بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الخلق أجمعين ، محمد وآله الطيبين الطاهرين ، واللعن الدائم المؤبد على أعدائهم من الأولين والآخرين إلى قيام يوم الدين .
إنّ الأئمة الإثني عشر الطاهرين من أهل البيت عليهم السلام أعلم الناس مطلقاً بمعارف الشريعة الإسلامية الغراء وأحكامها وتعاليمها ، وبالقرآن الكريم وتفسير آياته وبيانها ومعانيها ، وكانوا أيضاً على علم واطلاع على الكثير من الحقائق وعلى معرفة بعلوم مختلفة كالعلوم السياسية والإقتصادية والإجتماعية والصحية والتاريخية وغيرها ، بل إنهم أخبروا ببعض الأمور التي لا سبيل إلى العلم بها إلاّ طريق الغيب ، ولم يذكر لنا التاريخ أنّ واحداً منهم عليهم السلام تتلمذ على يد واحدٍ من العلماء من سائر الناس ، فعلمهم بكل ذلك علم لدني مستمد من خلال طرق عديدة وهي :
1- ما ورثوه عن رسول الله صلى الله عليه وآله من علوم إمّا مشافهة أو كتابة ، حيث تلقى الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام الكثير من العلوم عن رسول الله صلى الله عليه وآله الذي هو بدوره تلقاها عن الله عزّ وجل من طريق الوحي ، فقد ورى الحاكم النيسابوري في المستدرك على الصحيحين بسنده عن ابن عباس رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله قال : (
أنا مدينة العلم وعلي بابها ، فمن أراد المدينة فليأت الباب
) .
قال الحاكم النيسابوري : ( هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ) (1) .
وروى الترمذي في جامعه الصحيح بسنده عن الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله قال : (
أنا دار الحكمة وعلي بابها
) (2) .
ومن طرق الشيعة روى الشيخ الصدوق رحمه الله بسند صحيح عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال : (
علّم رسول الله صلى الله عليه وآله علياً عليه السلام ألف باب يفتح كل باب ألف باب
)(3) .
وفي رواية أخرى رواها الصدوق رحمه الله بسند موثق عن ذريح المحاربي أنّه قال : (
سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : نحن ورثة الأنبياء ، ثم قال : جلل رسول الله صلى الله عليه وآله على علي عليه السلام ثوباً ثم علّمه ألف كلمةكل كلمة يفتح ألف كلمة
) (4) .
وورث سائر الأئمة الطاهرين عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ما ورثه من علم عن رسول الله صلى الله عليه وآله، ففي الخبر الصحيح الذي رواه العلامة الصفار في بصائر الدرجات ومـن طريقه العلامـة الكليني في الكافي عـن محمد بن مسلم قال : (
سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: نزل جبرئيل على محمد صلى الله عليه وآله برمانتين من الجنة فلقيه علي عليه السلام فقال له : ما هاتان الرمانتان ؟
قال : أمّا هذه فالنبوّة ، ليس لك فيها نصيب ، وأمّا هذه فالعلم ، ثم فلقها رسول الله صلى الله عليه وآله فأعطاه نصفها وأخذ نصفها رسول الله صلى الله عليه وآله ثم قال : أنت شريكي فيه وأنا شريكك فيه ، قال : فلم يعلم رسول الله صلى الله عليه وآله حرفاً إلاّ علّمه علياً عليه السلام ثم انتهى ذلك العلم إلينا ثم وضع يده على صدره
) (5) .
وروى محمد بن الحسن الصّفار في كتابه بصائر الدرجات بسند صحيح عن الفضيل بن يسار عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال : (
إنّا لو كنّا نفتي الناس برأينا وهوانا لكنّا من الهالكين ، ولكنّها آثار رسول الله صلى الله عليه وآله وأصول علم نتوارثها كابر عن كابر ، نكتنزها كما يكنز الناس ذهبهم وفضّتهم
) (6) .
وروى بسند صحيح عن جابر الجعفي عن الإمام الباقر عليه السلام أنّه قال : (
يا جابر والله لو كنّا نحدث الناس أو حدّثنا برأينا لكنّا من الهالكين ، ولكنّا نحدثهم بآثار عندنا من رسول الله صلى الله عليه وآله يتوارثها كابرٌ عن كابر ، نكنزها كما يكنز هؤلاء ذهبهم وفضتهم
) (7) .
