2- الإلهام وهو ما يلقى في قلب الإمام من علم ومعرفة .
3- تحديث الملائكة .
فهما – الإلهام وتحديث الملائكة – أيضاً مصدران من مصادر علم الإمام المعصوم عليه السلام، أثبتت ذلك الرّوايات الصحيحة الواردة عنهم عليهم السلام منها :
ما رواة العلامة الصفار في بصائر الدرجات بسند صحيح عن الحارث بن المغيرة عن الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام أنّه قال : ( إنّ الأرض لا تترك بغير عالم قلت : الذي يعلمه عالمكم ما هو ؟ قال : وراثة من رسول الله صلى الله عليه وآله ومن علي بن أبي طالب عليه السلام ، علم يستغني عن الناس ولا يستغني الناس عنه .
قلت : وحكمة يقذف في صدره أو ينكت في أذنه ، قال : ذاك وذاك
) (1) .
وما رواه الصفار في بصائر الدرجات بسند صحيح عن الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام أنّه قال : ( الأئمة علماء صادقون مفهّمون محدّثون ) (2) .
وما رواه النعماني في كتابه الغيبة بسند موثق عن زرارة بن أعين رضي الله عنه عن الإمام الباقر عليه السلام عن آبائه الطاهرين عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنّه قال : ( إنّ من أهل بيتي إثني عشر محدثاً .
فقال له رجل يقال له عبد الله بن زيد وكان أخا علي بن الحسين عليهما السلام من الرضاعة ، سبحان الله محدثا ؟ - كالمنكر لذلك – قال : فأقبل عليه أبو جعفر عليه السلام فقال له : أما والله إنّ ابن أمّك كان كذلك – يعني علي بن الحسين عليهما السلام -
) (3) .
وما رواه الصفار في بصائر الدرجات بسند صحيح عن الحارث بن المغيرة النصري قال : ( قلت لأبي عبد الله عليه السلام جعلت فداك الذي يسأل عنه الإمام وليس عنده فيه شيء من أين يعلمه ؟ قال : ينكت في القلب نكتاً أو ينقر في الأذن نقراً ) (4).
وما رواه العلامة الكليني في الكافي بسند صحيح عن الإمام موسى بن جعفر عليه السلام قال : ( مبلغ علمنا على ثلاثة وجوه : ماض وغابر وحادث ، فأمّا الماضي فمفسّر ، وأمّا الغابر فمزبور ، وأمّا الحادث فقذف في القلوب ونقر في الأسماع وهو أفضل علمنا ولا نبي بعد نبينا ) (5).
وما رواه الشيخ الكليني في الكافي بسند صحيح عن أبي بصير أنّه قال : ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله تبارك وتعالى : (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ ) (6) قال : خلق من خلق الله عزّ وجل أعظم من جبرائيل وميكائيل كان مع رسول الله صلى الله عليه وآله يخبره ويسدده ، وهو مع الأئمة من بعده ) (7) .
وفي رواية الصفار في بصائر الدرجات بسنده الصحيح عن محمد بن مسلم عن الإمام أبي جعفر الباقر عليه السلام ( في قول الله عزّ وجل (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ ) فقال : خلق من خلق الله أعظم من جبرائيل وميكائيل كان مع رسول الله صلى الله عليه وآله يخبره ويسدده وهو مع الأئمة من بعده)(8) .
وتوهم بعضهم أنّ هناك تلازماً بين النبوّة وتحديث الملائكة بمعنى أنّ كل من حدّث من قبل الملائكة يلزم أن يكون نبيّاً ، ولذلك نجده يتهم الشيعة بالقول بأنهم لا يعتقدون بختم النبوة بنبوة النبي محمد صلى الله عليه وآله لما ورد عندهم من آثار تفيد أنّ الأئمة من أهل البيت عليهم السلام كانوا على اتصال ببعض الملائكة الذين كانوا يحدّثونهم وينقلون إليهم التوجيهات والتسديدات الرّبانية .
