بسم الله الرحمن الرحيم
! \ أقام الأنبياء عليهم السلام المآتم على الحسين (ع)
، وقد تواترت الروايات عن النبي وأهل بيته عليهم السلام : إن الله
أخبر الأنبياء والملائكة بمصيبة الحسين وما يجري عليه من المحن والمصائب
والرزايا ، وأقاموا عليه المآتم من نبي الله آدم إلى جده المصطفى عليه وآله الصلاة
والسلام وهنا نستعرض بعض المآتم التي أقامها الأنبياء عليهم السلام
المآتم الأول أقامه نبي الله آدم وروى صاحب الدر الثمين في تفسير قوله تعالى : "
(فتلقى آدم من ربه كلمات ) أنه رأى ساق العرش وأسماء النبي والأئمة عليهم السلام فلقنه
جبرائيل
قل : يا حميد بحق محمد ، يا عالي بحق علي ، يا فاطر بحق فاطمة ، يا محسن بحق الحسن
والحسين ومنك الإحسان .
فلما ذكر الحسين سالت دموعه وانخشع قلبه ، وقال : يا أخي جبرائيل
في ذكر الخامس ينكسر قلبي وتسيل عبرتي ؟ قال جبرائيل : ولدك هذا يصاب بمصيبة تصغر
عندها المصائب ، فقال : يا أخي وما هي ؟ قال : يقتل عطشانا غريبا وحيدا فريدا ليس له ناصر
ولا معين ، ولو تراه يا آدم وهو يقول : وأعطشاه واقله ناصراه ، حتى يحول العطش بينه وبين
السماء كالدخان ، فلم يجبه أحد إلا بالسيوف ، وشرب الحتوف ، فيذبح ذبح الشاة من قفاه ، وينهب
رحله أعداؤه وتشهر رؤوسهم هو وأنصاره في البلدان ، ومعهم النسوان ، كذلك سبق في علم
الواحد المنان ، فبكى آدم وجبرائيل بكاء الثكلى .
ونبي الله نوح أقام مآتم الحسين
وذلك لما وصلت السفينة فوق أرض كربلاء ومحل طوفان سفينة أهل البيت عليهم السلام ، أخذتها
الأرض فخاف نوح الغرق ، فقال : إلهي طفت الدّنيا وما أصابني فزع مثل ما أصابني في هذه
الأرض . فنزل جبرائيل بقضية الحسين ، وقال يقتل في هذا الموضع ،
فبكى نوح وأصحاب السفينة ، ولعنوا قاتله ومضوا .
وعن انس بن مالك عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أنه
قال لما أراد الله عز وجل أن يهلك قوم نوح ( ع ) أوحى الله
إليه أن شق ألواح الصاج فلما شقها لم يدر ما يصنع فهبط جبرائيل
( )
فأراه هيئه السفينة ومعه تابوت فيه مائه ألف مسمار وتسعه وعشرون ألف مسمار
فسمر بالمسامير كلها السفينة إلى أن بقيت خمسه مسامير فضرب بيده مسمار منها
فأشرق في يده وأضاء كما يضئ الكوكب الدري أفق السماء فتحير من ذلك نوح
فانطق الله ذلك المسمار بلسان طلق ذلق فقال على اسم خير الأنبياء محمد عبد الله
فهبط عليه جبرائيل فقال له يا جبرائيل ما هذا المسمار الذي ما رأيت مثله قال هذا
باسم خير الأولين والآخرين محمد بن عبد الله أسمره أولها على جانب السفينة اليمين
ثم ضرب بيده مسمار ثان فأشرق وأنار فقال نوح وما هذا المسمار
قال : مسمار أخيه وابن عمه علي بن أبي طالب فأسمره جانب السفينة اليسار في
أولها ثم ضرب بيده إلى مسمار ثالث فزهر وأشرق وأنار فقال هذا مسمار
فاطمة فأسمره إلى جانب مسمار أبيها ثم ضرب بيده مسمار رابع فزهر وأنار
فقال هذا مسمار الحسن فأسمره إلى جانب مسمار أبيه ثم ضرب بيده إلى مسمار خامس فأشرق
وأنار وبكى فقال يا جبرائيل هذه النداوة فقال هذا مسمار الحسين بن علي سيد الشهداء فأسمره إلى
جانب مسمار أخيه ثم قال وحملناه على ذات ألواح ودسر قال ( النبي صلى الله عليه وآله (
الألواح خشب السفينة ونحن الدسر لولانا ما سارت السفينة بأهلها
ونبي الله إبراهيم لما أراد ذبح إسماعيل عليهم السلام
عن الفضل بن شاذان قال : سمعت الرضا
يقول : لما أمر الله تبارك وتعالى إبراهيم أن يذبح مكان ابنه
إسماعيل الكبش الذي أنزله عليه تمنى إبراهيم أن يكون يذبح
