: 9
جميع روابطنا، مشاركاتنا، صورنا متاحة للزوار دون الحاجة إلى التسجيل ، الابلاغ عن انتهاك - Report a violation
  1. #1
    عضو محظور
    تاريخ التسجيل: July-2013
    الجنس: ذكر
    المشاركات: 258 المواضيع: 71
    التقييم: 82
    آخر نشاط: 22/March/2023

    Rose مظاهر وظواهر نوعية في الشعر العربي الأستاذ جواد دوش

    مظاهر وظواهر نوعية في الشعر العربي ــ القسم الثاني ــ

    January 27, 2012 at 7:49pm

    ومن ناحية أخرى فإن ولادة جماعة " أبولو " في الثلاثينات من القرن الماضي في مصر بزعامة " أحمد زكي أبي شادي
    " بعد مجيئه من إنكلترا وإطلاعه الواسع على الشعر العالمي ، وإصداره لمجلة " أبولو " . ومن ثم تكوين جماعة تضم " إبراهيم ناجي ، وعلي محمود طه المهندس ، وخليل شيبوب ، ومحمود أبو الوفا و آخرين " . عززت و الى حد كبير من الإتجاه الرومانتيكي في الشعر العربي وتكامله بنفس الوقت ، وخاصة في ديوان " الشفق الباكي " لأبي شادي ، و " أرواح وأشباح " لعلي محمود طه ، ودواوين إبراهيم ناجي .. الخ . هذا الشعر الذي أخذ يطرق تلك الموضوعات الوجدانية المعروفة عند الرومانسيين من مناجاة الطبيعة الى الحرمان والحب الضائع ، الى القلق والحيرة والإضطراب . ولا يفوتنا أن نذكر هنا محاولة أبي شادي ودعوته للشعر الحر التي لم تثمر وقتئذ ، وكتابته مع زملائه بالشعر المرسل القافية .. وعلى صعيد تحديث وتجديد الشعر فنياً فقد ولدت محاولة مهمة في على يد " الزهاوي والرصافي " مما سمي ب " الشعر العصري " وإطلاق القافية . ألا أن هذه المحاولة لم تفلح أيضاً بسبب إنسحاب الشاعرين عنها . كما ظهرت بعض الملامح الرومانسية في الشعر في العراق . والدعوة لهذه المدرسة على صفحات مجلتي " الوميض " و " الحرية " . لقد أخذت المدرسة الرومانتيكية في الشعر العربي عموماً تضعف وتهمل تدريجياً وتنتهي الى النسيان ــ إلا قليلاً ــ بعد الحرب العالمية الثانية لأسباب منها : وصولها بشكل متأخر بداية القرن العشرين . أو ل " غياب الفنان العظيم " ـ كما يرى أحد النقاد ــ . وعجز " النقد العربي " من مجاراتها بالدراسات وملاحقتها بالتعريف والنقد . هذا إضافة الى عدم وجود تقليد عربي بالتسميات المدرسية ، وحلول إتجاهات أدبية أخرى محلها ... أما ما يشير إليه المستشرق الأنكليزي " جب " بأن الرومانتيكية ما هي إلا " مزاج عربي " فأمر يعزل الأهمية الكبرى للتطور الإجتماعي والزمني ، ويضع الصورة وكأنها عملية أهواء وتقلبات في " الذات " العربية . فالرومانتيكية في الشعر العربي رغم إختلافها بحدود ما عن الرومانتيكية في أوربا بسبب الإختلاف بين نشأة البرجوازية العربية والأوربية وظروف تطورهما ، إلا أن مسلمة التطور الحضاري والإجتماعي والتفاعل بين ثقافات العالم لا بد أن يفرز بالضرورة توجهاً وإتجاهات وآفاقاً جديدة على العملية الشعرية برمتها ، ويجعلها متحولة ومتعايشة مع هذا التطور .. انَّ شاعر القرن العشرين الذي أراد أن يظفر بأمرين " القوة والحداثة " ـ كما جاء في بعض الدراسات النقدية ــ وغلب على شعره الجانب السياسي مع عوامل أخرى إجتماعية إقتصادية وسلوكية ونفسية ، كان للإنكسارات العديدة على الساحة العربية مع ما رافقها من إنتصارات ــ على قلتها ــ والموروث الذي وراءه ومدارس التحديث والرفد والترافد الثقافي ، ودورها في الإضافات الجديدة ، والنقلات الكثيرة في تفكيره وفي مواصفات القصيدة العربية ، بحيث تعددت أشكالها وتنوعت مضامينها .. ولعل التحولات العميقة بعد