وفي رواية أخرى صحيحة رواها بسنده عن أبي يزيد الأحول عن الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام أنّه قال : (
إنّا لو كنّا نفتي الناس برأينا وهوانا لكنّا من الهالكين ولكنّها آثارٌ من رسول الله [و] أصول علم نتوارثها كابرٌ عن كابرٍ ، نكنزها كما يكنز الناس ذهبهم وفضتهم
) (8) .
وفي رواية صحيحة رواها ثقة الإسلام العلامة الكليني في كتابه الكافي بسنده عن قتيبة قال : (
سأل رجل أبا عبد الله عليه السلام عن مسألة فأجابة فيها ، فقال الرجل : أرأيت إن كان كذا وكذا ما يكون القول فيها ؟! فقال له : مه ، ما أجيبك فيه من شيء فهو عن رسول الله صلى الله عليه وآله ، لسنا من أرأيت في شيء
) (9) .
وروى الشيخ الصدوق بسند صحيح عن الإمام الصادق عليه السلام عن أبيه الباقر عليه السلام أنه قال : (
إنّ لله تعالى علماً خاصاً وعلماً عامّاً ، فأمّا العلم الخاص فالعلم الذي لم يطلع عليه ملائكته المقربين وأنبيائه المرسلين ، وأمّا علمه العام فإنّه علمه الذي أطلع عليه ملائكته المقربين وأنبياءه المرسلين،وقد وقع إلينا من رسول الله صلى الله عليه وآله
)(10).
كما انتقلت إليهم مجموعة من الكتب والصحف والأوعية التي تتضمن علوماً مختلفة ورثوها عن رسول الله صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ، فقد أخرج العلامة الكليني في الكافي والعلامة الصفار في بصائر الدرجات كلاهما عن أبي بصير بسند صحيح أنّه قال أن الإمام الصادق عليه السلام قال له : (
يا أبا محمد إنّ الله عزّ وجل لم يعط الأنبياء شيئاً إلاّ وقد أعطاه محمداً صلى الله عليه وآله ، قال : وقد أعطى محمداً جميع ما أعطى الأنبياء ، ومنها الصحف التي قال الله عزّ وجل : (صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى) (11) قلت : جعلت فداك هي الألواح ؟ قال : نعم
) (12) .
وروى العلامة الصفار في بصائر الدرجات وثقة الإسلام العلامة الكليني في الكافي بسند صحيح عن أبي عبيدة الحذاء قال : (
سأل أبا عبد الله بعض أصحابنا عن الجفر فقال: هو جلد ثور مملوء علماً ، فقال له : فالجامعة ؟ قال : تلك صحيفة طولها سبعون ذراعاً في عرض الأديم مثل فخذ الفالج فيها كل ما يحتاج الناس إليه ، وليس من قضية إلاّ وهي فيها حتى إرش الخدش . قال : فمصحف فاطمة ؟ فسكت طويلاً ثم قال : إنّكم لتبحثون عمّا تريدون وعمّا لا تريدون ، إنّ فاطمة مكثت بعد رسول الله صلى الله عليه وآله خمسة وسبعين يوماً ، وكان دخلها حزن شديد على أبيها وكان جبرائيل عليه السلام يأتيها فيحسن عزاءها على أبيها ويطيب نفسها ويخبرها عن أبيها ومكانه ، ويخبرها بما يكون بعدها في ذريتها ، وكان علي يكتب ذلك فهذا مصحف فاطمة
) (13) .
___________________
(1) المستدرك على الصحيحين 3/137 حديث رقم : 4637 .
(2) الجامع الصحيح للترمذي «سنن الترمذي» 5/637 حديث رقم : 3723 .
(3) الخصال صفحة 648 ورواه الصفار في بصائر الدرجات صفحة 286 بسند صحيح أيضاً.
(4) الخصال صفحة 650 – 651 .
(5) بصائر الدرجات صفحة 289 ، الكافي 1/163 .
(6) بصائر الدرجات صفحة 284 .
(7) بصائر الدرجات صفحة 285 .
(8) بصائر الدرجات صفحة 284 .
(9) الكافي 1/58 .
(10) التوحيد صفحة 138 .
(11) الأعلى : 19 .
(12) الكافي 1/225 ، بصائر الدرجات صفحة 156.
(13) الكافي 1/241 ، بصائر الدرجات صفحة 174 .
يتبع ... يتبع .. يتبع ... >>>
ملاحظة : هذا البحث مقتبس من كتابنا ( الفوائد البديعة ) وهو رد على كتاب السنة والشيعة لظهير .