باحثون ألمان يبتكرون مصنعا “ذكيا”
تخيل لو أن هناك مصنعا يعمل بشكل آلي بحت إلى حد تقوم فيه المنتجات بتجميع نفسها على نحو سلس وسريع ، ولا تعطب فيه الآلات على الإطلاق. في هذا المصنع تمر مكونات المنتج على عدة أنظمة كمبيوتر خلال عملية الإنتاج. فعلى سبيل المثال عند تصنيع مكونات المصباح الخلفي لسيارة معينة والتي تشمل لوحة الدائرة الكهربائية والمصباح والسدادات المطاطية والغطاء البلاستيكي فإنها تتجمع مع بعضها في نظام محكم ودقيق
لتصنيع المنتج النهائي.
وفي حال ظهور أي مشكلة يقوم خط الإنتاج بتشخيص الخلل ومعالجته دون الحاجة إلى تدخل بشري. لذا فإنه لا حاجة لاستدعاء أحد الفنيين المتخصصين إذ أن أي توقف أو عطل في سير العمل هو أمر غاية في البساطة ولا يستدعي القلق. هذه الرؤية الجريئة للنظام الآلي الذي يمكن التحكم فيه عن بعد لم تتحول إلى حقيقة حتى الآن غير أنها يمكن أن تتحقق على أرض الواقع قريبا بفضل فريق من علماء قسم الإنتاج والإمدادات اللوجستية في جامعة بريمن الألمانية.
ووفقا لقائد الفريق الأستاذ الجامعي بيرند شولتس رايتر يمكن بناء مثل هذا المصنع وتشغيله كما ينبغي. فيقول “الأمر برمته يتوقف على ما إذا كان من الممكن توصيل كل مكون من المكونات بجهاز إرسال سيتم تحديد هويته على مستوى العالم مثل الشفرة الخيطية (باركود) ومن ثم يتخذ قرارات لا مركزية”. عند تطبيق ذلك على المثال المذكور أعلاه نجد أن مكونات المصابيح الخلفية “تعرف” دائما موضعها خلال عملية الإنتاج. ففي المراحل الرئيسية تمر هذه المكونات على مجسات تتبادل البيانات مع نظام مركزي.
هنا يأتي دور بعض البرامج المتخصصة التي تضمن أن يحدد كل مكون من مكونات المصابيح الخلفية للسيارة وجهته وأن يتواصل مع المكون الآخر. يعني هذا أن هذه المكونات يمكن أن تستجيب بمرونة في حال ألغى العميل طلبه أو غيره قبل فترة قصيرة من بدء الإنتاج. هذه التقنية الآلية لها أهمية خاصة بالنسبة لصناعة السيارات. فمشترو السيارات اليوم يصابون بالحيرة عند اختيار سيارتهم إذ أن هناك عدد لا حصر له من التصميمات والألوان المختلفة ومن ثم فإن اختيار سيارة معينة يصيب الإنسان بالحيرة. كما أن تغيير الاختيار في اللحظة الأخيرة غير مسموح به عادة.
يقول شولتس رايتر “اليوم يمكنك تغيير قرارك قبل نحو أسبوع من بدء عملية الإنتاج غير أنه فور بدء العملية ، لا يمكنك إحداث أي تغيير”. فمثل هذا التغيير يتطلب إيقاف خط الإنتاج وقدرا من التدخل اليدوي الذي عادة ما يكلف الكثير من المال. وفي حال كانت المنتجات لديها القدرة على العمل تلقائيا فإن فعالية الإنتاج قد تزيد بنسبة تتراوح بين 10 و 51% حسبما يقول الخبراء الذين استطاعوا إظهار هذه النتائج في منصة الاختبار بمدينة بريمن الألمانية.
يرى شولتس رايتر أن الصناعة لا تزال بعيدة بما يترواح بين 51 و 20 عاما عن تنفيذ مثل هذه الدرجة العالية من النظام الآلي غير أنه على يقين بأن المصانع “الذكية” في طريقها للظهور. ويقول الأستاذ الجامعي: “لقد ازداد إنتاج المصانع آلية وتعقيدا بصورة ملحوظة وسنستمر على هذا المنوال”. لهذا السبب يعتقد الأستاذ الجامعي مايكل تين هومبيل من معهد “فراونهوفر” لتدفق المواد والإمدادات اللوجستية في دورتموند أن أجهزة الكمبيوتر المركزية لن تستطيع عاجلا أم آجلا مراقبة كافة مراحل عملية الإنتاج. ويقول: “ما نحتاج إليه في المستقبل هو عدد كبير من وحدات التحكم اللامركزية”.
لذا يضم فريق الباحثين المتخصصين في المعالجة الآلية في بريمن فنيين متخصصين في الإنتاج وخبراء في التقنيات الكهربائية وخبراء في علم الرياضيات وعلماء وأخصائيين في الحوسبة يركزون على إيجاد سبل لانتاج ونقل المنتجات عن بعد وبطريقة قائمة على التحكم اللامركزي. أسست منصة الاختبار للمرة الأولى في عام 2009 لتمكين الباحثين من
تجربة أفكارهم ورؤاهم. وعلى مدار الأعوام الثمانية الماضية تلقى عملهم تمويلا ألمانيا مخصصا للأبحاث بقيمة 61 مليون يورو (نحو 22.6 مليون دولار).