الحرب العالمية الثانية والإنتصار على النازية ، وإنتشار الأفكار الإشتراكية العلمية ، والإنتفاضات ، والهبات الداخلية ، والكفاح من أجل الخلاص من الإستعمار ، ومن أجل الحرية والإستقلال والإنعتاق الوطني ، ثم المحاولات المبكرة الأخرى لتجديد اشكال القصيدة العربية ، كمحاولات " لويس عوض " و " علي أحمد " في ترجماتهما ، وقصائد مثل " الناي " لبشر بن فارس ، و " الحديقة الميتة والقصر البالي " لإبراهيم العريض ، فحركات التحديث السابقة ، أقول كل ذلك شكل إرهاصاً كبيراً لولادة الشعر الحر لاحقاً وظهور الواقعية في الشعر العربي . إن انجازات الشعر العربي أخذت وتأخذ طابع النضوج عام 1948 فهذا العام هو عام النكبة في فلسطين ، وعام الهبات والغضب ومواجهة الإستعمار ، والصراع وتجذر الأفكار الثورية ، فلا بد للشعر أن يكون في وسط تلك المعارك ، فالحاجة للتغيير في كل شيء كانت ترافقها الحاجة للتغير في الشعر ، وهكذا ولد الشعر الحر على يد السيّاب في " هل كان حباً ؟ " ونازك الملائكة في " الكليرا " ، ثم البياتي ، وصلاح عبد الصبور ، وآخرين بعد ذلك ..
    إذا كان كل جديد بحاجة الى موهبة وإضافات وحرية ذات نظام ونسق محدد ، فإن الشعر الحر كان بحق إضافة كبيرة إستفادت بلا شك من حركة التمردات في التراث والأحداث التي زاملته مع هذا السيل من الحركات النوعية مطلع القرن الماضي ، إضافة الى الإحتكاك بآداب الأمم الأخرى . وقد أثار ظهوره حينذاك كثيراً من الجدل والحوارات والنقاشات بين رواده من جهة وأنصار الإتجاه التقليدي من جهة أخرى تذكرنا بذلك الجدل الذي جرى بين شعراء " الحركة " التقليديين و " المجموعة " المحدثين في إنكلترا خلال الخمسينات والسينات من القرن الماضي .. ومن هذه الحوارات والجدل ما دار على صفحات " الآداب " و " حوار " و " شعر " أو من خلال بعض الندوات الأدبية . كما قام رواده بالدفاع عنه والتبشير به ، كدفاع السياب في مؤتمر للشعر في الخمسيات ، أو رد نازك الملائكة على من وصفه بأنه ولد " غير شرعي " ولا علاقة له بالشعر العربي ، فجاء الرد عليه بأنه : " مستمد من عروض الخليل ، و قائم على أساسه " .
    ويظهر الشعر الحر ورسوخه كمدرسة قائمة بذاتها والى يومنا هذا . فقد ظهرت المدرسة الواقعية ، والواقعية الإشتراكية ، والرمزية والسريالية ، وكلها في مواجهة الرومانتيكية . ومن القصائد الواقعية للسيّاب في الأربعينات والخمسينات وإستعانته بالرمز والإسطورة قبل أن يتحول قومياً عربياً تحررياً ، فذاتياً لاحقاً الى وفاته ، " إنشودة المطر " و " حفار القبور " و " الأسلحة والأطفال " . أو قصائد البياتي ، وعبد الصبور ، وسعدي يوسف ، و مظفر النواب ، وبلند الحيدري ، وأحمد عبد المعطي حجازي ، ونازك الملائكة ، ونزار قباني ، و د . غادة فؤاد السمّان ، وخليل حاوي وآخرين .. أما القصائد التي برز فيها المذهب الرمزي ، التي وردت في ديوان " أفاعي الفردوس " لإلياس أبي شبكة ــ مع روماننتيكية ــ ، و " المجدلية " لسعيد عقل ..
    وفي منتصف السينات وبعد إنطلاقة الثورة الفلسطينية عام 1965 ولد نوع من الشعر القائم على تبني الثورة وإلتزامه بحركة المقاومة ، أخذ يترسخ يوماً بعد يوم وبخصوصيته مع إمتداده للشعر العربي ، وهو شعر المقاومة الفلسطينية وخاصة بعد صدور ديوان " عاشق من فلسطين " لمحمود درويش ، وملحمة سميح القاسم " ارم " ثم ثبات هذا الشعر وغنائيته والتزامه الثوري الوطني والأممي وإثرائه في الشعر العربي ليشكل مدرسة وإتجاهاً بأسماء ورواد آخرين كتوفيق زياد ، وسالم جبران ، ومعين بسيسو وآخرين ..
