إضاءات إسلامية
كلّ فرقة من العباد لهم توبة ((مواعظ حسنة))
قال الامام الصادق عليه السلام: "وكلّ فرقة من العباد لهم توبة.... وتوبة الخاص، من الاشتغال بغير الله تعالى، وتوبة العام من الذنوب". 1
الأمر الآخر هو الندم والعزم على ترك الذنب، وهذه اولى مراحل التوبة، بعد هذه المرحلة يكون للمذنب حالة روحانية كان عليها قبل ارتكابه للذنب مثل المريض الذي ابتلي بالحمى فعند تعاطيه الدواء تذهب عنه الحمى ويتعاطى المنشطات ليستعيد صحته الاولى قبل المرض. ولربما كان قول الامام الباقر عليه السلام على هذا الاساس: "التائب من الذنب كمن لا ذنب له، والمقيم على الذنب وهو مستغفر منه كالمستهزى". 2
وفي الآية 53 من سورة الزمر: ﴿.... لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا﴾.
تبين لنا هذه الآية ان باب التوبة مفتوح امام الجميع، حتى ينقل ان "وحشي" قاتل الحمزة عليه السلام عندما سمع هذه الآية جاء الى الرسول الاكرم صلى الله عليه وآل وسلم واظهر التوبة على يديه فقبل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ) التوبة منه بشرط ان يغيب عن وجهه لانه لا يستطع النظر اليه، وسأل البعض: هل ان هذه الآية مختصة بـ وحشي ام شاملة للجميع فأجاب الرسول الاكرم صلى الله عليه وآله وسلم "بل تشمل الجميع لوسعة الرحمة". 3
روي ان احداً في حضور الامام الرضا عليه السلام قال: "اللهم العن كل من حارب الامام علي عليه السلام فقال له الامام الرضا عليه السلام: "بل قل الاّ من تاب واصلح".
وهذا يبين اللطف الالهي للمذنبين لان الاسلام لا يسد الابواب امام العائدين الى الله سبحانه وتعالى. حتى نرى في (الآية 10 ) من سورة البروج: ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ﴾.
ويستفاد من مفهوم ( ثم لم يتوبوا ) إنّ الله تعالى ايضاً يقبل توبة المذنبين المعذّبين للمؤمنين.
محبة الله سبحانه الخاصة للتوابين:
جاء في الآية 222 من سورة البقرة: ﴿إنّ الله يحبّ التّوابين﴾.
قال الامام الباقر عليه السلام: "ان الله تعالى أشد فرحاً بتوبة عبده من رجل أضلّ راحلته وزاده في ليلةٍ ظلماء فوجدها فالله أشد فرحاً بتوبة عبده من ذلك الرجل براحلته حين وجدها".
وعنه عليه السلام: "التائب من الذنب كمن لا ذنب له، والمقيم على الذنب وهو مستغفر منه كالمستهزىء".
وقال الامام الباقر عليه السلام ايضاً: "الله أفرح بتوبةٍ عبده من العقيم الوالد، ومن الضّال الواجد، ومن الظمآن الوارد".
وقال الرسول الاكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "مثل المؤمن عند الله عزّ وجلّ كمثل ملك مقرب وأن المؤمن عند الله أعظم من ذلك، وليس شيء أحب الى الله من مؤمن تائب أو مؤمنة تائبة". 4
وقال الرسول الاكرم صلى الله عليه وآله وسلم ايضاً: "التائب حبيب الله". 5
الملامة في تأخير التوبة:
الانسان مأمور من الله سبحانه وتعالى في كل لحظة بالتوبة اليه ( توبوا ) فيجب التعجيل في التوبة وعليه فالتأخير عن طاعة الاوامر الالهية معناه عدم الطاعة والتسويف في تنفيذ الاوامر الالهية.
قال الامام الجواد عليه السلام: "تأخير التوبة اغترار وطول التسويف حيرة". 6
وقال الامام علي عليه السلام لرجلٍ طلب منه الموعظة: "لا تكن ممّن يرجو الآخرة بغير العمل ويرجي التوبة بطول الامل". 7
سؤال وجواب
لماذا لم يقبل ايمان وتوبة فرعون عند الغرق قال محمد الهمداني: سألت الامام الرضا عليه السلام لماذا لم تقبل توبة فرعون مع العلم انه آمن بالله سبحانه ؟
فاجابه الامام الرضا عليه السلام: "لأنه أمن عند رؤية البأس والايمان عند رؤية البأس غير مقبول". 8
وهناك روايات متعددة تذكر ان المؤمن اذا ارتكب ذنباً يعطى مدة سبع ساعات للتوبة من هذا الذنب والاّ يكتب في صحيفة اعماله. وفي بعضها ان له من الصباح الى المساء.
قال الامام الصادق عليه السلام: "ان العبد اذا أذنب ذنباً أجّل من غدوة الى الليل فان استغفر الله لم يكتب عليه". 9
النتائج المشرقة للتوبة:
تعتبر التوبة وقبولها احدى النعم الالهية التي لا نظير لها ولها آثار ونتائج مضيئة، منها التوبة الحقيقية التي تغير الانسان الى كمن لا ذنب عليه كما قال الامام الصادق عليه السلام: "التائب من لا ذنب له".10
ومنها التوبة الحقيقية تؤدي الى محو آثار الذنوب وتستر العبد كما قال الامام الصادق عليه السلام. ان الانسان اذا تاب توبة نصوحاً يكون محبوباً عندالله ويستر ذنوبه في الدنيا والآخرة. وكل ذنب اذنبه يومي الى ملكيه بالنسيان فلا يبقى اثر للذنب عليه حتى جوارحة. "فيلقى الله حين يلقاه وليس شيء يشهد عليه بشيء من الذنوب". 11
1- مستدرك الوسائل ج 2 ص 345.
2- مصباح الشريعة ص 98.
3- سفينة البحار عنوان ( وحشي ).
4- اصول الكافي ج 2 ص 435.
5- جامع السعادات ج 3 ص 51.
6- بحار الانوار ج 6 ص 30.
7- نهج البلاغة حكمة 150.
8- بحار الانوار ج 6 ص 23.
9- اصول الكافي ج 2 ص 437.
10- الذنب أسبابه وعلاجه/ العلامة محسن قرائتي / 140_143.
11- اصول الكافي ج 2 ص 431.