النتائج 1 إلى 10 من 10
الموضوع:

وريث السكين

الزوار من محركات البحث: 45 المشاهدات : 1654 الردود: 9
جميع روابطنا، مشاركاتنا، صورنا متاحة للزوار دون الحاجة إلى التسجيل ، الابلاغ عن انتهاك - Report a violation
  1. #1
    صديق مؤسس
    UniQuE
    تاريخ التسجيل: January-2010
    الدولة: بغداد و الشعراء و الصور .
    الجنس: أنثى
    المشاركات: 22,920 المواضيع: 1,267
    صوتيات: 37 سوالف عراقية: 16
    التقييم: 13195
    مزاجي: لا يوصف
    موبايلي: +Galaxy S20
    مقالات المدونة: 102

    وريث السكين



    قصة لـــ :

    عامر رمزي - العراق

    قالت ميري لزوجها إدوارد بعد أن أتمـّت تنظيف القطعة التي بين يديها:
    - نقـّبنا في الكثير من مواقع العراق الأثرية فلم أجد أغرب من هذه السكـّين.
    ناولتها اليه وهي تمسّد النصل بحذر شديد . فأجاب وهو يتفحص باهتمام بالغ مقبضها الذهبي :
    - هي متقنة الصنع وبيد حاذقة، وتبدو لي ليست من صناعة محلية، وأرى رقماَ قد نقش عليها هو 443 هـ*.لكن يا للعجب، كيف لم يصدأ نصلها؟! هي سكيّن غامضة ومليئة بالأسرار!!..
    - إنه لأمر غريب حقاً ..هل كانوا في تلك الحقبة يستعملون مواداً تمنع صدأ المعادن ؟! ..سأرى أمرها لاحقاً..
    واندهشت ميري من أن صور السكين هي الوحيدة التي لم تظهر عندما أظهرت الفيلم الفوتوغرافي..
    وفي تلك الليلة بالتحديد فقدت ميري السكـّين التي عثرت عليها بعد أن جَرف دجلة بفيض سيوله كل أمتعتها .كان الطوفان مباغتاً فلم يمهل البعثة البريطانية الوقت الكافي لإنقاذ اللقى الأثرية..
    وبعد عدة عقود من الزمان:
    كان الغريب يحث خطاه يطوف حائراً في شوارع بغداد. يتلفت يبحث عن سكيـّن تهدهد خياله فتجلّت في هلوسته، أشار له بها رجل يلبس قرنين في رأسه الكبير ويتوسط ناراً ليست كالنار التي يعرفها. ثم توقف مندهشاً لوجود بائع متجول في مكان مهجور لا يمر بهِ الناس. وعند اقترابه منه وجدها هي كل بضاعته، فجذبت انتباهه، قلّبها بكفيه الكبيرتين باهتمام بالغ، دفع ثمنها البخس، ومضى على عجل.
    وبعد أيام معدودات..
    كانت الدماء ترسم خطوطاً متداخلة كخيوط بيت العنكبوت على وجه الغريب قاتم السُمرة. وباتت أجزاء من لحيته مخضّبة كخرقة دهان متهرئة، أما ملابسه فلم تسلم من انفجار الكتل الدموية التي تناثرت كحمم بركان من ذلك الشّق في رقبة الجثة الملقاة على الأرض تحت قدميه.
    وبينما لم تزل الأطراف المقيدة لبدن الذبيحة المنحورة تتلمس آخر تشبث واهن لها في حَبل الحياة ، جدد الذبّاح انحناءه على الجسد المنتفض مسرعاً في محاولة منه لخنق الشخير المتعالي المنبعث عن فم الضحية المفتوح على وسعه بفعل صرخات الاستغاثة اللا مجدية.
    راح يقبض على شعر الرأس كمن يمسك حزمة من محصول حصاد تنتظر مرور المنجل، ومضى ينحر بين الرقبة والكتفين كأنه يجزّ غصن شجرة، حتى رفع الرأس كثمرة جوز هند بذراعه وسط صيحات تهليل من الرجال المسلحين المحيطين بالذبيحة بما يشبه طقس احتفال قبيلة للهنود الحمر بصيد دب كبير قتل خيلهم.