    كما ولدت بعد ذلك أنواع أخرى من الشعر في أواخر الستينات كالشعر المنثور ، وقصيدة النثر ، ومدرسة " أدوننيس " عبر مجلة " مواقف " البيروتية وفلسفتها المتافيزيقية الصوفية في الشعر وأفكار التغريب والإغتراب والتجريد الشكلي في اللغة . وفي موقف أدونيس من قصيدة النثر يرى أنها : " قفزة وتمرد خارج الحدود " ، وقول " أنس الحاج " ــ أحد روادها ــ بأنها : " أرحب ماتوصل إليه الشاعر تكنيكياً " .. ولا ننسى هنا أيضاً ظهور " الحنين السريالي ! " على صفحات مجلة " شعر 69 " في العراق ، و " كاليري 68 " في مصر ..
    غير أن نتائج النكسة قبل ذلك وفي عام 1967 شكلت قفزة كبيرة ومهمة في إنقلاب كثير من المفاهيم بعد سقوط برنامج البرجوازية العربية للتحرر الوطني التي قادت الأمة العربية الى الهزيمة ، وولادة لغة التحدي والغضب والمواجهة مع مارافقها من معاناة وآلام قاسية ودفينة
    وهكذا إستمرت عجلة التأثيرات والمظاهر في الشعر العربي لتبرز بعد ذلك الى الوجود تجربة بيروت أيام الحرب الأهلية منتصف السبعينات . ووقت الحصار والإجتياح الصهيوني عام 1982 .
    منها تجربة كتابة القصائد المشتركة بين محمود درويش ، ومعين بسيسو ، أو تجربة سعدي يوسف في " مريم تأتي " . إضافة الى إنخراط كثير من الشعراء العرب التقدميين ومساهمتهم على صفحات " المعركة " ..
    وأخيراً فإذا كان للحداثة إيجابياتها الكثيرة فإن لها سلبياتها أيضاً ، تلك التي يقع فيها شعراؤها كإندفاع البعض منهم للإكثار من التسكين في القوافي والإستعانة بالصور المكررة أو الإفراط بالسهولة والتكرار أو الإيهام والتضمين والتدوير . والمبالغة بالتغييب في النفس والإنكفاء على الذات والهروب الى الوراء ، أو الفوضى التي تهيمن على بعض قصائد الشباب وتسرعهم لإحتراف مبكر وغيرها .
    ومن الجانب الآخر فإن السيل الغث من أشعار الإرتزاق والترذل للدكتاتوريات الحاكمة العربية ، ومحاولة تدمير الشعر الوطني وتراثه الكفاحي وما يحمله من لغة إنسانية ، رغم إنه ــ أي شعر الإرتزاق ــ لم يشكل في يوم ما شيئاً يذكر في حركة التغيير والتحديث الشعرية سوى الهبوط والإنحطاط ، فإنه يشكل ردة إساءة وتدمير لكل طموح وطني واعد بالتغيير عبر سموم وزعيق شعائري لا يملك قوة الكلمة أو كرامة الحرفة .
    هذا ناهيك عن خوائه في الصراع الدائر الآن بين الكلمة الحقيقية من ناحية ، والترذل الكلامي من ناحية أخرى .. وكثيرا ما ترافق التغيير والحداثة عموماً مواقف متنافرة ومتعارضة من التراث . فنحن رغم تأكيدنا على كل جديد سيحتفظ ــ بلا ريب ــ بأشياء ورواسب من القديم ويطمح الى إضافات جديدة ، فلا ننسى بنفس الوقت وجود أكثر من تيار وموقف من التراث الشعري يتحدد من خلال الخلفية الفكرية والثقافية والسياسية والإجتماعية للناقد أو الشاعر .
    منها موقف يدعو الى الإنفصام تماماً عن التراث ، وآخر الى تعصيره وربطه بالحاضر ، والآخر بمبالغة سلفية والدعوة الى " نقائه " من باب " ليس بالإمكان أبدع مما كان !! " .. الخ .
    ولكننا إذا ما تجاوزنا الشكل ونظرنا الى القيم الجديدة في التراث فسنجد أن العلاقة تبقى قضية طبيعية وحيوية دون مغالاة أو هيام ، بل من خلال إحياء الجانب النيٍَّر المشرق فيه وتعصيره ، وإضافات أخرى جديدة من أجل أن يقف الجديد على على قدميه بثورته وتحوله الفني والموضوعي . وللتراث بعد ذلك " سيطرة لا يكاد يفلت منها الاّ الشاعر العظيم " كما يقول صلاح عبد الصبور