ابنه إسماعيل بيده وانه لم يؤمر بذبح الكبش مكانه ليرجع إلى
قلبه ما يرجع قلب الوالد الذي يذبح أعز ولده بيده فيستحق بذلك ارفع
درجات أهل الثواب على المصائب فأوحى الله عز وجل إليه : يا إبراهيم من
أحب خلقي إليك ؟ فقال : يا رب ما خلقت خلقا هو أحب إلى من حبيبك
محمد ( صلى الله عليه وآله ) فأوحى الله عز وجل إليه : يا إبراهيم أفهو أحب إليك أو نفسك ؟
قال : بل هو أحب إلى من نفسي قال : فولده أحب إليك أو ولدك ؟ قال :
بل ولده قال : فذبح ولده ظلما على أعدائه أوجع لقلبك أو ذبح ولدك بيدك
في طاعتي ؟ قال : يا رب بل ذبحه على أيدي أعدائه أوجع لقلبي قال : يا
إبراهيم فإن طائفة تزعم أنها من أمه محمد ( صلى الله عليه وآله ) ستقتل الحسين
ابنه من بعده ظلما وعدوانا كما يذبح الكبش فيستوجبون بذلك سخطي فجزع
إبراهيم لذلك وتوجع قلبه واقبل يبكى فأوحى الله عز وجل إليه :
يا إبراهيم قد فديت جزعك على ابنك إسماعيل لو ذبحته بيدك بجزعك على
الحسين () وقتله وأوجبت لك ارفع درجات أهل الثواب على
المصائب فذلك قول الله عز وجل : ( وفديناه بذبح عظيم ) ولا حول ولا
قوه إلا بالله العلي العظيم
ونبي الله زكريا عندما أخبره جبرائيل بمصيبة الحسين وذلك أن
إسحاق الأحمر سأل الإمام الحجة ( ) عن قول الله تعالى ( كهيعص ) ، فقال : هذه
الحروف من أنباء الغيب اطلع الله عليه عبده زكريا ثم قصها على محمد ( ص ) وذلك أن زكريا
سأل ربه أن يعلمه أسماء الخمسة فأهبط عليه جبرئيل وعلمه إياها وكان زكريا إذا ذكر محمدا وعيا
وفاطمة والحسن والحسين سرى عنه همه وانجلى كربه وإذا ذكر الحسين غلبته العبرة ووقعت عليه
الزفرة فقالت ذات يوم : إلهي إذا ذكرت أربعا منهم تسليت بأسمائهم من همومي وإذا ذكرت الحسين
تدمع عيني وتثور زفرتي فأنبأه الله في قصته فقال : كهيعص ، فالكاف اسم كربلاء ، والهاء هلاك
العترة ، والياء يزيد وهو ظالم للحسين ، والعين عطشه ، والصاد صبره . فلما سمع ذلك زكريا لم
يفارق مسجده ثلاثة أيام ومنع الناس من الدخول عليه وأقبل على البكاء والنحيب ويقول : إلهي
أتفجع خير خلقك بولده إلهي أتنزل الرزية بفنائه إلهي أتلبس عليا وفاطمة ثياب هذه المصيبة إلهي
أتحل هذه الفجيعة بساحتهما ، ثم كان يقول : اللهم ارزقني ولدا تقر به عيني على الكبر واجعله
وارثا رضيا يوازي محله مني الحسين فإذا رزقتني فافتني بحبه ثم افجعني به كما تفجع محمدا
حبيبك بولده فرزقه يحيى وفجعه به ، وكان حمل يحيى ستة أشهر ، وحمل الحسين ستة أشهر ،
وذبح يحيى كما ذبح الحسين ولم تبك السماء والأرض
إلا عليهما
أقول قد جاءت عشرات الروايات في مصادر العامة والخاصة أن السماء والأرض لم تبك إلا على
يحيى بن زكريا وعلى الحسين عليهما السلام
فقد جاء عن أبي عبد الله قال : كان قاتل يحيى بن زكريا ولد زنا ، وقاتل الحسين ولد
زنا ، ولم تبك السماء إلا عليهما
وروى ابن حجر عن خلف بن خليفة عن أبيه قال : لما قتل الحسين أسودت السماء ،
وظهر الكوكب نهاراً حتى رأيت الجوزاء عند العصر ، وسقط التراب الأحمر .
وعن أبي قبيل قال : لما قتل الحسين احتزّوا رأسه ، وقعدوا يشربون النبّيذ يتحيّون
بالرأس ، فخرج إليهم قلم من حديد من حائط ، فكتب بسطر من دم :
أترجوا أمة قتلت حسيناً شفاعة جدّه يوم الحسابِ
فهربوا ، وتركوا الرأس ، ثم رجعوا
أقول ومهما امتدت السنين وتطاولت الأعوام تبقى ثورة سيد الشهداء كمنهل وينبوع ومصدر إلهام
لكل الأحرار والثائرين على الظلم والجور حتى غير المسلمين ،
نعم لو أردنا أن نستقصي كل المآتم التي أقيمت على سيد الشهداء كان ذلك يحتاج
إلى كتاب