والحق أنه لا تلازم بين النبوّة وتحديث الملائكة بالمعنى الذي أشرنا إليه ، فليس كل من حدّثته الملائكة يلزم أن يكون نبيّاً ، فقد أخبرنا القرآن المجيد عن بعض النساء اللاتي حدّثن من قبل الملائكة وأوحى الله سبحانه وتعالى إلى بعضهن ولسن بنبيات ، فقد أخبر القرآن عن أنّ الملائكة حدثت السيد مريم عليها السلام وأخبرتها باصطفاء الله تعالى لها وتطهيرها واصطفائها على نساء العالمين،قال تعالى : (وَإِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ) (9) ويخبرنا بأن الملائكة حدّثتها وبشّرتها بابنها المسيح عيسى عليه السلام قال تعالى : (إِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ) (10) ، ويخبرنا بأن الملائكـة حدثت زوجة إبراهيم عليه السلام ، وبشّرتها بأن الله سيرزقها الولد ، قال تعال : (وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ * قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ) (11) ، ويخبرنا بأن الله سبحانه وتعالى أوحى إلى أم موسى عليه السلام قال تعالى : (وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) (12) .
فهذه نماذج من النساء حدثنا القرآن الكريم عنهن ولم يكنّ نبيات ومع ذلك شاهدن الملائكة وحدثنهم أو أوحي إلى بعضهن بطريق آخر غير التحديث ، وهذا مما لا يمكن أن ينكره أحد بعد أن أخبر عنه كتاب الله المجيد .
وروى البخاري في صحيحه بسنده عن أبي هريرة قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لقد كان فيما قبلكم من الأمم ناس محدثون ، فإن يك في أمتي أحدٌ فإنّه عمر ، زاد زكريا بن أبي زائدة عن سعد عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : لقد كان فيمن كان قبلكم من بني إسرائيل رجال يكلمون من غير أن يكونوا أنبياء فإن يكن من أمتي منهم أحد فعمر ) (13) .
وهذه الرواية تؤيد ما قلناه من أنه لا يلزم من تحديث الملائكة وتكليمها لشخص أن يكون نبياً ، فهي تثبت أنّ جماعة من بني إسرائيل ليسوا بأنبياء ومع ذلك كانوا يحدثون ويكلمون من قبل الملائكة .
وذهب البعض إلى أنّ المراد بالتحديث والكلام في هذه الرواية هو الإلهام ولكنه بعيد لأن حقيقة التحديث والكلام غير حقيقة الإلهام ، وذهب شراح البخاري كالقسطلاني في إرشاد الساري إلى أن الكلام المنسوب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله في ذيل الرواية : ( فإن يكن من أمتي منهم أحد فعمر ) هو إثبات ذلك لعمر وليس نفيه عنه قال القسطلاني : ( وليس قوله فإن يكن للترديد بل للتأكيد ) (14) ، فهم يثبتون ما أثبتته الرواية من تحديث وتكليم من قبل الملائكة لجماعة من بني إسرائيل يثبتونه لعمر بن الخطاب ويزعمون أنّ الملائكة تحدثه وعليه يكون لازم قول ظهير أنّ كل من قال بأن عمر محدثاً يكون غير معتقد بختم النبوّة ، فهل سيلتزم ظهير أو غيره ممن يقولون برأيه بذلك ويثبتون لكل أصحاب هذا القول من أهل السنة عدم اعتقاد ختم النبوّة بنبوّة النبي الأكرم محمد صلى الله عليه وآله أم أنّ المكيال هنا آخر ؟!
ورووا أنّ الله عزّ وجل أرسل ملكاً لرجل يخبره بحبّه سبحانه وتعالى له ، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة أنّ النبي صلى الله عليه وآله قال : ( أن رجلاً زار أخاً له في قرية أخرى ، فأرصد الله له على مدرجته ملكاً ، فلما أتى عليه قال : أين تريد ؟ قال : أريد أخاً لي في هذه القرية ، قال: هل لك عليه من نعمة تربها ؟ قال : لا غير أنى أحببته في الله عزّ وجل ، قال : فإني رسول الله إليك بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه ) (15) .