  2. #2
    عضو محظور
    تجليات الوطن الروحية و تنوعاته عند السَّياب !

    March 13, 2012 at 3:27pm

    يا ربُّ يا ليتَ آتي لي إلى وطني
    عودٌ لتلثمني بالشمس أجواءُ
    منها تنفستُ روحي .. طينُها بدني
    وماؤها الدمُ في الأعراقِ ينحدرُ
    يا ليتني بين مَنْ في تُربها قُبروا
    غربة رائد الحداثة الكبير ، " الحياتية " هذه تتجسد حين تضغط إحتمالات الموت وعذابات المرض العضال على جسد السَّياب وتنهض متمردة بإعياء ولاجدوى لأسباب الحياة في روحه ورفسات جسده .. في هذا الفاصل يحضر الوطن أيضاً كمخلِّص إلهي من المرض وحامٍ مضمون من الموت ، ولا أدري من أين تدفق لعقل وحواس السياب هذا الهاجس البدوي والبدائي ، هاجس الإعتقاد أن " القبيلة " ، وعند السياب " المكان " ، لهما قدرة المعجزات في إستنزال البُرء .
    فالسياب يهجس أن الوطن بلسم حتى لآلام الجسد ، لسحر ما في هوائه ومائه وتُربه وتقلبات مناخه .. وفي عدة أماكن من قصائده التي كتبها في مشفاه في لندن إشارات الى ظنه أن إبتعاده عن العراق سبب له مضاعفات المرض ، رغم إيمانه علمياً أن لا شفاء من مرضه .
    نسيمُ الليل كالآهات من جيكور يأتيني ، فيبكيني
    بما نفذثتْهُ أُمي من وجدٍ وأشواق
    وكم ناديتُ في أيام سُهدي أو لياليه :
    ــ أيا أمي ، تعالي فالمسي ساقي وأشفيني
    يا ربُّ لو جُدْتَ على عبدِك بالرُقاد
    لعلهُ يحلمُ أنه يسيرُ دونما عصا ولا عِماد
    ويذرعُ الدروبَ في السَّحر / حتى تلوح غابةُ النخيل
    تنوءُ بالثمر
    بالخوخِ ، والرمانِ ، والأعنابِ فيها يَعصرُ الأصيل
    رحيقَهُ المشمِشَ أو تألُقَ القمر
    ويقطفُ الجَنى / علَّقَ في رمانةِ عصاهُ وانثنى
    يأكلُ أو يجمعُ الزَهَر
    حتى إذا ما انطلقنا / وراحَ يطوي الطُّرقا
    أحسَّ أو ذَكرْ .. بأنه بلا عصا سارَ وما شعَرْ !
    إن هذا التعلق المهوس بالمنقذ السحري " الوطن " لم يهن ولم يفتر لهاثه وتشبثه الكلي بالعراق حتى في آخر قصيدة له " كما ينوه عن احتمال ذلك هامش ص 719 / المجلد الأول من أعماله الكامله " التي كتبها في الكويت بعد أن يأس من الأطباء ويأسوا منه الأطباء لقد رضي معشوقته ومعبودته العراق حتى ولو بماهو دون الحد الأدنى من العيش والحياة ..
    عدتْني ليالي الصيفِ من ذا يعيدها سوى الوهمِ والذكرى لأسوانَ حائرِ
    فيا حبذا جلسةٌ فوق شاطئ ألوذُ به إن مسَّني ظلمُ جائرِ
    خيـالُكِ من أهلي الأقربينَ أبرُّ وإن كانَ لا يعُقــل
    أبي .. منه قد جردتني النساءُ وأُمي .. طواها الردى المعُجــل
    وما لي من الدهرِ إلاّ رضاكِ فرحماكِ ، فالدهرُ لا يعدِِ لــ
    وإطلالة السياب ، في هذه المرحلة ، لاتتمثل في الألتفات صوب الماضي وظلاله وأنقاضه بل صوب خلق عالم أرحب من البيت وأرحم منه ، عالم الطبيعة ــ الوطن ، الشعب ــ الأهل وعند هذا المنعطف أخذ ينطلق صوب المكان البديل ساحباً خلفه زمنه الحاضر وظلالاً من زمنه الماضي ومتجهاً صوب الزمن الآتِ الذي أخذ يتجسد عبر الخيال السياسي كزمن عام .