    وحينما بدأ يهتف بيده القابضة على السكيـّن، صخِب المكان بصفير حاد يصمّ الآذان، ليعقبه دويّ هائل لانفجار مرّوع يبعثر المكان، فتتناثر أجساد كل من تجمّع في احتفال تقديم القربان الدموي ذلك.
    ترتفع اليد القابضة على السكيـّن في الفضاء لتهبط فوق الجثة المذبوحة. فتتحرك الأصابع في محاولة للتشبّث بالسكيـّن من جهة وفي حبل الحياة الواهي من جهة أخرى!.
    فيما سقط الرأس المنفصل قرب وطنه الممزق-جسده- بعينين مفتوحتين تنظران بدهشة للذراع والسكيّن.
    ران السكون في ذلك المكان القصي الذي توقف فيه الزمان. ولم يقطعه سوى صفير ريح بشير البؤس!..
    ثم راحت تجتمع جزمات غريبة لتملأ مكان المذبحة. تسير بين الأشلاء الآدمية باحثة بحذر.
    لبث الجندي الأشقر واقفاً في مكانه ومن جبينه العرق ينثال. باغته الغثيان وكأن أمعائه تنوي مغادرة جوفه..
    أطرق الى الأرض التي تئن تحت وطأة قدميه يتأمل جثة الذبـّاح بنظرة مريبة، وتذكر أنه قد لاقاه منذ يومين خارجاً من غرفة قائد كتيبته، كان كمن يربي الحقد في نفسه ويغذيه ليبرم معه حلفاً. وراح يغمغم في نفسه وتشتط روحه في السؤال: لِمَ لم ننقذه أو ننقذ ضحيتهم المذبوحة قبل رشقهم بالصاروخ؟
    الحقيقة هي دبوس بين ثنايا رداء.. حتى متى أتغاضى عن فض الطيّات؟.أرى العالم قد بات حزيناً في جهة وضاحكاً دون مشاعر في أخرى ويحتقر الإنسان. يبدو أننا نفرط في إعادة تشكيل الكون بخطى عمياء تدخل حقل ألغام...
    أية حضارة سنبني هيكلها ونخصص طابقه الأول لسجن كبير؟!
    هل الذعر الذي نشيعه في النفوس هنا سيتكرر هناك قرب مسكني يوم تعود الإنسانية الى حقبها المظلمة في انفلات الأمن من قبضة الحضارة؟..
    كان يرعى بعين خياله وطنهُ تحت سيادة البربرية المتوحشة فاضطربت شعيرات جلده وتحفزت وكأن أحدهم قد صوب بندقية الى رأسه..
    هل أنا غبي أم سلاحي؟ كيف نسحق ملايين البشر بأقدامنا كي نصل الى الدرع الذي سيجلب لنا الطمأنينة والسعادة؟!!!
    إننا دون شك نخلق لنا وثناً... أية خرافة نبشر بها؟ أية تراتيل جميلة نرددها والمعبود صنم؟!
    لكن خياله لم يكن خصباً ليطفو به الى حلٍّ يعينه على الطوفان.. وجاء صوت الضابط وقد إلتمعت عيناه ببريق النصر موجهاً أوامره، ليقع وجدانه المتيقظ فوراً تحت تأثير التخدير، فارتعد وتنبه إلى نهاية العرض الذي لا دور له فيه سوى المشاهَدة!.
    رفع كتفيه وحاجبيه ولم يحر جواباً. لبس نظارته السوداء ينوي الإختباء عن أعين المكان وهو ينظر الى آثار أقدامه على الدماء.. سيتوارى عن الأنظار كما يختبئ الجميع خلف أنوفهم.
    راحوا يقلبون الجثث ويحشرون أنوفهم باحثين.. وصارت الأشلاء الباقية تُجمع بلا تدقيق.
    تلفت الجندي الأشقر خلفه وهم يغادرون المكان وعرف أنهم نسوا أن يدفنوا جثة الحضارة!
    دفن في ذلك اليوم الزاهي بألوان الدم، جسد الضحية القربان مع رأسه المقطوع ويد الذبّاح القابضة بإصرار على السكّين في ذات الحفرة.
    تمرّ الأعوام لتتحلل الأعضاء في التربة، ثم لتذوب فيها..
    إلا السكّين ذات المقبض الذهبي ونصلها المصنوع من معدن لا يصدأ... تُبعث من جديد على يد طفلٍ كان يحفر لاهياً هناك!!...