ورووا أنّ الملائكة كانت تسلم على بعض الصحابة من ذلك ما أخرجه مسلم ابن الحجاج في صحيحه عن عمران بن الحصين أنّه قال : ( ... وقد كان يسلّم عليّ حتى اكتويت فَتُرِكْتُ ، ثم تركت الكي فعاد ) (16) .
قال النووي في شرح وبيان معنى كلام ابن الحصين : ( ومعنى الحديث أن عمران بن الحصين رضي الله عنه كانت به بواسير فكان يصبر على المهمات وكانت الملائكة تسـلم عليـه فاكتوى فانقطع سلامهم عليه ثم ترك الكي فعاد سلامهم عليه ) (17) .
ورووا أنّ الملائكة علّمت حذيفة بن اليمان دعاءً في تحميد الله ، ففي مسند أحمد بسنده عن حذيفة بن اليمان قال : ( أنّه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : بينما أنا أصلي إذ سمعت متكلماً يقول اللهم لك الحمد كله ، ولك الملك كله ، بيدك الخير كله ، إليك يرجع الأمر كله علانيته وسرّه ، فأهل أن تحمد إنك على كل شيء قدير ، اللهم اغفر لي جميع ما مضى من ذنبي واعصمني فيما بقي من عمري ، وارزقني عملاً زاكياً ترضى به عني ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ذاك ملك يعلمك تحميد ربك ) (18) .
إنّ القول بختم النبوّة بنبوّة النبي محمد صلى الله عليه وآله من ضروريات مذهب الشيعة الإمامية الإثني عشرية ، فرواياتهم وكتب علمائهم المؤلفة في بيان عقيدة المذهب أو المؤلفة في خصوص نبوّة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله تشهد على أنّ خاتم الأنبياء هو محمد صلى الله عليه وآله فلا نبي بعده وعلى هذه العقيدة اجماعهم واتفاقهم وتسالمهم ، ولا يوجد قائل منهم لا من عامتهم ولا علمائهم مـن يدّعي أو يزعم عـدم ختم النبوّة بالنبي المصطفى صلى الله عليه وآله أو يدّعي نبوّة أحد بعده .
___________________
(1) بصائر الدرجات صفحة 307 .
(2) بصائر الدرجات صفحة 302 ، ورواه العلامة الكليني في الكافي 1/271 .
(3) الغيبة للنعماني صفحة 66 .
(4) بصائر الدرجات صفحة 299.
(5) الكافي 1/264 .
(6) الشورى : 52 .
(7) الكافي 1/273 .
(8) بصائر الدرجات صفحة 419 .
(9( آل عمران : 42 .
(10) آل عمران : 45.
(11) هود : 71- 73 .
(12) القصص : 7 .
(13) صحيح البخاري 3/1349 حديث رقم : 3486 .
(14) إرشاد الساري 8/179 .
(15) صحيح مسلم 4/1988 برقم : 2567 ، صحيح ابن حبّان 2/331 برقم : 572 و 2/337 برقم: 576 ، مسند أحمد 2/408 برقم : 9280 وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط : ( إسناده صحيح على شرط مسلم ) و 2/462 برقم : 9959 وقال الأرنؤوط : ( إسناده صحيح ) ، مسند إسحاق بن راهويه 1/114 برقم : 27 ، الأدب المفرد 1/128 برقم :350 ، مصنف ابن أبي شيبة 7/64 برقم : 34223 .
(16) صحيح مسلم 2/899 حديث رقم : 1226 .
(17) شرح النووي على صحيح مسلم 8/206 .
(18) مسند أحمد 5/395 رواية رقم : 23403 .
يتيع ... يتبع ... تابع >>>>>