    إن غربة السياب عن البيت فتحت له التواصل مع الوطن عبر تدرجٍ بدأ ، بالقرية ، الريف ، ، المدينة عبر تنامي الهموم الذاتية التي لم ترق بعد الى أفق الوعي والحكمة والتأمل بل ظلت في فلك تصوير الأحلام والأحاسيس التي لاحقت الشاعر وتدخلت في صياغة أعماله وعوالمه ، لقد قاده كل ذلك عبر إنفصام حاد وميلودرامي عن البيت والأهل مما فجَّر فيه شفافية مدت ظلالها على غالبية أشعاره ، لقد ألقت به حسيته المرهفة في أحضان الطبيعة ــ الأمان والملاذ ، ، المرأة ــ المعشوقة والأم ، والحلم ذي التواصل الخفي مع البيت عبر الوطن
    أحبتُ فيكِ عراقَ روحي أو حبيتُكِ أنتِ فيه
    يا أنتما ، مصباحَ روحي أنتما .. أتى المساء
    والليلُ أطبق ، فلتُشعا في دُجاهُ فلا أتيه
    لوجئتِ في البلدِ الغريبِ إليّ ما كمُلَ اللقاء
    الملتقى بكِ والعراقُ على يديَّ .. هو اللقاء !
    الغربة عند السياب تحضر بإلحاح ضاغط و وهم ساخن ينتاب روح الشاعر حين يجد نفسه خارج وطنه . فهي تتأكد شعرياً وبطللية معاصرة وفريدة التجسد شعرياً في الجيَّد من قصائده التي كتبها في الغربة " غريب على الخليج " و " من ليالي السهاد " و " لأني غريب " و " سِفر أيوب " و " سهر " و "منزل الأقنان " و " إرم ذات العماد " و " جيكور أمي " و " يا غربة الروح " وغيرهن من عشرات القصائد التي كتبها ببيروت ، الكويت ،
    فالوطن عند السياب طللٌ روحي وحياتي شيَّدته الطفولة التي تشربت بالمكان والذكريات والمعشوقات وحكايات الجدات واليتم المبكر ثم أعلت عمارته ذكريات النضال الثوري الساخن والجوع والتشرد والعذاب والحرمان والصراعات التي أنتهكت السياب وإنتهكها السياب أيضاً ..
    أكادُ أسمعُ العراقَ يذخرُ الرعود
    ويخزنُ البروقَ في السهولِ والجبال
    حتى إذا مافُضَّ عنها ختمُها الرجال
    لم تترك الرياحُ من ثمود
    في الوادِ من أثر
    بسمة النور في ثغورِ الجراحِ ،،،، أنتِ قبلَ الصباحِ نجمُ الصباحِ
    كلما لُحتِ هلَلَ الشعبُ أسوان ،،،، يبثُ إبتهاجَه في النواحِ
    واستضاءتْ بسمةُ من شهيدِ ،،،، ومشتْ فوق معبرِ من جراحِ
    عربدَ الثأرُ فإنهضي يا ضحايا ،،،، وإطرحي عنكِ باردات الصِفاحِ
    وأسألي قبرَ جعفَرَ الباردَ المخزونَ ،،،، ما ذنبُ هذهِ الأروحِ
    أنتِ مزقتِ ظلمةَ الليلِ بالنورِ،،،، فلا تهُنْ مقلةُ السفّاحِ
    فلا بيدرٌ في سهولِ العراق،، ولا صبيةٌ في الضُحى يلعبون
    ولا هدهداتٌ ، ولا جلجلٌ ، يرنُ بساقِ الوليد
    ولا وسوسَ الشايُ فوق الصلاءِ ، ولا قصةٌ في ليالي الشتاء
    عصافيرُ ؟ أم صبيةٌ تمرحُ ؟ أم ماءُ من صخرةِ ينضحُ ؟
    علينا لها : إنها الباقية ، وإن الدواليبَ في كل عيد
    سترقى بها الريحُ جذلى تدور
    ونرقى بها من ظلامِ العصور ، الى عوالمٍ كلُّ ما فيه نور
    إن حضور الوطن عند السياب حضوراً يملأ عليه كيانه الروحي والعقلي ، بل من خلال هذه الحقيقة تحدد قاموس السياب الشعري وأضحى بسبب هذا التوحد أقرب الى العامية في نكهة وجزالة وسيولة لغته ، عدا ميله الملحوظ الى توظيف كل ما هو شعبي وفولكلوري في التعابير والشخوص والعوالم والمعتقدات والقصص والأغاني ،، فهو ممتليء بعراقيته الى أسرته والتي منها نبعثَ شموليته وإزدهرت موشومة بجذورها ..
