بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمـَنِ الرَّحِيمِ
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ وعَجِّلْ فَرَجَهُمْ وسَهِّلْ مَخْرَجَهُمْ والعَنْ أعْدَاءَهُم
السلام عليكم ورحمة الله وبركانه
في الديوان المنسوب لأمير المؤمنين علي (عليه السلام) :
تغرّب عن الأوطان في طلب العلا -- وسافر ففي الأسفار خمس فوائدِ
تفرّجُ همٍّ واكتسابُ معيشة -- وعلمٌ وآدابٌ وصحبةُ ماجدِ
وإن قيل في الأسفار غمٌّ وكربةٌ -- وتشتيت شمل وارتكابُ شدائدِ
فموت الفتى خيرٌ له من حياته -- بدارِ هوان بين واش وحاسدِ
السفر والسياحة والسير في الآفاق والبلاد ممّـا دعا إليه القرآن الكريم ، وجاء الحثّ الشديد عليه في الأخبار والروايات الشريفة ، يقف الإنسان على علوّ شأنه وبلوغ أهميته ، حينما يشاهد كثرة فوائده وآثاره على الفرد والمجتمع ، فإنّ السفر يزيد في عقل الرجل وتجاربه ، وتحسين خلقه وثقافته ، وزيادة معلوماته وسعة اطلاعاته ، بل يزيد في تحكيم فطرته التوحيدية ..
ومن الفوائد التي جاءت في الشعر المنسوب إلى أمير المؤمنين علي (عليه السلام) :
تغرّب عن الأوطان في طلب العلى -- وسافر ففي الأسفار خمس فوائدِ
تفرّج همٍّ واكتساب معيشة -- وعلمٌ وآدابٌ وصحبةُ ماجدِ
بعبارة اُخرى ، السفر على خمسة أقسام :
1 ـ السفرة السياحيّة ( تفرّج همّ ) :
لكشف الهمّ والغمّ الذي يصيب الإنسان في الحضر ، فإنّ السفر حينئذ وتغيّر الهواء وأجواء المصيبة ، يوجب علاج المصاب ، وتفرّج همّه .
2 ـ السفرة التجاريّة ( واكتساب معيشة ) :
فإنّ المرء يخوض البلاد والبحار من أجل لقمة العيش ، وأن يعيش هو وذويه حياة رغيدة ، وإن كان من سعادة المرء أن يكون كسبه في بلده ، كما جاء في الخبر الشريف ، ولكنّ التجارة وكسب العيش ربما يقتضي السفر وطيّ البلاد النائية .
3ـ السفرة العلميّة ( وعلم ) :
ربما الإنسان يسافر من أجل طلب العلم ، فقد ورد في الخبر : اطلب العلم ولو في الصين ، كما جاء في الأثر : لو علمتم ما في طلب العلم لطلبتموه ولو بخوض اللُّجج وسفك المهج .
4 ـ السفرة الاجتماعيّة ( وآداب ) :
من العلوم النافعة ذات الأهمية علم الاجتماع ، والسفر يساعد المرء على تعلّم الآداب الاجتماعية والوقوف على أدب المجتمعات المختلفة في لغاتها وثقافاتها وآدابها ، فيكسب خيرة الآداب والسنن ، ويكون مصلحاً في وطنه في نشر المعارف والآداب الجيّدة ، وبعد تأدّبه يكون اُسوة صالحة لغيره .
5 ـ السفرة الأخلاقيّة ( وصحبة ماجد ) :
فإنّ المرء في السفرربما يتوفّق أن يصاحب رجلا ماجداً خلوقاً طيّباً فيكتسب ويتعلّم منه الأخلاق ، وقد ورد في الخبر : اطلبوا الأتقياء في أطراف الأرض .
وإن قيل في الأسفار غمّ وكربةٌ -- وتشتيت شمل وارتكاب شدائدِ
فموت الفتى خيرٌ له من حياتهِ -- بدارِ هوان بين واش وحاسدِ
والحقّ أنّ الإنسان منذ بداية خلقته وتكوين نطفته إنّما هو في عوالم السفر ، فهو مسافر مذ خرج من العدم إلى الوجود ، في أصلاب الآباء والجدود ، وبطون الاُمّهات الحافظات للودائع والعهود .
وأسفاره في البلاد مظهر لسفره التكويني ، ولكلّ شيء أدب وحدود ، وللسفر آداب ، نذكر اليسير ممّـا ورد في الروايات الشريفة .
1 ـ الرفيق قبل الطريق .
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : ألا اُخبركم بشرّ الناس ؟ قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : من سافر وحده ، ومنع رفده ، وضرب عبده .
ـ عن مولانا أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) في وصيّة لقمان لولده : يا بني ، سافر بسيفك وحقّك وعمامتك وحبلك وسقائك وإبرتك وخيوطك ومخرزك ، ثمّ تزوّد معك الأدوية التي تنتفع بها أنت ومن معك ، وكن لأصحابك موافقاً إلاّ في معصية الله .
وعنه (عليه السلام) ، قال لقمان لابنه : إذا سافرت مع قوم فأكثر استشارتهم في أمرك واُمورهم ، وأكثر التبسّم في وجوههم ، وكن كريماً على زادك بينهم ، إذا دعوك فأجبهم ، وإذا استعانوا بك فأعنهم ، واغلبهم بثلاث : طول الصمت ، وكثرة الصلاة ، وسخاء النفس بما معك من دابة أو مال أو زاد ، وإذا استشهدوك على الحقّ ، فاشهد لهم .
وهناك آداب كثيرة في السفر والمسافر ، كما أنّ موضع السفر يبحث عنه الفقهاء باعتبار الأحكام الشرعية التي تعتري المسافر من حيث صلاته وصومه ، فيلزمه أن يقصّر في صلاته الرباعية ، كما عليه أن يفطر
وعلماء الأخلاق والسير والسلوك يتعرّضون إلى حقيقة السفر ، بأنّ الإنسان في حياته الدنيوية إنّما هو مسافر ، فجاء من عوالم اُخرى في هذه الدنيا ، وأنّ الدنيا دار ممرّ ، وعلى المرء أن يسافر عنها ، وإنّما يتزوّد منها لسفر الآخرة ، وأنّ خير الزاد التقوى والعمل الصالح ، فإنّ السفرطويل والطريق وعر ، كما أنّ الفلاسفة وحكماء الإسلام يتعرّضون إلى مسألة السفر كما نجد ذلك في كتاب ( الأسفار ) للمحقّق صدر الدين الشيرازي ،
حيث الكتاب يبحث عن أسفار أربعة :
1 ـ سفر من الحقّ إلى الحقّ بالحقّ .
2 ـ وسفر من الحقّ إلى الخلق بالحقّ .
3 ـ وسفر من الخلقّ إلى الحقّ بالحقّ .
4 ـ وسفر من الخلق إلى الخلق بالحقّ .
كما أنّ علماء النفس يبحثون عن السفر وآثاره النفسية ، فموضوع السفر إنّما هو موضوع قيّم ، وذو شجون وفنون .
ننامل من الجميع الافاده والاستفاده في السفر والرااحه للجميع