    *في العام 443 هـ وقعت فتنة طائفية كبرى في بغداد.. أُحرِقتْ فيها مقابر مقدسة للطرفين وقُتل المئات من الناس وأحرقت الأسواق كذلك وأصاب بغداد الذعر بفرعيها الكرخ والرصافة .

  2. #2
    صديق نشيط
    تاريخ التسجيل: January-2010
    الدولة: بلد الاحزان وقلب امي
    الجنس: ذكر
    المشاركات: 155 المواضيع: 9
    التقييم: 1
    المهنة: طالب جامعي والله اللي يستر
    آخر نشاط: 7/April/2012
    شكرا على الموضوع المميز يا مميزه

  3. #3
    صديق مؤسس
    تاريخ التسجيل: January-2010
    الدولة: العراق . واسط
    الجنس: ذكر
    المشاركات: 263 المواضيع: 20
    التقييم: 10
    آخر نشاط: 14/March/2019
    الاتصال: إرسال رسالة عبر Yahoo إلى رومل
    رائعة
    شكرآ جزيلآ

  4. #4
    صديق مؤسس
    UniQuE
    شاكرة المرور الكريم

  5. #5
    في الحياة قصص اخرى
    ~أإنســــآنــهـ~
    تاريخ التسجيل: January-2010
    الدولة: in my Dream
    الجنس: أنثى
    المشاركات: 6,411 المواضيع: 287
    صوتيات: 0 سوالف عراقية: 5
    التقييم: 780
    مزاجي: تمام
    موبايلي: nokia x2-01
    آخر نشاط: 16/April/2014
    مقالات المدونة: 3
    والله قصة محزنة
    مشكووووووووووووووووووورة ف
    ايهل أنا غبي أم سلاحي؟ كيف نسحق ملايين البشر بأقدامنا كي نصل الى الدرع الذي سيجلب لنا الطمأنينة والسعادة؟!!!

    لعد هسة شراح يكولونر

  6. #6
    من المشرفين القدامى
    تاريخ التسجيل: January-2010
    الدولة: العراق
    الجنس: أنثى
    المشاركات: 1,574 المواضيع: 164
    التقييم: 104
    مزاجي: عالي
    أكلتي المفضلة: دجاج باللبن
    موبايلي: Nokia N97
    آخر نشاط: 19/June/2012
    شكرا فاير موضوع رائع كروعتك

  7. #7
    صديق مشارك
    تاريخ التسجيل: January-2010
    المشاركات: 117 المواضيع: 44
    التقييم: 8
    آخر نشاط: 6/February/2010
    شكرا" قصة رائعة

  8. #8
    من أهل الدار
    زوزو
    تاريخ التسجيل: January-2010
    الدولة: KUT
    الجنس: أنثى
    المشاركات: 3,631 المواضيع: 82
    التقييم: 80
    مزاجي: كويس
    المهنة: STUDENT
    أكلتي المفضلة: البيتزا -- المعكرونة
    موبايلي: nokia n 95
    آخر نشاط: 18/August/2016
    شكراااااااااااااااااااااا

  9. #9
    من المشرفين القدامى
    Palestine .. Syria -
    تاريخ التسجيل: April-2020
    الدولة: .. Syria,Palestine
    الجنس: أنثى
    المشاركات: 3,068 المواضيع: 452
    صوتيات: 0 سوالف عراقية: 1
    التقييم: 4457
    مزاجي: كالقدس ، دمار بلا ذنب ..
    المهنة: البكالوريّوس فـَي الآداب،اللغَـات والترجمـّة.
    أكلتي المفضلة: أيّ خيـر مـَن اللـه .
    مقالات المدونة: 1
    شكراً

  10. #10
    سفير السلام ..مراقب عام
    مستشار قانوني
    تاريخ التسجيل: April-2020
    الدولة: العراق.. الديوانية
    الجنس: ذكر
    المشاركات: 24,217 المواضيع: 1,438
    صوتيات: 2 سوالف عراقية: 4
    التقييم: 48400
    مزاجي: مبتسم
    المهنة: الحقوقي
    أكلتي المفضلة: الباجه.. الكباب.. سمك مشوي
    موبايلي: هواوي =Y9 مع ريل مي 51
    آخر نشاط: منذ 4 ساعات
    مقالات المدونة: 3
    شكرا جزيلا لك

تم تطوير موقع درر العراق بواسطة Samer

قوانين المنتديات العامة

Google+

متصفح Chrome هو الأفضل لتصفح الانترنت في الجوال