    إني لأعجبُ كيفَ يمكنُ أن يخونَ الخائنون
    أيخونُ إنسانٌ بلادَه ؟
    إن خانَ معنى أن يكونَ ، فكيفُ يمكنُ أن يكون ؟
    الشمسُ أجملُ في بلادي من سواها ، والظلامُ
    حتى الظلامُ ، هناك أجملُ ، فهو يحتضنُ العراق .
    وعبر الوطن تمتد ذات الشاعر الى مديات الأفق القومي التحرري والشمول الإنساني ، فالسياب يحدس حقيقة : إن لم تكن وطنياً حقاً لا يمكنك أن تكون أممياً حقاً والسياب بحسه العراقي المشبع بمحليته العراقية لا يغادر الوطن صوب العالم بل يستحضر العالم في صورة الوطن ..
    والوجه الآخر لهذه الحقيقة هو حنينه المتلفت صوب طقس الوطن وتفاصيل الأرض وأناسها حين يجد نفسه خارج جغرافيا العراق .
    الموتُ في الشوارعِ ، والعُقمُ في المزارع ،
    وكلُ ما تُحبُه يموت
    أهذا إنتظارُ السنينِ الطويلة ؟
    أهذا صِراخُ الرِجولة ؟ / أهذا أنينُ النساءْ ؟
    أدونيسُ ! يا لإندحاِرِ البطولة !
    لقد حطم الموتُ فيك الرجاء
    وأقبلتَ بالنظرةِ الزائغة / وبالقبضةِ الفارغة
    أليس يكفي أيها الآلةْ
    تُحيلُني ، بلا ردى ، حُطامْ ؟
    سفينةٌ كسيرةٌ تطفو على الحياةْ ؟
    هاتِ الردى ، أُريدُ أن أنام
    بين قبورِ أهليَ المبعثرة / وراء ليلِ المقبره
    رصاصةَ الرحمةِ يا آلهْ !
    تلك هي غربة السياب الثلاثية التي تشكلت منها غرية المكان عن الوطن حيث تقاذفته تضاريس الأرض من الكويت الى لندن ، الى بيروت ، الى باريس ، الى الكويت ، وهو حامل جسده المنهك وروحه الكسيرة بين المستشفيات والمطارات والكوابيس ،، وغربة روحية ناجمة عن أختيار العمر الذي تألقت به روح السَّياب صدقاً وفعلاً و عطاء ، هذه الغربة التي تمخض عنها إنسحابه عن الحزب الشيوعي الذي دُفع اليه وأكره على الإنحدار في إجترار مر سوداوي للمتغييرات في مواقفه . لقد ظل عائماً في عذابه بين ماضي عجز أن يتخلص منه وحاضر عجز عن أن يخلص حقاً له ،، ثم غربة حياتية ــ إن جاز التعبير ــ حيث عذاب الجسد المغزو بأوجاع وتخريبات مرض عضال دوَّخ الأطباء ، وسخر بالدواء وظل ينتزع الحياة من كيان الشاعر تدريجياً وبقسوة حتى ألقي في العطل بكامل جسده الواهن ، ولف بالعذاب والكوابيس والقلق جسداً مهوساً بحب البقاء متشبثاً بالحياة .
    يا ليلُ أين هو العراق ؟
    أين الأحبةُ ؟ أين أطفالي ، وزوجي ، والرفاق ؟
    أين الهوى مما ألاقي ، والأسى مما ألاقي ؟
    يا ليتني طفلٌ يجوعُ ، يئن في ليلِ العراق ؟
    هذا هو الوطن عند السياب ، حب لوجه الوطن صاغه الجوع والبراءة ودفء البيت وملاعب الصبا والحرمان من آل الوطن ، الأم ، الجدة ، الأب ، الحبيبات ، الزوجة ، الأبناء ، الأصدقاء ، ثم فاجعة خسارة الرفاق .. وعمَّقه الوعي الوطني الثوري والتضحيات والتغرب المتنوع المرير الذي ألقى بالسياب في هوة الشعور أنه لا يملك في هذه الدنيا سوى الوطن .. فلا غرابة في هكذا ذوبان في ذات الوطن ، وهكذا لجوء مرتعش لحماه .. فالوطن ملك من لا ملك له .

  3. #3
    من أهل الدار
    ##تاج الوقار##
    تاريخ التسجيل: July-2013
    الجنس: ذكر
    المشاركات: 1,094 المواضيع: 77
    صوتيات: 0 سوالف عراقية: 13
    التقييم: 398
    مزاجي: الحمد لله
    آخر نشاط: 9/February/2016
    الاتصال: إرسال رسالة عبر Yahoo إلى @سومه الحباب@
    مقالات المدونة: 2
    يسلمو ع النقل الجميل

  4. #4
    صديق جديد
    تاريخ التسجيل: December-2012
    الجنس: ذكر
    المشاركات: 10 المواضيع: 1
    التقييم: 1
    آخر نشاط: 31/October/2013
    اخر مواضيعينشر فكر العقيده

  5. #5
    عضو محظور
    شكر للمتابعه

  6. #6
    المشرفين القدامى
    simple beauty
    تاريخ التسجيل: April-2013
    الدولة: الديوانية
    الجنس: أنثى
    المشاركات: 11,248 المواضيع: 488
    صوتيات: 5 سوالف عراقية: 0
    التقييم: 3352
    مزاجي: متفائلة
    المهنة: Lawyer
    أكلتي المفضلة: السمك
    موبايلي: Galaxy A5
    آخر نشاط: 11/June/2018
    مقالات المدونة: 2
    شكرا ..ينقل للقسم المناسب

  7. #7
    عضو محظور
    كرا لكم تحياتي

  8. #8
    صديق فعال
    تاريخ التسجيل: October-2013
    الجنس: أنثى
    المشاركات: 776 المواضيع: 26
    التقييم: 168
    آخر نشاط: 25/March/2014
    مقالات المدونة: 2
    شكراااااااااااااا

  9. #9
    عضو محظور
    شكرا لكم
    أنه التاريخ الرائع والمجد العربي الاصيل
    أسعدني حضوركم العطر

  10. #10
    عضو محظور
    شكرا لكم
    أنه التاريخ الرائع والمجد العربي الاصيل

تم تطوير موقع درر العراق بواسطة Samer

قوانين المنتديات العامة

Google+

متصفح Chrome هو الأفضل لتصفح الانترنت في الجوال